طلعت رضوان - حقيقة ما جرى في اغتيال شهدى عطية الشافعى

مات عبدالناصر فى شهر توت/سبتمبر1970، أى مضى على رحيله 49 سنة، وبالرغم من ذلك مازال (ناصريون) ومعظم الماركسيين يـُـردّدون مقولة أنه (قائد حركة التحررالعربى) و(زعيم الأمة العربية) و(حليف العمال والفلاحين) و(مُـحقق الاشتراكية العربية) إلى آخر تلك المقولات التى تحتاج كل واحدة منها إلى مناقشة مستقلة، لبيان ما فيها من (مغالطات) ولكننى أردتُ التوقف عند أشهر المقولات وهى أنّ حكم عبدالناصر(شمل الإيجابيات والسلبيات) وأنّ أصحاب هذه المقولة لايرون فى السلبيات إلاّ سلبية واحدة (المعتقلات)

وبالرغم من اختلافى الجذرى مع تعبير (الإيجابيات) حيث تحفظى وملاحظاتى على كل واحدة.. وحتى بالفرض أنها (إيجابيات) كما يراها المُـتيمون بعبدالناصر، فهل تلك (الإيجابيات المُـختلف حولها) تــُـبرّر القول بأنه لم يكن دكتاتوريـًـا.. وأنّ حكمه ((كان فرديـًـا)) على حد قول لطفى الخولى- مجرد مثال- وهل تلك (الإيجابيات) تــُـبرّر جريمة توريط الجيش المصرى فى اليمن؟ وهل تــُـبرّر جريمة هزيمة عام 1956 وجريمة هزيمة بؤونة/ يونيو 67؟ وهل تــُـبرّرجريمة اعتقال الشرفاء من الماركسيين الذين أيـّـدوه؟ وليت الأمر اقتصرعلى الاعتقال.. ولكنه تمادى لدرجة القتل على بوابة المعتقل..كما حدث مع شهدى عطية الشافعى.

***

شهدى عطية الشافعى (1911- 15 يونيو 1960) اشترك فى الحركة الطلابية، ليندمج بعد ذلك فى الحركة الوطنية..وقد أتقن اللغة الإنجليزية..وعمل مدرسًا لتلاميذ المرحلة الثانوية.. وحصل على منحة من وزارة المعارف (أى وزارة التعليم) ليلتحق بجامعة أكسفورد.. وبعد حصوله على الماجستير عاد من انجلترا إلى مصر ليعمل فى وزارة المعارف سنة 1947.. وكان أول مصرى يـُـعين مفتشــًـا للغة الإنجليزية بالمدارس المصرية. انضمّ إلى أحد التنظيمات الشيوعية (أسكرا) وبعد يوليو 1952 انضم إلى تنظيم (حدتو) الذى يعتبره كثيرون (يمين اليسار المصرى) واشترك مع عبدالمعبود الجبيلى فى تأليف كتاب (أهدافنا الوطنية) عام1945.. ومن أشهر مؤلفاته كتابه (تطور الحركة الوطنية المصرية: من عام 1882- 1956) وكتابه (أمريكا والشرق الأوسط) وساهم فى تأسيس اللجنة الوطنية للطلبة والعمال فى فبراير 1946 وهومن أبرز الماركسيين الذين أيـّـدوا ضباط يوليو 1952.

استمر (إيمان) شهدى بالضباط عمومًـا وبعبدالناصر بصفة خاصة، حتى فى اللحظات الحرجة من تاريخ القمع الناصرى..وعدوانيته تجاه الشيوعيين.. وبالرغم من ذلك لم يتزعزع (الإيمان) بالناصرية حتى أثناء حملة الاعتقالات، فكان شهدى يقول لشباب الماركسيين المُعتقلين: لاتقلقوا، ليس لنا شأن بما يجرى (من اعتقالات) و((وقد جئنا إلى المعتقل بطريق الخطأ..والمسائل كلها معروضة على الجهات العليا..وسوف تنتهى فى أيام قليلة)) (الشيوعيون وعبدالناصر- د. فخرى لبيب- شركة الأمل للطباعة والنشر- عام1990- ج1- ص125) وأنا تعمّـدتُ الاستشهاد بكتاب لبيب لأكثر من سبب: 1- معرفتى الشخصية به.. وأنه كان يتميـّـزعن كثيرين من الماركسيين بالصدق والأمانة فيما يكتب 2- أنه كان شاهد عيان على ما حدث فى معظم معتقلات عبدالناصر 3- معظم صفحات كتابه (فى الجزءيْن) عبارة عن لقاءات أجراها مع زملائه الماركسيين بعد خروجهم من المعتقل 4- أننى راجعتُ ما ذكره بما جاء فى كتب باقى الشيوعيين الذين كتبوا عن معتقلات عبدالناصر، فوجدتُ التطابق فى الرواية الواحدة.

