رسالة من مارتن هايدغر إلى هوسرل

- رسالة مارتن هايدغر إلى هوسرل

27 أكتوبر

الى الأب والصديق العزيز

أشكرك وزوجتك جزيل الشكر عن الأيام التي قضيتها برفقتكما في فرايبورغ. لقد شعرت ونحن في ضيافتكما بإحساس الابن الذي يزور والداه. لم تكن الإجازة ولا السجالات التي أثرناها خلال العطلة كافية للوقوف على المشكلات الحقيقية التي لا تبرز إلا بالعمل اليومي والاحتكاك الحقيقي بتلك الإشكالات المعرفية. لقد تبين لي في الآونة الأخيرة أن مهمة ملحة تنتظرني، حيث بدأت أدرك أن تأكيدك على السيكولوجيات الخالصة يعطي أرضية صلبة لتوضيح مسألة الذاتية المتعالية، وعلاقة هذه الأخيرة بالنفساني المحض، من أجل تطويرها في شتى محدداتها. انه من المؤسف حقا أنني لم أطلع على البحوث الإجرائية التي قمت بها في السنوات الاخيرة، لهذا قد تبدو انتقاداتي صورية للغاية.

لقد حاولت جهد المستطاع في الصفحات المرفقة تحديد النقط الأساسية، وقد اغتنمت بهذه المناسبة الفرصة لوضع التوجه الأساسي لكتاب الوجود والزمان Sein und zeitفي سياق المشكل المتعالي. لقد تم تحرير الصفحات107/114 بشكل موجز كما هو الحال في المشروع الاول، بيد انه، بالرغم من الإيجاز يظل تصميم الفقرات واضحا. وأما فيما يخص التعديلات الأسلوبية، فلم أقم بانجازها إلا بعد مراجعات مضنية داخل النص/ المرجع. وأما الملاحظات المكتوبة بالأحمر في الهوامش فإنما تهم القضايا الجوهرية (المعرفية/ جانب المعنى) التي جمعتها باقتضاب في الملحق1 من هذه الرسالة. وأما الملحق2 فيتعلق بالتساؤلات دات الارتباط بتنظيم الصفحات المشار اليها. وأما بالنسبة للمقال فانه تكمن النقطة المركزية في طرح اشكالية الفينومينولوجيا على شكل عرض مقتضب وأكثر موضوعية. ويظل التوضيح الشافي للقضايا المثارة إنما هو رهين بالافتراض الأساسي لوضوح العرض ونفي اللبس عنه.

وفيما يتعلق بالمقال أيضا، أود الإشارة إلى أن هدفك يجب أن يقتصر على تقديم واضح لما هو أساسي. لقد تبين من خلال سجالاتنا المتكررة انه يجب التعجيل باخراج هذه الإصدارات نظرا لأهميتها. وقد سبق وان عبرت ، شخصيا، عن هده الرغبة في الأيام القليلة الأخيرة، وبشكل جلي لم يوجد بعد ما يمكن أن نطلق عليه" السيكولوجيات الخالصة". وحتى الآن، توجد العناصر الأساسية في الأجزاء الثلاثة للمخطوط الذي تكلف(ت) landgrebeبتحريره.

يجب أن تصدر هذه البحوث عاجلا، وذلك لسببين اثنين:

1- حتى يتمكن القراء من الاطلاع على أعمال ملموسة وتكون في متناولهم.
2- حتى تتمكن من أخد نفس جديد لتستعد ثانية لعرض أساسي حول إشكالية" المتعالي".

وألتمس منك اعتماد المشروع الثاني الموجه للطلبة كخيط مرشد. لقد انشغلت بقراءته من جديد وأحتفظ بنفس الحكم الذي عبرت عنه في رسالتي السابقة.

وصلتني البارحة من زوجتي رسالة ريشتير richter(نسختها في الملحق3) وقد راسلت Mahnke.

بطبيعة الحال لم أعد بعد لمواصلة العمل نظرا للانشغالات المتزاحمة: التدريس، الأعمال التطبيقية، الندوات بكل من كولون وبون، دون أن أنسى كوكي (kuki). لكن مع ذلك أحس غريزة البحث تنتابني للعودة الى المشكلات. سأذهب في الأسبوع المقبل للقاء مع ياسبرس (Jaspers) الذي أمل أن يزودني ببعض النصائح والتوجهات التكتيكية.

أتمنى أن تهتدي قريبا إلى إتمام هدا المقال الذي سيكون حافزا حقيقيا لبلورة مشكلات فلسفية وجعلها حية في نفسك.

