(5)
المقَامَةُ الخَامِسَة: وِرْدُ الحِمَام في مُفَاوضَات السَّلام
إلى صديقي الدكتور معاذ عبد المجيد (أبو جبل).. أينما كان
غَابَ عَنّا طَرِيدُ الزَّمَانِ وقتاً طَوِيلا، فَقُلْنا: لَعَلَّوَراءَ اختفائِهِخَطَراً وبيلا؛ إذْ دَنْكَسَ واختفى في بَيْتِه، ولم يُخَصِّصْ لنا شَيْئاً مِنْ وَقْته، ولم يَسْعَ إلينا، أو يَطْمَئِنَّ عَلَينا، كَفِعْلِهِ في سَالفِ الأيّام، غيرَأنَّا اليومَتَذَكَّرْنا وعدَهُ بـ "وِرْدِ الحِمَام"، فَسَعَينا إلى بَيْتِهِ (إِجِرْ لَوَرَا.. وإِجِرْ لَقُدَّامْ )، وإذْ ذَاكَاستقبَلَنا بوَجْهٍ يَتَجَهَّم، ورَاحَيَتَبَرْطَم، وينفُثُ الدُّخَان، وقد أطلَقَ لغضَبِهِ العِنَان، قُلْنَا: "مَا حَلَّ بِكَ يَا صَاحَبَ الدّار؟". قَالَ: "كنتُ أسمعُ نشرةَ الأَخْبَار".
قَلْنَا: "وهَلْ فِيهَا شَيءٌجَدِيد، غيرُ النّفيِ والقَتْلِ والتشريد؟".فَقَالَ،وقد تزاحمَتْ عَلَى شَفَتَيْهِ الكَلِمَات:"الإخوَةُ يتَبَادَلُون الاتهامات، والتَّهَاتِهَ والسَّخَافَات، يَتَجَاهَرونَ بالعَدَاوَةِ أمَامَالأَصْدِقَاءِ والأَخْصَام،ويُشاهلُ بَعْضُهُم بَعْضاًفي قَبِيْحِ الكَلام،فَقَدْصَارَالعِرَاكُ بينَ الجُرْحِ والأنِين، مَقَدَّماً عَلَى الصِّرَاعِمَعَالغَاصِبين".
قُلْنَا: "ألا تُحَدِّثُنا الحَدِيْثَ الَّذِيوَعَدْتَنا بِهِ ذَلِكَ النَّهَار؟". فَرَدَّ: "واللهِ إِنّي أَتَقَلَّبُ عَلَى جَمْرِ الانْتِظَار، مِنْ أجْل أنْ أُحَدِّثَكُمْ بِهِمِنَ الإِحْرَامِ إلى رَمْي الجِمَار".
قُلْنَا: وَمَاذَا تَنْتَظِرُ؟ فَقَالَ طَرِيدُ الزَّمَان:
"بعد أن فرَّقَنا الزمانُ أَيْدِي فِلَسْطين، أَقَمْتُمَعَ أُسْرَتي في دِمَشْقَ بِضْعَ سِنين، في مخيَّمٍقُرْبَجَرَمَانَا، كُنْتُ فِيْهِ مِنَ المُؤَسِّسِين، وأَتَاحَ لي ذَلِك أنْ أَتَعَرَّفَ إلى إِخْوَةٍ وَأَصْدَقَاء، حَاوَلُوا أنْ يَكُونُوا لجُرحِي البَلْسَمَ والدَّوَاء، غيرَ أنَّ الزَّمَان، سَرْعَانَ مَا قَذَفَني إلى عَمَّان، وإذْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيَّا، أصَابَتْني مِنَ الشَّوْقِ للشَّام الحُمَيَّا، فاسْتَوْفَقْتُ اللهَ، وأَزْمَعْتُالرَّحِيل،قَبْلَ أنْ تَفْتُرَ الهِمَّةُ ويَخْبُو الفَتِيْل، ودَحَصْتُ إلَيْها، وقُلْتْ في نَفْسي: أَدْخُلُ مَسْجِدَهَا، لأصلّي للهِ نَافِلةً قَدْ تُصْلِحُ الحَال، وتُحْيِي الآَمَال، ثمَّ أَبْحَثُ عَمّن بَقِيَ مِنَ الأَصْدِقَاء؛ وإذْ دَخَلْتُ وَجَدْتُ جَمَاعَةً مِنَالعُلَمَاء، يَتَجَمْهَرُونَ مِنْ غَيْرِ شَطَط، حَوْلَ شَابٍّ جَعْدٍ قَطَط ، يَسْأَلُونَهُ في الصَّغَائِر والكَبَائِر، فيُجِيبُهُم إِجَابَاتٍ تَرْتَاحُلهَا السَّرَائِر، فَتَعَجَّبْتُأشَدَّ العَجَب، مِنْ جُلُوسِهِم بَيْنَ يَدَيْهِ باحتِرَامٍ وَأَدَب، وبينَهُم الفَقِيْهُ الخَطِير، والعَالِمُ النِّحْرِير، وإذْسَأَلْتُ عَنْذَلِكَ الفَتَى، قِيلَ لي في وَجَل: هَذَا مُعاذ بنُ جَبَل.
