مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - أشرف الخلق.. زوجات وأبناء الرسول صلى الله عليه وسلم

قد خصّ الله الرسول بخصائص كثيرة تميّزه عن غيره، منها الزواج بأكثر من أربع نساء؛ فقد تزوّج بإحدى عشرة زوجة شرّفهنّ الله بقوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)،

وهنّ أيضاً زوجاته -صلّى الله عليه وسلّم- في الجنّة، وقد تُوفّي رسول الله وهو راضٍ عنهنّ

وقد كان ترتيبهنّ على النحو الآتي:

خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-. سودة بنت زمعة -رضي الله عنها-. عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها-. حفصة بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنها-. زينب بنت خزيمة -رضي الله عنها-. أم سلمة -رضي الله عنها-. زينب بنت جحش -رضي الله عنها-. جويريّة بنت الحارث -رضي الله عنها-. صفيّة بنت حُيَيّ -رضي الله عنها-. أم حبيبة -رضي الله عنها-. ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها.


***



وقد كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أبناء من الذكور وهم: القاسم وهو أكبرهم وكان النبي يُكنى باسمه فيُقال له أبا القاسم، وعبد الله، وإبراهيم وكلهم ماتوا وهم صغار لحكمة أرادها الله.

القاسم:

أنجبت السيدة خديجة -رضي الله عنها- للنبي -عليه السلام- أول ولدٍ ذكر وهو القاسم، وكانت ولادته قبل البعثة والنبوة، ولم يلبث كثيراً إلى أن تَوفّاه الله -تعالى- فقد توفي طفلاً رضيعاً قارب المشي حين ذلك وكان عمره سنتين.

عبدالله:

وُلِد بعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- إذ أنعم الله -تعالى- به على النبي وعلى أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- ولُقِّب بالطاهر والطيب لأنه وُلد بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلّم-، ولحِكمة أرادها الله -تعالى- تُوفيَ عبد الله أيضاً وكان لم يُكمل رَضاعه.

إبراهيم: رُزق النبي -عليه الصلاة والسلام- من زوجته أم المؤمنين مارية القبطية -رضي الله عنها- ابنه إبراهيم وقد سمّاه بذلك نسبةً إلى نبي الله إبراهيم -عليه السلام- أبو الأنبياء، وقد فرح النبي بقدومه فرحاً شديداً فعند ولادته حمله -عليه الصلاة والسلام- بين يديه وكبّر وحمد الله -تعالى- وكان قد تصدق بوزن شعره فضة.

وقد كان الأنصار في المدينة يتنافسون ليحظوا بشرف إرضاعه وقيل إن خولة بنت المنذر قد أرضعته وهي زوجة البراء بن أوس بن النجار، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد أعطى مُرضعته قطعة نخيل وسبعاً من الماعز لتستعين بهم في إرضاعه لكنها لم تُتِم رضاعه، فأخذته أم سيف تُرضعه وكان النبي يُطِلُّ على ابنه في منزل أبي سيف.

وكان -عليه الصلاة والسلام- يذهب بابنه إلى نسائه ليحملوه ويُقروا أعينهم به وكان -عليه الصلاة والسلام- يُلاعب ابنه ويُحادثه حتى بلغ من العمر ثمانية عشر شهراً، إذ مرض إبراهيم حتى انتقلت روحه إلى الله -تعالى فحزن النبي على فراقه وحزن المسلمون لحُزن النبي، وكان النبي يُخفف على أمه مريا -رضي الله عنها- ألم فقده بقوله:(إنَّ له مُرْضِعًا في الجَنَّةِ).

ثم قاموا بتغسيله، ودفنه في البقيع.

بنات النبيّ رُزق النبي -عليه السلام- بأربع من البنات وهنّ: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة -رضي الله عنهن.

زينب :

كانت زينب -رضي الله عنها- أكبر بنات النبي -عليه الصلاة والسلام- لقبها زينب الكبرى وكانت قد تزوجت قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أبي العاص ابن خالتها وكان ذا خُلقٍ حسن، رزق الله -تعالى- زينب وأبا العاص علي وأمامة. أسلمت زينب -رضي الله عنها- عندما كان زوجها في سفرٍ له وعند عودته أخبرته بإسلامها، أما هو فبقي على دينه كي لا يُقال عنه أنه خذل دين آبائه مرضاةً لامرأته ولم يُفرق بينهما النبي حينها. ولما جاء أمر الهجرة للمدينة المنورة خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ابنته زينب بقيت في مكة مع زوجها وأطفالها.

ثم حصلت غزوة بدر وانتصر فيها المسلمون وكان قد أُسر أبو العاص وكان قد خرج مع قريش حينها ففدته زينب بقلادةٍ لأُمها خديجة -رضي الله عنها- إلا أن النبي حرّر أبا العاص وأعاد لها القلادة، وأمر أبا العاص بإرسال زينب إلى المدينة؛ لأن كلاً منهما على دين.

فخرجت زينب -رضي الله عنها- متجهة لأبيها وكانت تحمل ببطنها مولوداً جديداً، وقد خرج رجال من قريش يتبعون أثرها وأدركها هبّار بن الأسود الأسدي وآخر معه وأخافها برمحه وطعن البعير الذي كانت تركبه السيدة زينب فوقعت على صخرة وكانت قد طرحت جنينها بسبب هذه الحادثة ورجعت ورعاها أبو العاص حتى استجمعت قواها وأكملت مسيرها للمدينة. وغضب النبي غضباً شديداً بسبب ما سمع حتى أخبر أصحابه: (إذا لقيتُم هبَّارَ بنَ الأسودِ ونافعَ بنَ عبدِ القَيسِ فحرِّقوهما بالنَّارِ)

ثمَّ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال بعدَ ذلك: (لا يُعذِّبُ بها إلَّا اللهُ ولكِنْ إنْ لقيتُموهما فاقتُلوهما).

