(6) المَقَامَةُ السَّادِسَة: الحَقُّ المُبِين فِي عَوْدَةِ اللاجِئِين
إلى "أبو عرب": مغنّي فلسطين
بعْدَأنْ جَمَعْنا الخِلّان، دخَلْنا مَجْلِسَ طَريدِ الزَّمَان، نعزّيه بوَفَاةِ قَرِيبٍ لَهُ مِنْ دَيْرِ البَلَح، فَأَشْبَعْنَاهُ تَقْبيلاً وضَمَّا، ولكِنَّهُ ازدَادَ هَمّاً وغَمّا، فَقُلْنَا: إنّهُ أَمْرُ اللهِ الوَاقِع، ولَنْ تَجِدَ لَهُ مِنْ دَافِع، فأجَابَ وقَدْ غَالَبَتْهُ الكَآبة: لا يُكْرِبُنِي مَا بَيْنِي وبَيْنَهُ مِنْ أَوَاطِرِ القَرَابة[1]، بَلْ مَا أصَابَنا من الهوَان، إذْ إنّه هَلَكَ مِنْ خَوَاء الخِوان[2]، وَحِصَارِ الأعدَاءِ والإِخْوَان.
ثمَّ إنَّا شَرِبْنَا القَهْوَة المُرَّةَ، وقُمْنَا نُرِيدُ البَاب، فمَنَعَنَا مِنَ الذِّهَاب، قائِلاً: لا تخرجُونَ حَتّى تَسْمَعُوا مَا جِئْتُم لأجْلِهِ، قُلْنا: مَا جِئْنَا إلا للعَزَاء، وليسَ الوقْتُ مُوَاتِياً للأَخْذِ والعَطَاء. قَالَ: بَلْ تَجْلسُون، لأنَّ وَفَاةَ قَرِيبي في حِصَارِ غَزَّةِ هَاشِم، والنَّاسُ بينَ مُحَاصِرٍ ومُرَاقِبٍ ولائِم، وَجْهٌ من أوجُهِ الحِكَاية، وفَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الرِّوَاية. فَسَألنَاهُ، وقَدْ أصَابَنَا فَرَحٌ دَفِين: أَتُحَدِّثُنَا عَن الحَقِّ المُبين في عَودَةِ اللَّاجِئين؟ قَالَ: نَعَم.
فجَلَسْنا وجَلِس، وما نَبَسْنا، وما نَبَس، حَتَّى هَدَأَتْ نَفْسُه، فَقَالَ:
كَانَتْ قَدْ حَنَجَتْ لي حَاجَةٌ[3] في بِلادٍ بَعِيدَة، فغوّرتُ وتجبّلتُ، وأنجدْتُ وأسهَلْتُ، وأنهرْتُ وأبحَرْتُ، حَتَّى ضَلَلْتُ الطَّرِيق، وافتقَدْتُ الرَّفِيق، وَوَصَلْتُ إلى جَزِيرةٍ مَليئةٍ بالطَّيْرِ والشَّجَر، وليسَ فِيهَا أَثَرٌ لبَنِي البَشَر، فأذَخْتُ[4] في مختَلفِ أرجَائِها، ثمَّ جَلَسْتُ في أفيَائِهَا، بَعْدَ أنْأَخْفَقْتُ في الحُصُولِ عَلَى حَبَّةِ بَنْدُورَةٍ أو خِيَار، فَتَلَعْلَعْتُ من الخِنْتَار[5]، وتَوَهَّمْتُ أمَامِي ملُوخِيّةً وشَرَائِحَ لَيْمُون، ورَغِيفَيْن مِنْ خُبْزِ الطَّابُون. وإذْ غَابَ ضوءُ الحَجَاج[6]، أسَرَعْتُ بَاحِثاً عَنْ مَحْجَأٍ[7] لنَوْمٍ قَرِير، وكِدْتُ أنَامُ وأنَا أَسِير، لولا أنَّنِي آنَسْتُ نَاراً تُضِيْءُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيد، فَدَبَّت القُوَّةُ في أَطْرَافي وسِرْتُ نحْوَهَا بخَطْوٍ مَدِيد، فَرَأَيْتُ شَابّاً جُثَّ[8] مِنْ وُجُودِي وَسْطَ الظَّلَام، ولَكِنَّه اِطْمَأَنَّ إِذْ أَلْقَيْتُ عَلَيْهِ السَّلام، وسَألَنِي في دهَشٍ وابتِسَام:
- مَنْ أنتَ؟
قلت: رَجُلٌ حَنَّكَتْهُ التَّجَارِب، وأحنَقَتْهُ المَتَاعِب، وطَرَدَهُ الزَّمَانُ مِنْ طُمَأنينَتِهِ الوَادِعة، إلى بِلادِ اللهِ الوَاسِعَة، وأبدَلَهُ الدّهرُ بالسَّهْل والبُحَيرَة، مَهانةً وغُرْبةً وحَيْرَة.
قَالَ: فَأَنْتَ واللهِ طَرِيدُ الزّمَان..
قُلْتُ: هُوَ ذَاك.. وَمَا أَدْرَاك؟
قَالَ: أعرِفُكَ.. وأعرِفُ أبَاك. فَقَدْ سَبِحْتُ مَرَّةً في طَبَريّة، ونَعِمْتُ بحَمَّامَاتِهَا المَعْدِنيَّة، وسمِعْتُ مِن أهلِها أنهُم يَعِيشُونَ في صَفَاء، فلا يُعَانُونَ حُنْذَةَ الصَّيفِ[9] ولا قَرَّ الشِّتَاء، وأَكَلْتُ مِن سَمَكِها شهيّا، وشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا هَنِيَّا، قَبْلَ أنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهَا بَنُو صَهْيُون، فيَتَشَرَّدَ الآبَاءُ والبَنُون.
