رسائل الأدباء رسالتان ببن عبدالرزاق الهلالي ويعقوب سركيس

اسئلة الماء في بغداد في العهد العثماني


الاستاذ يعقوب سركيس المحترم
تحية وإجلالاً.
وبعد.. فقد قرأت في الصفحة (129) من كتابكم القيم (مباحث عراقية) هذه الجملة (.. ويفصل دار النقيب ودار القنصلية البريطانية، شريعة وكانت بالجانب الشمالي للشريعة (بثر) ارضها مع حريمها اليوم من دار النقيب، وكان يستقى منها الماء، فيجري إلى مقام الشيخ عبد القادر الكيلاني، ثم استغنى عن البئر بعد وضع مضخة في شريعة المصبغة، ومد الأنابيب في المدينة وإيصالها إلى مقام الشيخ..إلخ).
ونظرا لرغبتي في بعض التفاصيل عن هذه المسألة: جئتكم راجيّاً التفضل عليّ بالإجابة عن الأسئلة التالية – إن أمكن – ليكون الموضوع الذي أبحث فيه مستنداً إلى سند قوي، وإليكم الأسئلة:
أ- 1- هل أستطيع ان أعرف التاريخ الذي بُدئ فيه بسحب الماء من البئر المشار إليه إلى مقام الشيخ عبد القادر الكيلاني؟
ومن الذي أنشأ هذا البئر؟
2- كيف كانت تتم عملية إيصال الماء إلى جامع الكيلاني؟ وهل كان الناس يستفيدون من هذا الماء لبيوتهم؟
وهل كانت (الساقية) مكشوفة أم تحت الأرض؟
3- هل كانت هناك علاقة بين هذه (الساقية) ومحلة (رأس الساقية)؟
4- متى تم نصب (أول مضخة) ماء في بغداد وأين؟ ثم متى تم نصب المضخة في شريعة المصبغة؟
ب- لقد قص عليَّ الدكتور هاشم الوتري قصة عن (حمام الشورجة) ومما قاله سعادته:
- إن الشورجة لفظة تركية تعني (أقل ملوحة). وذكر أن صاحب حمام الشورجة، كان أول من فكر بإيصال الماء من النهر إلى حمامه، وذلك بمد مجرى تحت الأرض، ممتد من المحكمة الشرعية الحالية إلى الحمام، على مقربة من جامع سوق الغزل. وقد ذكر لي أنه قام بتزويد الجامع المذكور بالماء، كما ان السيد عبد الجبار الأوقاتي (الخياط) قد جعل من سرداب بيته مخزناً للماء الذي كان يأخذه من المجرى لقاء أجر معين.
فهل لي أن أسأل سعادتكم عن هذه الرواية، وإذا أيدتم ذلك، فهل بإمكانكم تحديد تاريخ القيام بهذا المشروع؟
المخلص
عبد الرزاق الهلالي
31/12/1953