وبعد مضي ست سنوات على مكث السيدة زينب في المدينة وفراقها لزوجها جاءها زوجها أبو العاص مُستجيراً بها لمّا أمسك المسلمون قافلة قريش التي كان قد خرج بها، فأخبرت الناس أنها أجارت أبا العاص بن الربيع ووصل الخبر أباها -عليه الصلاة والسلام- فأقرَّ فعلها بل وأمرها بأن تُكرم مثواه، وفي اليوم التالي أمر النبي برد مال أبي العاص له فعاد إلى مكة المكرمة بالقافلة وأوفى حقوق الناس وردّ لهم مالهم ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ثم ذهب إلى النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وأسلم بين يديه وردّ زوجته.

وبعد إسلامه بعام فارقت زينب الحياة في السنة الثامنة من الهجرة متأثرة بمرضها الذي أصابها إثر حادثة هجرتها، ونزل النبي في قبرها.

رقيّة:

وُلِدت السيدة رقية في الجاهلية، وتزوجت -رضي الله عنها- بعد أختها زينب بوقت قصير، وكان قد خطبها عتبة ابن عم النبي أبي لهب، وتزوجت رقية من عُتبة بن عبد العزى لكنه لم يدخل بها، فلما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم- طلقها.

إلا أن الله -تعالى- أبدل رقية خيراً منه إذ تزوّجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وهو من أوائل من آمن بالرسول ومن العشر المبشرين بالجنة، وكانت قد هاجرت هي وزوجها عثمان بن عفان إلى الحبشة وحزنت لهجرتها حزناً شديداً، حتى هدأت الأوضاع بمكة عادوا إلى ديارهم في مكة ولما وصلت وذهبت للقاء أهلها علمت أن أمها السيدة خديجة رضي الله عنها قد فارقت الحياة، وحزنت لذلك، وعندما هاجر المسلمون إلى المدينة خرجت السيدة رقية وزوجها عثمان بن عفان إلى المدينة المنورة لتكون ذات الهجرتين، ومَرِضت لمّا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجهّز لغزوة بدر فأمر عثمان بالبقاء إلى جانبها ورعايتها، وتوفيت قبل رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوة.

أمّ كلثوم :

هي ثالث بنات النبي، كان قد خطبها عتيبة ابن أبي لهب وطلّقها قبل الدخول بها عندما بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد نزول قوله تعالى:(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)، وقد تزوجت السيدة أم كلثوم من عثمان بن عفان عقب وفاة أختها رقية، وكان زواجها في السنة الثالثة الهجرية، وبزواجه منها لُقب بذي النورين، وأمضت ست سنوات من حياتها معه ولم تنجب السيدة أم كلثوم، وشهدت السيدة أم كلثوم انتشار الإسلام وثباته وكانت قد أدركت فتح مكة قبل وفاتها، وتوفيت في السنة التاسعة من الهجرة، ونزل النبي -صلى الله عليه وسلم- في قبرها.

السيدة فاطمة:

هي أصغر بنات النبي -عليه الصلاة والسلام- وتُكنَّى بأم أبيها لأنها كانت تُلازمه وترعاه. ولقبت بالزهراء لأنها كانت بيضاء الوجه مُستنيرة كوالدها -صلى الله عليه وسلم-، ولُقبت أيضاً بالبتول لتفردها عن نساء زمانها بالفضيلة والعفاف والدين والحسب.

وُلدت قبل البعثة بخمس سنوات وكان عمر النبي خمسة وثلاثون عاماً حينها، وقد اعتادت السيدة خديجة عند ولادة أطفالها إرسالهم لمُرضعات ولكنها لم تُرسل فاطمة بل أرضعتها بنفسها.

كانت فاطمة تُشبه أباها -عليه السلام- بشكله وهيئته وخُلُقه فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (ما رأَيْتُ أحَدًا كان أشبَهَ كلامًا وحديثًا برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن فاطمةَ).

تزوجت فاطمة من علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان يكبُر فاطمة بخمس سنوات وقد رُزقت منه الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم وزينب. وكان -عليه السلام- هو من سمّى أولادها فعن علي -رضي الله عنه- قال: (لما وُلِدَ الحسنُ سميتُه حربًا ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقال : أرُوني ابني ، ما سميتمُوه ؟

قلنا : حربًا.

قال : بل هو حسنٌ.

فلما وُلِدَ الحسينُ فذكر مثلَه ، وقال : بل هو حسينٌ ، فلما وُلِدَ الثالثُ قال مثلَه وقال : بل هو محسنٌ). وتوفيت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، دفنها ليلاً زوجها علي بن أبي طالب.

تُوفيَ أولاد النبي الذكور في صغرهم وذلك لحكمة عظيمة وهي ألا يُفتتن المسلمون بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ويُظن أن النبوة قد تُوَرَّث كما كان في غيره من الأنبياء مثل نبي الله إبراهيم الذي كان أبا الأبياء، وكذلك بوفاة أولاد النبي -عليه الصلاة والسلام- مواساة لمن لم يُرزق بالأطفال أو لمن فقَد أولاده بما في ذلك من قدوة لهم بالتأسي بصبر النبي على فقدانه لأولاده، ولأن أشد الناس ابتلاءً هم الأنبياء فقد ابتُلي النبي -صلى الله عليه وسلم- بوفاة أحبّ الناس إلى قلبه ومنهم أطفاله رَوى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: (قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً قالَ الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ).

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...