قُلْتُ: عَرَفْتَني ولم أَعْرِفْكَ.
قَالَ: أنَا شَابٌّ حَمَلَتهُ التِّجارَة، ومحبّةُ السِّفَارَة، من بَيْتِهِ في بَغْدَاد، ليَتَجَوَّلَ في مختَلفِ البِلَاد.
قُلْتُ: فَأنْتَ السِّنْدِبَاد.
ثمَّ إِنَّ السِّنْدِبَاد أجْلَسَني، وقَامَ مِنْ غَيْرِ انتِظَار، إلى طيرٍ اصْطَادَهَا، فَحَنَذَهَا[10] فَوْقَ النَّار، ثمَّ قَدَّمَها لي فَأَكَلْتُ حَتَّى حَمِدْتُ الوَاحِدَ القَهَّار، فَقَامَ إلى بِرْكةٍ فعَظَر السِّقَاءَ[11] مِنْ مَائِها، وقَدَّمَهُ لي كَيْ أَشْرَبَ، ثمَّ قَال:
دفَعَني حُبِّي المُغَامرةَ إلى مفارَقَةِ الأهلِ والخلّان، وانتَقَلْتُ عَبر البِحَارِ والخُلْجَان، حَتَّى انتَهَيْتُ إلى هَذَا المَكَان. وقَدْ سَمِعْتُ عنكَ بَعْضَ القَالِ والقِيل، فَهَلّا حَدَّثْتَني عِنْ سِفَارِكَ بالتَّفْصِيل؟
قُلْتُ: أمَّا أنَا فَإني أُشْبِهُكَ ولا أُشْبِهُك.
قَالَ السِّنْدِبَادُ: ليسَ لَنَا إلا الكَلامُ في هَذِهِ الأمسِيَة، فَحُلَّ لي الأُحْجِيَة.
قُلْتُ: طوّفْتُ مِثلَكَ في البُلْدَان، غَيْرَ أني لم أخْتَر الوُجْهَةَ ولا الزَّمَان، فَقَد بدأ طَرْدِي مَعَ كَثِيرٍمِنْبَنِي قَوْمِي في عَامِ النَّكْبَةِ خَارِجَ البِلَاد، واستَمَرَّ ذَلِكَ في عَامِ النَّكْسَةِ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَاد، وتَوَاصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ، عَبْرَ التّرحيلِ الجَمَاعِيِّ والإِبْعَاد، وَعَبْرَ إِصْدَارِ القَوَانِينِ الَّتي تُسَهِّلُ الخُرُوجَ وتُصَعِّبُ المَعَاد. وَقَدْ مَهَكَتْنا الغُرْبةُ[12] عَلَى مَدَى سِتِّينَ عَاماً، فَمَا بَلَدْنا بمكانٍ نَأنَسُ فيه حَتَّى حَنْظَلَتْ في نُفُوسِنَا شَجَرَةُ الغِيَاب، وأَخَذَنَا الشَّوقُ إلى المَرَابِعِ والأَحْبَاب.
أمّا الغَريبُ العَجيبُ فَإِنَّ قَانُونَ الغاصِبِ المُعَادِي، يَسْمَحُ لكلِّ يَهُودِ العَالمِ "أنْ يَعُودُوا" إلى بِلادِي!!، وَيُعْطِيهِم كُلَّ الإغرَاءَات، مِن أَجْلِ أنْ يُغَادِرُوا أَوْطَانَهم ويُهَاجِرُوا إلى فِلَسْطِين الَّتي لم يحلُمُوا بِمُدُنِهَا وقِلاعِهَا وأَسْوَارِهَا، ولم يَتَفَيَّؤوا يَوْماً بِظِلالِ أشْجَارِهَا.
قَالَ السِّنْدِبَاد:
لَقَدْ جُبْتُ الآفَاق، وقابَلْتُ المَارِدَ العِمْلاق، وزَعِيْمَ الجِنِّ الأَزْرَق في المَغَارَة، ورأيْتُ كَيْفَ حَوَّلَ النَّاسَ حِجَارَة، ورأيْتُ طَائِرَ العَنْقَاء، وسَمِعْتُ أغربَ القِصَصِ عن الهَرَاجِيْلِ الأشِدَّاء، ولَكِنَّنِي لم أسْمَعْ عَنْ قَوْمٍ يَقْتُلونَ شَعْباً أو يَطْرُدُونَهُ مِنْ أَرْضِ جُدُودِه، ويَلْقُونَ به بلا حِنْثٍ[13] خَارِجَ حُدُودِه، ثمَّ يَسْتَوْرِدُونَ الأشْتَاتَ مِنْ كُلِّ الأَرْجَاء، لِيَبْنُوا وَطَناً فَوْقَ الضُّلُوعِ والأَشْلاء.