فَجَلَسْتُ أتأمّلُ الفَتَى الّذي قَالَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلام: إنَّهُ"أَعْلَمُ أُمَّتي بالحَلالِ والحَرَام"،وَقَالَ عَنْهُثَاني الخُلَفَاء الرَّاشِدين: "عَجَزَت النِّسَاءُ أن يَلِدْنَ مِثْلَهُ" في العَالمين. وجَاسَ في خَاطِري مَا قَرَأتُ عن جودِهِ وعدلِه، وزهدِهِ وطيّبِ فِعْلِه، وطَاعَتِهِ لِرَبِّ العَرْشِ العَظِيم، وقِرَاعه إلى جَانِبالرَّسُولِالكَرِيم.
وَمَا زَالُوا بِهِ، وَمَا زَالَ بهِم، حَتّى انفَضُّوا عَنْهُ، فاتَّخَذَ في المَسْجِدِ مَكَاناً قَصِيّا، فَاقْتَرَبْتُ مِنْهُحَيِيّا، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ مَلِيَّا، فَبَادَرَني: مَا وَرَاءَك يَا أَخِي؟
فَقُلْتُ: يَا أبَا عَبْدِ الرَّحْمَن، عِنْدِيْ مَسْألَةٌتَقْشَعِرُّ لهَا الأَبْدَان، وتَشِيْبُمِنْهَوْلهَا الوِلْدَان.
قَالَ: فَمَنْ أنْتَ؟ ومِمَّ تُعَاني؟
قلتُ: أنَا طَرِيدُ الزَّمَانِ الطَّبَرَاني.
فَهَبَّ مُقَبِّلاً مُرَحِّبا، وقَالَ ذَكَّرْتَني أيَّامَ الصِّبا، فَقَدْ سَمِعْتُ آنذَاكَ أنَّ العَرَبَ في الجَاهِلِيَّة، تَعَامَلُوا بالدَّرَاهِمِ الطَّبَرَانيّة، فَمَا مَسْأَلَتُكَ الّتي سَرْبَلَتْكَ بالهُمُوم، وكَسَتْ وَجْهَكَ بالوُجُوم؟
قُلْتُ:حينَ أَخْرَجَنَا الأعْلاج، مِنْ أرضِ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاج، سَارَعَت الدُّوَلُ إلى الاِعْتِرَافِ بالكَيَانِالخَدَاج، واتَّخَذَ وُجُودُهُ في شِرْعَةِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِصِفَةَ الشَّرْعِيَّة، وصَارَتَشْرِيدُنَا مَسْألةً إنْسَانِيَّة، ثمّ انهَالَتْ عَلَينامُبَادَرَاتِ السَّلام مِنْ كُلِّ الأرجَاء، وَتَدَفَّقَت المَشَارِيعُ مِنَالأعْدِقَاء ، تَدَفُّقَ دِمَاءِ الشِّهَدَاء، إلى أن سَحَبوا جمَاعَتَنا إلى الدَّرَك، وأوقَعُوهُم في الشَّرَك، فَبَصَمُوا في "أوسلو"عَلَى اِتِّفَاقِيَّةِ إِذْعَان، وتَجَاهَلُواكِفَاحاً طَارِفاً وَتَلِيدَا،وَبَاعُوا لاجِئاً وشَرِيدَا، ومُبْعَداً وشَهِيدَا، ومُعْتَقَلاً وجَرِيحَا، ثم بَصَمُوا عَلَى "غزة وأريحا"، وَعِنْدَمَا استَهْجَنَ النَّاسُ الخَبَر، طَالَعُونَا بـ "واي رِيفَر"، وأردَفُوا بمشْرُوع تِينِيت، وقَبْلَ أنْيَهْدَأ في صَدْرِنَا الحَرِيق، جَاؤُونَا بِخَارِطَةِ الطَّرِيق، ثمَّ طَلَعَت عَلَيْنَا عَجُوزٌ دَرْدَبِيس ،بخِطَّة للسَّلامِ في "أنَابولِيس".
