أ. د. عادل الأسطة - قراءة في قصص ماجد أبو شرار.. محاولة لرسم صورة له من خلال قصصه

يعتبر ماجد أبو شرار علماً بارزاً من أعلام القصة الفلسطينية القصيرة في الستينات ، وقد بدأ ينشر قصصه على صفحات مجلة "الأفق الجديد" الصادرة في الأردن بينَ الأعوام 1959-1966 ، هذه المجلة التي احتضنت أسماء عديدة ، ومن ضمنها ماجد ، كان لها فيما بعد ، حضورها المميز في عالم الثقافة الفلسطينية: محمود شقير ويحيى يخلف وخليل السواحري وحكم بلعاوي ونمر سرحان وفخري قعوار (أردني) وصبحي شحروري ، وقد توقف ماجد بعد حرب حزيران عام 1967 عن كتابة القصة القصيرة لكي يتفرغ ، كلياً ، للعمل السياسي ، ومن ثُمَّ عرف مناضلاً سياسياً نقياً أكثر منه كاتب قصة. ولكنه ، كما يذكر يحيى يخلف في المقدمة التي كتبها للمجموعة القصصية الوحيدة التي صدرت لماجد ، ضامة بينَ دفتيها القصص التي نشرها ماجد على صفحات الأفق الجديد ، "لم يهجر القصة. وظل طوال السنوات العشر الماضية يكرس وقته للعمل اليومي كمسؤول عن دائرة الإعلام في فتح، ثُمَّ كمسؤول للإعلام الفلسطيني الموحد ، ظل يمارس الكتابة السياسية والعمل السياسي ، أما القصة فهي التجربة التي يكتبها ويختزنها في أعماقه. ظل ماجد ذلك المثقف الثوري الذي يحترم الثقافة ويتأثر بها ، ويساهم في تنشيطها". (1)

ولا ندري أن كان ، إلحاح أصدقاء ماجد عليه ، فقط ، هو ما حثه على إصدار قصصه في مجموعة في تلك الفترة المتأخرة ، أم أن ماجد رأى أن قسماً كبيراً من قصصه ما زال يعبر عن الواقع الفلسطيني ، واقع اللجوء والنفي والملاحقة من أنظمة القمع العربيّة.

وعلى أية حال ، فان الحركة الأدبية الفلسطينية خسرت بتوقف ماجد أبو شرار عن الكتابة أديباً كان يمكن أن يشكل إضافة نوعية مميزة ، تماماً كما أن الحركة الوطنية الفلسطينية خسرت باغتياله مناضلاً نقياً ومخلصاً ، وهذا ما يعترف به العديدون من معارفه وأصدقائه الذين رأوا أن خسارته – حيث اغتيل في تشرين الأول في روما على أيدي الموساد- فادحة ، ولا تعوض. وهنا يمكن اقتباس بعض الأسطر الشعرية من قصيدة محمود درويش في رثائه لتبيان موقف المثقفين منه:

صديقي ، أخي ، يا حبيبي الأخيرا

أحبك إذ أحب طلاق روحي

من الألفاظ ، والدنيا هديل

ولو ... لو أستطيع رفعت حيفا

كقنطرة ، لتبلغك الخليل

أحقاً أن هذا الموت حق

وأن البحر يطويه الأصيل

وأن مساحة الأشياء صارت

حدود الروح مذ غاب الدليل

صديقي ، يا صديقي ، يا صديقي

أتعلم أن صمتك مستحيل (2).

ونظراً لأن المعلومات المتوفرة ، هنا في الضفة الغربية ، عن ماجد قليلة ، بل ونادرة، فإنني سأعتمد على قصصه لانتزاع صورة له ، أعتقد أنها –أي الصورة المنتزعة- تؤكد ما يقوله أصدقاؤه (3) عنه ، وسوف أقتصر أيضًا على أربع قصص قصيرة ، فقط من مجموعته. وإذ أرى بحق ، فان هذه القصص الأربع تقدم لنا صورة عن الهاجس الذي كان يطغى على تفكير كاتبها في الستينات ، هذا الهاجس الذي حدا به إلى الاندغام بالثورة والتفرغ لأجلها وبذل حياته دفاعاً عنها لدرجة الاستشهاد. كما أنها –أي هذه القصص- تصور لنا البيئة التي أوجدت هذا الهاجس وأذكته وشكلت شخصية حامله ، وأثرت فيها لتجعل منها شخصية تدافع عن الجموع المظلومة ، شخصية لا تفكر في الذات إلا أقل القليل ، لأنها ترى أن المرء لا يمكن أن يعيش سعيداً في محيط بائس.

