نعتذر للقارئ ...
عجيب والله أمر صاحب هذا المقال ، إذ هل من الجائز أن يبدأ كاتب لقاءه بقرائه باعتذار ؟! ولم لا ؟ وكل السلوك العام الذى نكابده جميعا يقتضى أن تفرش كل ساحة ببساط سميك من الاعتذار تستقر أو تقوم عليه كل الحوارات والجدالات واللقاءات .. الجميع ( كل الأشياء ) مدين للجميع ( كل الأشياء ) باعتذارات جمة . مثلا نحن جميعا مدينون حتى الآذان للوطن ( هل أنا بحاجة للتفريق بين مصطلحات الوطن والدولة والنظام ... إلخ . وياويلنا من المصطلحات حين تتماهى بفعل فاعل وتُلغمط لتستخدم فى صناعة الفوضى التى هى أم الشرور وأبوها وجذرها البعيد وعرقها الدساس .. الشيطان لا يكمن فى التفاصيل فحسب وإنما كذلك فى عفن المصطلحات .. هناك والله إنفلونزا أخطر من التى للخنازير وهى إنفلونزا المصطلحات .. نُعدم الخنازير بحثا عن نجاة ، ولكن ماذا نفعل فى المصطلحات !! ) مدينون والله للوطن باعتذار عميق وممتد لأننا لم نحسن تقديره أى أننا لم نقدره حق قدره ، بعيدا عن الأناشيد وصك الشعارات والهتافات التى تمزق الأشداق وتقطع الأوداج ، و... و ... ، والوطن مدين لنا باعتذار هو أيضا عميق وممتد ، ليس لأنه صبر علينا أو تعجل ، أهمل أو تمهل ، وإنما لأنه يلوح أحيانا وكأنه لم يفصح عن نفسه بسطوع بعيدا عن الالتباسات التى يصوغها البعض منا عمدا ويفرضها أو حتى يسربها وكيلا عن الوطن ( لا نعرف فى إى مكتب للشهر العقارى يمكن لأحد أن يجلب الوطن أو يستدرجه ليوثق له توكيلا بالبيع والشراء والتنازل أو الهبة أو التقاضى وإرهاق المنتمين إلى هذا الوطن نفسه أو على الأقل تطليقهم من هذا الوطن ذاته تطليقا بائنا عقابا على ذنب المحبة وتأديبا على جرم الغـرام ) الوطن مدين لنا جميعا بالاعتذار لأنه لم يطالبــــنا – بصرامة – بمقتضيات بنوتنا له ، أو لعله - على الدقة - لم يبلّغنا خطابه عبر بريد آمن أو رسول مؤتمن .
نحن جميعا مدينون للورد .. نعم للورد .. لأننا لم نشمه كما ينبغى .. لأننا نقدمه لمن لا يستحق أن يجتمع مع الورد فى كون واحد .. نقدمه له عندما يركب منصبا مــــزورا ( يتحدث الفيلسوف الكندى عن كراسيهم المزورة ) . وأحيانا نطرحه على قبره حين يحمل سوءاته ويرحل ( حتى سوءاته نحملها نحن ونحمله إلى بطن أرض أفسد على سطحها بأقصى طاقة وبما استعاره من طاقات أتاحها له الفساد نفسه ) .
والورد مدين لنا باعتذار لأنه لم يعلمنا كيف نشمه ولم يمتنع أو حتى يتمنع على أنوفنا عندما ننحرف عن فقه شم الورد ( أليس لكل شئ فقه ؟ ) ، ولم يستخدم سلاحه ليدمى الأيدى المنافقة حين تقطفه عن عـــوده لتبيعه لأيد من جنسها لتهديه لحـلوف هنا .. أو ذيخ هناك أو خنفساء بينهــــما ( والخنفساء إذا مُسّت نَتَنَت ) .
• • •
القارئ الكريم ..
ترى هل أنا أكتب مقالا عن الاعتذار وفقهه وأطرافه ومقتضياته وأصوله وفروعه وربما أنواعه وقياسه ومواقيته ؟! أنا فقط التمس لاعتذارى المبكر شرعية ما .. كدت اعتذر لك عن بدء لقائى بك باعتذار .
