ابريل 2021
عزيزتي غادة السمان،
تحياتي الطيبة أيتها الكاتبة السورية التي شكلت علامة فارقة في تاريخ السرد العربي والنسوي في حقبة كانت الأقلام النسائية او النسوية التي تكتب قليلة في العدد ونادرة في الجرأة. لن أدخل في التقسيم الجندري والطبقي والجنساني الان.
قرأت لك ما استعرته من كتبك وأنا طالبة في المدرسة في أقصى الشمال الشرقي من سوريا. كان لدينا مكتبة واحدة في المدينة الصغيرة "المركز الثقافي" وكنت أستعير وأقرأ. وصلت الى يدي كتبتك الأولى التي صدرت مثل "كوالبيس بيروت& لا بحر في بيروت .." وغيرها. وفرحت بها واستمتعت بعوالمها.
كنت أقرأ باعجاب وبدهشة كتاباتك وأسرح في عوالم بعيدة عن سقف البيت والمدينة والعالم الصغير المحيط بي. ولاحقا قرأت بوعي مختلف وأثر نضجا كتبتك واعتبرها حتى الان مرحلة جميلة وأعتز بكونك أيقونة كسرت النسق الخانق وقدمت سقفا أعلى في تحرير الخطاب الأنثوي والنسوي من بعض القيود. وليس هذا موضوع مقالي اليوم.
زينتك ووقوف نوال السعداوي بانتظار اشارتك لها بالقبول!
قرأت مقالتك المنشورة في صحيفة القدس العربي بتاريخ 8 ابريل 2021، في وداع الكاتبة الراحلة المصرية نوال السعداوي. وأقول: حتى أنتِ يا غادة السمان تتحدثين عن المفكرة الراحلة بكلمات أقل ما يقال عنها، استعلائية ومتبجحة منذ بدايتها وحتى النهاية وأنت لا تحتاجين إلى ذلك. اسمك نجمة ومقامك محفوظ، ولا تحتاجين إلى التقليل من قيمة أعمال نوال السعداوي كي ترتفعي في مقامك.
لقد بالغت يا عزيزتي في تذكير القارئ ب"تعدلين زينتك" في الفقرة الأولى من المقال، وفاتك أن تذكري اسم زوجك. تركته بين قوسين ( زوج-عريس ) مجهول الهوية والاسم رغم أنك ذكرتي اسم المجلة التي كان يعمل على تحريرها ودار النشر، وذكرت نوال السعداوي والسيد "رفعت سعيد" اللذين ذهبا لزيارتك في الفندق.
وفي الفقرة الثانية من المقال، ايضا بالغت في تذكير القارئ في أنك كنت ما تزالين تعدلين زينتك، حتى دقت ( نوال) الباب عليك وحدثتك عن رغبتها في انضمامك الى جبهتها أو مسيرتها في قضيتها التي تخص تحرير المرأة العربية. وكان ذلك أول وأخر لقاء بينكما لأنك لم تعجبي بنسقها النضالي. وسأعود إلى مسألة جمال المرأة وشبابها وزينتها وحكم القيمة الابداعية.
بالطبع اختيار النسق الابداعي الذي تريد أي كاتبة أن تأخذه نهجا وطريقا، مسألة شخصية وحق شرعي ولا اعتراض عليه حين توفر المجتمعات للمرأة سقفا من الحرية يحمي قلمها واختلافها.
أعتقد يا سيدتي أن هناك خلط بين تحديد قضية نوال السعداوي الثقافية ب "خانة الدفاع عن المرأة" وفقط فيما خانتك النضالية هي خانة تحرير الرجل والمرأة والمجتمع.
تحرير الرجل وتحرير المرأة
في المجتمع الذكوري حين يذكر الرجل زوجته، يتفادى ذكر اسمها الصريح ويشير إليها رمزيا ب ( الزوجة، أم العيال، العائلة، الأهل، الحرمة، الحريم ، أم فلان) ويعتبر هذا تغييبا قسريا لكيان المرأة وصورتها واسمها الحقيقي. والغريب أن مقالك يشير في أكثر من موقع الى الزوج ويبقى اسمه نكرة. لاحقا بحثت عن اسم الزوج ووجدت في صفحة ويكيبيديا أن الزوج الراحل هو " بشير داعوق" وهو اسم علم في الثقافة العربية.
