ربما هو اكتشاف أدبي، بمعنى إثارته للكثير من التعليقات، وبخاصة أنه يتعلق بذاكرة العالم الأدبية، وبواحد من أشهر كتّاب عصره وأكبرهم: سكوت فيتزجيرالد. الخبر الذي نقلته صحيفة "لوفيغارو الفرنسية" بعنوان "سيجارة سكوت فيتزجيرالد الأخيرة"، إن دلّ على شيء، فعلى أن التاريخ الأدبي، لكلّ بلد، لا بدّ من أن يكشف بعد عن أسرار ما، خبيئة، وباكتشافها، لا بدّ أيضا من أن نعيد قراءة حقبة ما، ضمن سياقها التاريخي والاجتماعي لنرى ما ستمثله لاحقا، على ضوء هذا الاكتشاف الجديد.
يفيد الخبر بأن مجلة "النيويوركر" الأدبية – (وهي أشهر مجلة أدبية أميركية، منذ عقود كبيرة) – نشرت في عددها الأخير قصة قصيرة لفيتزجيرالد بعنوان "شكرا على الشعلة" (أو الولعة، وفق التعبير العامي)، بعد ستين سنة من إرسال الكاتب القصة إليها. وفي التفاصيل أن المجلة رفضت العام 1936 نشر هذه القصة التي تقع في أربع صفحات، وهي صفحات "واقعية وفانتازية في الوقت عينه".
عن هذا الرفض، كتب يومها رئيس تحرير المجلة قائلا: "نأسف لعدم استطاعتنا قبول هذه القصة لفيتزجرالد. إذ تبدو لنا أنها غريبة ومختلفة عن الأشياء التي نرضى بها". هل كلام الصحافي الأميركي يخبرنا عن صدمة ما بسبب هذا الجانب المبهم في القصة، كما تقول "لوفيغارو"، والتي تنتهي أحداثها في كنيسة، حيث يلعب العنوان (Light) على معنيين "الشعلة" (التي نشعل بها سيجارة) و"النور". وبما أن رئيس تحرير "النيويوركر" يومها لم يرغب في قطع العلاقات مع الكاتب، (إذ كان في قمة مجده وشهرته) فقد أضاف قائلا في ملاحظته: "سنفعل ما بوسعنا، بالطبع، لكي ننشر قصة لسكوت فيتزجيرالد وأتمنى أن ترسل لنا شيئا مناسبا أكثر".
تمّ اكتشاف القصة في حزيران الماضي، فقد وجدتها حفيدة الكاتب وهي تفرز أرشيف جدها من أجل عملية عرض بالمزاد العلني. وما كان عليها إلا أن اتصلت بالمجلة التي عادت وأوسعت لها مكانة "لائقة ومحترمة" لتنشرها. وما إن صدر حتى أثارت الكثير من النقاش والتعليقات في الولايات المتحدة (في انتظار أن يترجم إلى لغات أخرى)، وتروي عن "السيدة هانسون" التي تعمل كبائعة متجولة للألبسة الداخلية النسائية. أرملة و"امرأة جميلة ذابلة قليلا بسبب سنواتها الأربعين"، تدخن كثيرا، فالسيجارة متعتها النادرة إن لم تكن الوحيدة. إلا أنها اكتشفت، أنه في منطقة "الميدوست" التي انتقلت إليها، أن التدخين مشين.. وبما أنها لم تكن ترغب في خرق القواعد الاجتماعية، حاولت عدم الظهور بمنظر المدخن. لكن بعد يوم مضنٍ من العمل، عنّ على بالها التدخين، وبما أنه من المستحيل إشعال سيجارة في الشارع أو في مكان عام، تلتجئ إلى كنيسة.. وتنتهي القصة بتدخل العذراء مريم بطريقة جميلة (الكلام للصحيفة الفرنسية).
علاقة "النيويوركر" بالكاتب كانت جيدة، إذ نشرت له أقاصيص وقصائد، من هنا ربما جاء هذا الرفض بسبب السمة "غير الطبيعية للنص": إذ أن السيدة العذراء هي من يشعل السيجارة لهذه السيدة حين تعطيها قداحة. وعلينا أن لا ننسى المجتمع الأميركي في تلك الحقبة، حيث كان ممنوعاً "المزاح في القضايا الدينية".
في أيّ حال، نشرت القصة اليوم، وتعلّق ديبورا ترايسمن، رئيسة التحرير الحالية للمجلة بالقول: "من المحتمل أنه تمّ اعتبار خاتمة القصة التي تعتمد على تدخل العذراء أمرا فانتازيا، لكن التجديف هنا لا يصدمني. إذ أعتقد أنه أُسيء للقديسة مريم بشكل أكبر منذ تلك الفترة".