قَالَ مُعَاذ: لُعِنَت الحَرْبُ، فَهِيَ مَقتلةُ الأشِدَّاء، ومَأيَمةُ النِّسَاء، فَفِيمَ مُضَايَقَتُكَ يَا طَرِيدَ الزَّمَان، والله يَقُولُ في مُحْكَمِ القُرآن: "وإنْ جَنَحُوا للسِّلم فَاجْنَحْ لهَا "؟
قُلْتُ:آمَنْتُ باللهِ والرُّسُلِ والقُرْآن، ولَكِنَهُلَيْسَ سِلْماً يَا أبَا عَبْدِ الرَّحْمَن.
قَالَ: لَقَدْانشَغَلَ بَالي،واشتَدَّ بَلْبَالي .فَهَلْ تُفَسِّرَ ليمَا فِيْهَا، لَعَلِّي أُقَدِّمُ نَصِيْحَةً وَتَوْجِيْها؟
قلتُ: مُشْكِلَةُ تِلْكَ الاتّفَاقِيَات، وتَوَابِعِهَا مِنَالمَشَارِيعِ والتَّفَاهُمَات، أنهَا تَدْعُو الضَّحيّةَ إلى نَبْذِ الكِفَاح، ومَنْعِ تَهْرِيبِ السِّلاح، وتَدْعُو قِيَادَتَهُإلى التَّمَسُّك بالمُسَاوَمَة، وإلى كَفِّ يَدِ المُقَاوَمَة، وممَارَسَةِ التَّوْقِيْفِ والاِسْتِجْوَاب، في حَقِّ مَنْ يَتَهِمُهُم عَدُوُّنَا بالإِرْهَاب.
فَتَسَاءَلَ مُعَاذ مُتَعَجِّباً: ألا تَمْنَحُكُم الاتّفَاقِيَاتُأيَّ حَقٍّ مِنَ الحُقُوق؟
قُلْتُ: بَلَى، تَمْنَحُنَا حَقَّ إعدَادِ المِلَفَّاتِ الصِّحِيَّة، وكِتَابَةِالتَّقَارِير، وهِيَتَسْمَحُ لَنَا أنْ نُعِدَّ للمَاء والكَهْرَبَاءِ الفَوَاتِير، وأنْنُصْلحَ المجَارِير، وأنْ نَصْطَفيَ أعْضَاءَ السُّلْطَة الوَطَنِيَّة، شَرِيطةَ أنْنَطْبَعَ الأسمَاءَ عَلَى نُسْخَتَين، كَمَا مَنَحَتْنَا حَقَّ تَغْيِير الأَعضَاء بِحَسْبِ الضَّرُورَة، عَلَى أنْ نبعَثَ لحكُومَةِ العَدُوِّ عَن التَّغْيِير صُوْرَة.
- وَهَلْ تَفْرِضُ تِلْكَ الاتّفَاقِيَاتُ شَيْئاً عَلَى الأَعْداء؟
- تَفْرِضُ عَلَيْهِم تَفْكِيكَ بَعْضِ المُسْتَوْطَنَاتِ الَّتي بَنَوْهَا، والعَجِيْبُ في الأَمْرِ أَنَّهُ كُلَّمَا تَعَدَّدَت الاِتِّفَاقِيَات اِزْدَادَت المُسْتَوْطَنَات.
- ومَاذَا عَنْمَوْضُوعُيْالقُدْسِ واللَّاجِئِين؟
- لا أَحَدَ يَجْرُؤُ عَلَى ذِكْرِهِمَا مِنْ المُفَاوِضِين، وَهُمَا مُؤَجَّلانِ إلى حِين.
- ومَاذَا عَنْ مَجْلِسِ الأَمْنِ، والجَمْعِيَّةِ العُمُومِيَّة؟ وَمَا أَصْدَرَاهُ مِنْقَرَارَاتٍدَوْلِيَّة؟
- لا تُشَكِّل للأَعْدَاء أيَّ أرَق، فَهِيَ لَيْسَت سِوَى حِبْرٍ عَلَى وَرَق، عَلَى الرُّغْمِ مِنْ أنَّهَا تَسْلِبُني حَقَّ وُجُودِي، وتَمْنَحُهُم أرضَ آبَائي وَجُدُودِي.
