11/11/ 1969
" أخي مصطفى
دعني اعانقك الآن..
فليس ثمة ما أتمنى أن افعله غير ذلك .. انني اود أن أضع يدى على كتفك، واهزه قليلا وأسالك عن حالك كالمعتاد.. وأبلغك سلام كل العائلة، ثم أتطلع بنصف عين إلى الجنيه المستلقي فوق احد كتبك ، وأشرع في مدحك على الفور. إن لساني يظل يلغو عندئذ بكلمات (الشكيرة) الفخمة دون وعي ، ويهتز، وينتفض ، وقفز بحماقة مثل ذيل " إبي بريص" مقطوع!!.
وفيما يكاد يخنقك البكاء لرقة حالي، بعد أن تنتفخ أوداجك من تأثير المديح، وتهمُ أن تعطيني الجنيه اليتيم، عندئذ يدخل علينا( فتحي) وما أن يراني حتى يقذفني بضحكة بركانية تنسيني ما جئت من أجله -أعني الجنيه - !!
ويقعد ( فتحي) معنا - قعدْ أرساه – ويشرع في حبك المؤمرات للأصدقاء عن طريق التلفون مثل الشيطان؛ إنه لا يجيد شيئا غير المؤامرات، والضحك على الذقون مثل شيطان حقيقي، فيما يتوسل الأصدقاء التعساء إلى الله في أن يعجل بوضعه في جهنم!
لكنني اقول أحيانا أن فتحي لا يستحق ذلك، أعني لا يجب أن يرميه الله، أو سوء حظه في جهنم، وبدلا من هذا فإنني إود أن ضعه في الجنة .. إنني اود صادقا أن يبعده الله عن جهنم لأنني لا أريد أن يضايقني أحد هناك !! تصور ما>ا سيقول عنى الكفار المهذبون المحترقون في اتزان .. حين يجدون أحد أصدقائي يضحك بهذا الشكل عبر لهيب جهنم؟ ماذا سيقولون عني ... أه ؟ . فضيحة أليس كذلك؟
وعلى أية حال، فإننا سنجلس لديك جميعا، وسأحاول أن أتناسى الجنيه الحبيب، ثم افتح لكما جراب قلبي الممتلئ بالحكايات، وأغمض عيني قليلا، ثم أحكي لكما عن كل الأصدقاء اللطيفين، والأماكن الجيدة، والرحلات، وأيام الدراسة، وأيام ( الصياعه) ... إنني املك جرابا مذهلا، فهل تشتريه يا سيدي الأسكندر بجنيه واحد لا غير؟ تقول أنك لا تملك نقودا الآن؟
حسنا ، خذه بالمجانن فأنت تستحق أكثر من ذلك .. تسحتق القصور والجواري، وجزر الكناري، والشمس، وتسبيح الطيور المهاجرة، وظلال الربيع الشذية.. وألف شيء جيد آخر!! إنك تستحق كل >لك، مثلما أستحق أن يهبني اللهالفرصة لكي ازورك هناك فورا، وأسكب لديك كل ما في قلبي .. وأحكى لك آخر النكات...وريثما يتحقق >لك دعنا نتحدث سويا:
- تقول أن مشكلات كثيرة تواجهك، ولكن من ذا الذي لم يتعرض لهذا؟ لا أحد مطلقا!
إن الحياة تغدو مملة، كريهة ، قاتلة حين تخلو من الصراع والمعاناة، وأسأل (آدم) عن سبب خروجه من الجنة. سيقول لك : " إسأل اخاك ( جنقي) " .
*************
«أخي مصطفى .. سلامي إليك..
