- رسائل متبادلة بين أنطون تشيخوف وأولجا. ل. كنيبر

يالطا، 26 مارس 1900

هناك شعور بالكآبة والسوداوية في رسالتك، ممثلتي العزيزة، أنت كئيبة وتعيسة للغاية، لكن ذلك لن يدوم طويلًا، فبوسع المرء أن يتخيل أنك قريبًا، قريبًا جدا، ستجلسين في القطار وتتناولين غداءك بشهية مفتوحة للغاية. لطيف للغاية أن تأتي أولًا برفقة ماشا قبل الآخرين، فعلى الأقل سيكون بوسعنا على الأقل أن نجد وقتًا للحديث معًا ونتجول قليلًا ونشاهد بعض الأشياء ونشرب ونأكل. لكن من فضلك لا تحضري معك (......)
ليس لديّ مسرحية جديدة، إنها كذبة صحفية. فدائمًا لا تقول الصحافة الصدق عني. وإذا كنت قد بدأت مسرحية، لكنت أنت أول من يعرف بها.
تهب رياح قوية هنا، فالربيع لم يبدأ جديًا بعد، لكننا نخرج ونتجول دون الكَلوش وقبعاتنا المصنوعة من الفرو. وقريبًا للغاية ستزهر أشجار التوليب. لديّ حديقة جميلة هنا لكنها غير منسقة، ومكسوة بالطحالب، إنها حديقة هواة بحق.
جوركي هنا. إنه متحمس في مديحه لك ولأعمالك المسرحية. سأقدمك له عند مجيئك.
أوه يا عزيزتي! لقد وصل شخص ما، إنه زائر، وداعًا مؤقتًا أيتها الممثلةَ!

يالطا، 20 مايو 1900

تحياتي لك، أيتها الممثلة العزيزة الساحرة! كيف حالك؟ كيف تشعرين؟ كنت بحالة سيئة للغاية أثناء عودتي إلى يالطا. (ذهب تشيخوف إلى موسكو برفقة شركة مسرح الفن Art Theatre Company، وهي عائدة من يالطا.) عانيت صداعًا شديدًا وارتفاع في درجة الحرارة قبل مغادرة موسكو. كان الأمر خطيرًا وحبذت إخفاءه عنك، والآن أنا بخير حال.
كيف حال ليفيتان؟ أشعر بقلق رهيب لانقطاع أخباره عني. إذا عرفت شيئًا أرجو أن تكتبي لي.
حافظي على نفسك واستمتعي بوقتك. سمعت أن ماشا أرسل لك رسالة، ولهذا سارعت بكتابة هذه السطور المعدودات.

يالطا، 14 فبراير، 1900

عزيزتي الممثلة،
الصور رائعة للغاية، خاصة تلك الصورة التي تظهرين فيها مستلقية وعلى وجهك مسحة حزن، ومنكباك يستندان على ظهر مقعد، مما يضفي عليك مسحة من الشجن الشفيف وتعبيرًا لطيفًا يخفي روحًا شيطانية صغيرة. وهناك صورة أخرى جيدة، لكنك فيها تبدين شبيهة قليلًا بامرأة يهودية تقليدية، مثل موسيقية تحضر درسًا في معهد الموسيقى، لكن بذات الوقت تدرس طب الأسنان على طبيب بارع وذلك كتخصص ثان، وهي مخطوبة وستتزوج رجلًا في موجيليف، وهذا الخطيب شخص يشبه "م".... هل أنت غاضبة؟ حقًا، غاضبة حقًا؟ إنه انتقامي منك لأنك لم توقعي لي هذه الصور.
من بين السبعين زهرة التي زرعتها الخريف الماضي، ثلاثة فقط لم تنبت. فجميع زهور الليلك والسوسن والتيوليب ومسك الروم والمكحلة جميعها نبتت. والصفصاف اخضوضر فعليًا. وهناك وفرة من العشب الأخضر بالقرب من المقعد الصغير الموجود عند الزاوية. وشجرة اللوز أزهرت هي الأخرى.
لقد وضعت مقاعد صغيرة في جميع أرجاء الحديقة، لم أختر تلك المقاعد الضخمة ذات القوائم الحديدية، بل اخترت تلك المصنوعة من الخشب بعد أن قمت بطلائها باللون الأخضر. كذلك قمت ببناء ثلاثة جسور فوق المجرى المائي. وزرعت أشجار النخيل. فعليًا، توجد جميع أنواع الأشياء الجديدة، لدرجة أنك لن تتعرفي على المنزل أو الحديقة أو الشارع. فقط المالك لم يتغير، إنه نفس الشخص فاتر الهمة والذي كرس نفسه لتبجيل المواهب التي تقيم عند نيكيتسكي جيت. ( كانت كنيبر تعيش عند نيكيتسكي جيت.) ولم أسمع أي موسيقى أو غناء منذ الخريف الماضي، ولم أر امرأة ممتعة. فكيف بوسعي أن أعاون مصابًا بالاكتئاب؟
كنت قد عقدت العزم على عدم الكتابة لك، لكن بعد أن أرسلت الصور، تراجعت عن موقفي، وها أنا أكتب لك. بل إنني سآتي إلى سيفايتوبول، وأكررها عليك لا تخبري أحدًا، خاصة فشنيفسكي. سآتي تحت اسم مستعار، سأسجل في دفتر الفندق باسم بلاكفيتش..
كنت أمزح عندما قلت أنك تشبهين امرأة يهودية في صورة مما أرسلت. لا تغضبي، يا غاليتي. حسنا، تلك قبلة مني ليدك الصغيرة، المخلص لك دائمًا.