كنت أتحدث مع صديقتي بخصوص تكريم الشخص بذكر اسمه، فقالت: لكل أسبابه في عدم ذكر الاسم.
أثق أن تحرير المرأة يأتي مع حضورها ومع ذكر اسمها الشخصي، وتحرير الرجل يأتي أيضا بذكر اسمه الشخصي حتى وان كان الخلاف قائما أمام القضاء. رغم أن الأستاذ بشير داعوق، صار أبعد من أن يسمع.
عزيزتي غادة، تمر الان مراسيم وفاة زوج الملكة الانكليزية اليزابيت، فيقول قارئ النشرة الاخبارية" دوق ادنبره، الأمير فيليب، زوج الملكة " لأن تغييب الاسم تغييب للشخص وتبعية غير محببة.
ذكر اسم الانسان في الخطاب تكريم واستحقاق للرجل والمرأة
في نطاق عملي كمترجمة في كندا، كنت مرة أترجم في حقلة تتألف من أكثر من عشرين رجلاً خرجوا من السجن وخضعوا لدورة تأهيلية تثقيفية من اجل خلق صيغة انسانية معتدلة للتواصل مع المرأة في أيامهم القادمة. كان الرجل يتكلم عن قضيته وحين كان يقول عن زوجته ( هي) دون ذكر الاسم، كان المشرف يطلب منه ذكر اسم المرأة- الشريكة، لانها كائن وليست شيئا. رغم أن هذه الجلسات الاجتماعية كانت في غياب النساء.
المرأة العربية والكاتبة والعناية بالشكل والزينة
أعتقد أن الخط الماركسي الذي شاع في الوسط العربي في الستينات والسبعينات كان له الأثر في مسألة استنكار زينة المرأة والماكياج والأناقة وما إليه!. أذكر أن نساء سوريات تقدميات فكريا كن يقلدن الرجل في ارتداء ( جاكيت عملي – فيلت عسكري) وكن يمتنعن عن ارتداء الماكياج وتلوين الأظافر وما إليه. وكانت تلك نظرة شعبوية تم تجاوزها فيما بعد. وربما كانت نوال السعداوي ممن يتكلمن بشدة عن تغذية الدماغ والعناية به وتطويره على حساب الشكل والصورة والمظهر الخارجي الأنثوي الجميل. ثم كانت الجميعات والمنظمات ذات الطابع الاسلامي المتزمت الذي سعى لتغييب وجه المرأة واسمها وانخراطها في الفنون والآداب. ونختلف معها في هذا.
كان ذلك وما يزال خلطا بين محمول المظهر والمضمر لدى الرجال والنساء. وهذا يقابل نظرات اخرى شائعة عن أن النساء الكاتبات والفنانات، والتقليل من شأنهن وكرامتهن حين يكتبن عن أبسط مواضيع الجسد والروح وبحرية تكسر خطوط التابو الذي يقتل الإبداع.
بالمناسبة، مارغريت أتوود الانكليزية الكندية كانت تشيد بمسيرة نوال السعداوي في برنامج وثائقي قدم في تلفزيون " بي بي سي" منذ أيام وفي ذكرى غياب المناضلة نوال السعداوي التي لم تكن قضيتها المرأة فقط، بل كانت أوسع وأشمل وأعمق من ذلك. كانت أتوود في مراحل سابقة لا تكترث بمظهرها، لكنها اليوم تلبس زينتها ووشاحها وماكياجها قبل الظهور امام الكاميرا.
أديبتنا العزيرة غادة السمان، الساحة تتسع لجميع الأصوات باختلاف محمولها الفكري وتنوعه، وجبهاته، ويلزمنا صوتك الابداعي وأصوات مشابهة لصوت نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي ولآلاف الأقلام التي تكتب من أجل قلب المفاهيم الشعبوية والطبقية والجنسانية المجحفة بحق المجتمع الذي لن يتحرر إن لم تكن النخبة عادلة في تقييم كل مرحلة من مراحل البناء.