وأرجو ألا تضطر هذه الرسالة إلى انتظارك في القاهرة، حتى تقوم الطائرة المصرية بتوصيلك إليها، أعني -لا سمح الله- ألا تصل قبلك إلى القاهرة، فإذا حدث هذا -لا قدر الله- فلا مناص من أن ترجع إلى بنغازي في إجازتك المقبلة على حمار! إنك -على الأقل- تستطيع أن تتحكم فيه، وأن تسيره وفق المواعيد التي تريدها بالضبط، دونما حاجة إلى حصولك على OK من أي نوع! أما بالنسبة إلى عمر العفاس، الذي أخلف موعده ووعده معك في توصيلك إلى المطار، فسوف أتكفل لك بنزع بقية فروة رأسه مثل أي (هندياني) حاقد، وإذا ما رجع إليكم، ورأيته أصلعَ تماما مثل بيضة، فلا تسأله عن السبب، اكتفِ أمامه بابتسامة رثاء ومجاملة..
أخي.. يا صديقي
أنا سأحدثك عن كل هذا بإفاضة كاملة في رسالة أخرى، وسوف أشرح لك كيف أعيش الآن في قاع البئر المليء بالأفاعي، البئر السحيق.. المعتم، الكريه الرائحة، والسمعة! فمعذرة مرة أخرى، دعني أحدثك عن شيء آخر:
حامل هذه الرسالة عبدالرحيم- يقصد عبدالرحيم زيو - وأنت تعرفه جيدا، وتعرف أنه صديقي، ولكن ما لا تعرفه جيدا هو أن أرحيمه قد كان خير سند لي خلال تمزقي الرهيب في بنغازي، وقد قدم لي الكثير.. الكثير، الذي لا أتوقعه سوى منك، أو من أخيك ونيس فقط، وغمرني بوده، وإعزازه، واحترامه إلى حد أتمنى أن يكون في وسعى ذات يوم أن أمد إليه يد العون بطريقة ما. ولذلك أتوقع منك أن تفعل ذلك معه -بدلا مني خلال الأسبوع أو العشرة أيام التي سيقيمها بالقاهرة وأن تعتبره (جنقي) الذي يحبك كثيرا، والذي يعرف أنك ستضيء وجهه رغم أنه جعل إقامتك في بنغازي غير مبهجة جدا.
عش ألف سنة، ولتغمرك السعادة مثل المد، ودعني أسمع عنك -كالعادة- أخبارا طيبة. وشكرا، ألف شكرا. أخوك جنقي».
" أخي مصطفى
دعني اعانقك الآن..
فليس ثمة ما أتمنى أن افعله غير ذلك .. انني اود أن أضع يدى على كتفك، واهزه قليلا وأسالك عن حالك كالمعتاد.. وأبلغك سلام كل العائلة، ثم أتطلع بنصف عين إلى الجنيه المستلقي فوق احد كتبك ، وأشرع في مدحك على الفور. إن لساني يظل يلغو عندئذ بكلمات (الشكيرة) الفخمة دون وعي ، ويهتز، وينتفض ، وقفز بحماقة مثل ذيل " إبي بريص" مقطوع!!.
وفيما يكاد يخنقك البكاء لرقة حالي، بعد أن تنتفخ أوداجك من تأثير المديح، وتهمُ أن تعطيني الجنيه اليتيم، عندئذ يدخل علينا( فتحي) وما أن يراني حتى يقذفني بضحكة بركانية تنسيني ما جئت من أجله -أعني الجنيه - !!
ويقعد ( فتحي) معنا - قعدْ أرساه – ويشرع في حبك المؤمرات للأصدقاء عن طريق التلفون مثل الشيطان؛ إنه لا يجيد شيئا غير المؤامرات، والضحك على الذقون مثل شيطان حقيقي، فيما يتوسل الأصدقاء التعساء إلى الله في أن يعجل بوضعه في جهنم!