يالطا، 10 فبراير 1900

ممثلتي الغالية

الشتاء بارد للغاية، ولست على ما يُرام، ولم يكتب أحد إليّ منذ قرابة شهر بأكمله، واستقر لديّ أنه لم يعد أمامي من شيء سوى السفر للخارج، حيث الأجواء ليست راكدة للغاية، لكن الآن تحسن الطقس وأصبح أدفأ، وقررت أنني سأسافر للخارج فقط بنهاية الصيف، وذلك للاستفادة من الإعانة التعليمية..
وأنت، لماذا مصابة بالاكتئاب؟ ماذا أصابك بالاكتئاب؟ فأنت تعيشين وتعملين وتمرحين وتشربين، وتضحكين عندما يقرأ عمك بصوت مرتفع لك، فأي شيء تريدين أكثر من ذلك؟. أما بالنسبة لي فالوضع مختلف. تمزقني مسألة الجذور، فأنا أعيش عيشة منقوصة، لا أشرب رغم أنني مغرم بالشراب، أعشق الضوضاء لكنني لا أسمعها، حقيقة أنا مثل شجرة تمّ نقلها إلى مكان جديد، وتعاني التردد بين أن تضرب بجذورها في الأرض أو تذبل. لو كنت أسمح لنفسي من حين لآخر أن أشكو الضجر، فلديّ دوافعي لذلك، لكن ماذا بالنسبة لك؟.كذلك يشكو ميرهولد من رتابة حياته هو الآخر...!!
وعلى ذِكر ميرهولد، إنه بحاجة لقضاء الصيف بأكمله في كريميا. حالته الصحية تتطلب ذلك. لكن يجب أن يقضي الصيف كاملًا..
حسنًا، تحسنت حالتي مجددًا. لا أفعل شيئًا لأنني أنوي أن أكرس نفسي للعمل لاحقًا. أكتفي بالحفر في الحديقة. أكتب ذلك لك، فبالنسبة لنا نحن البشر الضئيلين، المستقبل لغز محجوب. وصلتني رسالة من رئيسك نميروفيتش منذ فترة ليست طويلة للغاية. ذكر فيها أن الشركة ستعرض مسرحياتها في سيفاستوبول ثم يالطا وذلك مع بداية شهر مايو: وفي يالطا سيتم تقديم خمسة عروض، ثم بروفات مسائية. فقط الأعضاء المميزين في الفرقة سيبقون لهذه البروفات، أما الباقين فسيكون بوسعهم الاستمتاع بالعطلة. مُتأكد أنك من المميزين. بالنسبة للمخرج أنت متميزة، وبالنسبة للمؤلف أنت بالغة النفاسة. ولديّ مفاجأة لك؛ لن أكتب لك مجددًا إلا بعد أن ترسلي لي صورتك "بورتريه"..
أشكر لك أمنياتك الطيبة لزواجي. أخبرت خطيبتي أنك تخططين للقدوم إلى يالطا كي تؤهليها قليلًا. قالت: إذا جاءت " تلك المرأة البشعة" إلى يالطا، سوف تضمني بقوة. وأرى أن مثل هذه الضمة القوية لفترة طويلة وفي هذا الطقس ليست بالأمر الصحي..
شعرت بالإهانة وأصبحت أكثر انتباهًا، كما لو كانت تحاول أن تخمن من أي شيء حولي التقطت هذا التعبير، وبعد فترة قصيرة قالت إن المسرح شر خالص وإن رغبتي في التوقف عن كتابة أي مسرحيات جديرة بالثناء، وطلبت مني أن أقبلها. وعند هذا الحد أجبت بأنه الآن لا يلائمني أن أكون متحررًا للغاية في قبلاتي لأنني أكاديمي. انفجرت في البكاء، وتركتها ورحلت. ي فصل الربيع ستصل الشركة إلى هاركوف كذلك. عندئذ سآتي للقائك، فقط لا تذكري ذلك لأحد. لقد رحلت ناجيدا إيفانوفنا إلى موسكو.