الأمر وما فيه هو إننى اعتذر عن ضرورة كونى أعيد هنا – فيما يلى – مقالا سبق لى نشره عام 2006 كبداية لسلسلة مقالات تحت العنوان الذى يجمعك بى ويجمعنى بك وبنفسى وبما أرى واعتقد وأَنشُد أن أفصح لك عنه . على أن هذا المقال كان البدء والخــتام ( ولا بأس ) .. اسمح لى أن أعيده حرفيا بوصفه حلقة من سلسلة هو أولها وبابها والمدخل إليها أو لنقل مفتتحها:
" أول قولى
يقول شاعر الهلالية فى مفتتح روايته:
أول قولى عما اذكر الله
والإلهى ع الخـلق راقم
ولا غيره ولا أعبد سواه
خلقنى وفصّلــنى سالم
وللمفتتح فى السيرة أهميته القصوى تحديدا للاتجاه محكوما بالقيم الأساسية ترد المتلقى والوجود كله إلى المصادر الأم فى حكمة الخلق وأخلاقيات الحياة وثوابتها المبدئية ، فهناك رقابة مطلقة وحكيمة ( الجماعة الشعبية تصف المدقق فى النظر اليقظ الذكى الذى لا تنطلى عليه الألاعيب بأنه رِقِمْ ) وفى المفتتح تأكيد على أن الإنسان قد خلق فى أحسن تقويم وأنه بنيان الله الذى لا يجوز هدمه ( ملعون من هدم البنيان ) وبداهة فإن بنيان الإنسان ليس مجرد معمار بدنه بل هو حريته وحقوقه وبالضرورة ثقافته التى هى دليل إنسانيته وقوام علاقته بالوجود . وإذا كان جسده هو مبناه المباشر فإن ثقافته هى معناه الجوهر .
هل فكر كل أداء لنص من نصوص سيرتهم الكبرى ؟ .
إنها المعاناة التى يكابد بعضها كاتب المقال الثابت عندما يشرع فى تحديد خطوط ما يطرحه على الناس راسما بذلك حدود عقده المبدئى مع قارئه الذى هو سيد الموقف كله مادام متلقيا إيجابيا يجادل الكاتب ويحاككه بل ويرده عندما يحيد أو يراوغ أو تدفعه حاجة من االحاجات الدنيا إلى تسويغ ما لا يسوغ أو إلى إدخال البغل فى الأبريق ، إرضاء لسلطة أو تحسبا لغضب زيد أو طلبا لرضا عبيد ! .
نعم اخترت هذا العنوان واختارنى ، فثقافة الشعب يقع عليها كرب وأى كرب بدءا من استراتيجية حصارها وتلوينها وتهميشها وتهشيشها بل وتهويشها وانتهاء بتلفيق دراستها واستخدام الضالين / أشباه المتخصصين والخرتية من المتسكعين فى طرقات العلم فى إحكام الخداع استراتيجيةً وخطةً وتجليات مؤسسات وبرامج وأوراق ودناءة ألاعيب .
عهدى الذى أقطعه أمام ملأ القراء هو أننا فى هذا ( الركن القريب الصاخب ) سنقف كل مرة مع مظهر من مظاهر الكرب الذى يكتم أنفاس ثقافة الشعب . ومظاهر الكرب كثيرة ولكنها غائبة عن بصيرة كثيرين وخطيرة إلا أنها ملساء وناعمة وفى كل الأحوال فإنها مظاهر أرادو لها أن تبدو وكأنها القدر المقدور والقضاء الذى لا راد له .
والجماعة الشعبية تقاوم بثقافتها إلى مدى بعيد ، والجماعة الشعبية تعرف أن النخبة تخونها بالجهل تارة وبالتواطؤ تارات ، بالصمت مرة وبلولوة الحسابات مرات . موقف النخبة يضاعف – للأسف الشديد – من هول الكرب !.
وغايتنا هنا أن نشتبك بوضوح شديد وبلا تحسب مع قضايا هذا الصراع المرير بين الثقافة الشعبية ( يصر معظمهم على تسميتها الفولكلور لمزيد من التمويه والتغريب ) وبين خصومها وإن حملوها شارة فى عراوى معاطفهم وتحدثوا باسمها وأقاموا لها شائه المؤتمرات والجمعيات واللجان وغيرها من أدوات الكرب الذى يصبونه على ثقافة الشعب لمجرد أنه الشعب ! " .
هل قبلتم اعتذارى المبكر ؟! لا بأس .
