يعطي علماء النفس لمفهوم الونس أهمية كبيرة تظهر في استخدام العلاج الجماعي لكثير من الحالات النفسية والسلوكية، وهم يرون أن وجود المريض مع حالة أو عدة حالات مشابهة يهون من ألامه ويجعله يتبادل الخبرات بطريقة إيجابية. ربما كان هذا هو هاجس محمد علام في مجموعته "نهايات صغيرة".
فإذا كان الكثيرون يرون أن كل شخصية حالة فريدة، فالكاتب ركز مع الحالات المتشابهة، بل عن التكرار؛ ربما ليعالج نفسه هو من خلال الآخرين أو يعالج الآخرين من خلاله.. أو ليبث رؤياه عن الحياة. وفي تقديمه لمجموعته فعلا اختار مقطوعة تعبر عن الديمومة والتكرار "أخذوا سيقانهم الوردية الملساء..
أخذوا مظلاتهم السوداء.. /أخذوا الترانيم.. والألحان.. / كل شيء سيُعد
من جديد لشخصٍ آخر /وأنا الآن مجرد ذكرى.. /تاريخٌ لا يتوقف عن الصلاة".
وهي مقولة تذكرنا بقول المتنبي" سبقنا إلى الدنيا ولو عاش أهلها منعنا بها من جيئة وذهوب/ تملكهــا الآتــي تملــك ســالب وفارقهــا المــاضي فـراق سـليب." والمعنيان يصبان في رؤيا طبيعية تفضي للقبول والرضا؛ فلا شيء غير طبيعي يحدث لك أيها الإنسان، أنت حالة متكررة، أنت حالة متشابهة لست غريبا، احتمل حياتك وتعامل معها، فالنهاية صغيرة وعادية وليست معضلة. هي رؤيا ووجهة نظر، وهكذا الكتابة إعادة قراءة ومحاولة للفهم.
- يعتمد الكاتب على النقلات الحرة تاركا مساحات من الفراغ بينها تتشكل بفعل مخيلة المتلقي.. وهو لا يعتمد على الحذف الكلي لكلمات بالذات كما درج في كثير من الأعمال خاصة الشعرية؛ مما يجعل المتلقي يقع في فرضيات التأويل، لكنه يوحي بما يقصد في فقرات أخرى. ففي الفقرة الأولى مثلا من قصته "أوراق عن عبدِ الرّحمن جميل" يعطينا الكاتب صورة عن طبيعة البطل في ثلاث لقطات: واحدة تعبر عن رد فعله طفلا بعد معرفته أنه لن يقابل البنت السائحة ذات العينين الزرقاوين مرة أخرى، وواحدة في الكبر بعد فقده زوجته بالموت، وواحدة عن أحلامه الطبيعية في الحب والحياة بسرد مشهد تفاعله مع الماء وهو يروي الحقول لتطرح أنواعا من الخيرات... إن هذه اللقطات ترسم لنا رومانسية البطل وعشقه للحياة، رغم التراجيدية التي تغلفها، وتتقاطع مع حروبه بالسلاح وحروبه السياسية ووفائه لزوجته المتوفية؛ لتصب في النهاية مع توحده مع الزعيم الحالم جمال عبد الناصر. في الحقيقة، إن الكاتب تكلم عن حلم الجموع بما فيهم الزعيم، المتوحدون معه والمتوحد معهم في ذات الحلم، لكنه لم يقل هذا بطريقة مباشرة أو خطابية، بل اعتمد على سرد مشاهد تحتوي على كمية كبيرة من الرمزيات وبينها مساحات كثيرة من الفراغات، ستحيل القارئ إليها ليتخيلها كما يشاء في سياق ذهني عن رؤياه لما خلف الواقع، فعبد الرحمن جميل الرومانسي لم يخض الحرب حبا في الحرب، ولكن انتصارا للحب ودفاعا عن الحلم، وهو قد مات معنويا بموت زوجته التي تمثل حلمه، رغم هذا فالكاتب لا يتذكر عند موته إلا اليد التي تعانقت مع الحلم حين سلمت على الزعيم الشريك ناصر.