يالطا، 22 يناير 1900

ممثلتي العزيزة

في السابع عشر كم يناير وصلتني برقيات من أمك وأخيك وعمك "ألكسندر إيفانوفيتش" الذي وقع " العم ساشا"، ومن ن. ن. سوكولوفسكي..
أرجو أن تكوني حميمة بالقدر الذي يجعلك تنقلي لهن خالص شكري وامتناني لهم.
لماذا لا تكتبين إليّ؟ ماذا حدث؟ أو هل أنت الآن مفتونة للغاية؟.. حسنًا، ما باليد حيلة. ليكن الرب في عونك.
أُخبرت أنك ستصلين إلى يالطا في شهر مايو. إذا كان ذلك أمرًا نهائيًا، فلماذا لم تتقدمي ببعض الاستيضاحات حول المسرح؟ فالمسرح هنا يتم تأجيره، ولن تتمكني من استئجاره إلا بعد التفاوض من يستأجره حاليًا، وهو الممثل نوفيكوف. وإذا فوضتني للقيام بذلك الأمر، فربما أتحدث إليه غدًا..
في السابع عشر من هذا الشهر، مرت ذكرى عيد الشفيع الخاصة بي وكذلك ذكرى اختياري للأكاديمية، مرت كلتاهما باهتة وكئيبة، فلقد كنت مريضًا. الآن تحسنت حالتي، لكن أمي هي المريضة. ومثل تلك المشكلات الصغيرة تذهب بالقدرة على الاستمتاع أو التحمس سواء لعيد الشفيع أو لاختياري للأكاديمية. كذلك منعتني من الكتابة إليك والرد على برقيتك في الوقت المناسب.
أمي تتحسن الآن.
أرى عائلة سردين من حين لآخر. إنهم يأتون لزيارتنا، ومن النادر أن أزورهم، لكنني لم أنقطع كلية عنهم.....
إذن، أنت لا تكتبين لي ولا تنوين ذلك قريبًا كذلك..... إن إكس هو الملام على كل ذلك.. أفهم موقفك!
أقبل يدك الصغيرة.