وهذه القصص الأربع كتبت بينَ عامي 1959-1964 ، وهي قصة "برازق" 1959 ، وقصة "مكان للبطل" (1960) ، وقصة "النجار الصغير (1961 وقصة "أفاعي الماء" (1964)، وسوف أغض الطرف عن قصة "صورة" (1962) التي جعلها ماجد تتصدر قصص المجموعة ، لأن ثمة تشابهاً بينها وبين قصة "النجار الصغير" من حيث أن كلتا القصتين تعكسان واقع اللجوء الفلسطيني بعد حرب 1948.

ولسبب أو لآخر لم ترتب القصص وفق الزمن الكتابي لها ، فقد احتلت قصة "صورة" (1962) المكانة الأولى ، تلتها قصة "مكان للبطل" (1960) فقصة "النجار الصغير" (1961) فقصة "أفاعي الماء" (1964) ، أما قصة "برازق" (1959) فقد تلت قصة "سلة الملوخية" (1960)، وهاتان القصتان الأخيرتان لا تختلفان عن بعضهما البعض ، فكلتاهما تتناول الهم الاجتماعي منفصلاً عن الهم الوطني ، خلافاً لقصة "النجار الصغير" التي يتداخل فيها الهمان ، بحيث يبدو الهم الاجتماعي ، كما سبق ، ناجماً عن الهم الوطني ، وبتعبير أوضح فان واقع الفقر الذي يعيشه شخوص قصة "النجار الصغير" يعود إلى فقدان الوطن الذي نجم عنه فقدان الأب.

يسرد لنا القاص في قصة "برازق" قصة بكر بائع البرازق ، بكر الإنسان البسيط الذي يعيل ، من خلال عمله المتواضع هذا ، زوجته الحامل. ويبدو بكر فرحاً على الرغم من فقره، ولا يخرجه عن حالة الرضا هذه سوى فقدانه لرأسماله نتيجة تكسر أقراص البرازق جميعها حين وقع على الأرض اثر دوسه على قشرة موز. ويحاول أنا القاص ، وهو مدرس ، أن يساعده ، فيعرض عليه ديناراً ، إلا أن أهل الحي - باستثناء "واحد فقط رفض أن يساهم بحجة أن ذلك يفسد بكراً الذي يجب أن ينتبه أكثر ... هذا الواحد كان صاحب مخزن البضائع الكبير في السوق". (3) - يقدمون لبكر المساعدة ليعود إلى مهنته من جديد.

ويعاني بكر ، من جديد ، من مشاكل مالية ، فزوجته مريضة وهو لا يقوى على علاجها ، ويعرض أنا القاص ، على بكر ، المساعدة من جديد ، إلا أن بكراً يرفض "لأنه لن يقبل ثانية حسنة من الناس" .

ويفتقد أنا القاص بكراً ، دون أن يعرف عنه ، لمدة عام ، شيئاً.

وحين ينتقل من مدرسته الى مدرسة أخرى في حي آخر يلتقي ثانية ببكر الذي يكون قد فقد زوجته ، ولكنه واصل مهنته ضمن ظروف حياتية جديدة ، فقد أخذ "يضع صينية البرازق على عربة لها ثلاث عجلات وقد استقر في قمر العربة طفل صغير يرضع إبهامه ، لا يزيد عمره عن عام واحد. (4)

ان هذه القصة تعتبر نموذجاً جيداً لإعطائنا صورة عن شخصية ماجد ، صحيح أن القاص يستخدم ضمير المتكلم في القصة "كان يطيب لي أن أمر كل يوم ببكر...." ، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن يكون أنا القاص ، دائماً ، هو الكاتب نفسه ، إلا أن بعض المعلومات القليلة التي نعرفها عن ماجد تسعفنا هنا ، وتدفعنا للقول: ان الكاتب وأنا القاص هما ، في القصة ، شخص واحد. فنحن نعرف أن ماجد عمل مدرساً . وإذا ما أخذنا بذلك – أي اعتبرنا أن الكاتب وأنا القاص هما شخص واحد – فان هذه القصة تقدم لنا صورة لماجد أبو شرار.

هنا يبدو ماجد شخصاً يتعاطف مع الفقراء ويقف الى جانبهم ، يسأل عنهم ولا يحترم من يتكبر عليهم . فهو حين يفتقد (بكرا) البسيط يسأل عنه ، وإذا تلم بهذا مصيبة يمد يد العون له "تقدمت من بكر وأحطت كتفه بذراعه ومددت اليه بورقة نقد من فئة دينار ، فأجفل" (5).