اِعْتَدَلَ مُعَاذبنُ جَبَل في جِلسَتِهِ، ثمَّقَالَ: حِينَ أرسَلَني أبُو عُبَيْدَة عَامِرُ بنُ الجَرّاح لِمُفَاوَضَةِ الرُّوم، تَمَسَّكْتُ بالهَدَفِ المَرْسُوم، وَهُوَ تَوْسِيع النُّفُوذِ والسُّلْطَانِ للمُسْلِمِين، مِنْ أَجْلِإِعْلاءِشَأْنِ الدِّين، وَرَفَضْتُ الإِغْرَاءَاتِ والدَّنانيرَ والأَثْوَاب، الَّتي أَرَادَ الرُّومُ تَقْديمَهَا للجَمِيعِ مِنْ أصغَرِ فَارِسٍ حَتّى عُمَرَ بنِ الخَطَّاب . إِنَّ أوّلَ دَرْسٍ مِنْ دُرُوسِ مُفَاوَضَةِ الأعدَاء، هُوَ ألا تَطَّرِحَالرِّمَاح، قَبْلَ مَوْعِدِ النِّطَاح، وثَانِيهَا أنَّكَقَدْ تُضْطَرُّ إلى التَّنَازُلِ عَنْ بَعْضِ الأشيَاء، لِكَي تحقِنَ الدِّمَاء، ولَكِنَّكَ لا تَتَنَازَلُأبَداً عَنْ أُسِّ البِنَاء.
قُلْتُ: لَقَدْ أَلْقَى جَمَاعَتُنَا السِّلاح، قَبْلَ مَوْعِدِ النِّطَاح، وَتَخَلَّوْا عَنْ أُسِّ البِنَاء، والعَضَائِدِ والجُدْرَان، وحَضَجُوا عَنْ جَادّة السَّوَاء، وَصَارُوا خُزَعْبِيْلَةً يَتَسَّلَى بهَا الأَعْدَاء.
فَقَالَوَقَدْ استَوْمَى عَلَيه الإِبْلاس :فَلْيَجْلِسُوا إذاً مَعَ ذَوَاتِ المِرَاط ، أو فَليَذْهَبُوا إلى الحَنُوطِيِّ، فَهُم أَجْدَرُ بالحِنَاط.
قُلْتُ: وَلَكِنني قَدْ أَجِدُ لهُمْ عُذْرا، فَقَدْ أرهَقَنا العَدُوُّ جُوعاً وَقَهْرا، وَلَيْسَ لدينا قُدْرَةٌ عَلَى النِّزَال، فالنَّمْلَةُ، كَمَا تَعْلَمُ، لا تُقَارِعُ الأفيَال.
قَالَ: أنتُمْ تَمْلِكُون الجُغْرَافيةَ والتَّارِيخَوحِكَايَاتِ الجُدُود، وَهِيَ أقَانِيمُ يَخْشَاهَا العَدُوَّ أكثَرَ ممَّا يخشَى الجُنُود، لِذَا يَسْعَى إلى فَرْضِ سَلامِهِ بالقُوَّة القَاهِرة، لأنَّهُ يخَافُ أنْ تَنْتَقِلَ الذَّاكِرَة، من جِيْلٍ إلى جِيْل، فَتَقْتُل حُلْمَهُ الهَزِيل".
ثم إنّا سَمِعْنَا عَلَى الجِدَار ضَرَبَاتٍ قَوِيَّة، فَقَالَطَرِيدُ الزَّمَان، آنَ أوَانُ الشَّايِ بالميرمِيّة، قُلْنَا: ليسَ قَبْلَ أنْ تَعِدَنَا بمَقَامَةٍ بهيّة، فَقَامَ وَعَادَ بالشَّايِ قَائِلاً: ذُوقُوا شُهْدَه، ولَكنَّنَا سَأَلْنَاهُ قَبْلَ الشُّرْبِ أنْ يُعْطِيَ وَعْدَه، قَالَ: تَأْتُونَ عَلَى المَوْعِدِ، فَأُحَدِّثكم عَن "الحقّ المُبِين في عَوْدَةِ اللاجِئِين".
22/11/2008
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
• رفض المسملون قبل معركة فحل (13هـ) عرضاً رومياً بأن يأخذ كل راجل من جند المسلمين دينارين، والفارس خمسة دنانير وثوبين، في حين يأخذ أبو عبيدة ألف دينار، وخالد بن الوليد خمسمائة، وأن يرسلوا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ألفي دينار، مقابل جلاء المسلمين عن بلاد الشام، واحتفاظهم بأرض البلقاء، وما والاها.
• دنكس: بقي في بيته، ولم يبرز لحاجة القوم.
• رجلٌ إلى الوراء، ورجل إلى الأمام. كناية عن التردّد.
• التهاته: الأباطيل والترَّهات.
• يُشاهل: يُشاتمُ.
• دَحَصَ: أسرعَ.
• جَعْدٌ قَطَط: مجعّدٌ قصير.
• نحت مشهور من كلمتي الأصدقاء والأعداء.
• العجوز الدردبيس: كونديليزا رايس.
• البَلبال: شدّة الهمّ والوسواس.
• حَضَجوا عن الطريق: مالوا عنها.
• خزعبيلة: أُضحوكة.
• استومى عليه الإبلاس: استولى عليه الحُزن.
• مرط الشعر: نتفه، وذوات المراط: النساء.
