إلى صديقة قاهرية: ابحثي عن قلبينا
يا عزيزتي (1)
لم أكتب إليك حتى الآن كما لم أكتب لأبي ولا لثروت ولا لعبد الستار، لا لأني كنت وما زلت مشغولاً فحسب، ولكن لأني عاجز عن أن أكتب ما أريد أو حتى بعض ما أريد، ولأنني مضطر إلى اللف والدوران حول الحنين والأشواق و...و.. ثم اكتشفت في نهاية كل رسالة أني لم أقل شيئاً أو لم أقله على الوجه الذي أردته. ولعل مردّ ذلك إلى أنني أفرغ أشواقي في قصائدي – مثل قصيدة «عودة الشراع» التي قرأتِ بعض مقاطعها - مما يجعلني أخشى النثرية حذراً من أن أكرر نفسي، فاغفري لي إذن هذا التأخير في الكتابة إليك. اغفروا لي جميعاً يا أعزائي.
وبعد
في رسالتك نغمة حزينة أعرفها جيداً. تلك الوحدة التي تحاصرك بعد أن تفرّق الأصدقاء كل في طريق، والتعطش إلى «قطرة حب.. قطرة حنان.. قطرة اهتمام»، غير أنني أسمع في رسالتك نغمة أخرى قوية وجديدة في نفس الوقت ومبهجة.. تلك نغمة الثقة بالنفس، ومبعثها نجاحك في العمل الصحافي وإحساسك باحترام زملائك لك ومبعثها اتساع دائرة حياتك ومجالات خبرتك وازدحام وقتك بمسؤوليات العمل في المجلة وفي المنزل، وفي القراءة والكتابة. إن الوحدة لا شك قاسية، لكنها تكون جحيماً إذا كنا لا نعمل شيئاً، ولذلك أسعدني جداً حماسك للعمل الصحافي واستفادتك الإيجابية والنشيطة... ومن وقت فراغك حتى لتقولين «لا فراغ عندي على الإطلاق» وحتى لتكرهين النوم.. هذا السارق للأعمار!
كم أتمنى لو أقع على عدد من مجلة «منبر الإسلام» به تحقيق من تحقيقاتك الصحافية الدبلوماسية النسائية. وكم أتوق إلى أن أراك جالسة إلى سفير أو وزير أو رئيس تستجوبينه، ولكن.. ولكن الدبلوماسيين ماكرين بطبيعتهم فكيف تواجهينهم وأنا لم أعهد فيك المكر؟ كيف تتحدثين معهم؟
- مغاغة، مسرحية مجنون ليلى.. السير على الإبراهيمية، التنكر في زي شحاذ.. العيون التي تحصي علينا النظرة والإشارة والابتسامة والهمسة.. الألواح الخشبية التي تمر بها منافذ البلكونة.. الرسائل المطولة التي تحمل أحزان وآمال الصبا ومطلع الشباب.. والقاهرة والمذكرات.. آه المذكرات التي ضاعت وبيت الطالبات.. والكتابات والمناقشات واللقاءات والأصدقاء وسهرات الجمعة.. أوه، كل هذا.. ثم.. ثم تحقيقات صحافية مرة واحدة؟!
ألا ترسلين إليّ عدداً من المجلة.. إني منتظر!
(....) يا عزيزتي:
كلانا أشد ما يكون حاجة إلى الآخر، بل أنا وأنت أحوج إلى بعضنا البعض منا في أي وقت مضى. أنت هنا على ضفة للعالم... غريبة... وأنا هنا على الضفة الأخرى.. غريب.. وتذاع الآن بالراديو أغنية روسية حبيبة إلى قلبي إليك مطلعها:
«كان الليل ممطراً
وكان العشب ندياً
طالما قال الجميع عني أنني سعيدة
فأنا وأنت شاطئان.. لنهر واحد»
حقاً لقد تفرق الأصدقاء كل في طريق. ولكن المرأة كانت كائناً أقدر على الصداقة من الرجل؟ وأنت برهان كبير على هذا. أنت يا أكبر قلب في الوجود. يا صديقة الشدة!
إنه فراق «عملاق» على حد تعبير أخي ثروت. وهذا الفراق امتحان عصيب لنا جميعاً للأب والأخ والأخت والصديقة والصديق. فراق «عملاق» لأنه ليس محض بعثة أو رحلة إلى الخارج كتلك التي كان يقوم بها أبناء الذوات. إنه فراق عملاق لأنه، لأنه ماذا؟ لا أدري. ابحثي عن ديوان للشاعر التركي الكبير ناظم حكمت بعنوان «يا لحياة المنفى من مهنة شاقة» ديوان رائع بل طوفان عارم من الحنين الذي ينهش الصدور. أجل ليكن هذا الفراق امتحاناً للجميع حتى يعود الشراع الغريب إلى المرفأ..
يا عزيزتي
وصلتني «العلبة» بكل محتوياتها. وصلني كل ما أرسلتِه من كتب ومقالات ومن حلقات «السمان والخريف» ولم يكن ذلك مفاجأة لي. فقد كنت واثقاً من أنك ستقومين بما أطلبه منك خير قيام. إني أقبّل يديك شكراً، وأقبلك شوقاً حتى لو احتجّت على ذلك رقابة البريد. وأعلم من زمن بعيد بأمر ضياع مذكراتك، فقد كتب ثروت إليّ بذلك، وسأترك لك أن تتخيلي مدى ألمي وأسفي وحزني. خسارة كبيرة، فقلبي وقلبك بين طيات تلك المذكرات الضائعة.. ابحثي عنها... عن قلبينا!
