عندما توفي تشيخوف مصدورا في بادنقلير في تموز عام 1904 كنت لاازال شابا يافعا دخل لتوه الحقل الادبي وفي جعبته يضع قصص ورواية مساهم تأثري بالنتاج الادب الروسي للقرن التاسع عشر، بقسط غير قليل في كتابتها، ولطالما حاولت اليوم، ولكن دون جدوى،
ان استرجع الاثر الذي تركه في نفسي حينها موت الكاتب الروسي الذي كان يبكرني بخمسة عشر عاما، اجدني عاجزا تماما عن ان اتذكر، فلابد ان اعلان وفاته في الصحف الالمانية لم يثرنِ كثيراً، ولاشك ان كل ما كتب عن تشيخوف في تلك المناسبة لم يفلح في تعميق وعيي بعظمة هذا الانسان الذي فقدته روسيا مبكرة، وفقده العالم مبكرا، ومحتمل ايضا ان كل ما كتب في نعيه كان هو الاخر اسير الجهل ذاته الذي طبع تصوري له وحدد موقفي ازاء حياته وعمله الادبي، ولكن موقفي هذا اخذ يعاني بمرور السنين تغيرا وان كان بطيئا فانه مستمر. ولكن دعنا نتساءل الان عن اسباب هذا الجهل، وبقدر ما يتعلق الامر بي، فانني استطيع تبريره بتقرير كوني وقتها مولعا اشد الولع بالاعمال الادبية العظيمة ذات النفس الطويل، بتلك الملاحم الخالدة التي يتطلب بناؤها جلدا وصبرا عظيمين، ولانني كنت حينها واحدا من المتعبدين في محاريب بلزاك وتولستوي وقاغنر، اذ لم تكن عيناي لتريا سواهم ولم تكن اسمى طموحاتي سوى ان ابزهم ان استطعت، وتشيخوف كموباسان الذي اصبحت اكثر تذوقا لاعماله ومعرفة بها بعد ذلك بوقت قصير، امتاز بأنه كان يعبر عن نفسه ضمن اطر اكثر تحديد- في القصة القصيرة التي لاتتطلب سنينا او عقودا من الجلد البطولي المتواصل والتي يمكن لكتاب اقل شأناً من هؤلاء العمالقة بما لايقاس انجزها في اسابيع ، بل ربما ايام، كنت اذاك انظر بشيء من الاحتقار الى كتاب القصة القصيرة وقد غاب عن ذهني مدى الغنى والعمق الداخليين اللذين يمكن للعمل القصير والمركز اكتسابهما من قلم عبقري، كان ادراكي قاصرا على استيعاب كيف ان الايجاز لو تمكن من تشرب واحتضان كلية الحياة وامتلائها لرقي الى مستوى الملاحم الخالدة، بل لفاق في حدته وكثافته الفنية كثيرا من الاعمال الضخمة الطويلة التي لاتجد مناصا من ان تتهادى وتهبط احيانا فاقدة شدتها وتماسكها مستسلمة لنوع من الفتور الممل، وان كنت قد ادركت هذه الحقيقة في السنوات اللاحقة من حياتي فان الفضل في ذلك انما يعود فقط لانشغالي بفن تشيخوف الروائي الذي، واستطيع ان اقولها الان مقتنعا، قل ان نجد له نظيرا في الادب الاوروبي.