ولَكِن: أَلا يَضْمَنُ لَكُم هَذَا الَّذِي تُسَمُّونه "المُجْتَمَع الدَّوْلي" حَقَّ العُوْدَة؟
قُلْتُ: بَلَى، ورَبِّ البَرِيَّة، إنَّهُ يَضْمَنُ لَنَا هَذَا الحَقَّ وغَيْرَهُ مِنَ النَّاحِيَةِ النَّظَرِيَّة، وَلَكِنَّهُلا يَسْعَى أَبَداً إلى إِحْقَاقِه، بَلْ يُمْعِنُ في إِزْهَاقِه، ممَّا يَكْشِفُ مَدَى نِفَاقِه، فَهُوَ الَّذِي سَنَّ الإِعْلان، الَّذِي يَضْمَنُ حُقُوقَ الإِنْسَان، فيَتمتّعُ بِمَا يَشَاءُمِنْها، دُونَ أَنْ يَمْلِكَ حَقَّ التَّنَازُلِ عَنْهَا.
فِإِذَا أَنْعَمْنَا النَّظَرَ في القَرَارَاتِ الدَّوْلِيَّة، الصَّادِرَةَ عَن الجَمْعِيَّةِ العُمُومِيَّة، الَّتي تَضْمَنُ حَقَّ العَوْدَةِ للاجِئِينَ الفِلَسْطِينيّينَ وَجَدْنَاهَا كَثِيْرَة. عَلَى أنَّ مَجْلسَ الأَمْنِ استقنَّتْ[14] بِأَمْرِهِ قُوَى الضَّلال، فَضَجِمَ[15] فِيْهِ الميزانُ وَمَال، وصَارَ تحقيقُ السُّوَى[16] مِنَ المُحَال، إذْ اكتَفَى المَجْلسُ بإِشَارَةٍ سَرِيعَةٍإلى "تَحْقِيقِ حَلٍّ عَادِلٍ لمُشْكِلَةِ اللَّاجِئِين"[17]، وصَمَتَ عَنْ حَقِّ العَوْدَةِ المُبِين، وَكَانَ الشَّاعِرُ الكُوَيتيُّ عَبْدُ المُحْسِنِ رَشِيد، قَدْ عَبَّر عَنْ ذَلِكَ بِرَأْيٍ سَدِيد، إِذْ قَالَ:
في مَجْلسِ الأَمْنِ أوْ في هَيْئَةِ الأُمَمِ ضَـاعَتْ حُقُوقَـكُمُ فَالقَوْمُ في صَمَمِ
لا يَنْهَضُ الحَقُّ إلا حِـيْنَ تُسْمِعُهُ صَوْتَ الرَّصَاصِ يُدَوّي لا صَدَى الكَلِمِ
شَرِيعَةُ الغَابِ مَا انْفَكَّتْ مُسَيْطِرَةً الحَـقُّ للذِّئْـبِ، لَيْـسَ الحَـقُّ للغَنَمِ
ومِنَ المُؤْسِفِ أنَّ أبنَاءَ جِلْدَتِنَا مِمَّن اِجْثَألَّوا[18] كالطَّاوُوس، وحَنَطَتْ مِنْهم الرُّؤُوس[19]، وحَانَ قِطَافُها،لم يَلْجَؤُوا إلى مِئْمَرِ أو مَشُورَة، بل استأمّوا المَضْرُوبَ عَلَى وَجْهِهِ بالحِذَاء[20]، دُونَ خَجَلٍ أَوْ حَيَاء، فَإِذَا أدَّى امتَدَحُوا حُسْنَ أدَائِه، وإذَا دَعَا أمَّنُوا عَلَى دُعَائِه.
وإذْ جَاءَت المُفَاوَضَاتُ خَضَعُوا لرُؤْيَةِ العَدُوِّ الَّذِي تَكبَّر، وطَغَى وتجَبَّر، قَائِلاً: إنَّ أَفْضَلَ طَرِيقَةٍ للتَعَامُلِ مَعَ القَرَارَاتِ الدَّوْلِيَّةِ طَمْسُها، و"إِنَّ مَرْجِعِيَّةَ المُفَاوَضَاتِ هِيَ المُفَاوَضَاتُ نَفْسُهَا"، وَقَدْ اِسْتَمَرَّ في خِلالِ ذَلِكَ ببِنَاءِ الحِجَارِ[21] العَازِل، دُونَ مُعْتَرِضٍ أَوْ سَائِل، وَهُوَ يَتَبَاكَى عَلَى المحرَقَة، مُهَدِّداً مَنْ أَنْكَرَهَا بِالوَيْلِ والثُّبُور، وَعَظَائِمِ الأُمُور، فحَصَلَ عَلَى القِنْعَ والعِتَاد، وبَلَصَ المالَ مِنْ كُلِّ البِلاد.
قَالَ السِّنْدِبَادُ: لا بُدَّ أنْ نَعُود.
قُلْتُ: نَعُود؟؟
قَالَ: أنتَ إلى أَرْضِ البُرَاق، وأَنَا إلى رُبُوعِ العِرَاق، فَقَدْ سَمِعْتُ أنَّ طُيُورَ العَنْقَاءِ القَبِيحَةَ تَمْلأُ سَمَاءَ بَغْدَاد، وَتَقْتُلُ الشُّيُوخَ والنَّسَاءَ والبَنَاتَ والأَوْلاد.