على الرغم من أن جميع من تحدث عن القصة اعتبروا أنها لا تمثل حقيقة أدب فيتزجيرالد، إلا أن ترايسمن اعتبرتها ذات صفات أدبية حقيقية، لأنها تشكل "بورتريه لتلك الفترة". فقد وجد فيه كثيرون أنها استعارة عن إدمان الكاتب على الكحول وعلى الانهيار النفسي الذي أصابه في تلك الفترة، وهو بعد في الأربعين من العمر، إذ شكل العام 1936 مرحلة من أصعب المراحل التي مرّ بها، حيث أقام في المصح لفترات متلاحقة، ولكي يرحل بعد تلك الفترة بأربع سنوات.
إسكندر حبش
يفيد الخبر بأن مجلة "النيويوركر" الأدبية – (وهي أشهر مجلة أدبية أميركية، منذ عقود كبيرة) – نشرت في عددها الأخير قصة قصيرة لفيتزجيرالد بعنوان "شكرا على الشعلة" (أو الولعة، وفق التعبير العامي)، بعد ستين سنة من إرسال الكاتب القصة إليها. وفي التفاصيل أن المجلة رفضت العام 1936 نشر هذه القصة التي تقع في أربع صفحات، وهي صفحات "واقعية وفانتازية في الوقت عينه".
عن هذا الرفض، كتب يومها رئيس تحرير المجلة قائلا: "نأسف لعدم استطاعتنا قبول هذه القصة لفيتزجرالد. إذ تبدو لنا أنها غريبة ومختلفة عن الأشياء التي نرضى بها". هل كلام الصحافي الأميركي يخبرنا عن صدمة ما بسبب هذا الجانب المبهم في القصة، كما تقول "لوفيغارو"، والتي تنتهي أحداثها في كنيسة، حيث يلعب العنوان (Light) على معنيين "الشعلة" (التي نشعل بها سيجارة) و"النور". وبما أن رئيس تحرير "النيويوركر" يومها لم يرغب في قطع العلاقات مع الكاتب، (إذ كان في قمة مجده وشهرته) فقد أضاف قائلا في ملاحظته: "سنفعل ما بوسعنا، بالطبع، لكي ننشر قصة لسكوت فيتزجيرالد وأتمنى أن ترسل لنا شيئا مناسبا أكثر".
تمّ اكتشاف القصة في حزيران الماضي، فقد وجدتها حفيدة الكاتب وهي تفرز أرشيف جدها من أجل عملية عرض بالمزاد العلني. وما كان عليها إلا أن اتصلت بالمجلة التي عادت وأوسعت لها مكانة "لائقة ومحترمة" لتنشرها. وما إن صدر حتى أثارت الكثير من النقاش والتعليقات في الولايات المتحدة (في انتظار أن يترجم إلى لغات أخرى)، وتروي عن "السيدة هانسون" التي تعمل كبائعة متجولة للألبسة الداخلية النسائية. أرملة و"امرأة جميلة ذابلة قليلا بسبب سنواتها الأربعين"، تدخن كثيرا، فالسيجارة متعتها النادرة إن لم تكن الوحيدة. إلا أنها اكتشفت، أنه في منطقة "الميدوست" التي انتقلت إليها، أن التدخين مشين.. وبما أنها لم تكن ترغب في خرق القواعد الاجتماعية، حاولت عدم الظهور بمنظر المدخن. لكن بعد يوم مضنٍ من العمل، عنّ على بالها التدخين، وبما أنه من المستحيل إشعال سيجارة في الشارع أو في مكان عام، تلتجئ إلى كنيسة.. وتنتهي القصة بتدخل العذراء مريم بطريقة جميلة (الكلام للصحيفة الفرنسية).
علاقة "النيويوركر" بالكاتب كانت جيدة، إذ نشرت له أقاصيص وقصائد، من هنا ربما جاء هذا الرفض بسبب السمة "غير الطبيعية للنص": إذ أن السيدة العذراء هي من يشعل السيجارة لهذه السيدة حين تعطيها قداحة. وعلينا أن لا ننسى المجتمع الأميركي في تلك الحقبة، حيث كان ممنوعاً "المزاح في القضايا الدينية".
في أيّ حال، نشرت القصة اليوم، وتعلّق ديبورا ترايسمن، رئيسة التحرير الحالية للمجلة بالقول: "من المحتمل أنه تمّ اعتبار خاتمة القصة التي تعتمد على تدخل العذراء أمرا فانتازيا، لكن التجديف هنا لا يصدمني. إذ أعتقد أنه أُسيء للقديسة مريم بشكل أكبر منذ تلك الفترة".
على الرغم من أن جميع من تحدث عن القصة اعتبروا أنها لا تمثل حقيقة أدب فيتزجيرالد، إلا أن ترايسمن اعتبرتها ذات صفات أدبية حقيقية، لأنها تشكل "بورتريه لتلك الفترة". فقد وجد فيه كثيرون أنها استعارة عن إدمان الكاتب على الكحول وعلى الانهيار النفسي الذي أصابه في تلك الفترة، وهو بعد في الأربعين من العمر، إذ شكل العام 1936 مرحلة من أصعب المراحل التي مرّ بها، حيث أقام في المصح لفترات متلاحقة، ولكي يرحل بعد تلك الفترة بأربع سنوات.
إسكندر حبش