مقابل هذا الموقف من الفقير ، فإننا نجد وصفاً لموقفه من الغني الذي لا يتعاطف مع بكر . وفي الوقت الذي تقدم صاحب صالون الحلاقة المتواضع وساعد بكراً ، مثله مثل جميع أهل الحي ، يرفض التاجر أن يفعل مثلهم. هنا تبرز ثنائية تكرر غير مرة في قصص ماجد أبو شرار: ثنائية الفقير/ الغني أو طيبة الأول / عجرفة الثاني . (مثلاً العم في قصة سلة الملوخية يساعد ، بمقدار ، أبناء أخيه المتوفى ، ويبدو في القصة قاسياً ويوصف باللعين ، وأيضاً تحتوي قصة "النجار الصغير" على صورة مشابهة ، فصاحب المطعم يحتقر الطفل الصغير ويشتمه باستمرار. هنا تتخذ هذه الثنائية بعداً متقدماً: المستغِل والمستغَل).

إن هذا الانحياز المبكر لهؤلاء الناس البسطاء ، هكذا أرى ، هو الذي شكل فيما بعد انحياز ماجد للتيار النقي داخل الثورة ، وهو ما يبدو واضحاً وضوحاً كبيراً في قصة "مكان للبطل".

لقد أهدى ماجد أبو شرار قصته هذه التي يدور زمنها القصصي في عام 1948 وما بعده بقليل الى "إبراهيم أبو ديه" . وهنا لا يتطابق الزمن الكتابي مع الزمن القصصي ، ويحق لنا هنا أن نثير سؤالاً بسيطاً ولكنه ذو دلالة : لماذا يكتب ماجد هذه القصة عام (1960) ثم يعيد نشرها في النصف الثاني من السبعينات؟ فهل أراد ، فقط ، أن يدون قصص الأبطال الذين قاتلوا في حرب 1948 ويدين القيادة في حينه: أم أنه أراد ، وبطريقة غير مباشرة ، أن يدين القيادة القائمة زمن الكتابة ، لأنه لم يَرَ حقاً أنها تفعل شيئاً لأجل التحرير؟

إن قصة "أفاعي الماء" (1964) التي تدين أنظمة القمع في العالم العربي ، لأنها – أي الأنظمة- تلاحق الفلسطينيين ، ما هي إلا تنويع على الفكرة نفسها ، وإن كانت بطريقة أكثر وضوحاً. وكأن ماجد لم ير أدنى اختلاف بين القيادة التي أسهمت في الهزيمة عام 1948 وتلك التي كانت تحكم زمن كتابة القصة.

ونشر القصة ، ضمن المجموعة ، في أواخر السبعينات مقترناً بما عرف عن ماجد داخل حركة فتح يجعلنا أيضاً نثير السؤال نفسه : لماذا ينشر القصة من جديد؟ فهل رأى أن ثمة أفراداً داخل القيادة ما زالوا في تفكيرهم ومواقفهم استمراراً للقيادة القديمة؟.

إن السارد في قصة "مكان للبطل" يقص على المقاتلين الذين يريدون أن يخوضوا المعركة –ويفعلون ذلك- هؤلاء المقاتلون لا يفكرون إلا بطرق صد العدو وإيقاف زحفه؟ ويصمد المقاتلون قدر استطاعتهم ، ويستشهد قسم كبير منهم ، ولا تحثهم القيادة على الصمود، وعلى العكس من ذلك تأتي الأوامر بضرورة الانسحاب. وهكذا تقوم القصة على ثنائه المقاتل المخلص و/القيادة الخائنة.

سأقتطع من القصة النص التالي لتوضيح ذلك:

"ويتصل بالقيادة باسطاً سير المعركة ، سيأتي الرد مذهلاً موجزاً:

-انسحبوا وفوراً ................

بمنتهى البساطة تتخلى القيادة عن القطمون ... ويصعد الى أعلى الدير ليجد عبد الرحمن وقد أصيب بإصابة قاتلة ... وجبر بإصابة في ساقه ولكنه لا زال في أوج قوته ، ويبادره جبر قائلاً: - سيدي ... لا فائدة ... انسحبوا وسأحميكم " (6).

ويتابع السارد:

"وفي السنوات القليلة التي تلت موت جبر ... والتي قضاها إبراهيم طريح الفراش في المستشفى بعد إصابته في إحدى المعارك كان يستدعي دوماً سالم وإخوته ليذكرهم بوالدهم جبر ... البطل الذي منح الحياة لزملائه نظير موته" (7).