قُلْتُ: وَكَيْفَ نَعُود؟؟ وَقَدْ حَلَّ الشِّقَاق بَيْنَ الإِخْوَةِ مَحَلَّ الاِتِّفَاق، ولا قِبَلَ لي بِمُوَاجَهَةِ العَدُوِّ وطَائِرَاتِه، وقَنَابِلِه العُنْقُودِيَّةِ وَدَبَّابَاتِه، فَمَاذَا أَفْعَلُ إذَا لم أُقَاتِلْ أوْ أُفَاوِضْ؟ أَأَجْلِسُ إلى جَانِبِ دَجَاجَتي؟؟
قَالَ: لا أَظُنُّ الأمُورُ بَلَغَتْ حَدَّ العَجْزِ العَقِيم، وَلَكِنْ اِسْمَعْ مِنِّي أُمْحُوضَةً خَالِصةً لِوَجْهِ الكَرِيم: إِذَا كُنْتَ عَاجِزاً عَنْ أيِّ فِعْلٍ، فَلا أَقَلَّ مِنْ أنْ تَذْهَبَ إلى دَجَاجَتِكَ، مِنْ أَجْلِ أنْ تُنْجِبَا أَفْرَاخاً، فَتَحْكِيَا لهُمْ حِكَايَاتٍ جَمِيْلةً عَنْ أَرْضِ الزَّيْتُون، الَّتي أَخَذَهَا بَنُو صهيُون، وَتَذْكُرَا للفِرَاخِ أولئِكَ الَّذِينَ أبْلَطُوا بأَرْضِهم مِثْلُ البُلاخ[22]وَتَطْلُبَا مِنْهُم أَنْ يَضَعُوا حُنْدَرَةَ عُيُونِهِم أَنَّهَا تَمْتَدُّ مِنَ البَحْرِ إلى النَّهْر.
قُلْتُ: سَنَفْعَلُ مَا نَسْتَطِيعُ حَتَّى نُزِيْلَ هَذَا الجَاثُوم[23]، وَنَعُودَ إلى أَرْضِ الكُرُوم، فّإِذَا بَلَغَت الحُلقُوم، وانتهينا إلى الجَحْجَحَة[24] في سَبِيْلِ أَرْضِنَا الطَّاهِرَة، نَعِمَ الأولادُ بالسُّمْعَةِ البَاهِرَة، وسُرَّ الحفَدَةُ بالعَوْدَةِ الظافِرَة، إلى القُدْسِ وَيَافَا والنَّاصِرَة. وَقَدْ قَالَ شَاعِرُنَا الحَيْفَاوِي[25]:
فإمَّا تَوَلَّى رَبِيْـعُ الشّـبابِ وصُوِّحَ منهُ نَدِيُّ الزّهَـرْ
وحُمَّ الرَّدَى أَجَلاً في كِتَابٍ بِهِ مِن مَنَايا البَّرَايَا سُـوَرْ
فلا تَيْئسي مِن رِجُوعِي إلَيكِ وَلَوْ غَيَّبَتْني طَـوَايَا الحُفَرْ
فإنّي وَلَوْ حَفْنَةٌ مِـن تُرَابٍ سَأَرْجعُ في قَبَضَاتِ القَدَرْ
فَقَالَ: أَحْسَنَ شاعرُكُم وأَفَاد، وأَبْدَعَ وأَجَاد، فالشَّريفُ يجتنبُ الذّام، وإن أدْرَكَهُ السَّام.
ثمّ إنَّا أتْمَمْنا لَيْلَتَنَا في أَمَان، تَحْتَ ضَوْءِ الزِّبرِقَان[26]، يُحَدِّثُني فِيْهَا أغْرَبَ الحَدِيثِ عَن مُلُوكِ الجَان حَتَّى سَرَقَنَا المَنَام، مِن قَبْل أن يَنْتَهِيَ الكَلام.
وإذْ انتَهَى طَرِيدُ الزَّمَان، مَدَّ أَبْنَاؤُه الخِوَان، وَوَضَعُوا الزَّاد، فَقُلْنَا وَقَدْ مَدَدْنَا إِلَيْهِ الأَيْدِي: مَا بالُكَ لا تُحَدِّثُنَا عَنْ مُنْتَظِرِ الزَّيْدِي؟ فَقَالَ: لا تُنْحُوْا عَلَيّ باللائِمَة، فَإِنِّي مُحَدّثُكم عَنْهُ في المَرَّةِ القَادِمَة. أمَّا الآنَ فَلا تَنْتَظِرُوا مَلِّيَا، بَلْ كُلُوا هَنِيَّاً مَرِيّا، ثمّ قُومُوا إلى دَجَاجَاتِكُم، يَرْحَمْكُمُ الله.25/12/2008
[HR][/HR]
إلى "أبو عرب": مغنّي فلسطين
بعْدَأنْ جَمَعْنا الخِلّان، دخَلْنا مَجْلِسَ طَريدِ الزَّمَان، نعزّيه بوَفَاةِ قَرِيبٍ لَهُ مِنْ دَيْرِ البَلَح، فَأَشْبَعْنَاهُ تَقْبيلاً وضَمَّا، ولكِنَّهُ ازدَادَ هَمّاً وغَمّا، فَقُلْنَا: إنّهُ أَمْرُ اللهِ الوَاقِع، ولَنْ تَجِدَ لَهُ مِنْ دَافِع، فأجَابَ وقَدْ غَالَبَتْهُ الكَآبة: لا يُكْرِبُنِي مَا بَيْنِي وبَيْنَهُ مِنْ أَوَاطِرِ القَرَابة[1]، بَلْ مَا أصَابَنا من الهوَان، إذْ إنّه هَلَكَ مِنْ خَوَاء الخِوان[2]، وَحِصَارِ الأعدَاءِ والإِخْوَان.
