أحماد بوتالوحت - دَرْب الحَاوِيات...

ساحِلاً ظِلّه المُنْسحِق على الرَّصيف ، مُنكسِراً تحت حَقِيبة ظَهْرِه التي تَعْلو وتهْبِط بِإِيقاع الشَّخير،
مَرَّ الفَتَى كَسُلَحْفاة مُهَذَّبة على مُقبَرة السَّيارات المُنْقَطِعة الأَنْفَاس ، العارِيَة إلَّا من أكْفَان الصَّدإِ والغُربَة وَالحَنِين .
وكانت سَحابَة من الذُّباب تَأْكُل مِن أَنْفِه وَتَتغَوَّط على أصابِع قُفازَيْه الذَّبِقَين .
وكان يَصِيخ إلى صَخَب حَفْلة أمْعاء مِعْطَفه المُهَلْهل الدَّاكِن .
لم يَلْتَهم غَيْر طَبَق وَهْمِي من حَساء جَراد البَحْر ، أحْضَره نادِل حَانَة " النورس الحزين" المُقِيمة عَلى رَصيف المِيناء .
يَأْكُل ، وبين لَحظَة وأُخْرى يتَفرَّغ لِسُعال مُتكرِّر يَكَاد يَنْتَزع أحْشَاء كَنْزَتِه.
مَشى أخيراً على دَرْب الحَاوِيَات مُتَوجِّساً مِن أَن تَسْتَأصِل قَوافِل الغَجِر جُذُور عَصْفورِه الصَّغير،
وَتُخَلِّف بين سَاقَيْه فرَاغاً يَتَّسِع لِحَقْل من السَّنابِل .
كَمْ مَرَّة فَكَّر أن يُحَرِّض حِذاءَه على مُؤَخِّرات عَرَبات الغَجَر المُتَهالَكَة على الطَّريق ،
حِذاء إخَتَبَر مَتانَة بُوزِه على أبْواب البُيوت المَهْجورَة وَأَعْنَاق القَنَانِي الثَّمِلة عَلى دَرْب الْحاوِيَات .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحماد بوتالوحت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...