يالطا، 2 يناير، 1900

تحياتي، ممثلتي العزيزة!. هل أنت غاضبة لأنني لم أكتب إليك منذ فترة طويلة؟. اعتدت الكتابة إليك دون انقطاع، لكن الرسائل لم تصلك لأن معارفنا المشتركين كانوا يحصلون عليها من مكاتب البريد ولا يقومون بتوصيلها إليك..
أتمنى لكم السعادة في العام الجديد. بصدق أتمنى لك السعادة وأنحني لاثمًا قدميك الصغيرتين. لك خالص أمنياتي بالسعادة والثراء والصحة والابتهاج. نحن بأفضل حال هنا، نأكل كثيرًا، وندردش كثيرًا ونضحك كثيرًا، وغالبًا ما نتحدث عنك. ستخبرك ماشا عندما تعود إلى موسكو كيف أمضينا الكريسماس.
لم أهنئك على نجاح مسرحيتك " حيوات وحيدة Lonely Lives"، فما زلت آمل أنك ستأتين إلى يالطا وأنني سأراك على المسرح تمثلينها، وعندها أهنئك خالص التهنئة. كتبت إلى ميرهولد، ( ممثل في سرح الفن، وكان حينها يقوم بدور يوهانس Johannes في مسرحية "حيوات وحيدة" لـ"هوبتمان".) وطلبت منه في رسالتي ألا يكون عنيفًا للغاية معك في الجزء المتعلق بالرجل العصبي. الغالبية العظمى من الناس عصبيون، كما تعرفين؛ فالعدد الأكبر منهم يعاني معاناة دائمة، لكن عددًا محدودًا تنتابه نوبات حادة، لكن سواء في الشوارع أو في المنازل، هل سبق لك أن رأيت أشخاصًا ينتحبون، يتقافزون ويخبطون رءوسهم؟. يجب التعبير عن المهاناو بالطريقة التي يتم التعبير بها في الحياة، وليس بالأيادي والأرجل، بل بنبرة الصوت ودرجة التعبير، ليس بالإيماءات، و برشاقة. إن الانفعالات الرقيقة للروح في الأشخاص المتعلمين يجب التعبير عنها ظاهريًا بخفة. ستقولين؛ إنها القواعد المسرحية، وسأرد ليس من قواعد تبرر الزيف.
أخبرتني أختي أنك قمت بأداء دور "أنّا" ببراعة. آه، كم أتمنى أن تأتي فرقة مسرح الفن إلى يالطا!. امتدحت مجلة نوفوي فريميا فرقتكم المسرحية. وهناك تغير في نهج هذه المجلة الفصلية، فمن الواضح أنهم سيتوجهون إلى امتداحك دون النظر لأية اعتبارات. سيتم نشر قصتي الجديدة، وهي غريبة للغاية، في عدد شهر فبراير من مجلة زهين Zhizn. وهناك عدد هائل من الشخصيات،وهناك مشهدية كذلك، هناك هلال، وطائر الواق دائم الصياح، ومن بعيد يتعالى صياح " بووو! بوووو!" كما لو كانت بقرة محتجزة بمفردها. كل شيء موجود بهذه القصة..
ليفتان موجود معنا. فوق مدفئتي رسم قمرًا يطل على حقل ممتلئ بالقش والتبن في أكوام، وهناك غابة بعيدة.
حسنًا، أتمنى لك موفور الصحة يا عزيزتي، الممثلة الرائعة. أتوق إلى رؤياك.
ومتى سترسلين لي صورك؟.. يالها من خيانة!.!

يالطا، 30 أكتوبر، 1899

... تسألين هل سأشعر بالإثارة، رغم أنك تعرفين أنني فقط سمعت أن "العم فانيا" كان يجب أن يُسلم في يوم السادس والعشرين من هذا الشهر رسالتك التي استلمتها في اليوم السابع والعشرين. بدأ توافد البرقيات عليّ مساء السابع والعشرين بينما كنت في الفراش. أرسلوها إليّ عبر الهاتف. كنت أستيقظ كل مرة وأعدو حافي القدمين إلى الهاتف، وأنا أرتجف من البرد، ثمّ لا أكاد أغفو حتى يرن الهاتف مرة بعد أخرى. إنها المرة الأولى التي تحرمني فيها شهرتي من النوم. وفي المساء التالي، وقبل أن أنام، شبشبي و"الروب دي شامبر" جوار سريري، لكن لم يصلني المزيد من البرقيات..
احتوت البرقيات على عدد المكالمات والنجاح الباهر، لكن كان هناك شيء غامض، بل ومحير، فيها، ومنه توصلت إلى استنتاج بأن حالتكم العقلية، جميعًا، لم تكن بأفضل حالتها. وأكدت الصحف التي وصلتني اليوم صحة استنتاجي..