وعن اللحظات السابقة على وفاة شهدى ذكر فخرى لبيب أنه بمجرد دخولنا بوابة المعتقل، استقبنا الضباط والجنود (بحفلة التعذيب) وسمعتُ الضابط (يونس مرعى) يسأل: أين شهدى عطية؟ فقال شهدى: أنا هو، فانهال صغار الضباط والجنود عليه ضربًـا بوحشية.. وكانوا يـُـغرقون جسمه ووجهه فى ترعة بجوار الطريق، ثم يخرجونه من الترعة ليواصلوا ضربه، ثم يعيدون إغراقه فى الترعة من جديد.. وهكذا ظلوا يضربونه حتى مات (المصدرالسابق- ص425)

وبدأتْ المأساة بالضابط الذى سأل شهدى: اسمك إيه يا ولد؟ قال شهدى: أنا مش ولد. شتمه الضابط فقال: أنا شهدى عطيه..وأنت تعرفنى.. واستمرالضرب لعدة دقائق.. وصرخ زملاؤه فى العنبر: يا قتله يا مجرمين.. شهدى قطع النفس.. زميلنا مات يا نيابه.. وذكرالمناضل إكرام محارب: جاءتْ دفعة جديدة من المعتقلين..وكان بها شهدى عطيه.. وحدث معه مثلما حدث مع فريد حداد.. وسمعنا صوت الضابط عبداللطيف رشدى وهو يقول للعساكر: اضربوه على جنبه، شوفوه يحب ياكل إيه (من أصناف التعذيب).. وقال صابر زايد فى شهادته أنه بعد ضرب شهدى بالشوم: سقط قائد جماعة حدتو.. ومات حليف النظام الناصرى.. والحريص على التميز عن الشيوعيين.. وقال لطفى الخولى فى شهادته: إنّ هيكل أخبره بتدخل بن بيلا..وطلب من عبدالناصر وقف التعذيب.. وأنّ عبدالناصر تظاهر بعدم معرفته.. وبعد أنْ عرف استمر التعذيب.. ولم يحدث أى تغيير.. وعقــّـب فخرى لبيب: لقد تأكدنا من خطأ عبدالمنعم الغزالى وشهدى عطية، من أنّ اعتقال جماعتهم (حدتو) حدث عن طريق الخطأ غيرالمقصود بإعتبارهم أعضاء فى الحزب الشيوعى.. وبالرغم من أنّ المحكمة برّأتْ عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم، فقد وُضعا معنا فى نفس السلسلة.. من الأوردى إلى الواحات.. ولم يـُـفرج عن أحد.. وغدتْ المسألة واضحة: إنها مسألة سياسية. الاعتقال بقرارسياسى.. والإفراج بقرارسياسى.. ولا أوهام حول يمين ويسار. (فخرى لبيب- مصدرسابق- ج2- الصفحات144، 232، 365، 530)

وذكر لبيب أنّ قائد المعتقل كان يفرض علينا (فى طابور الصباح والمساء) الهتاف بحياة عبدالناصر.. وأنّ من يرفض مصيره التعليق على العروسة لجلده، لقد رفضوا الهتاف لمن أمر بإعتقالهم، بينما هتفوا له وهم خارج الأسوار (هتفوا للبطل الوطنى) فكيف يهتفون لجلادهم ثلاث مرات فى الطابور الواحد؟ (ج2- الصفحات 73، 77، 96، 125، 130) وأنّ العامل نجاتى عبدالمجيد الذى رفض الهتاف وضعوه فى البكابورت.. وجعلوه يحتضن جثة كلب ميت لمدة يوميْن (من ص130- 134) ووصل الأمر لدرجة ترديد أغنية: يا جمال يا مثال الوطنية.. وكان تعليق الشيوعيين: إنّ موقفنا أشبه بموقف الروس الذين ماتوا وهم يهتفون: عاش ستالين (ص160)

وذكر لبيب أنّ معظم المعتقلين أيــّـدوا شهادة المناضل عبد المحسن شاشة، الذى سمع الضباط الذين حققوا معه وهم يتحدثون بسعادة لسفرهم إلى أمريكا فى (دورة تدريبية) وربـْط ذلك بالقيد الحديدى الذى كان فى سيقان المعتقلين.. وتبين أنه صناعة أمريكية.. وذكر الذين اعتقلوا قبل وبعد يوليو1952، أنّ معتقلات عبدالناصر شهدتْ شراسة وهمجية، لم يسبق لها مثيل فى أحلك عصور الاستعمار (ج1- ص339) وأنّ التعذيب فاق ما وصلتْ إليه المعتقلات النازية (ج2- ص213، 233).

----------------------
طلعت رضوان
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...