المقَامَةُ الخَامِسَة: وِرْدُ الحِمَام في مُفَاوضَات السَّلام
إلى صديقي الدكتور معاذ عبد المجيد (أبو جبل).. أينما كان
غَابَ عَنّا طَرِيدُ الزَّمَانِ وقتاً طَوِيلا، فَقُلْنا: لَعَلَّوَراءَ اختفائِهِخَطَراً وبيلا؛ إذْ دَنْكَسَ واختفى في بَيْتِه، ولم يُخَصِّصْ لنا شَيْئاً مِنْ وَقْته، ولم يَسْعَ إلينا، أو يَطْمَئِنَّ عَلَينا، كَفِعْلِهِ في سَالفِ الأيّام، غيرَأنَّا اليومَتَذَكَّرْنا وعدَهُ بـ "وِرْدِ الحِمَام"، فَسَعَينا إلى بَيْتِهِ (إِجِرْ لَوَرَا.. وإِجِرْ لَقُدَّامْ )، وإذْ ذَاكَاستقبَلَنا بوَجْهٍ يَتَجَهَّم، ورَاحَيَتَبَرْطَم، وينفُثُ الدُّخَان، وقد أطلَقَ لغضَبِهِ العِنَان، قُلْنَا: "مَا حَلَّ بِكَ يَا صَاحَبَ الدّار؟". قَالَ: "كنتُ أسمعُ نشرةَ الأَخْبَار".
قَلْنَا: "وهَلْ فِيهَا شَيءٌجَدِيد، غيرُ النّفيِ والقَتْلِ والتشريد؟".فَقَالَ،وقد تزاحمَتْ عَلَى شَفَتَيْهِ الكَلِمَات:"الإخوَةُ يتَبَادَلُون الاتهامات، والتَّهَاتِهَ والسَّخَافَات، يَتَجَاهَرونَ بالعَدَاوَةِ أمَامَالأَصْدِقَاءِ والأَخْصَام،ويُشاهلُ بَعْضُهُم بَعْضاًفي قَبِيْحِ الكَلام،فَقَدْصَارَالعِرَاكُ بينَ الجُرْحِ والأنِين، مَقَدَّماً عَلَى الصِّرَاعِمَعَالغَاصِبين".
قُلْنَا: "ألا تُحَدِّثُنا الحَدِيْثَ الَّذِيوَعَدْتَنا بِهِ ذَلِكَ النَّهَار؟". فَرَدَّ: "واللهِ إِنّي أَتَقَلَّبُ عَلَى جَمْرِ الانْتِظَار، مِنْ أجْل أنْ أُحَدِّثَكُمْ بِهِمِنَ الإِحْرَامِ إلى رَمْي الجِمَار".
قُلْنَا: وَمَاذَا تَنْتَظِرُ؟ فَقَالَ طَرِيدُ الزَّمَان:
"بعد أن فرَّقَنا الزمانُ أَيْدِي فِلَسْطين، أَقَمْتُمَعَ أُسْرَتي في دِمَشْقَ بِضْعَ سِنين، في مخيَّمٍقُرْبَجَرَمَانَا، كُنْتُ فِيْهِ مِنَ المُؤَسِّسِين، وأَتَاحَ لي ذَلِك أنْ أَتَعَرَّفَ إلى إِخْوَةٍ وَأَصْدَقَاء، حَاوَلُوا أنْ يَكُونُوا لجُرحِي البَلْسَمَ والدَّوَاء، غيرَ أنَّ الزَّمَان، سَرْعَانَ مَا قَذَفَني إلى عَمَّان، وإذْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيَّا، أصَابَتْني مِنَ الشَّوْقِ للشَّام الحُمَيَّا، فاسْتَوْفَقْتُ اللهَ، وأَزْمَعْتُالرَّحِيل،قَبْلَ أنْ تَفْتُرَ الهِمَّةُ ويَخْبُو الفَتِيْل، ودَحَصْتُ إلَيْها، وقُلْتْ في نَفْسي: أَدْخُلُ مَسْجِدَهَا، لأصلّي للهِ نَافِلةً قَدْ تُصْلِحُ الحَال، وتُحْيِي الآَمَال، ثمَّ أَبْحَثُ عَمّن بَقِيَ مِنَ الأَصْدِقَاء؛ وإذْ دَخَلْتُ وَجَدْتُ جَمَاعَةً مِنَالعُلَمَاء، يَتَجَمْهَرُونَ مِنْ غَيْرِ شَطَط، حَوْلَ شَابٍّ جَعْدٍ قَطَط ، يَسْأَلُونَهُ في الصَّغَائِر والكَبَائِر، فيُجِيبُهُم إِجَابَاتٍ تَرْتَاحُلهَا السَّرَائِر، فَتَعَجَّبْتُأشَدَّ العَجَب، مِنْ جُلُوسِهِم بَيْنَ يَدَيْهِ باحتِرَامٍ وَأَدَب، وبينَهُم الفَقِيْهُ الخَطِير، والعَالِمُ النِّحْرِير، وإذْسَأَلْتُ عَنْذَلِكَ الفَتَى، قِيلَ لي في وَجَل: هَذَا مُعاذ بنُ جَبَل.