نعم يا ممثلتي العزيزة، فالنجاح المتوسط والمعتاد ليس كافيًا لكم جميعًا أنتم أيها الممثلون المسرحيون، فأنتم بحاجة إلى شيء مدوي للغاية. مؤخرًا تعرضتم للإفساد بل وأصابكم الصمم من تكرار الحديث عن النجاحات، والمسارح الممتلئة بالمشاهدين وتلك الخاوية، لقد تسممتم بذلك العقار، وخلال عامين أو ثلاثة أعوام لن تكونوا صالحين لشيء!، والشيء نفسه ينطبق عليك!. هل أنت غاضبة؟. ما شعورك؟. أنا ما زلت بنفس المكان، وما زلت نفس الشخص، أعمل وأزرع الأشجار.
لكن الزوار يتوافدون، ولا أستطيع الاستمرار في الكتابة. إنهم يمكثون لأكثر من ساعة، يطلبون الشاي، ويطلبونه في السماور. أوه كم أنا مستوحش ومكتئب.
لا تنسني، ولا تسمحي بتبدد الصداقة التي بيننا، فربما يتسنى لنا أن نذهب سويًا إلى مكان ما خلال هذا الصيف. والآن وداع مؤقت؟ ربما لن نلتقي قبل شهر أبريل. وإذا كنتم ستأتون جميعًا إلى يالطا، للتمثيل والراحة، فسيكون ذلك أمرًا رائعًا للغاية. سيحمل أحد الزوار هذه الرسالة ليلقيها في صندوق البريد.... ملحوظة: ممثلتي العزيزة، أستحلفك بكل مقدس أن تكتبي إليّ، أنا مستوحش ومكتئب. ربما أكون في سجن وممتلئ بالغضب والغيظ.....

يالطا، 1 نوفمبر 1899

أتفهم حالتك المزاجية، ممثلتي العزيزة، أتفهمها للغاية، لكن حتى لو كنت مكانك، لم أكن لأشعر بمثل هذا الاضطراب اليائس. لا شخصية أنّا أو المسرحية بكاملها جديرة بكل هذه المشاعر والإرهاق العصبي. إنها مسرحية قديمة. إنها عتيقة، وبها كثير من العيوب والنواقص، فإذا لم يتوصل أكثر من نصف الممثلين إلى درجة الأداء ونبرة الصوت الصحيحة، فهذا عيب المسرحية بلا جدال. وهذا شيء، أما الشيء الثاني فهو أنك لابد أن تتوقفي عن القلق بشأن النجاح والقلق. لا تدعي مثل هذه الأشياء تشغلك. إنه واجبك أن تداومي على العمل يومًا بعد يوم، بإتقان وفي صمت، وأن تكوني متأهبة لارتكاب الأخطاء التي لا يمكن تجنبها، وللإخفاقات، إجمالًا يجب أن تقومي بأداء وظيفتك كممثلة، واتركي للآخرين مهمة إحصاء عدد المكالمات قبل فتح الستارة.
فعندما يكتب المرء أو يمثل، يجب أن يكون واعيًا بأنه لا يفعل الشيء الصحيح، فهذا أمر معتاد، وبالنسبة للمبتدئين مفيد للغاية!
ثالث الأشياء أن المخرج قد أرسل لي برقية أن العرض الثاني كان رائعًا، وأن جميع الممثلين كانوا متميزين في أداء أدوارهم، وأنه كان راضيًا للغاية.....

يالطا، 30 سبتمبر 1899

حسب طلبك أسرعت بالرد على رسالتك التي سألتني فيها عن آخر مشهد مسرحي جمع بين أستروف وإلينا.
كتبتي أن أستروف يخاطب إلينا في هذا المشهد مثل عاشق ولهان، " إنه يتشبث بمشاعره مثل غريق يتشبث بقشة."، لكن هذا ليس صحيحًا، ليس صحيحًا على الإطلاق! إن أستروف معجب بإلينا، ولقد اجتذبته بجمالها، لكن في المشهد الأخير عرف أنه لا أمل له فيها، وهكذا تحدث إليها في ذلك المشهد بنبرة الصوت تشبه الحرارة في أفريقيا، وقبلها بطريقة اعتيادية للغاية لتمضية الوقت. وإذا كان أستروف قد تعامل مع هذا المشهد بعنف، كان المزاج العام للمشهد الرابع سيتلاشى تمامًا....

رسالتان من أولجا إلى تشيخوف بعد وفاته

خمس سنوات من الحب والزواج بين أنطون تشيخوف والممثلة أولجا كنيبر، والتي قامت بأداء العديد من الأدوار النسائية الرئيسة في مسرحياته، من أشهر قصص الحب في المسرح. وبسبب ارتباط أولجا بالعمل في مسرح موسكو، واضطرار تشيخوف للبقاء في يالطا بسبب حالته الصحية، استمرت علاقتهما رغم المسافة بل وتوطدت متجاوزة عقبات خطيرة وذلك خلال تبادل الرسائل الدائم بينهما. وبعد وفاة تشيخوف، داومت أولجا لشهرين على كتابة يومياتها، وكانت عبارة عن رسائل متخيلة إلى تشيخوف.