ولنتحدث الان على نطاق اوسع، فأنني اشعر بانه قد اسيء تقييم تشيخوف لسنوات طويلة في اوروبا كما في روسيا وذلك بسبب موقفه النقدي المتشدد والمتشكك من نفسه ومن انتاجه الادبي، وبكلمة اخرى، بسبب تواضعه المفرط الذي وان كان بحد ذات فضيلة محببة، فانه قاد العالم الى ابخاسه حقه من الاهتمام، وفي الحقيقة يمكن القول بأن تشيخوف قد ضرب مثلا سيئا بتواضعه هذا، حيث ان تقييم الاخرين لنا لا يخلو من تأثير بتقييمنا نحن لانفسنا ، ولربما بلغ هذا التأثر احيانا حد التشويه، لقد ظل تشيخوف طويلا مقتنعا بعدم اهمية موهبته وبتفاهته ادبيا، وقد عانت عملية اكتسابه للحد الادني من الثقة بالنفس والضروري لجعل الاخرين يقون به تأثرا اليما وسارت بخطى شديدة البطء، ولم يكن لديه حتى النهاية شيء من اوهام العظمة التي ينسجها معظم الفنانين حول ذواتهم ولا كان عنده شيء من توهم الحكمة والنبوءة الذي امتاز به تولستوي الذي كان ينظر الى اديبنا بعطف فيرى فيه، كما قال غوركي، \"رجلا متواضعا هادئا ممتازا\". ان اطراء كهذا من رجل لايقل كبرياء عن فاغنر لايملك الا ان ان يثير دهشتنا، وبلا شك فان تشيخوف ربما كان تلقي اطراء تولستوي هذا بابتسامة مهذبة لاتخلو من تهكم، حيث ان الاحترام المشوب بشيء من التهكم، كان الطابع الغالب على علاقته، بذلك العملاق القادم من ياسنايا بوليانا، واحيانا، وليس بالطبع وجها لوجه مع ت لك الشخصية الطاغية وانما في رسائل موجهة الى شخص ثالث، كان هذا التهكم يتفجر ليكشف عن تمرد صريم، فعند عودته من جزيرة ساخالين الموحشة حيث كان السجناء يقضون محكومياتهم كتب تشيخوف ": لكم كنت اصبحت غبيا جافا اليوم لو قدر لي البقاء بين جدراني الاربعة، نقبل رحلتي هذه كنت اظن (رباعية كرتزر) لتولستوي حدثا عظيما، اما الان فانها تبدو لي مضحكة وسخيفة، لقد ازعجته اوهام تولستوي بالعظمة والنبؤة فكتب يقول" فلتذهب فلسفة جبابرة هذا العالم الى الشيطان، لان كل الحكماء طغاة كالجنرالات وقساة كالجنرالات، مهما كانوا مقتنعين بعصمتهم، ان الذي استفزه لقول هذا كان اتهام تولستوي للاطباء ونعته اياهم بالاوغاد عديمي النفع فتشيخوف نفسه كان طبيبا وهب نفسه لمهنته واحبها وآمن بأن العلم قوة دافعة نحو التقدم وبأنه عدو للاوضاع الانسانية البائسة، فالحكمة القائلة بعدم مجابهة الظلم بالعنف وبالمقاومة السلبية التي آمن بها تولستوي اضافة الى احتقاره للمدنية والتقدم العلمي لم تكن عند تشيخوف سوى لغو رجعي، فمهما كان الرجل عظيما فأنه لايحق له سن القوانين في مواضيع يجهلها كل الجهل، هذا ما كان تشيخوف يلوم تولستوي عليه.
www.facebook.com
ان استرجع الاثر الذي تركه في نفسي حينها موت الكاتب الروسي الذي كان يبكرني بخمسة عشر عاما، اجدني عاجزا تماما عن ان اتذكر، فلابد ان اعلان وفاته في الصحف الالمانية لم يثرنِ كثيراً، ولاشك ان كل ما كتب عن تشيخوف في تلك المناسبة لم يفلح في تعميق وعيي بعظمة هذا الانسان الذي فقدته روسيا مبكرة، وفقده العالم مبكرا، ومحتمل ايضا ان كل ما كتب في نعيه كان هو الاخر اسير الجهل ذاته الذي طبع تصوري له وحدد موقفي ازاء حياته وعمله الادبي، ولكن موقفي هذا اخذ يعاني بمرور السنين تغيرا وان كان بطيئا فانه مستمر. ولكن دعنا نتساءل الان عن اسباب هذا الجهل، وبقدر ما يتعلق الامر بي، فانني استطيع تبريره بتقرير كوني وقتها مولعا اشد الولع بالاعمال الادبية العظيمة ذات النفس الطويل، بتلك الملاحم الخالدة التي يتطلب بناؤها جلدا وصبرا عظيمين، ولانني كنت حينها واحدا من المتعبدين في محاريب بلزاك وتولستوي وقاغنر، اذ لم تكن عيناي لتريا سواهم ولم تكن اسمى طموحاتي سوى ان ابزهم ان استطعت، وتشيخوف كموباسان الذي اصبحت اكثر تذوقا لاعماله ومعرفة بها بعد ذلك بوقت قصير، امتاز بأنه كان يعبر عن نفسه ضمن اطر اكثر تحديد- في القصة القصيرة التي لاتتطلب سنينا او عقودا من الجلد البطولي المتواصل والتي يمكن لكتاب اقل شأناً من هؤلاء العمالقة بما لايقاس انجزها في اسابيع ، بل ربما ايام، كنت اذاك انظر بشيء من الاحتقار الى كتاب القصة القصيرة وقد غاب عن ذهني مدى الغنى والعمق الداخليين اللذين يمكن للعمل القصير والمركز اكتسابهما من قلم عبقري، كان ادراكي قاصرا على استيعاب كيف ان الايجاز لو تمكن من تشرب واحتضان كلية الحياة وامتلائها لرقي الى مستوى الملاحم الخالدة، بل لفاق في حدته وكثافته الفنية كثيرا من الاعمال الضخمة الطويلة التي لاتجد مناصا من ان تتهادى وتهبط احيانا فاقدة شدتها وتماسكها مستسلمة لنوع من الفتور الممل، وان كنت قد ادركت هذه الحقيقة في السنوات اللاحقة من حياتي فان الفضل في ذلك انما يعود فقط لانشغالي بفن تشيخوف الروائي الذي، واستطيع ان اقولها الان مقتنعا، قل ان نجد له نظيرا في الادب الاوروبي.