ويتابع ماجد نفسه هنا مهمة إبراهيم ، فيقص علينا قصته ، ولكنه لا يجلس طريح الفراش ، وإنما ينضم الى الثورة ليكون مصيره مثل مصير جبر . وكأن الشخوص الذين مجدهم في كتاباته كانوا النبراس الذي يضيء له الطريق.

تعبر قصة "النجار الصغير" (1961) عن الواقع الفلسطيني بعد حرب 1948 ، واقع المنفى واللجوء . وهي ، ومثلها كذلك قصة "صوره" (1962) ، تصلح لأن تكون نموذجاً لما اصطلح النقاد على تسميته بأدب النكبة ، وهذا الأدب الذي تبرز فيه بوضوح ثنائية الماضي/الحاضر أو الحياة الحرة الكريمة في الوطن مقابل حياة الذل في المنفى.

يقص السارد علينا صورة لحياة كمال الذي استشهد والده ، وهو يحارب اليهود في يافا ، في المنفى . وهناك ، في المنفى يعيش حياة الفقر وما يترتب عليها من إذلال واحتقار. ويضطر كمال هذا إلى العمل ، وهو فتى يافع ، في مطعم أبي حسن الذي يضطهده ويكثر من شتمه. ويحتمل كمال الشتائم ، ولكنه ، في النهاية ، يتمرد فيكسر أواني المطعم أمام أبي حسن ويغادر.

"والدي ليس كلباً كما يدعي أبو حسن ، قالت أمي: إن أبي كان نجاراً في يافا (نجار قد الدنيا) وإننا كنا نأكل اللحم كل يوم ونلبس أحذية جديدة كل صباح عيد حيث تمتلئ أيدينا (بالتعاريف) وإننا ذهبنا مرة الى موسم النبي موسى" (8).

إن العودة الى الوطن تعني هنا بالضرورة ، أو هكذا يتخيل ، العودة الى الحياة الحرة، ويصبح المنفى رمزاً للذل. وخلافاً لكنفاني في روايته "رجال الشمس" الذي أنطق أبو الخيزران ، وهو يلتقي بجثث الفلسطينيين الثلاثة الذين ماتوا في الخزان بالعبارة التالية:

"لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟". يكتفي ماجد بجعل الصغير يتعلم مهنة النجارة حتى يتخلص من واقع الذل بتخلصه من العمل في المطعم . وقد يكون من غير المعقول ، فنياً، لو فكر الصغير بحل مشكلته من خلال التفكير بتحرير الوطن ، والعمل على تحقيق ذلك من خلال الممارسة.

وثمة ثنائية أخرى ، في هذه القصة ، ترتبط بثنائية الماضي / الحاضر ، وهي ثنائية المستغِل / المستغَل. ويتمثل الأول في شخصية صاحب المطعم والثاني في شخصية كمال . ولكن استغلال الأول للثاني ، ومن ثم اضطهاده واحتقاره ، لا تبقى بلا نهاية. وتنتهي القصة بتمرد كمال وتكسيره الأواني . صحيح أن هذا التمرد ليس فعلاً ايجابياً يحل المشكلة من أساسها ولكنه ذو دلالة مهمة . وهذا الطفل الصغير المتمرد هو الذي سيصبح فيما بعد متمرداً على واقعه كله ، وهو الذي سينضم الى المقاومة ، وقد يكون تمرد كمال انعكاساً لتمرد ماجد نفسه على واقعه الذي فيه قدر غير قليل من الإذلال.

في عام 1964 يكتب ماجد قصة "أفاعي الماء" ، وفيها لا يتحدث عن ثنائية الماضي/الحاضر أو الغنى/ الفقر ، أو المستغِل / المستغَل ، إنه يكتب عن عالم القمع الذي يعاني منه المواطن الفلسطيني في البلدان العربية . وإذا كانت القيادة في قصة "مكان البطل" تعطي الأوامر بالانسحاب من أرض المعركة فان نظام بلد عربي في هذه القصة غير مسمى، يلاحق الفلسطينيين ويقمعهم لدرجة القتل.