جاكلين سلام، شاعرة وكاتبة سورية – كندية
* رسالة إلى غادة السمان، ردا على مقالها عن نوال السعداوي ابريل 2021 . جاكلين سلام
jacquelinesalamwritings.blogspot.com
عزيزتي غادة السمان،
تحياتي الطيبة أيتها الكاتبة السورية التي شكلت علامة فارقة في تاريخ السرد العربي والنسوي في حقبة كانت الأقلام النسائية او النسوية التي تكتب قليلة في العدد ونادرة في الجرأة. لن أدخل في التقسيم الجندري والطبقي والجنساني الان.
قرأت لك ما استعرته من كتبك وأنا طالبة في المدرسة في أقصى الشمال الشرقي من سوريا. كان لدينا مكتبة واحدة في المدينة الصغيرة "المركز الثقافي" وكنت أستعير وأقرأ. وصلت الى يدي كتبتك الأولى التي صدرت مثل "كوالبيس بيروت& لا بحر في بيروت .." وغيرها. وفرحت بها واستمتعت بعوالمها.
كنت أقرأ باعجاب وبدهشة كتاباتك وأسرح في عوالم بعيدة عن سقف البيت والمدينة والعالم الصغير المحيط بي. ولاحقا قرأت بوعي مختلف وأثر نضجا كتبتك واعتبرها حتى الان مرحلة جميلة وأعتز بكونك أيقونة كسرت النسق الخانق وقدمت سقفا أعلى في تحرير الخطاب الأنثوي والنسوي من بعض القيود. وليس هذا موضوع مقالي اليوم.
زينتك ووقوف نوال السعداوي بانتظار اشارتك لها بالقبول!
قرأت مقالتك المنشورة في صحيفة القدس العربي بتاريخ 8 ابريل 2021، في وداع الكاتبة الراحلة المصرية نوال السعداوي. وأقول: حتى أنتِ يا غادة السمان تتحدثين عن المفكرة الراحلة بكلمات أقل ما يقال عنها، استعلائية ومتبجحة منذ بدايتها وحتى النهاية وأنت لا تحتاجين إلى ذلك. اسمك نجمة ومقامك محفوظ، ولا تحتاجين إلى التقليل من قيمة أعمال نوال السعداوي كي ترتفعي في مقامك.
لقد بالغت يا عزيزتي في تذكير القارئ ب"تعدلين زينتك" في الفقرة الأولى من المقال، وفاتك أن تذكري اسم زوجك. تركته بين قوسين ( زوج-عريس ) مجهول الهوية والاسم رغم أنك ذكرتي اسم المجلة التي كان يعمل على تحريرها ودار النشر، وذكرت نوال السعداوي والسيد "رفعت سعيد" اللذين ذهبا لزيارتك في الفندق.
وفي الفقرة الثانية من المقال، ايضا بالغت في تذكير القارئ في أنك كنت ما تزالين تعدلين زينتك، حتى دقت ( نوال) الباب عليك وحدثتك عن رغبتها في انضمامك الى جبهتها أو مسيرتها في قضيتها التي تخص تحرير المرأة العربية. وكان ذلك أول وأخر لقاء بينكما لأنك لم تعجبي بنسقها النضالي. وسأعود إلى مسألة جمال المرأة وشبابها وزينتها وحكم القيمة الابداعية.
بالطبع اختيار النسق الابداعي الذي تريد أي كاتبة أن تأخذه نهجا وطريقا، مسألة شخصية وحق شرعي ولا اعتراض عليه حين توفر المجتمعات للمرأة سقفا من الحرية يحمي قلمها واختلافها.
أعتقد يا سيدتي أن هناك خلط بين تحديد قضية نوال السعداوي الثقافية ب "خانة الدفاع عن المرأة" وفقط فيما خانتك النضالية هي خانة تحرير الرجل والمرأة والمجتمع.
تحرير الرجل وتحرير المرأة
في المجتمع الذكوري حين يذكر الرجل زوجته، يتفادى ذكر اسمها الصريح ويشير إليها رمزيا ب ( الزوجة، أم العيال، العائلة، الأهل، الحرمة، الحريم ، أم فلان) ويعتبر هذا تغييبا قسريا لكيان المرأة وصورتها واسمها الحقيقي. والغريب أن مقالك يشير في أكثر من موقع الى الزوج ويبقى اسمه نكرة. لاحقا بحثت عن اسم الزوج ووجدت في صفحة ويكيبيديا أن الزوج الراحل هو " بشير داعوق" وهو اسم علم في الثقافة العربية.