فَجَلَسْتُ أتأمّلُ الفَتَى الّذي قَالَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلام: إنَّهُ"أَعْلَمُ أُمَّتي بالحَلالِ والحَرَام"،وَقَالَ عَنْهُثَاني الخُلَفَاء الرَّاشِدين: "عَجَزَت النِّسَاءُ أن يَلِدْنَ مِثْلَهُ" في العَالمين. وجَاسَ في خَاطِري مَا قَرَأتُ عن جودِهِ وعدلِه، وزهدِهِ وطيّبِ فِعْلِه، وطَاعَتِهِ لِرَبِّ العَرْشِ العَظِيم، وقِرَاعه إلى جَانِبالرَّسُولِالكَرِيم.
وَمَا زَالُوا بِهِ، وَمَا زَالَ بهِم، حَتّى انفَضُّوا عَنْهُ، فاتَّخَذَ في المَسْجِدِ مَكَاناً قَصِيّا، فَاقْتَرَبْتُ مِنْهُحَيِيّا، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ مَلِيَّا، فَبَادَرَني: مَا وَرَاءَك يَا أَخِي؟
فَقُلْتُ: يَا أبَا عَبْدِ الرَّحْمَن، عِنْدِيْ مَسْألَةٌتَقْشَعِرُّ لهَا الأَبْدَان، وتَشِيْبُمِنْهَوْلهَا الوِلْدَان.
قَالَ: فَمَنْ أنْتَ؟ ومِمَّ تُعَاني؟
قلتُ: أنَا طَرِيدُ الزَّمَانِ الطَّبَرَاني.
فَهَبَّ مُقَبِّلاً مُرَحِّبا، وقَالَ ذَكَّرْتَني أيَّامَ الصِّبا، فَقَدْ سَمِعْتُ آنذَاكَ أنَّ العَرَبَ في الجَاهِلِيَّة، تَعَامَلُوا بالدَّرَاهِمِ الطَّبَرَانيّة، فَمَا مَسْأَلَتُكَ الّتي سَرْبَلَتْكَ بالهُمُوم، وكَسَتْ وَجْهَكَ بالوُجُوم؟
قُلْتُ:حينَ أَخْرَجَنَا الأعْلاج، مِنْ أرضِ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاج، سَارَعَت الدُّوَلُ إلى الاِعْتِرَافِ بالكَيَانِالخَدَاج، واتَّخَذَ وُجُودُهُ في شِرْعَةِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِصِفَةَ الشَّرْعِيَّة، وصَارَتَشْرِيدُنَا مَسْألةً إنْسَانِيَّة، ثمّ انهَالَتْ عَلَينامُبَادَرَاتِ السَّلام مِنْ كُلِّ الأرجَاء، وَتَدَفَّقَت المَشَارِيعُ مِنَالأعْدِقَاء ، تَدَفُّقَ دِمَاءِ الشِّهَدَاء، إلى أن سَحَبوا جمَاعَتَنا إلى الدَّرَك، وأوقَعُوهُم في الشَّرَك، فَبَصَمُوا في "أوسلو"عَلَى اِتِّفَاقِيَّةِ إِذْعَان، وتَجَاهَلُواكِفَاحاً طَارِفاً وَتَلِيدَا،وَبَاعُوا لاجِئاً وشَرِيدَا، ومُبْعَداً وشَهِيدَا، ومُعْتَقَلاً وجَرِيحَا، ثم بَصَمُوا عَلَى "غزة وأريحا"، وَعِنْدَمَا استَهْجَنَ النَّاسُ الخَبَر، طَالَعُونَا بـ "واي رِيفَر"، وأردَفُوا بمشْرُوع تِينِيت، وقَبْلَ أنْيَهْدَأ في صَدْرِنَا الحَرِيق، جَاؤُونَا بِخَارِطَةِ الطَّرِيق، ثمَّ طَلَعَت عَلَيْنَا عَجُوزٌ دَرْدَبِيس ،بخِطَّة للسَّلامِ في "أنَابولِيس".
