قال الفلاسفة قديماً أن الفلسفة هي حب الحكمة، وقالوا بأن الحكمة هي الفضيلة، لا زالت المشكلة قائمة حول الفضيلة نفسها، فلكي تكون هناك فضيلة يجب أن نعرف حدودها لنعرف أغراضها، ونعرف حدودها من خلال أغراضها، ثم نقل لنا لالند في موسوعته بعض التطورات التي لحقت بتعريف الحكمة، ولم نجد فيها الكثير، فعند الرواقيين هي الفضيلة بالمعنى العقلي للقوة النفسية، فحل معناها هذا محل المعنى الأخلاقي، وهذا ما ذكرناه من ضرورة معرفة الحدود، إذ رسم الرواقيون لها تلك الحدود بحسب آيدلوجيتهم، ويذكر لالاند أن شيشرون يطابقها بالمعرفة أو العلم. وهي عند ليبنتز المعرفة الكاملة بمبادئ العلوم كلها وبفن تطبيقها، وفي هذا توسعة محل نظر، ثم هناك معنىً لغوياً يحصر استعماله على المعرفة التأملية والفطرية التي لا يبلغها الإدراك المجرد. وهذا قول جد فضفاض.
ثم يورد لنا عبارة عارضة من روسو وجدنا أنها تحسن أساسا لما نود قوله وهي: "عبثاً تنطق الحكمة وتنطلق من فمكم؛ فصوت الطبيعة أقوى وأشد".
(لالاند 1234، 1235).
أما الفقهاء المسلمون، فقالوا هي السُّنة، وهذا ما لا معنى له، إلا ما قاله السعدي في تفسيره بأنها وضع الشيء في موضعه، وهذا لا بأس به وإن كان ذلك أيضاً يشمل صغائر الأمور وعظائمها فهو قريب من الحصافة.
وهكذا تبدو الحكمة بحاجة إلى المعنى. وهي تبدو أقرب إلى التبصر، وإن كان ذلك ينزع عنها البعد الأخلاقي. لذلك فالرأي عندي أن الحكمة كل محاولة للملمة شعث الفوضى المحيطة بالإنسان، فالمعارف حكمة لأنها تحاول جاهدة أن تلملم الفوضى، والفنون والأداب والبناء المؤسسي إجتماعيا أو سياسياً أو ثقافياً..وليس في هذا خلط؛ لأن الحكمة ليست العمل ولا ناتجه بل مجرد التفكير فيه. فهي سابقة على كليهما. فكل تفكير في تنظيم الفوضى الإنسانية والمحيطة بالإنسان، هي نزوع يناقض الأصل الكوني، أي النزوع إلى الفوضى، ولربما لولا حدود القدرة الكونية لما بقى شيء في هذا العالم من عنف الفوضى. إن القانون مثال صريح على ذلك، إذ يعد تطوراً من الصراع الدموي إلى الصراع الأقل دموية، حتى وإن كان القانون نفسه نتاجَ قانون الغاب، فهو نزوع إلى التنظيم وفي هذا حكمة. غير أن المشكلة الأكبر هي أن الحكمة التي تنطلق من الإستثناء لا الأصل ليست سوى حكمة مؤقتة، قلقة ولا يمكن التعويل عليها، وهذا ما يفقد الحكمة حكمتها. وإذا كانت الجملة المخففة للعلاقة التنازعية بين أصل الفوضى واستثناء النظام يطلق عليها "النسبية" فذلك إذاً يؤكد على نسبية الحكمة، فحكمة الأمس ليست حكمة اليوم وحكمة جماعة قد لا تكون حكمة عند جماعة أخرى.
إن الحكمة تعاني من أزمة لا سبيل لحلها إلا إن كان الإنسان والكون مطلقين، وهو المستحيل بعينه، ذلك أن صوت الطبيعة أقوى وأشد.
ثم يورد لنا عبارة عارضة من روسو وجدنا أنها تحسن أساسا لما نود قوله وهي: "عبثاً تنطق الحكمة وتنطلق من فمكم؛ فصوت الطبيعة أقوى وأشد".
(لالاند 1234، 1235).
أما الفقهاء المسلمون، فقالوا هي السُّنة، وهذا ما لا معنى له، إلا ما قاله السعدي في تفسيره بأنها وضع الشيء في موضعه، وهذا لا بأس به وإن كان ذلك أيضاً يشمل صغائر الأمور وعظائمها فهو قريب من الحصافة.
وهكذا تبدو الحكمة بحاجة إلى المعنى. وهي تبدو أقرب إلى التبصر، وإن كان ذلك ينزع عنها البعد الأخلاقي. لذلك فالرأي عندي أن الحكمة كل محاولة للملمة شعث الفوضى المحيطة بالإنسان، فالمعارف حكمة لأنها تحاول جاهدة أن تلملم الفوضى، والفنون والأداب والبناء المؤسسي إجتماعيا أو سياسياً أو ثقافياً..وليس في هذا خلط؛ لأن الحكمة ليست العمل ولا ناتجه بل مجرد التفكير فيه. فهي سابقة على كليهما. فكل تفكير في تنظيم الفوضى الإنسانية والمحيطة بالإنسان، هي نزوع يناقض الأصل الكوني، أي النزوع إلى الفوضى، ولربما لولا حدود القدرة الكونية لما بقى شيء في هذا العالم من عنف الفوضى. إن القانون مثال صريح على ذلك، إذ يعد تطوراً من الصراع الدموي إلى الصراع الأقل دموية، حتى وإن كان القانون نفسه نتاجَ قانون الغاب، فهو نزوع إلى التنظيم وفي هذا حكمة. غير أن المشكلة الأكبر هي أن الحكمة التي تنطلق من الإستثناء لا الأصل ليست سوى حكمة مؤقتة، قلقة ولا يمكن التعويل عليها، وهذا ما يفقد الحكمة حكمتها. وإذا كانت الجملة المخففة للعلاقة التنازعية بين أصل الفوضى واستثناء النظام يطلق عليها "النسبية" فذلك إذاً يؤكد على نسبية الحكمة، فحكمة الأمس ليست حكمة اليوم وحكمة جماعة قد لا تكون حكمة عند جماعة أخرى.
إن الحكمة تعاني من أزمة لا سبيل لحلها إلا إن كان الإنسان والكون مطلقين، وهو المستحيل بعينه، ذلك أن صوت الطبيعة أقوى وأشد.