ثمَّ إنَّا شَرِبْنَا القَهْوَة المُرَّةَ، وقُمْنَا نُرِيدُ البَاب، فمَنَعَنَا مِنَ الذِّهَاب، قائِلاً: لا تخرجُونَ حَتّى تَسْمَعُوا مَا جِئْتُم لأجْلِهِ، قُلْنا: مَا جِئْنَا إلا للعَزَاء، وليسَ الوقْتُ مُوَاتِياً للأَخْذِ والعَطَاء. قَالَ: بَلْ تَجْلسُون، لأنَّ وَفَاةَ قَرِيبي في حِصَارِ غَزَّةِ هَاشِم، والنَّاسُ بينَ مُحَاصِرٍ ومُرَاقِبٍ ولائِم، وَجْهٌ من أوجُهِ الحِكَاية، وفَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الرِّوَاية. فَسَألنَاهُ، وقَدْ أصَابَنَا فَرَحٌ دَفِين: أَتُحَدِّثُنَا عَن الحَقِّ المُبين في عَودَةِ اللَّاجِئين؟ قَالَ: نَعَم.
فجَلَسْنا وجَلِس، وما نَبَسْنا، وما نَبَس، حَتَّى هَدَأَتْ نَفْسُه، فَقَالَ:
كَانَتْ قَدْ حَنَجَتْ لي حَاجَةٌ[3] في بِلادٍ بَعِيدَة، فغوّرتُ وتجبّلتُ، وأنجدْتُ وأسهَلْتُ، وأنهرْتُ وأبحَرْتُ، حَتَّى ضَلَلْتُ الطَّرِيق، وافتقَدْتُ الرَّفِيق، وَوَصَلْتُ إلى جَزِيرةٍ مَليئةٍ بالطَّيْرِ والشَّجَر، وليسَ فِيهَا أَثَرٌ لبَنِي البَشَر، فأذَخْتُ[4] في مختَلفِ أرجَائِها، ثمَّ جَلَسْتُ في أفيَائِهَا، بَعْدَ أنْأَخْفَقْتُ في الحُصُولِ عَلَى حَبَّةِ بَنْدُورَةٍ أو خِيَار، فَتَلَعْلَعْتُ من الخِنْتَار[5]، وتَوَهَّمْتُ أمَامِي ملُوخِيّةً وشَرَائِحَ لَيْمُون، ورَغِيفَيْن مِنْ خُبْزِ الطَّابُون. وإذْ غَابَ ضوءُ الحَجَاج[6]، أسَرَعْتُ بَاحِثاً عَنْ مَحْجَأٍ[7] لنَوْمٍ قَرِير، وكِدْتُ أنَامُ وأنَا أَسِير، لولا أنَّنِي آنَسْتُ نَاراً تُضِيْءُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيد، فَدَبَّت القُوَّةُ في أَطْرَافي وسِرْتُ نحْوَهَا بخَطْوٍ مَدِيد، فَرَأَيْتُ شَابّاً جُثَّ[8] مِنْ وُجُودِي وَسْطَ الظَّلَام، ولَكِنَّه اِطْمَأَنَّ إِذْ أَلْقَيْتُ عَلَيْهِ السَّلام، وسَألَنِي في دهَشٍ وابتِسَام:
- مَنْ أنتَ؟
قلت: رَجُلٌ حَنَّكَتْهُ التَّجَارِب، وأحنَقَتْهُ المَتَاعِب، وطَرَدَهُ الزَّمَانُ مِنْ طُمَأنينَتِهِ الوَادِعة، إلى بِلادِ اللهِ الوَاسِعَة، وأبدَلَهُ الدّهرُ بالسَّهْل والبُحَيرَة، مَهانةً وغُرْبةً وحَيْرَة.
قَالَ: فَأَنْتَ واللهِ طَرِيدُ الزّمَان..
قُلْتُ: هُوَ ذَاك.. وَمَا أَدْرَاك؟
قَالَ: أعرِفُكَ.. وأعرِفُ أبَاك. فَقَدْ سَبِحْتُ مَرَّةً في طَبَريّة، ونَعِمْتُ بحَمَّامَاتِهَا المَعْدِنيَّة، وسمِعْتُ مِن أهلِها أنهُم يَعِيشُونَ في صَفَاء، فلا يُعَانُونَ حُنْذَةَ الصَّيفِ[9] ولا قَرَّ الشِّتَاء، وأَكَلْتُ مِن سَمَكِها شهيّا، وشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا هَنِيَّا، قَبْلَ أنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهَا بَنُو صَهْيُون، فيَتَشَرَّدَ الآبَاءُ والبَنُون.
قُلْتُ: عَرَفْتَني ولم أَعْرِفْكَ.
قَالَ: أنَا شَابٌّ حَمَلَتهُ التِّجارَة، ومحبّةُ السِّفَارَة، من بَيْتِهِ في بَغْدَاد، ليَتَجَوَّلَ في مختَلفِ البِلَاد.
قُلْتُ: فَأنْتَ السِّنْدِبَاد.
ثمَّ إِنَّ السِّنْدِبَاد أجْلَسَني، وقَامَ مِنْ غَيْرِ انتِظَار، إلى طيرٍ اصْطَادَهَا، فَحَنَذَهَا[10] فَوْقَ النَّار، ثمَّ قَدَّمَها لي فَأَكَلْتُ حَتَّى حَمِدْتُ الوَاحِدَ القَهَّار، فَقَامَ إلى بِرْكةٍ فعَظَر السِّقَاءَ[11] مِنْ مَائِها، وقَدَّمَهُ لي كَيْ أَشْرَبَ، ثمَّ قَال:
دفَعَني حُبِّي المُغَامرةَ إلى مفارَقَةِ الأهلِ والخلّان، وانتَقَلْتُ عَبر البِحَارِ والخُلْجَان، حَتَّى انتَهَيْتُ إلى هَذَا المَكَان. وقَدْ سَمِعْتُ عنكَ بَعْضَ القَالِ والقِيل، فَهَلّا حَدَّثْتَني عِنْ سِفَارِكَ بالتَّفْصِيل؟
قُلْتُ: أمَّا أنَا فَإني أُشْبِهُكَ ولا أُشْبِهُك.