-يميل الكاتب لاستخدام الفنتازيا لكنه يستخدمها بطريقة فريدة تجعلها بديلا عن الرمز وتدخل بالمتلقي في عالم المجاز "وضع خرطوما في فمي فخرجت الأقراص والسموم، وروائح الطعام التي ألفتها منذ ألف سنة .. ولم يرَ أن ذلك حسن، ثقبَ رأسي بالكهرباء حتى اختفت كل الألوان .. ولم يرَ أن ذلك حسن، نزع النهر من دمي وصحّر صحوي ومنامي حتى شعرت أني إطار بلا أضلاع ...." فهذه الفقرة تقع بعد قص بلغة عادية قبلها ولغة عادية بعدها وبالتالي فيمكن تأويل هذا الجزء من النص على أنه إحالة مكثقة لمعاني باطنية، خاصة أن القصة بدأت بشخص ينقذ شخصا من الانتحار، ولكن الشخص الذي وصل للانتحار لا شك لم يكن شخصا يمر بظروف عادية؛ لذا حين تكلم عن نفسه بضمير المتكلم في الفقرة السابقة حضر كأنه شاعر يتكلم بلغة شعرية مجازية، ولكن لأن الخطاب في عمل سردي جاء فنتازيا تصويرية لها دلالتها الوظيفية، إن مثل هذه اللمحات تجعل العمل أكثر ثراء على المستويين: الفني والموضوعي
- استخدام المماثل الدرامي.. في معظم القصص نجد أن الكاتب يجد شبيهه في الحالة الإنسانية ويتكلم بصوته في فقرة وعن شبيهه في فقرة .. وبهذا يدمج بين عدة تقنيات سردية كسرد الأصوات والراوي، ولكنه لا يكون مجرد العليم عن بعد، بل العليم فعلا الذي يتبادل هو ومثيله الأدوار لكتابة قصة واحدة وقد حدث هذا في قصتي من أوراق عبد الرحمن جميل وغابات القمر والصمت، وقد تتوسع الحالة ليصير الشبيه مجموعا من نوع الناس أو الكائنات كما في صياد النهار حيث يلتفت في البداية لتصاريف الشتاء مع النمل ثم يزحف لرؤية جموع الناس الخارجين للصباح، ثم سرعان ما يعود ليتبادل قصة ميلاد وموت طفل ناقص مع أحد الآباء. وهذا الاستخدام يجعل من التجربة الفردية حالة عامة، بغض النظر عن النتيجة التي تصل إليها، والتي تتغير حسب النهاية التي هي غاية القص غالبا، فقد تكون نهاية درامية، أو ساخرة، أو فلسفية، ولكن النهايات دائما والتي نسبت لها المجموعة "نهايات صغيرة" هي من صميم رؤيا الكاتب التي يراها من مكونات الحياة سواء كانت خاسرة أو رابحة.
- التوسع في البحث عن التفاصيل وتقاطع الحدث مع حدث آخر شهير مثلما تقاطعت قصة "سلامة إلياس" بشكلها الذي أراده الكاتب مع قصة "سلامة بخير" الفيلم الشهير للراحل نجيب الريحاني، وأطن أن القصد موجود عند الكاتب في كتابة قصة تتقاطع مع قصة منذ العنوان. كما نجد في هذه القصة البحث عن حواشي كثيرة للحدث تدور حوله تارخيا وآنيا بعدد من الشخصيات والأحداث والرؤى وتداعيات كل هذا، إن هذه القصة منفردة بعيدا عن سياق مجموعة كهذه هي عمل لا يعني شيئا كبيرا ، لكنها في هذه المجموعة وفي هذا السياق الرؤوي تمثل نقطة مهمة في تمام الدائرة الفنية والموضوعية للكاتب، فهو كما يوحد البشرية في تجربتها في الحاضر، يرى أن الإنسان هو الإنسان في كل العصور. تتأكد هذه الفكرة في قصة نهايات صغيرة التي سميت المجموعة باسمها، حيث العالم بتقلباته واختلافاته وتشابهاته وتفاوت وظائف أفراده وأعمارهم وأشكالهم وثقافاتهم في قطار، حيث يمثل الجميع شيئا واحدا هو الحياة الإنسانية.. الحياة التي ليست بعيدة عن الموت الذي كما طال الشاب الصغير صديق الراوي الذي علم بموته من صفحات الميديا، طال جاره في الكرسي ببساطة لا مثيل لها.