ولنتحدث الان على نطاق اوسع، فأنني اشعر بانه قد اسيء تقييم تشيخوف لسنوات طويلة في اوروبا كما في روسيا وذلك بسبب موقفه النقدي المتشدد والمتشكك من نفسه ومن انتاجه الادبي، وبكلمة اخرى، بسبب تواضعه المفرط الذي وان كان بحد ذات فضيلة محببة، فانه قاد العالم الى ابخاسه حقه من الاهتمام، وفي الحقيقة يمكن القول بأن تشيخوف قد ضرب مثلا سيئا بتواضعه هذا، حيث ان تقييم الاخرين لنا لا يخلو من تأثير بتقييمنا نحن لانفسنا ، ولربما بلغ هذا التأثر احيانا حد التشويه، لقد ظل تشيخوف طويلا مقتنعا بعدم اهمية موهبته وبتفاهته ادبيا، وقد عانت عملية اكتسابه للحد الادني من الثقة بالنفس والضروري لجعل الاخرين يقون به تأثرا اليما وسارت بخطى شديدة البطء، ولم يكن لديه حتى النهاية شيء من اوهام العظمة التي ينسجها معظم الفنانين حول ذواتهم ولا كان عنده شيء من توهم الحكمة والنبوءة الذي امتاز به تولستوي الذي كان ينظر الى اديبنا بعطف فيرى فيه، كما قال غوركي، \"رجلا متواضعا هادئا ممتازا\". ان اطراء كهذا من رجل لايقل كبرياء عن فاغنر لايملك الا ان ان يثير دهشتنا، وبلا شك فان تشيخوف ربما كان تلقي اطراء تولستوي هذا بابتسامة مهذبة لاتخلو من تهكم، حيث ان الاحترام المشوب بشيء من التهكم، كان الطابع الغالب على علاقته، بذلك العملاق القادم من ياسنايا بوليانا، واحيانا، وليس بالطبع وجها لوجه مع ت لك الشخصية الطاغية وانما في رسائل موجهة الى شخص ثالث، كان هذا التهكم يتفجر ليكشف عن تمرد صريم، فعند عودته من جزيرة ساخالين الموحشة حيث كان السجناء يقضون محكومياتهم كتب تشيخوف ": لكم كنت اصبحت غبيا جافا اليوم لو قدر لي البقاء بين جدراني الاربعة، نقبل رحلتي هذه كنت اظن (رباعية كرتزر) لتولستوي حدثا عظيما، اما الان فانها تبدو لي مضحكة وسخيفة، لقد ازعجته اوهام تولستوي بالعظمة والنبؤة فكتب يقول" فلتذهب فلسفة جبابرة هذا العالم الى الشيطان، لان كل الحكماء طغاة كالجنرالات وقساة كالجنرالات، مهما كانوا مقتنعين بعصمتهم، ان الذي استفزه لقول هذا كان اتهام تولستوي للاطباء ونعته اياهم بالاوغاد عديمي النفع فتشيخوف نفسه كان طبيبا وهب نفسه لمهنته واحبها وآمن بأن العلم قوة دافعة نحو التقدم وبأنه عدو للاوضاع الانسانية البائسة، فالحكمة القائلة بعدم مجابهة الظلم بالعنف وبالمقاومة السلبية التي آمن بها تولستوي اضافة الى احتقاره للمدنية والتقدم العلمي لم تكن عند تشيخوف سوى لغو رجعي، فمهما كان الرجل عظيما فأنه لايحق له سن القوانين في مواضيع يجهلها كل الجهل، هذا ما كان تشيخوف يلوم تولستوي عليه.
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.