قَالَ السِّنْدِبَادُ: ليسَ لَنَا إلا الكَلامُ في هَذِهِ الأمسِيَة، فَحُلَّ لي الأُحْجِيَة.
قُلْتُ: طوّفْتُ مِثلَكَ في البُلْدَان، غَيْرَ أني لم أخْتَر الوُجْهَةَ ولا الزَّمَان، فَقَد بدأ طَرْدِي مَعَ كَثِيرٍمِنْبَنِي قَوْمِي في عَامِ النَّكْبَةِ خَارِجَ البِلَاد، واستَمَرَّ ذَلِكَ في عَامِ النَّكْسَةِ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَاد، وتَوَاصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ، عَبْرَ التّرحيلِ الجَمَاعِيِّ والإِبْعَاد، وَعَبْرَ إِصْدَارِ القَوَانِينِ الَّتي تُسَهِّلُ الخُرُوجَ وتُصَعِّبُ المَعَاد. وَقَدْ مَهَكَتْنا الغُرْبةُ[12] عَلَى مَدَى سِتِّينَ عَاماً، فَمَا بَلَدْنا بمكانٍ نَأنَسُ فيه حَتَّى حَنْظَلَتْ في نُفُوسِنَا شَجَرَةُ الغِيَاب، وأَخَذَنَا الشَّوقُ إلى المَرَابِعِ والأَحْبَاب.
أمّا الغَريبُ العَجيبُ فَإِنَّ قَانُونَ الغاصِبِ المُعَادِي، يَسْمَحُ لكلِّ يَهُودِ العَالمِ "أنْ يَعُودُوا" إلى بِلادِي!!، وَيُعْطِيهِم كُلَّ الإغرَاءَات، مِن أَجْلِ أنْ يُغَادِرُوا أَوْطَانَهم ويُهَاجِرُوا إلى فِلَسْطِين الَّتي لم يحلُمُوا بِمُدُنِهَا وقِلاعِهَا وأَسْوَارِهَا، ولم يَتَفَيَّؤوا يَوْماً بِظِلالِ أشْجَارِهَا.
قَالَ السِّنْدِبَاد:
لَقَدْ جُبْتُ الآفَاق، وقابَلْتُ المَارِدَ العِمْلاق، وزَعِيْمَ الجِنِّ الأَزْرَق في المَغَارَة، ورأيْتُ كَيْفَ حَوَّلَ النَّاسَ حِجَارَة، ورأيْتُ طَائِرَ العَنْقَاء، وسَمِعْتُ أغربَ القِصَصِ عن الهَرَاجِيْلِ الأشِدَّاء، ولَكِنَّنِي لم أسْمَعْ عَنْ قَوْمٍ يَقْتُلونَ شَعْباً أو يَطْرُدُونَهُ مِنْ أَرْضِ جُدُودِه، ويَلْقُونَ به بلا حِنْثٍ[13] خَارِجَ حُدُودِه، ثمَّ يَسْتَوْرِدُونَ الأشْتَاتَ مِنْ كُلِّ الأَرْجَاء، لِيَبْنُوا وَطَناً فَوْقَ الضُّلُوعِ والأَشْلاء.
ولَكِن: أَلا يَضْمَنُ لَكُم هَذَا الَّذِي تُسَمُّونه "المُجْتَمَع الدَّوْلي" حَقَّ العُوْدَة؟
قُلْتُ: بَلَى، ورَبِّ البَرِيَّة، إنَّهُ يَضْمَنُ لَنَا هَذَا الحَقَّ وغَيْرَهُ مِنَ النَّاحِيَةِ النَّظَرِيَّة، وَلَكِنَّهُلا يَسْعَى أَبَداً إلى إِحْقَاقِه، بَلْ يُمْعِنُ في إِزْهَاقِه، ممَّا يَكْشِفُ مَدَى نِفَاقِه، فَهُوَ الَّذِي سَنَّ الإِعْلان، الَّذِي يَضْمَنُ حُقُوقَ الإِنْسَان، فيَتمتّعُ بِمَا يَشَاءُمِنْها، دُونَ أَنْ يَمْلِكَ حَقَّ التَّنَازُلِ عَنْهَا.