د. صلاح الراوى
عجيب والله أمر صاحب هذا المقال ، إذ هل من الجائز أن يبدأ كاتب لقاءه بقرائه باعتذار ؟! ولم لا ؟ وكل السلوك العام الذى نكابده جميعا يقتضى أن تفرش كل ساحة ببساط سميك من الاعتذار تستقر أو تقوم عليه كل الحوارات والجدالات واللقاءات .. الجميع ( كل الأشياء ) مدين للجميع ( كل الأشياء ) باعتذارات جمة . مثلا نحن جميعا مدينون حتى الآذان للوطن ( هل أنا بحاجة للتفريق بين مصطلحات الوطن والدولة والنظام ... إلخ . وياويلنا من المصطلحات حين تتماهى بفعل فاعل وتُلغمط لتستخدم فى صناعة الفوضى التى هى أم الشرور وأبوها وجذرها البعيد وعرقها الدساس .. الشيطان لا يكمن فى التفاصيل فحسب وإنما كذلك فى عفن المصطلحات .. هناك والله إنفلونزا أخطر من التى للخنازير وهى إنفلونزا المصطلحات .. نُعدم الخنازير بحثا عن نجاة ، ولكن ماذا نفعل فى المصطلحات !! ) مدينون والله للوطن باعتذار عميق وممتد لأننا لم نحسن تقديره أى أننا لم نقدره حق قدره ، بعيدا عن الأناشيد وصك الشعارات والهتافات التى تمزق الأشداق وتقطع الأوداج ، و... و ... ، والوطن مدين لنا باعتذار هو أيضا عميق وممتد ، ليس لأنه صبر علينا أو تعجل ، أهمل أو تمهل ، وإنما لأنه يلوح أحيانا وكأنه لم يفصح عن نفسه بسطوع بعيدا عن الالتباسات التى يصوغها البعض منا عمدا ويفرضها أو حتى يسربها وكيلا عن الوطن ( لا نعرف فى إى مكتب للشهر العقارى يمكن لأحد أن يجلب الوطن أو يستدرجه ليوثق له توكيلا بالبيع والشراء والتنازل أو الهبة أو التقاضى وإرهاق المنتمين إلى هذا الوطن نفسه أو على الأقل تطليقهم من هذا الوطن ذاته تطليقا بائنا عقابا على ذنب المحبة وتأديبا على جرم الغـرام ) الوطن مدين لنا جميعا بالاعتذار لأنه لم يطالبــــنا – بصرامة – بمقتضيات بنوتنا له ، أو لعله - على الدقة - لم يبلّغنا خطابه عبر بريد آمن أو رسول مؤتمن .
نحن جميعا مدينون للورد .. نعم للورد .. لأننا لم نشمه كما ينبغى .. لأننا نقدمه لمن لا يستحق أن يجتمع مع الورد فى كون واحد .. نقدمه له عندما يركب منصبا مــــزورا ( يتحدث الفيلسوف الكندى عن كراسيهم المزورة ) . وأحيانا نطرحه على قبره حين يحمل سوءاته ويرحل ( حتى سوءاته نحملها نحن ونحمله إلى بطن أرض أفسد على سطحها بأقصى طاقة وبما استعاره من طاقات أتاحها له الفساد نفسه ) .
والورد مدين لنا باعتذار لأنه لم يعلمنا كيف نشمه ولم يمتنع أو حتى يتمنع على أنوفنا عندما ننحرف عن فقه شم الورد ( أليس لكل شئ فقه ؟ ) ، ولم يستخدم سلاحه ليدمى الأيدى المنافقة حين تقطفه عن عـــوده لتبيعه لأيد من جنسها لتهديه لحـلوف هنا .. أو ذيخ هناك أو خنفساء بينهــــما ( والخنفساء إذا مُسّت نَتَنَت ) .
• • •
القارئ الكريم ..
ترى هل أنا أكتب مقالا عن الاعتذار وفقهه وأطرافه ومقتضياته وأصوله وفروعه وربما أنواعه وقياسه ومواقيته ؟! أنا فقط التمس لاعتذارى المبكر شرعية ما .. كدت اعتذر لك عن بدء لقائى بك باعتذار .