في هذه القصة نستمع الى صوت أنا القاص . ويقص علينا هذا عن اختفاء أخيه صخر في مدينة بعيدة تظل نكرة. ولا يعرف أقرباؤه عنه شيئاً . ويسافر أنا القاص الى تلك المدينة ، وفيها يلتقي بشخص كان قد أخذ عنوانه من زميل له يقيم في مدينة القدس ، ويعمل هذا الشخص على مساعدته في البحث عن أخيه ، ولا يصلان الى نتيجة. ويقول أنا القاص:

"ولكنه أكد لي في النهاية أنه ، في الظاهر ، مات في حادث سيارة ، والقتل في حوادث السيارات في هذه المدينة يعني أن القتيل قد أعيد قتله بعد أن يتم ذلك تحت نير التعذيب لتدفن الجريمة وتضيع معالمها تحت عجلات سيارة مجهولة تمزق الجسد الميت". (9) ويغادر السارد الفندق ، ومن ثم المدينة ، "شمسها لا زالت تلهث في طيات الحب والمطر ينهمر بغزارة تغيظه ... وأشجار البساتين حول المدينة ما عادت تذكره ببيارات ساحل بلده المسروق بل تبدو في عينيه عيدان مشانق والغيمات من فوقها أسراب غربان كثيفة ، وأفاعي الماء لا زالت تتلوى بنذالة في وحل الشارع " (10).

واعتقد أن رؤية أنا القاص للواقع في العالم العربي هي رؤية ماجد نفسه. انه يختفي خلف السارد. وقد ظل هنا موقف ماجد من أنظمة القمع العربية على ما هو عليه موقف أنا القاص في هذه القصة حتى استشهاده ، فهو لم يؤمن بها ولم ير فيها شيئاًُ ايجابياً بالنسبة للفلسطينيين، ولقد رأى فيها أبعد من ذلك ، فبعض هذه الأنظمة لا تكتفي بعدم الفعل ، إنها تعيق من يريد أن يفعل من الفلسطينيين. ويذكر ماجد في إحدى الندوات التي جرت قبل استشهاده أنه خلال حرب تشرين الأول ذهب مع وفد الى الأردن ليطلب من الحكومة هناك الموافقة على مرور 100 فدائي الى الضفة الغربية إلا أن رئيس وزراء الأردن حينذاك ، زيد الرفاعي ، لم يسمح لهم بتمرير فدائي واحد (11).

وتنتهي قصته "أفاعي الماء" بهذه العبارة الساخرة:

"والعربة المنهوكة لا يزال يركبها مخلوق ملفوف بحرام خَلٍق أسود ترك أمر الجر والقيادة بحكم الموقف للحمار" (12).

وكم من حمار ، في عالمنا العربي ، يجر العربة دون أن يعترض عليه أحد الا قلة قليلة.





الهوامش

1-ماجد أبو شرار ، الخبز المر ، الأسوار ، د.ت. (1982).
2-محمود درويش ، حصار لمدائح البحر ، عكا ، 1984. ص 70 وما بعدها.
وانظر رثاء محمود له في "في وصف حالتنا". عكا 1987. ط2. ص 88 وما بعدها.

3-أ.بعد كتابة هذا المقال ونشره قرأت دراسة بقلم نزيه أبو نضال تحت عنوان "هموم ماجد أبو شرار في "الخبز المر" (الجديد شباط 1985 ص 20-23) يشير فيها إلى أن والد ماجد ترك قريته دوراً إلى غزة ليبني هناك أسرة ثانية ، تاركاً مسؤولية الأم والأخوة والأخوات بيد أكبر أبناء هذه الأسرة وهو ماجد نفسه (21) ويرى نزيه أبو نضال – ومعه الحق في ذلك – "أن عالم ماجد أبو شرار في قصص "الخبز المر" يعكس إلى حد كبير تجربة جيل كامل من المثقفين الفلسطينيين والحياة الفلسطينية في أواخر الخمسينات وبدايات الستينات ، بل لعل ماجد من خلال هذه القصص عكس مستقبله نفسه وحتمية استشهاده المبكر" (ص22). أن غياب الأب وأثر ذلك على العائلة سلباً يبدو بارزاً في العديد من قصص ماجد منها قصتا: "النجار الصغير" و "سلة الملوخية".

3-ب.الخبز المر ، ص 46.
4-ص 47.
5-ص 46.
6-ص 22.
7-ص 23.
8-ص 27.
9-ص 34.
10- ص 35.
11- أنظر ندوة قضايا النضال الوطني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، منشورات اللجنة الثقافية لمجلس طلبة بيرزيت. د. ت ، ص 26.
12- الخبز المر ، ص 35.



ملاحظات:
1-تناول د. سمير شحاده قصة "صورة" من قصص المجموعة بالتحليل . انظر كتابه : القصة الفلسطينية القصيرة ، القدس ، 1990 ، ص 24-38.

2-أنظر: نزيه أبو نضال هموم ماجد أبو شرار في "الخبز المر". الجديد ، شباط 1985.

3-أنظر جمال بنورة ، دراسات نقدية ، الأسوار 1987.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...