فِإِذَا أَنْعَمْنَا النَّظَرَ في القَرَارَاتِ الدَّوْلِيَّة، الصَّادِرَةَ عَن الجَمْعِيَّةِ العُمُومِيَّة، الَّتي تَضْمَنُ حَقَّ العَوْدَةِ للاجِئِينَ الفِلَسْطِينيّينَ وَجَدْنَاهَا كَثِيْرَة. عَلَى أنَّ مَجْلسَ الأَمْنِ استقنَّتْ[14] بِأَمْرِهِ قُوَى الضَّلال، فَضَجِمَ[15] فِيْهِ الميزانُ وَمَال، وصَارَ تحقيقُ السُّوَى[16] مِنَ المُحَال، إذْ اكتَفَى المَجْلسُ بإِشَارَةٍ سَرِيعَةٍإلى "تَحْقِيقِ حَلٍّ عَادِلٍ لمُشْكِلَةِ اللَّاجِئِين"[17]، وصَمَتَ عَنْ حَقِّ العَوْدَةِ المُبِين، وَكَانَ الشَّاعِرُ الكُوَيتيُّ عَبْدُ المُحْسِنِ رَشِيد، قَدْ عَبَّر عَنْ ذَلِكَ بِرَأْيٍ سَدِيد، إِذْ قَالَ:
في مَجْلسِ الأَمْنِ أوْ في هَيْئَةِ الأُمَمِ ضَـاعَتْ حُقُوقَـكُمُ فَالقَوْمُ في صَمَمِ
لا يَنْهَضُ الحَقُّ إلا حِـيْنَ تُسْمِعُهُ صَوْتَ الرَّصَاصِ يُدَوّي لا صَدَى الكَلِمِ
شَرِيعَةُ الغَابِ مَا انْفَكَّتْ مُسَيْطِرَةً الحَـقُّ للذِّئْـبِ، لَيْـسَ الحَـقُّ للغَنَمِ
ومِنَ المُؤْسِفِ أنَّ أبنَاءَ جِلْدَتِنَا مِمَّن اِجْثَألَّوا[18] كالطَّاوُوس، وحَنَطَتْ مِنْهم الرُّؤُوس[19]، وحَانَ قِطَافُها،لم يَلْجَؤُوا إلى مِئْمَرِ أو مَشُورَة، بل استأمّوا المَضْرُوبَ عَلَى وَجْهِهِ بالحِذَاء[20]، دُونَ خَجَلٍ أَوْ حَيَاء، فَإِذَا أدَّى امتَدَحُوا حُسْنَ أدَائِه، وإذَا دَعَا أمَّنُوا عَلَى دُعَائِه.
وإذْ جَاءَت المُفَاوَضَاتُ خَضَعُوا لرُؤْيَةِ العَدُوِّ الَّذِي تَكبَّر، وطَغَى وتجَبَّر، قَائِلاً: إنَّ أَفْضَلَ طَرِيقَةٍ للتَعَامُلِ مَعَ القَرَارَاتِ الدَّوْلِيَّةِ طَمْسُها، و"إِنَّ مَرْجِعِيَّةَ المُفَاوَضَاتِ هِيَ المُفَاوَضَاتُ نَفْسُهَا"، وَقَدْ اِسْتَمَرَّ في خِلالِ ذَلِكَ ببِنَاءِ الحِجَارِ[21] العَازِل، دُونَ مُعْتَرِضٍ أَوْ سَائِل، وَهُوَ يَتَبَاكَى عَلَى المحرَقَة، مُهَدِّداً مَنْ أَنْكَرَهَا بِالوَيْلِ والثُّبُور، وَعَظَائِمِ الأُمُور، فحَصَلَ عَلَى القِنْعَ والعِتَاد، وبَلَصَ المالَ مِنْ كُلِّ البِلاد.
قَالَ السِّنْدِبَادُ: لا بُدَّ أنْ نَعُود.
قُلْتُ: نَعُود؟؟
قَالَ: أنتَ إلى أَرْضِ البُرَاق، وأَنَا إلى رُبُوعِ العِرَاق، فَقَدْ سَمِعْتُ أنَّ طُيُورَ العَنْقَاءِ القَبِيحَةَ تَمْلأُ سَمَاءَ بَغْدَاد، وَتَقْتُلُ الشُّيُوخَ والنَّسَاءَ والبَنَاتَ والأَوْلاد.
قُلْتُ: وَكَيْفَ نَعُود؟؟ وَقَدْ حَلَّ الشِّقَاق بَيْنَ الإِخْوَةِ مَحَلَّ الاِتِّفَاق، ولا قِبَلَ لي بِمُوَاجَهَةِ العَدُوِّ وطَائِرَاتِه، وقَنَابِلِه العُنْقُودِيَّةِ وَدَبَّابَاتِه، فَمَاذَا أَفْعَلُ إذَا لم أُقَاتِلْ أوْ أُفَاوِضْ؟ أَأَجْلِسُ إلى جَانِبِ دَجَاجَتي؟؟
قَالَ: لا أَظُنُّ الأمُورُ بَلَغَتْ حَدَّ العَجْزِ العَقِيم، وَلَكِنْ اِسْمَعْ مِنِّي أُمْحُوضَةً خَالِصةً لِوَجْهِ الكَرِيم: إِذَا كُنْتَ عَاجِزاً عَنْ أيِّ فِعْلٍ، فَلا أَقَلَّ مِنْ أنْ تَذْهَبَ إلى دَجَاجَتِكَ، مِنْ أَجْلِ أنْ تُنْجِبَا أَفْرَاخاً، فَتَحْكِيَا لهُمْ حِكَايَاتٍ جَمِيْلةً عَنْ أَرْضِ الزَّيْتُون، الَّتي أَخَذَهَا بَنُو صهيُون، وَتَذْكُرَا للفِرَاخِ أولئِكَ الَّذِينَ أبْلَطُوا بأَرْضِهم مِثْلُ البُلاخ[22]وَتَطْلُبَا مِنْهُم أَنْ يَضَعُوا حُنْدَرَةَ عُيُونِهِم أَنَّهَا تَمْتَدُّ مِنَ البَحْرِ إلى النَّهْر.