لكنني اقول أحيانا أن فتحي لا يستحق ذلك، أعني لا يجب أن يرميه الله، أو سوء حظه في جهنم، وبدلا من هذا فإنني إود أن ضعه في الجنة .. إنني اود صادقا أن يبعده الله عن جهنم لأنني لا أريد أن يضايقني أحد هناك !! تصور ما>ا سيقول عنى الكفار المهذبون المحترقون في اتزان .. حين يجدون أحد أصدقائي يضحك بهذا الشكل عبر لهيب جهنم؟ ماذا سيقولون عني ... أه ؟ . فضيحة أليس كذلك؟
وعلى أية حال، فإننا سنجلس لديك جميعا، وسأحاول أن أتناسى الجنيه الحبيب، ثم افتح لكما جراب قلبي الممتلئ بالحكايات، وأغمض عيني قليلا، ثم أحكي لكما عن كل الأصدقاء اللطيفين، والأماكن الجيدة، والرحلات، وأيام الدراسة، وأيام ( الصياعه) ... إنني املك جرابا مذهلا، فهل تشتريه يا سيدي الأسكندر بجنيه واحد لا غير؟ تقول أنك لا تملك نقودا الآن؟
حسنا ، خذه بالمجانن فأنت تستحق أكثر من ذلك .. تسحتق القصور والجواري، وجزر الكناري، والشمس، وتسبيح الطيور المهاجرة، وظلال الربيع الشذية.. وألف شيء جيد آخر!! إنك تستحق كل >لك، مثلما أستحق أن يهبني اللهالفرصة لكي ازورك هناك فورا، وأسكب لديك كل ما في قلبي .. وأحكى لك آخر النكات...وريثما يتحقق >لك دعنا نتحدث سويا:
- تقول أن مشكلات كثيرة تواجهك، ولكن من ذا الذي لم يتعرض لهذا؟ لا أحد مطلقا!
إن الحياة تغدو مملة، كريهة ، قاتلة حين تخلو من الصراع والمعاناة، وأسأل (آدم) عن سبب خروجه من الجنة. سيقول لك : " إسأل اخاك ( جنقي) " .
*************
«أخي مصطفى .. سلامي إليك..
وأرجو ألا تضطر هذه الرسالة إلى انتظارك في القاهرة، حتى تقوم الطائرة المصرية بتوصيلك إليها، أعني -لا سمح الله- ألا تصل قبلك إلى القاهرة، فإذا حدث هذا -لا قدر الله- فلا مناص من أن ترجع إلى بنغازي في إجازتك المقبلة على حمار! إنك -على الأقل- تستطيع أن تتحكم فيه، وأن تسيره وفق المواعيد التي تريدها بالضبط، دونما حاجة إلى حصولك على OK من أي نوع! أما بالنسبة إلى عمر العفاس، الذي أخلف موعده ووعده معك في توصيلك إلى المطار، فسوف أتكفل لك بنزع بقية فروة رأسه مثل أي (هندياني) حاقد، وإذا ما رجع إليكم، ورأيته أصلعَ تماما مثل بيضة، فلا تسأله عن السبب، اكتفِ أمامه بابتسامة رثاء ومجاملة..
أخي.. يا صديقي
أنا سأحدثك عن كل هذا بإفاضة كاملة في رسالة أخرى، وسوف أشرح لك كيف أعيش الآن في قاع البئر المليء بالأفاعي، البئر السحيق.. المعتم، الكريه الرائحة، والسمعة! فمعذرة مرة أخرى، دعني أحدثك عن شيء آخر:
حامل هذه الرسالة عبدالرحيم- يقصد عبدالرحيم زيو - وأنت تعرفه جيدا، وتعرف أنه صديقي، ولكن ما لا تعرفه جيدا هو أن أرحيمه قد كان خير سند لي خلال تمزقي الرهيب في بنغازي، وقد قدم لي الكثير.. الكثير، الذي لا أتوقعه سوى منك، أو من أخيك ونيس فقط، وغمرني بوده، وإعزازه، واحترامه إلى حد أتمنى أن يكون في وسعى ذات يوم أن أمد إليه يد العون بطريقة ما. ولذلك أتوقع منك أن تفعل ذلك معه -بدلا مني خلال الأسبوع أو العشرة أيام التي سيقيمها بالقاهرة وأن تعتبره (جنقي) الذي يحبك كثيرا، والذي يعرف أنك ستضيء وجهه رغم أنه جعل إقامتك في بنغازي غير مبهجة جدا.
عش ألف سنة، ولتغمرك السعادة مثل المد، ودعني أسمع عنك -كالعادة- أخبارا طيبة. وشكرا، ألف شكرا. أخوك جنقي».