****


أجوبة الأستاذ يعقوب سركيس


أجوبتي لأسئلة سعادة عبد الرزاق الهلالي
1- كنت رأيت عند الأب آنستاس نسخة قديمة، لقرمان للسلطان (مراد) تاريخه في 16 ذي الحجة سنة 1948 هـ (1639م)، موجه إلى (حسن باشا) والي بغداد، ومضمونه، أنه قد عين (غرشّا) واحداً من بدل إيجار (قيصرية بستان) لعلف الثيران التي تسحب الماء من البئر الخاصة بضريح الشيخ عبد القادر الكيلاني، وللخدام الذين يقومون بهذا العمل، ولشراء ثيران، عند الحاجة، وترميم البئر كذلك عند الحاجة، وماضأها ذلك من المصاريف.
قلت:
كان هذا الملك (قيصرية بستان) معروفاً باسم (القيصرية) حتى الحرب العالمية الأولى، ولا تزال هذه التسمية باقية كما كانت الآن، وكانت لهذه القيصرية جبهتان، إحداهما شمالية والثانية جنوبية. والشمالية فيما يسمى اليوم بـ (سوق البزازين)، والجنوبية كانت في سوق ملتوية ضيقة، ابتداؤها من سوق رأس القرية، المسمى اليوم (شارع السموأل) وبعد ذلك هُدمت الجهة الجنوبية، وأنشئ على أرضها (مقهى)، ثم أريد أن تبنى فوقه طبقة، فبان أنه لا يتحمل الثقل فهُدم، وجُدد البناء على نحو نصف أرض القيصرية في سنة 1934، وهو الآن مقهى معروف باسم (مقهى القيصرية) وبنيت فوقه طبقة.
هذا ما كان من أمر القسم الجنوبي، أما الشمالي، فهو اليوم متهدم منهار، تباع فيه (الكواني) وعليه بابه القديم من الخشب.
أعود إلى البحث في البئر والساقية:
وكنت رأيت عند الأب أنستاس كذلك نسخة قديمة لفرمان للسلطان موجه إلى (بكلربكي) والي بغداد، تاريخه في 25 المحرم 1949هـ (1639م)، يذكر فيه أن إدارة بئر الشيخ عبد القادر الكيلاني، محتاجة إلى مصروف يومي قدره (غرشان) فعيّن (عرشّاً) ثانياً إضافة إلى ما هو مخصص من بدل إيجار (قيصرية بستان)، على أن يعطى هذا (الغرش) الأخير من إيراد البساتين الواقعة في (شهربان) وهي المؤجرة للكتخدا خليل وأخيه جميل.
وأضاف السلطان قائلاً: أنه يكون قد خصص المصروف السنوي لهذه البئر، سبعمائة وعشرين غرشاً (وقلت: من المعلوم أن غرش ذلك الزمن كان أكبر من درهمنا الحالي، ي. س).
ولعل بئر الشيخ عبد القادر وساقيته كانتا موجودتين عند فتح السلطان مراد بغداد بدليل ان ما خصصه لمصروفها مبلغ زهيد وهو للإدارة والترميم عند الحاجة حسب، وان لم تكون قدميتين، فهل هذا السلطان هو الذي عمرها وخصص لمصاريفها هذا المبلغ الذي رأينا ذكره؛ وان لم يكن هذا السلطان قد أحدثها فهل تكونان من إنشاء السلطان سليمان.
2- لا أدري هل كان الناس يستفيدون من ذلك الماء جارياً لدورهم، وانما لا بد من أن منهم من كان يستفيد من الماء بنقله محمولاً، وليس جاريا، كما لا أدري ان كانت الساقية مكشوفة أم انها مغطاة في ذلك الزمن.
إني أستبعد كل الاستبعاد أن تكون مكشوفة لأنها في هذه الحال يتلوث ماؤها بأقذار فضلاً عن ذلك، قد يستنزف الأهلون هذا الماء قبل وصوله إلى المحل المقصود.
وقلت:
كان إيصال الماء إلى جامع الشيخ عبد القادر حتى وضع مضخة في شريعة المصبغة، كما سنرى، بساقية تجري فوق جدار ارتفاعه نحو مترين ونصف وموضوعة في ما نسميه اليوم (بشارع الكيلاني) في جانبه الجنوبي، وكان على رأس كل شارع منفصل منه متجهاً نحو الجنوب، عقد للوصل بين الشرعين، وكان هذا المجرى ساقية (مقبّرة) ثم عوضت الساقية بأنابيب معدنية، وأظن أني كنت سمعت أن ذلك تبرع لأحد رجال الهند، وكان في دور النقباء حدائق يجري إليها الماء من الساقية، ذلك في زماننا قبل الاستفادة من ماء المضخة التي نصبت في شريعة المصبغة.
ولا بد أن تكون علاقة بين الساقية وقسمية المحلة المسماة (براس الساقية).
3- كان نصب أول مضخة في بغداد لاسقاء قسم من دورها الشمالية، بعد مجيء (مدحت باشا) وليس في وسعي أن أعين التاريخ.
وإنما أعرف أنها كانت في موضع من (محلة الميدان)، وأتذكر أني كنت أرى جريان الماء، قبل ما يقرب من ستين سنة، إلى بعض الدور في محلة الميدان.
وحدثني رجل من سكنة إحدى تلك المحال، إن موضع المضخة كان، بين (وزارة المعارف والنادي العسكري) الحاليين.
كان نصب المضخة لاستقاء القسم الآخر من المحال الشمالية في شريعة المصبغة في أواخر سنة 1907 أو أوائل سنة 1908.
4- كنت قلت في (مباحث عراقية) (1: 150)، إن كلمة (شورجة) تحريف للكلمة الفارسية (شورجاه) بجيم مثلثة. وأن معناها (البئر المالحة). فيكون الدكتور خالفني بقوله إن لفظة (شورجة) لفظة تركية معناها (أقل ملوحة) فلا أدري أي الذهابين هو الصحيح! مع أننا اتفقنا في معنى (شور) وهو الملح، إن بالفارسية وإن بالتركية.
صحيح ما قاله الدكتور المار الذكر، وهو وجود مجرى تحت الأرض وهو ممتد من المحكمة الشرعية الحالية إلى (حمام الشورجة).
وأقول: كان هذا المجرى من بئر واقعة في الجهة الشمالية للمحكمة الشرعية، وكنت أرى هذه البئر وهذه المحكمة قديمة، وقد جُدد بناؤها في عهد حكومتنا العراقية. وكانت دائرتين، إحداها دائرة المحكمة نفسها، وبلصقها من جهة الجنوب دار لسكن القاضي.
ولا علم لي بتاريخ إنشاء (حمام الشورجة) وبئرها المار الذكر ومجرى الماء. وإنما بوسعي أن أقول إن أسرة (أصفر) كان سكناها في دار تقع في آخر الشارع الذي فيه كنيسة (الأباء الكرمليين) وهذه الدار تطل على ما يسمى بالعلوة الواقعة بإزائها من جهة الجنوب، وبلصق هذه الدار دار أخرى كذلك لسكنى الأسرة، وكلتاها ملك للأسرة، وفي الدار الأخيرة كانت حديقة تسقى من ذلك المجرى الخاص بحمام الشورجة، كما كنت أرى جريان الماء في طفولتي، وبعدها وبحدود سنة 1900، أنشئت في كنيسة الأرمن الكاثوليك وغدت تسقى كذلك من ساقية الحمام.
ويغلب على ظني أن الحديقة كانت في دير الأباء الكرمليين كانت تسقى كذلك من هذه الساقية، أقول هذا لأن ذاكرتي مترددة في هذا الشأن الأخير، وكان الإسقاء بأجور معينة، ثم عُدل عن إسقاء هذه الحدائق من ماء الحمام بعد أن وُضعت مضخة في شريعة المصبغة.
يعقوب سركيس
10 كانون الثاني سنة 1954

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...