فإذا كان الكثيرون يرون أن كل شخصية حالة فريدة، فالكاتب ركز مع الحالات المتشابهة، بل عن التكرار؛ ربما ليعالج نفسه هو من خلال الآخرين أو يعالج الآخرين من خلاله.. أو ليبث رؤياه عن الحياة. وفي تقديمه لمجموعته فعلا اختار مقطوعة تعبر عن الديمومة والتكرار "أخذوا سيقانهم الوردية الملساء..
أخذوا مظلاتهم السوداء.. /أخذوا الترانيم.. والألحان.. / كل شيء سيُعد
من جديد لشخصٍ آخر /وأنا الآن مجرد ذكرى.. /تاريخٌ لا يتوقف عن الصلاة".
وهي مقولة تذكرنا بقول المتنبي" سبقنا إلى الدنيا ولو عاش أهلها منعنا بها من جيئة وذهوب/ تملكهــا الآتــي تملــك ســالب وفارقهــا المــاضي فـراق سـليب." والمعنيان يصبان في رؤيا طبيعية تفضي للقبول والرضا؛ فلا شيء غير طبيعي يحدث لك أيها الإنسان، أنت حالة متكررة، أنت حالة متشابهة لست غريبا، احتمل حياتك وتعامل معها، فالنهاية صغيرة وعادية وليست معضلة. هي رؤيا ووجهة نظر، وهكذا الكتابة إعادة قراءة ومحاولة للفهم.
- يعتمد الكاتب على النقلات الحرة تاركا مساحات من الفراغ بينها تتشكل بفعل مخيلة المتلقي.. وهو لا يعتمد على الحذف الكلي لكلمات بالذات كما درج في كثير من الأعمال خاصة الشعرية؛ مما يجعل المتلقي يقع في فرضيات التأويل، لكنه يوحي بما يقصد في فقرات أخرى. ففي الفقرة الأولى مثلا من قصته "أوراق عن عبدِ الرّحمن جميل" يعطينا الكاتب صورة عن طبيعة البطل في ثلاث لقطات: واحدة تعبر عن رد فعله طفلا بعد معرفته أنه لن يقابل البنت السائحة ذات العينين الزرقاوين مرة أخرى، وواحدة في الكبر بعد فقده زوجته بالموت، وواحدة عن أحلامه الطبيعية في الحب والحياة بسرد مشهد تفاعله مع الماء وهو يروي الحقول لتطرح أنواعا من الخيرات... إن هذه اللقطات ترسم لنا رومانسية البطل وعشقه للحياة، رغم التراجيدية التي تغلفها، وتتقاطع مع حروبه بالسلاح وحروبه السياسية ووفائه لزوجته المتوفية؛ لتصب في النهاية مع توحده مع الزعيم الحالم جمال عبد الناصر. في الحقيقة، إن الكاتب تكلم عن حلم الجموع بما فيهم الزعيم، المتوحدون معه والمتوحد معهم في ذات الحلم، لكنه لم يقل هذا بطريقة مباشرة أو خطابية، بل اعتمد على سرد مشاهد تحتوي على كمية كبيرة من الرمزيات وبينها مساحات كثيرة من الفراغات، ستحيل القارئ إليها ليتخيلها كما يشاء في سياق ذهني عن رؤياه لما خلف الواقع، فعبد الرحمن جميل الرومانسي لم يخض الحرب حبا في الحرب، ولكن انتصارا للحب ودفاعا عن الحلم، وهو قد مات معنويا بموت زوجته التي تمثل حلمه، رغم هذا فالكاتب لا يتذكر عند موته إلا اليد التي تعانقت مع الحلم حين سلمت على الزعيم الشريك ناصر.
