محمد علي الرباوي - الـتُّهْـمَة

مَرَّ بِهَذَا الشَّارِعِ
فَارْتَعَشَتْ أَفْئِدَةُ الْأَشْجَارِ الزَّرْقاءْ
مَرَّ بِهَذِي الْمَقْهَى
فِي هَذَا الْحَيِّ الضَّائِعِ
فَامْتَدَّ الزِّلْزَالُ إِلَى
كُلِّ كُؤُوسِ الزُّبُنِ الزُّرْقِ انْكَسَرَتْ
كُلُّ زَرابِيهَا الْمَبْثوثَةِ
كُلُّ السُّرُرِ الْمَرْفوعَةِ
فَاحْتَرَقَتْ عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا
وَتَحَوَّلَ وَجْهُ النَّادِلِ مِرْآةً خَشَبِيَّهْ
****
مَرَّ بِهَذَا الشَّارِعِ (...)
مَرَّ بِهَذِي الْمَقْهَى (...)
مَرَّ بِقَصْرِ الْقَرْيَةِ
ذَاتَ صَبَاحِ عَابِسْ ـ
فَاتَّسَعَتْ قُبَّعَةُ الْحَارِسْ
هَجَرَتْ رِجْلَيْهِ عِظَامُهْ
كَالْآهِ عَلَى شَفَتَيْهِ انْكَسَرَتْ أَحْلَامُهْ
وَتَسَاقَطَ مِنْ عَيْنَيْهِ الْبَلَحُ الْحَجَرِيُّ
عَلَى خَدٍّ يَابِسْ
مَرَّ بِقَصْرِ الْقَرْيَةِ
فَانْدَسَّ بِأَعْمِدَةِ الْقَصْرِ الرُّعْبُ الْقارِسْ
****
دَخَلَ الْمَسْجِدَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ﭐتَّخَذَ ﭐلْوَلَدُ الْمُرُّ مَكَاناً بِالصَّفِّ الأَوَّلِ كَبَّرَ حَيَّا مَوْلَاهُ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ عَيْنَيْهِ يَمِيناً وَشِمَالاً خَلْفاً وَأَمَاماً. فَإِذَا الصَّفُّ الْأَوَّلُ أَخْشَابٌ مُسْنَدَةٌ وَإِذَا الْمَقْصُورَةُ تَنْمُو أَعْشَابٌ مُتَوَحِّشَةٌ فِي سَاحَتِهَا فَانْتَشَرَتْ فِي بُسْتانِ مُحَيَّاهُ فَرَاشَاتُ ﭐلصُّبْحِ تَأَبَّطَ نَعْلَيْهِ جِهَاراً كَانَتْ بِالْبَابِ ﭐلْمُغْلَقِ عَاصِفَةٌ تَنْتَظِرُهْ.
****
يَرْحَلُ الْماءُ وَيَبْقَى الْبَحْرُ لِلْأَرْضِ سَجِيناً آهِ يَا أَيَّتُها النَّفْسُ ﭐخْرُجِي مِنْ َزَبِدِ الْبَحْرِ ﭐرْكَبِي مَتْنَ حِصَانٍ بِجَنَاحَيْنِ ارْجِعِي رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ثُمَّ ﭐدْخُلِي دَائِرَةَ الْعِشْقِ ﭐتْبَعِينِي فَأَنَا آنَسْتُ نَاراً علَّنا مِنْها سَنَأْتِي بِشِهَابٍ قَبَسٍ أَوْ عَلَّنا نَلْقَى عَلَى النَّارِ هُدىً هَيَّا ﭐتْبَعينِي وَاسْتَعِدِّي رُبَّمَا حَبَّكِ مَوْلَاكِ ﭐسْتَعِدِّي هُوَ إِنْ حَبَّكِ قَدْ يُلْقِي عَلَى ذَاتِكِ قَوْلاً ثَقِيلاَ.
اِسْتَعِدِّي لَا تَكُونِي خَائِفَهْ
اِسْتَعِدِّي وَاثْبُتِي حَتَّى تَهُبَّ العَاصِفَهْ
****
مُتَّهَمٌ أَنْتَ لِأَنَّ بِصَدْرِكَ نَاراً تُحْيِي أَشْجارَكَ ثُمَّ تُمِيتُ شُجَيْرَاتِ الشَّارِعِ مُتَّهَمٌ أَنْتَ لِأَنَّكَ تَحْمِلُ مَا يَزْرَعُ أَشْجَارَ الدَّهْشَةِ تَحْمِلُ مَا يَزْرَعُ فِي رُكَبِ النَّاسِ الرُّعْبَ ﭐلْقَاتِلَ هَلْ تَعْلَمُ يَا هَذَا الطَّالِعُ مِنْ سُنْبُلَةِ ﭐلْحَاصِبِ أَنَّا نَزَّلْنَا مَرْسُوماً حَجَريّاً يَمْنَعُ أَنْ تَحْمِلَ هَذَا الشَّيْءَ الْمُتَوَحِّشَ كَيْفَ تُصِرُّ عَلَى أَنْ تَحْمِلَهُ أَنْ تَرْسُمَهُ أَدْغَالاً سَوْداءَ عَلَى وَجْهِكَ. مُتَّهَمٌ تُهْمَتُكَ الْكُبْرَى: (...).
****
فَجْرَ هذا الْيَوْمِ أُمٌّ زَغْرَدَتْ فَارْتَعَشَتْ أَفْئِدَةُ ﭐلْأَشْجَارِ. أُمٌّ زَغْرَدَتْ فَامْتَدَّ زِلْزَالٌ إِلَى كُلِّ كُؤُوسِ الزُّبُنِ الزُّرْقِ جِهَاراً انْكَسَرَتْ كُلُّ الزَّرَابِي. زَغْرَدَتْ فَاتَّسَعَتْ قُبَّعةُ الْحَارِسِ.. أُمٌّ زَغْرَدَتْ فَانْتَفَضَتْ كُلُّ الْعَصَافِيرِ الَّتِي بَلَّلَها الْقَطْرُ صَبَاحاً. زَغْرَدَتْ أُمٌّ.. وَأُمٌّ تَنْتَظِرْ

الرباط:7/2/1988

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...