أشكرك مرة أخرى وزوجتك الكريمة على الإجازة الممتعة التي قضيتها برفقتكما. مع خالص المودة والتقدير.

تلميذك المخلص مارتن هايدغر.

* ملحق 1

صعوبات فيما يتعلق ب"الشيء "

إننا متفقان حول النقطة التي تعتبر الكائن بالمعنى الذي تسميه "العالم". لايتضح إلا من خلال "تكوينه المتعالي" بالرجوع الى كائن له نفس نمط الوجود. بيد أن ذدا لايعني أن ما يشكل حيز الترانسدنتالي لايدخل الكائن في نطاقه، بل على العكس من ذلك ، يمكن طرح تساؤل يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، وهو معرفة نمط الوجود الكائن الذي يتشكل "العالم" داخله.

هنا يكمن المشكل المركزي الذي يطرحه كتاب sein und zeit . والذي يتمثل في أنطولوجيا " الوجود-هناك" الأساسية.

وباختصار يجب توضيح كيف أن نمط الوجود لدى "الموجود الإنساني" يختلف جذريا عن نمط وجود الموجودات/ الكائنات الأخرى". وأنه نظرا إلى تميز نمط وجوده يستبطن الكائن الإنساني إمكانية تكوينه/ تشكله المتعالي.

إن هذا التكوين/ البنية المتعالي انما يعتبر بحق إمكانية مركزية لوجود "المكتسب- الواقعي (الملموس) الذي لايمكن اعتباره على الاطلاق " حدثا حقيقيا" ضمن "العالم"، لأن الإنسان ليس فقط كائنا حاضرا/ دائما، بل كائنا موجودا. والعجيب هنا أن التكوين/ البنية الوجودي للكائن- هناك" يجعل تكوينه (البنية) المتعالي ممكنا فيما يخص ماهو "وضعي".

ان الاعتبارات الأحادية الجانب التي تهم الجسدي والنفسي الخالص معا إنما تعتبر مستحيلة مالم ترتكز على شمولية الإنسان الحقيقية الملموسة التي تحدد مند البدء نمط وجوده. من الخطأ الاعتقاد بأن النفساني الخالص مصدره النظرة التي تحكم أانطولوجيا الانسان في شموليته، أي من منظور علم النفس، فهو مند ديكارت نتيجة قبلية للتأملات النظرية التي تبحث في أصول المعرفة (الغنوصية/ الأسرار). ليس العنصر المكون شيئا فارغا بل كائنا إن لم يكن دلك بالمعنى الوضعي(positif). إن مسألة نمط وجود المكون نفسه مسالة لئيمكن بأي حال من الاحوال تجاهلها، لذلك ترتبط مسألة الوجود كونيا بالمكون والمكون معا.

* ملحق 2

بشأن تنسيق الصفحات107.

تتمثل النقطة الجوهرية في معرض الكلام عن المشكل المتعالي، في تفسير مدلول "عدم قابلية الفهم" الكائن. من أي منظور اذن يعتبر الكائن غير قابل للفهم؟ بمعنى أخر، هل يمكن، بل هل يجب تبني قابلية الفهم؟ ماهي المنهجية التي يجب إتباعها لتحقيق هذا الفهم؟ ما المقصود بالأنا المطلق عندما يتميز عن النفساني الخالص؟ ما هو نمط وجود ذلك الأنا المطلق؟ ماهي نقط تقاطعه واختلافه مع الأنا المكتسب؟ ماهي طبيعة الوضعية التي تجعل من الأنا المطلق موضوعا؟ هل يمكن أن نتحدث في هذا الصدد عن ما يسمى بالوضعية؟(الكائن/الموضوع).

خلاصة القول: إن إشكالية المتعالي إشكالية كونية.

* ملحق 3

يسرني كثيرا أن أخبرك أن وزارة التعليم العالي قررت تعيينك أستاذ كرسي بجامعة فرايبورغ. اعتبارا لما تتقاضاه حاليا، سيحدد راتبك الأساسي في 6534 RM سنويا، مع زيادة عادية كل سنتين، حتى يصل راتبك الى 9650RM، وحتى تكاتبني برأيك في هذا الإجراء، يطيب لي أن أخبرك أن الدكتور Mahrke الذي يشتغل بجامعة- privatdozent à Greifswald – قد عين في المنصب الذي تشغله إلى حد الآن.

وتقبل مني أخيرا أسمى عبارات التقدير والاحترام.


.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...