كنت أتحدث مع صديقتي بخصوص تكريم الشخص بذكر اسمه، فقالت: لكل أسبابه في عدم ذكر الاسم.
أثق أن تحرير المرأة يأتي مع حضورها ومع ذكر اسمها الشخصي، وتحرير الرجل يأتي أيضا بذكر اسمه الشخصي حتى وان كان الخلاف قائما أمام القضاء. رغم أن الأستاذ بشير داعوق، صار أبعد من أن يسمع.
عزيزتي غادة، تمر الان مراسيم وفاة زوج الملكة الانكليزية اليزابيت، فيقول قارئ النشرة الاخبارية" دوق ادنبره، الأمير فيليب، زوج الملكة " لأن تغييب الاسم تغييب للشخص وتبعية غير محببة.
ذكر اسم الانسان في الخطاب تكريم واستحقاق للرجل والمرأة
في نطاق عملي كمترجمة في كندا، كنت مرة أترجم في حقلة تتألف من أكثر من عشرين رجلاً خرجوا من السجن وخضعوا لدورة تأهيلية تثقيفية من اجل خلق صيغة انسانية معتدلة للتواصل مع المرأة في أيامهم القادمة. كان الرجل يتكلم عن قضيته وحين كان يقول عن زوجته ( هي) دون ذكر الاسم، كان المشرف يطلب منه ذكر اسم المرأة- الشريكة، لانها كائن وليست شيئا. رغم أن هذه الجلسات الاجتماعية كانت في غياب النساء.
المرأة العربية والكاتبة والعناية بالشكل والزينة
أعتقد أن الخط الماركسي الذي شاع في الوسط العربي في الستينات والسبعينات كان له الأثر في مسألة استنكار زينة المرأة والماكياج والأناقة وما إليه!. أذكر أن نساء سوريات تقدميات فكريا كن يقلدن الرجل في ارتداء ( جاكيت عملي – فيلت عسكري) وكن يمتنعن عن ارتداء الماكياج وتلوين الأظافر وما إليه. وكانت تلك نظرة شعبوية تم تجاوزها فيما بعد. وربما كانت نوال السعداوي ممن يتكلمن بشدة عن تغذية الدماغ والعناية به وتطويره على حساب الشكل والصورة والمظهر الخارجي الأنثوي الجميل. ثم كانت الجميعات والمنظمات ذات الطابع الاسلامي المتزمت الذي سعى لتغييب وجه المرأة واسمها وانخراطها في الفنون والآداب. ونختلف معها في هذا.
كان ذلك وما يزال خلطا بين محمول المظهر والمضمر لدى الرجال والنساء. وهذا يقابل نظرات اخرى شائعة عن أن النساء الكاتبات والفنانات، والتقليل من شأنهن وكرامتهن حين يكتبن عن أبسط مواضيع الجسد والروح وبحرية تكسر خطوط التابو الذي يقتل الإبداع.
بالمناسبة، مارغريت أتوود الانكليزية الكندية كانت تشيد بمسيرة نوال السعداوي في برنامج وثائقي قدم في تلفزيون " بي بي سي" منذ أيام وفي ذكرى غياب المناضلة نوال السعداوي التي لم تكن قضيتها المرأة فقط، بل كانت أوسع وأشمل وأعمق من ذلك. كانت أتوود في مراحل سابقة لا تكترث بمظهرها، لكنها اليوم تلبس زينتها ووشاحها وماكياجها قبل الظهور امام الكاميرا.
أديبتنا العزيرة غادة السمان، الساحة تتسع لجميع الأصوات باختلاف محمولها الفكري وتنوعه، وجبهاته، ويلزمنا صوتك الابداعي وأصوات مشابهة لصوت نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي ولآلاف الأقلام التي تكتب من أجل قلب المفاهيم الشعبوية والطبقية والجنسانية المجحفة بحق المجتمع الذي لن يتحرر إن لم تكن النخبة عادلة في تقييم كل مرحلة من مراحل البناء.
جاكلين سلام، شاعرة وكاتبة سورية – كندية
* رسالة إلى غادة السمان، ردا على مقالها عن نوال السعداوي ابريل 2021 . جاكلين سلام
مدونة الكاتبة المترجمة جاكلين سلام
جاكلين سلام الشاعرة الكاتبة الصحفية المترجمة السورية الكندية