1: حُذف الاسم احتراماً لخصوصية صاحبة الرسالة
يا عزيزتي (1)
لم أكتب إليك حتى الآن كما لم أكتب لأبي ولا لثروت ولا لعبد الستار، لا لأني كنت وما زلت مشغولاً فحسب، ولكن لأني عاجز عن أن أكتب ما أريد أو حتى بعض ما أريد، ولأنني مضطر إلى اللف والدوران حول الحنين والأشواق و...و.. ثم اكتشفت في نهاية كل رسالة أني لم أقل شيئاً أو لم أقله على الوجه الذي أردته. ولعل مردّ ذلك إلى أنني أفرغ أشواقي في قصائدي – مثل قصيدة «عودة الشراع» التي قرأتِ بعض مقاطعها - مما يجعلني أخشى النثرية حذراً من أن أكرر نفسي، فاغفري لي إذن هذا التأخير في الكتابة إليك. اغفروا لي جميعاً يا أعزائي.
وبعد
في رسالتك نغمة حزينة أعرفها جيداً. تلك الوحدة التي تحاصرك بعد أن تفرّق الأصدقاء كل في طريق، والتعطش إلى «قطرة حب.. قطرة حنان.. قطرة اهتمام»، غير أنني أسمع في رسالتك نغمة أخرى قوية وجديدة في نفس الوقت ومبهجة.. تلك نغمة الثقة بالنفس، ومبعثها نجاحك في العمل الصحافي وإحساسك باحترام زملائك لك ومبعثها اتساع دائرة حياتك ومجالات خبرتك وازدحام وقتك بمسؤوليات العمل في المجلة وفي المنزل، وفي القراءة والكتابة. إن الوحدة لا شك قاسية، لكنها تكون جحيماً إذا كنا لا نعمل شيئاً، ولذلك أسعدني جداً حماسك للعمل الصحافي واستفادتك الإيجابية والنشيطة... ومن وقت فراغك حتى لتقولين «لا فراغ عندي على الإطلاق» وحتى لتكرهين النوم.. هذا السارق للأعمار!
كم أتمنى لو أقع على عدد من مجلة «منبر الإسلام» به تحقيق من تحقيقاتك الصحافية الدبلوماسية النسائية. وكم أتوق إلى أن أراك جالسة إلى سفير أو وزير أو رئيس تستجوبينه، ولكن.. ولكن الدبلوماسيين ماكرين بطبيعتهم فكيف تواجهينهم وأنا لم أعهد فيك المكر؟ كيف تتحدثين معهم؟
- مغاغة، مسرحية مجنون ليلى.. السير على الإبراهيمية، التنكر في زي شحاذ.. العيون التي تحصي علينا النظرة والإشارة والابتسامة والهمسة.. الألواح الخشبية التي تمر بها منافذ البلكونة.. الرسائل المطولة التي تحمل أحزان وآمال الصبا ومطلع الشباب.. والقاهرة والمذكرات.. آه المذكرات التي ضاعت وبيت الطالبات.. والكتابات والمناقشات واللقاءات والأصدقاء وسهرات الجمعة.. أوه، كل هذا.. ثم.. ثم تحقيقات صحافية مرة واحدة؟!
ألا ترسلين إليّ عدداً من المجلة.. إني منتظر!
(....) يا عزيزتي:
كلانا أشد ما يكون حاجة إلى الآخر، بل أنا وأنت أحوج إلى بعضنا البعض منا في أي وقت مضى. أنت هنا على ضفة للعالم... غريبة... وأنا هنا على الضفة الأخرى.. غريب.. وتذاع الآن بالراديو أغنية روسية حبيبة إلى قلبي إليك مطلعها:
«كان الليل ممطراً
وكان العشب ندياً
طالما قال الجميع عني أنني سعيدة
فأنا وأنت شاطئان.. لنهر واحد»
حقاً لقد تفرق الأصدقاء كل في طريق. ولكن المرأة كانت كائناً أقدر على الصداقة من الرجل؟ وأنت برهان كبير على هذا. أنت يا أكبر قلب في الوجود. يا صديقة الشدة!
إنه فراق «عملاق» على حد تعبير أخي ثروت. وهذا الفراق امتحان عصيب لنا جميعاً للأب والأخ والأخت والصديقة والصديق. فراق «عملاق» لأنه ليس محض بعثة أو رحلة إلى الخارج كتلك التي كان يقوم بها أبناء الذوات. إنه فراق عملاق لأنه، لأنه ماذا؟ لا أدري. ابحثي عن ديوان للشاعر التركي الكبير ناظم حكمت بعنوان «يا لحياة المنفى من مهنة شاقة» ديوان رائع بل طوفان عارم من الحنين الذي ينهش الصدور. أجل ليكن هذا الفراق امتحاناً للجميع حتى يعود الشراع الغريب إلى المرفأ..
يا عزيزتي
وصلتني «العلبة» بكل محتوياتها. وصلني كل ما أرسلتِه من كتب ومقالات ومن حلقات «السمان والخريف» ولم يكن ذلك مفاجأة لي. فقد كنت واثقاً من أنك ستقومين بما أطلبه منك خير قيام. إني أقبّل يديك شكراً، وأقبلك شوقاً حتى لو احتجّت على ذلك رقابة البريد. وأعلم من زمن بعيد بأمر ضياع مذكراتك، فقد كتب ثروت إليّ بذلك، وسأترك لك أن تتخيلي مدى ألمي وأسفي وحزني. خسارة كبيرة، فقلبي وقلبك بين طيات تلك المذكرات الضائعة.. ابحثي عنها... عن قلبينا!
1: حُذف الاسم احتراماً لخصوصية صاحبة الرسالة