قَالَ مُعَاذ: لُعِنَت الحَرْبُ، فَهِيَ مَقتلةُ الأشِدَّاء، ومَأيَمةُ النِّسَاء، فَفِيمَ مُضَايَقَتُكَ يَا طَرِيدَ الزَّمَان، والله يَقُولُ في مُحْكَمِ القُرآن: "وإنْ جَنَحُوا للسِّلم فَاجْنَحْ لهَا "؟
قُلْتُ:آمَنْتُ باللهِ والرُّسُلِ والقُرْآن، ولَكِنَهُلَيْسَ سِلْماً يَا أبَا عَبْدِ الرَّحْمَن.
قَالَ: لَقَدْانشَغَلَ بَالي،واشتَدَّ بَلْبَالي .فَهَلْ تُفَسِّرَ ليمَا فِيْهَا، لَعَلِّي أُقَدِّمُ نَصِيْحَةً وَتَوْجِيْها؟
قلتُ: مُشْكِلَةُ تِلْكَ الاتّفَاقِيَات، وتَوَابِعِهَا مِنَالمَشَارِيعِ والتَّفَاهُمَات، أنهَا تَدْعُو الضَّحيّةَ إلى نَبْذِ الكِفَاح، ومَنْعِ تَهْرِيبِ السِّلاح، وتَدْعُو قِيَادَتَهُإلى التَّمَسُّك بالمُسَاوَمَة، وإلى كَفِّ يَدِ المُقَاوَمَة، وممَارَسَةِ التَّوْقِيْفِ والاِسْتِجْوَاب، في حَقِّ مَنْ يَتَهِمُهُم عَدُوُّنَا بالإِرْهَاب.
فَتَسَاءَلَ مُعَاذ مُتَعَجِّباً: ألا تَمْنَحُكُم الاتّفَاقِيَاتُأيَّ حَقٍّ مِنَ الحُقُوق؟
قُلْتُ: بَلَى، تَمْنَحُنَا حَقَّ إعدَادِ المِلَفَّاتِ الصِّحِيَّة، وكِتَابَةِالتَّقَارِير، وهِيَتَسْمَحُ لَنَا أنْ نُعِدَّ للمَاء والكَهْرَبَاءِ الفَوَاتِير، وأنْنُصْلحَ المجَارِير، وأنْ نَصْطَفيَ أعْضَاءَ السُّلْطَة الوَطَنِيَّة، شَرِيطةَ أنْنَطْبَعَ الأسمَاءَ عَلَى نُسْخَتَين، كَمَا مَنَحَتْنَا حَقَّ تَغْيِير الأَعضَاء بِحَسْبِ الضَّرُورَة، عَلَى أنْ نبعَثَ لحكُومَةِ العَدُوِّ عَن التَّغْيِير صُوْرَة.
- وَهَلْ تَفْرِضُ تِلْكَ الاتّفَاقِيَاتُ شَيْئاً عَلَى الأَعْداء؟
- تَفْرِضُ عَلَيْهِم تَفْكِيكَ بَعْضِ المُسْتَوْطَنَاتِ الَّتي بَنَوْهَا، والعَجِيْبُ في الأَمْرِ أَنَّهُ كُلَّمَا تَعَدَّدَت الاِتِّفَاقِيَات اِزْدَادَت المُسْتَوْطَنَات.
- ومَاذَا عَنْمَوْضُوعُيْالقُدْسِ واللَّاجِئِين؟
- لا أَحَدَ يَجْرُؤُ عَلَى ذِكْرِهِمَا مِنْ المُفَاوِضِين، وَهُمَا مُؤَجَّلانِ إلى حِين.
- ومَاذَا عَنْ مَجْلِسِ الأَمْنِ، والجَمْعِيَّةِ العُمُومِيَّة؟ وَمَا أَصْدَرَاهُ مِنْقَرَارَاتٍدَوْلِيَّة؟
- لا تُشَكِّل للأَعْدَاء أيَّ أرَق، فَهِيَ لَيْسَت سِوَى حِبْرٍ عَلَى وَرَق، عَلَى الرُّغْمِ مِنْ أنَّهَا تَسْلِبُني حَقَّ وُجُودِي، وتَمْنَحُهُم أرضَ آبَائي وَجُدُودِي.