قُلْتُ: سَنَفْعَلُ مَا نَسْتَطِيعُ حَتَّى نُزِيْلَ هَذَا الجَاثُوم[23]، وَنَعُودَ إلى أَرْضِ الكُرُوم، فّإِذَا بَلَغَت الحُلقُوم، وانتهينا إلى الجَحْجَحَة[24] في سَبِيْلِ أَرْضِنَا الطَّاهِرَة، نَعِمَ الأولادُ بالسُّمْعَةِ البَاهِرَة، وسُرَّ الحفَدَةُ بالعَوْدَةِ الظافِرَة، إلى القُدْسِ وَيَافَا والنَّاصِرَة. وَقَدْ قَالَ شَاعِرُنَا الحَيْفَاوِي[25]:
فإمَّا تَوَلَّى رَبِيْـعُ الشّـبابِ وصُوِّحَ منهُ نَدِيُّ الزّهَـرْ
وحُمَّ الرَّدَى أَجَلاً في كِتَابٍ بِهِ مِن مَنَايا البَّرَايَا سُـوَرْ
فلا تَيْئسي مِن رِجُوعِي إلَيكِ وَلَوْ غَيَّبَتْني طَـوَايَا الحُفَرْ
فإنّي وَلَوْ حَفْنَةٌ مِـن تُرَابٍ سَأَرْجعُ في قَبَضَاتِ القَدَرْ
فَقَالَ: أَحْسَنَ شاعرُكُم وأَفَاد، وأَبْدَعَ وأَجَاد، فالشَّريفُ يجتنبُ الذّام، وإن أدْرَكَهُ السَّام.
ثمّ إنَّا أتْمَمْنا لَيْلَتَنَا في أَمَان، تَحْتَ ضَوْءِ الزِّبرِقَان[26]، يُحَدِّثُني فِيْهَا أغْرَبَ الحَدِيثِ عَن مُلُوكِ الجَان حَتَّى سَرَقَنَا المَنَام، مِن قَبْل أن يَنْتَهِيَ الكَلام.
وإذْ انتَهَى طَرِيدُ الزَّمَان، مَدَّ أَبْنَاؤُه الخِوَان، وَوَضَعُوا الزَّاد، فَقُلْنَا وَقَدْ مَدَدْنَا إِلَيْهِ الأَيْدِي: مَا بالُكَ لا تُحَدِّثُنَا عَنْ مُنْتَظِرِ الزَّيْدِي؟ فَقَالَ: لا تُنْحُوْا عَلَيّ باللائِمَة، فَإِنِّي مُحَدّثُكم عَنْهُ في المَرَّةِ القَادِمَة. أمَّا الآنَ فَلا تَنْتَظِرُوا مَلِّيَا، بَلْ كُلُوا هَنِيَّاً مَرِيّا، ثمّ قُومُوا إلى دَجَاجَاتِكُم، يَرْحَمْكُمُ الله.25/12/2008
[HR][/HR]
[1]أواطر القرابة: أواصر القرابة.
[2]خواء الخوان: يُرادُ: قلّة الطعام.
[3]حنَجَتْ لي حاجة: عرَضَتْ.
[4]أذختُ: طوّفتُ في المكان.
[5]تلعلعْتُ من الخنتار: تضوّرتُ من الجوع.
[6]ضوء الحجَاج: ضوء الشمس.
[7]محجَأ: ملجَأ.
[8]جُثَّ: فَزِعَ.
[9]حُنذَةُ الصّيف: حرُّهُ الشديد
[10]حَنَذَها: شواها.
[11]عظر السّقاءَ: مَلأَهُ.
[12]مَهَكَتْنَا الغربة: سحَقَتْنَا.
[13]بلا حِنْث: بلا ذَنْب.
[14]استقنَّ بالأمر: تفرّد به.
[15]ضجِمَ: اعوجَّ ومالَ.
[16]السُّوى: العَدل.
[17]قرار مجلس الأمن242.
[18]اجثألوا: انتفشوا.
[19]حنَطَ الزرع: نضجَ وحان حصادّه.
[20]هو جورج بوش الابن.
[21]الحجار: الجدار.
[22]البلاخ: شجر السنديان.
[23]الجاثوم: الكابوس.
[24]الجحجحة: الهَلاك.
[25]حسن البحيري (1921-1998م).
[26]الزّبرقان: البَدرُ ليلة تمامه.
[2]خواء الخوان: يُرادُ: قلّة الطعام.
[3]حنَجَتْ لي حاجة: عرَضَتْ.
[4]أذختُ: طوّفتُ في المكان.
[5]تلعلعْتُ من الخنتار: تضوّرتُ من الجوع.
[6]ضوء الحجَاج: ضوء الشمس.
[7]محجَأ: ملجَأ.
[8]جُثَّ: فَزِعَ.
[9]حُنذَةُ الصّيف: حرُّهُ الشديد
[10]حَنَذَها: شواها.
[11]عظر السّقاءَ: مَلأَهُ.
[12]مَهَكَتْنَا الغربة: سحَقَتْنَا.
[13]بلا حِنْث: بلا ذَنْب.
[14]استقنَّ بالأمر: تفرّد به.
[15]ضجِمَ: اعوجَّ ومالَ.
[16]السُّوى: العَدل.
[17]قرار مجلس الأمن242.
[18]اجثألوا: انتفشوا.
[19]حنَطَ الزرع: نضجَ وحان حصادّه.
[20]هو جورج بوش الابن.
[21]الحجار: الجدار.
[22]البلاخ: شجر السنديان.
[23]الجاثوم: الكابوس.
[24]الجحجحة: الهَلاك.
[25]حسن البحيري (1921-1998م).
[26]الزّبرقان: البَدرُ ليلة تمامه.