الأمر وما فيه هو إننى اعتذر عن ضرورة كونى أعيد هنا – فيما يلى – مقالا سبق لى نشره عام 2006 كبداية لسلسلة مقالات تحت العنوان الذى يجمعك بى ويجمعنى بك وبنفسى وبما أرى واعتقد وأَنشُد أن أفصح لك عنه . على أن هذا المقال كان البدء والخــتام ( ولا بأس ) .. اسمح لى أن أعيده حرفيا بوصفه حلقة من سلسلة هو أولها وبابها والمدخل إليها أو لنقل مفتتحها:
" أول قولى
يقول شاعر الهلالية فى مفتتح روايته:
أول قولى عما اذكر الله
والإلهى ع الخـلق راقم
ولا غيره ولا أعبد سواه
خلقنى وفصّلــنى سالم
وللمفتتح فى السيرة أهميته القصوى تحديدا للاتجاه محكوما بالقيم الأساسية ترد المتلقى والوجود كله إلى المصادر الأم فى حكمة الخلق وأخلاقيات الحياة وثوابتها المبدئية ، فهناك رقابة مطلقة وحكيمة ( الجماعة الشعبية تصف المدقق فى النظر اليقظ الذكى الذى لا تنطلى عليه الألاعيب بأنه رِقِمْ ) وفى المفتتح تأكيد على أن الإنسان قد خلق فى أحسن تقويم وأنه بنيان الله الذى لا يجوز هدمه ( ملعون من هدم البنيان ) وبداهة فإن بنيان الإنسان ليس مجرد معمار بدنه بل هو حريته وحقوقه وبالضرورة ثقافته التى هى دليل إنسانيته وقوام علاقته بالوجود . وإذا كان جسده هو مبناه المباشر فإن ثقافته هى معناه الجوهر .
هل فكر كل أداء لنص من نصوص سيرتهم الكبرى ؟ .
إنها المعاناة التى يكابد بعضها كاتب المقال الثابت عندما يشرع فى تحديد خطوط ما يطرحه على الناس راسما بذلك حدود عقده المبدئى مع قارئه الذى هو سيد الموقف كله مادام متلقيا إيجابيا يجادل الكاتب ويحاككه بل ويرده عندما يحيد أو يراوغ أو تدفعه حاجة من االحاجات الدنيا إلى تسويغ ما لا يسوغ أو إلى إدخال البغل فى الأبريق ، إرضاء لسلطة أو تحسبا لغضب زيد أو طلبا لرضا عبيد ! .
نعم اخترت هذا العنوان واختارنى ، فثقافة الشعب يقع عليها كرب وأى كرب بدءا من استراتيجية حصارها وتلوينها وتهميشها وتهشيشها بل وتهويشها وانتهاء بتلفيق دراستها واستخدام الضالين / أشباه المتخصصين والخرتية من المتسكعين فى طرقات العلم فى إحكام الخداع استراتيجيةً وخطةً وتجليات مؤسسات وبرامج وأوراق ودناءة ألاعيب .
عهدى الذى أقطعه أمام ملأ القراء هو أننا فى هذا ( الركن القريب الصاخب ) سنقف كل مرة مع مظهر من مظاهر الكرب الذى يكتم أنفاس ثقافة الشعب . ومظاهر الكرب كثيرة ولكنها غائبة عن بصيرة كثيرين وخطيرة إلا أنها ملساء وناعمة وفى كل الأحوال فإنها مظاهر أرادو لها أن تبدو وكأنها القدر المقدور والقضاء الذى لا راد له .
والجماعة الشعبية تقاوم بثقافتها إلى مدى بعيد ، والجماعة الشعبية تعرف أن النخبة تخونها بالجهل تارة وبالتواطؤ تارات ، بالصمت مرة وبلولوة الحسابات مرات . موقف النخبة يضاعف – للأسف الشديد – من هول الكرب !.
وغايتنا هنا أن نشتبك بوضوح شديد وبلا تحسب مع قضايا هذا الصراع المرير بين الثقافة الشعبية ( يصر معظمهم على تسميتها الفولكلور لمزيد من التمويه والتغريب ) وبين خصومها وإن حملوها شارة فى عراوى معاطفهم وتحدثوا باسمها وأقاموا لها شائه المؤتمرات والجمعيات واللجان وغيرها من أدوات الكرب الذى يصبونه على ثقافة الشعب لمجرد أنه الشعب ! " .
هل قبلتم اعتذارى المبكر ؟! لا بأس .
د. صلاح الراوى