19 أغسطس، 1904
أ
خيرًا أصبحت قادرة على الكتابة إليك، يا عزيزي، وأنا أشعر بك قريبًا جدًا رغم أنك بعيد للغاية! لا أعرف أين أنت الآن. ولقد انتظرت طويلًا اليوم الذي أستطيع أن أكتب لك فيه. اليوم، ذهبت إلى موسكو وزرت قبرك... كم هو رائع، لو تعلم. فبعد الجفاف المنتشر في الجنوب، كل شيء هنا مورق ومثمر، وعبق للغاية، وفواح للغاية، تفوح منها رائحة الأرض والعشب الطازج، وللأشجار ذلك الحفيف الناعم. لا أستطيع أن أصدق أنك لست بين الأحياء! أنا في حاجة ماسة للكتابة لك، لأخبرك بكل شيء مررت به منذ احتضارك وتلك اللحظة
التي توقف عندها قلبك عن الخفقان، قلبك المسكين والمريض والواهن للغاية.
الآن بينما أكتب إليك، يبدو الوضع غريبًا لكن تسيطر عليك رغبة عارمة في القيام بذلك. وبينما أكتب إليك، أشعر أنك على قيد الحياة؛ هناك في مكان ما، تنتظر تلك الرسالة. يا أغلى الأحباب، يا حبيبي، دعني أتفوه ببعض الكلمات الشاعرية، دعني أمسد شعرك الناعم المنساب وأنظر في عينيك اللامعتين العزيزتين. آه لو عرفت ما إذا كنت قد استشعرت أنك تُحتضر. أظن أنك استشعرت ذلك، ربما بشكل مُبهم، لكنك يقينًا استشعرت ذلك...

20 أغسطس 1904

عزيزي، لقد عدت توًا من لقاء بأخيك إيفان، وأزعجته بسرد تفاصيل الأيام الأخيرة في حياتك، لكنني استشعرت أنه استفاد من ذلك رغم انزعاجه وضجره. وبوسعي أن أحكي عن كل شيء، بوسعي أن أحكي للأبد عن بادنفايلر ، وعنك، وعن شيء ما عظيم وهائل حدث في تلك المدينة الثرية ذات اللون الأخضر الزمردي والموجودة في الغابة السوداء. هل تذكر كم أحببنا جولاتنا على عربة نقل الحقائب والتي أطلقنا عليها جولة سياحية؟ لقد كنت ودودًا للغاية، كم تفهمتك تمامًا في أوقات مثل تلك؟. هل تتذكر كيف كنا نتجول، كنت تعتصر يدي بتؤدة، وعندها كنت أسألك عما إذا كنت بخير حال، ولم تكن تعلق بشيء، فقط تومئ برأسك وتمنحني ابتسامة على سبيل الإجابة، ورغبة مني في التعبيرعن احترامك، كنت أحيانًا أُقبل يدك!.
وكنت تمسك بيدي طويلًا ثم نستمر في التقدم عبر غابة الصنوبر الفواحة. كم كنت تفضل تلك البقعة المعشوشبة التي تغمرها الشمس. وكيف كان الطريق يصبح وعرًا بامتداد أحد الخنادق وعندئذ كنت تداوم على توجيه السائق بالتزام القيادة بمزيد من البطء، كم كنت تبتهج لرؤية أشجار الفاكهة الممتدة عى مساحة شاسعة دون أسوار حولها، ودون أن تُسرق منها ولو حبة كرز أو كمثرى. كنت تتذكر وطننا روسيا البائسة... هل تتذكر الطاحونة الرائعة، وكم كانت منخفضة للغاية لدرجة احتجابها وسط الأعشاب الكثيفة ولا يدل على وجودها سوى بريق قطرات الماء على عجلتها الدوارة؟. كم كنت تهوى القرى النظيفة والمريحة والحدائق الصغيرة حيث تمتد صفوف منتظمة من الزنابق البيضاء، وأحواض الزهور، والحدائق المزروعة بالخضروات والفاكهة! وكم كنت متألمًا وأنت تقول: عزيزتي، متى يعيش فلاحونا في منازل صغيرة مثل هذه!.
حبيبي الغالي، أين أنت الآن؟.....



ترجمة: ياسر شعبان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...