اِعْتَدَلَ مُعَاذبنُ جَبَل في جِلسَتِهِ، ثمَّقَالَ: حِينَ أرسَلَني أبُو عُبَيْدَة عَامِرُ بنُ الجَرّاح لِمُفَاوَضَةِ الرُّوم، تَمَسَّكْتُ بالهَدَفِ المَرْسُوم، وَهُوَ تَوْسِيع النُّفُوذِ والسُّلْطَانِ للمُسْلِمِين، مِنْ أَجْلِإِعْلاءِشَأْنِ الدِّين، وَرَفَضْتُ الإِغْرَاءَاتِ والدَّنانيرَ والأَثْوَاب، الَّتي أَرَادَ الرُّومُ تَقْديمَهَا للجَمِيعِ مِنْ أصغَرِ فَارِسٍ حَتّى عُمَرَ بنِ الخَطَّاب . إِنَّ أوّلَ دَرْسٍ مِنْ دُرُوسِ مُفَاوَضَةِ الأعدَاء، هُوَ ألا تَطَّرِحَالرِّمَاح، قَبْلَ مَوْعِدِ النِّطَاح، وثَانِيهَا أنَّكَقَدْ تُضْطَرُّ إلى التَّنَازُلِ عَنْ بَعْضِ الأشيَاء، لِكَي تحقِنَ الدِّمَاء، ولَكِنَّكَ لا تَتَنَازَلُأبَداً عَنْ أُسِّ البِنَاء.
قُلْتُ: لَقَدْ أَلْقَى جَمَاعَتُنَا السِّلاح، قَبْلَ مَوْعِدِ النِّطَاح، وَتَخَلَّوْا عَنْ أُسِّ البِنَاء، والعَضَائِدِ والجُدْرَان، وحَضَجُوا عَنْ جَادّة السَّوَاء، وَصَارُوا خُزَعْبِيْلَةً يَتَسَّلَى بهَا الأَعْدَاء.
فَقَالَوَقَدْ استَوْمَى عَلَيه الإِبْلاس :فَلْيَجْلِسُوا إذاً مَعَ ذَوَاتِ المِرَاط ، أو فَليَذْهَبُوا إلى الحَنُوطِيِّ، فَهُم أَجْدَرُ بالحِنَاط.
قُلْتُ: وَلَكِنني قَدْ أَجِدُ لهُمْ عُذْرا، فَقَدْ أرهَقَنا العَدُوُّ جُوعاً وَقَهْرا، وَلَيْسَ لدينا قُدْرَةٌ عَلَى النِّزَال، فالنَّمْلَةُ، كَمَا تَعْلَمُ، لا تُقَارِعُ الأفيَال.
قَالَ: أنتُمْ تَمْلِكُون الجُغْرَافيةَ والتَّارِيخَوحِكَايَاتِ الجُدُود، وَهِيَ أقَانِيمُ يَخْشَاهَا العَدُوَّ أكثَرَ ممَّا يخشَى الجُنُود، لِذَا يَسْعَى إلى فَرْضِ سَلامِهِ بالقُوَّة القَاهِرة، لأنَّهُ يخَافُ أنْ تَنْتَقِلَ الذَّاكِرَة، من جِيْلٍ إلى جِيْل، فَتَقْتُل حُلْمَهُ الهَزِيل".
ثم إنّا سَمِعْنَا عَلَى الجِدَار ضَرَبَاتٍ قَوِيَّة، فَقَالَطَرِيدُ الزَّمَان، آنَ أوَانُ الشَّايِ بالميرمِيّة، قُلْنَا: ليسَ قَبْلَ أنْ تَعِدَنَا بمَقَامَةٍ بهيّة، فَقَامَ وَعَادَ بالشَّايِ قَائِلاً: ذُوقُوا شُهْدَه، ولَكنَّنَا سَأَلْنَاهُ قَبْلَ الشُّرْبِ أنْ يُعْطِيَ وَعْدَه، قَالَ: تَأْتُونَ عَلَى المَوْعِدِ، فَأُحَدِّثكم عَن "الحقّ المُبِين في عَوْدَةِ اللاجِئِين".
22/11/2008
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
• رفض المسملون قبل معركة فحل (13هـ) عرضاً رومياً بأن يأخذ كل راجل من جند المسلمين دينارين، والفارس خمسة دنانير وثوبين، في حين يأخذ أبو عبيدة ألف دينار، وخالد بن الوليد خمسمائة، وأن يرسلوا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ألفي دينار، مقابل جلاء المسلمين عن بلاد الشام، واحتفاظهم بأرض البلقاء، وما والاها.
• دنكس: بقي في بيته، ولم يبرز لحاجة القوم.
• رجلٌ إلى الوراء، ورجل إلى الأمام. كناية عن التردّد.
• التهاته: الأباطيل والترَّهات.
• يُشاهل: يُشاتمُ.
• دَحَصَ: أسرعَ.
• جَعْدٌ قَطَط: مجعّدٌ قصير.
• نحت مشهور من كلمتي الأصدقاء والأعداء.
• العجوز الدردبيس: كونديليزا رايس.
• البَلبال: شدّة الهمّ والوسواس.
• حَضَجوا عن الطريق: مالوا عنها.
• خزعبيلة: أُضحوكة.
• استومى عليه الإبلاس: استولى عليه الحُزن.
• مرط الشعر: نتفه، وذوات المراط: النساء.