-يميل الكاتب لاستخدام الفنتازيا لكنه يستخدمها بطريقة فريدة تجعلها بديلا عن الرمز وتدخل بالمتلقي في عالم المجاز "وضع خرطوما في فمي فخرجت الأقراص والسموم، وروائح الطعام التي ألفتها منذ ألف سنة .. ولم يرَ أن ذلك حسن، ثقبَ رأسي بالكهرباء حتى اختفت كل الألوان .. ولم يرَ أن ذلك حسن، نزع النهر من دمي وصحّر صحوي ومنامي حتى شعرت أني إطار بلا أضلاع ...." فهذه الفقرة تقع بعد قص بلغة عادية قبلها ولغة عادية بعدها وبالتالي فيمكن تأويل هذا الجزء من النص على أنه إحالة مكثقة لمعاني باطنية، خاصة أن القصة بدأت بشخص ينقذ شخصا من الانتحار، ولكن الشخص الذي وصل للانتحار لا شك لم يكن شخصا يمر بظروف عادية؛ لذا حين تكلم عن نفسه بضمير المتكلم في الفقرة السابقة حضر كأنه شاعر يتكلم بلغة شعرية مجازية، ولكن لأن الخطاب في عمل سردي جاء فنتازيا تصويرية لها دلالتها الوظيفية، إن مثل هذه اللمحات تجعل العمل أكثر ثراء على المستويين: الفني والموضوعي
- استخدام المماثل الدرامي.. في معظم القصص نجد أن الكاتب يجد شبيهه في الحالة الإنسانية ويتكلم بصوته في فقرة وعن شبيهه في فقرة .. وبهذا يدمج بين عدة تقنيات سردية كسرد الأصوات والراوي، ولكنه لا يكون مجرد العليم عن بعد، بل العليم فعلا الذي يتبادل هو ومثيله الأدوار لكتابة قصة واحدة وقد حدث هذا في قصتي من أوراق عبد الرحمن جميل وغابات القمر والصمت، وقد تتوسع الحالة ليصير الشبيه مجموعا من نوع الناس أو الكائنات كما في صياد النهار حيث يلتفت في البداية لتصاريف الشتاء مع النمل ثم يزحف لرؤية جموع الناس الخارجين للصباح، ثم سرعان ما يعود ليتبادل قصة ميلاد وموت طفل ناقص مع أحد الآباء. وهذا الاستخدام يجعل من التجربة الفردية حالة عامة، بغض النظر عن النتيجة التي تصل إليها، والتي تتغير حسب النهاية التي هي غاية القص غالبا، فقد تكون نهاية درامية، أو ساخرة، أو فلسفية، ولكن النهايات دائما والتي نسبت لها المجموعة "نهايات صغيرة" هي من صميم رؤيا الكاتب التي يراها من مكونات الحياة سواء كانت خاسرة أو رابحة.
- التوسع في البحث عن التفاصيل وتقاطع الحدث مع حدث آخر شهير مثلما تقاطعت قصة "سلامة إلياس" بشكلها الذي أراده الكاتب مع قصة "سلامة بخير" الفيلم الشهير للراحل نجيب الريحاني، وأطن أن القصد موجود عند الكاتب في كتابة قصة تتقاطع مع قصة منذ العنوان. كما نجد في هذه القصة البحث عن حواشي كثيرة للحدث تدور حوله تارخيا وآنيا بعدد من الشخصيات والأحداث والرؤى وتداعيات كل هذا، إن هذه القصة منفردة بعيدا عن سياق مجموعة كهذه هي عمل لا يعني شيئا كبيرا ، لكنها في هذه المجموعة وفي هذا السياق الرؤوي تمثل نقطة مهمة في تمام الدائرة الفنية والموضوعية للكاتب، فهو كما يوحد البشرية في تجربتها في الحاضر، يرى أن الإنسان هو الإنسان في كل العصور. تتأكد هذه الفكرة في قصة نهايات صغيرة التي سميت المجموعة باسمها، حيث العالم بتقلباته واختلافاته وتشابهاته وتفاوت وظائف أفراده وأعمارهم وأشكالهم وثقافاتهم في قطار، حيث يمثل الجميع شيئا واحدا هو الحياة الإنسانية.. الحياة التي ليست بعيدة عن الموت الذي كما طال الشاب الصغير صديق الراوي الذي علم بموته من صفحات الميديا، طال جاره في الكرسي ببساطة لا مثيل لها.