قيس بن الملوح - وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى

وَداعٍ دَعا إِذ نَحنُ بِالخَيفِ مِن مِنىً
فَهَيَّجَ أَحزانَ الفُؤادِ وَما يَدري
دَعا بِاِسمِ لَيلى غَيرَها فَكَأَنَّما
أَطارَ بِلَيلى طائِراً كانَ في صَدري
دَعا بِاِسمِ لَيلى أَسخَنَ اللَهُ عَينَهُ
وَلَيلى بِأَرضِ الشامِ في بَلَدٍ قَفرِ
عَرَضتُ عَلى قَلبي العَزاءَ فَقالَ لي
مِنَ الآنَ فَاِجزَع لا تَمَلَّ مِنَ الصَبرِ
إِذا بانَ مَن تَهوى وَشَطَّ بِهِ النَوى
فَفُرقَةُ مَن تَهوى أَحَرُّ مِنَ الجَمرِ
يُنادي سِواها أَسخَنَ اللَهُ عَينَهُ
وَلَيلى بِأَرضٍ عَنهُ نازِحَةً تُغري
أَقولُ لَها يَوماً وَقَد شَطَّ بي النَوى
مَتى المُلتَقى قالَت قَريبٌ مِنَ الحَشرِ
حَلَفتُ لَها بِاللَهِ ما بَينَ ذي الحَشى
سِواها حَبيبٌ مِن عَوانٍ وَمِن بِكرِ
جَعَلنا عَلاماتِ المَوَدَّةِ بَينَنا
تَشابُكَ لَحظٍ هُنَّ أَخفى مِنَ السِحرِ
فَأَعرِفُ مِنها الوُدَّ مِن لينِ طَرفِها
وَأَعرِفُ مِنها الهَجرَ بِالنَظَرِ الشَزرِ
إِذا عِبتُها شَبَهتُها البَدرَ طالِعاً
وَحَسبُكَ مِن عَيبٍ يُشَبَّهُ بِالبَدرِ
هِيَ البَدرُ حُسناً وَالنِساءُ كَواكِبُ
فَشَتّانَ ما بَينَ الكَواكِبِ وَالبَدرِ
إِذا ذُكِرَت يَرتاحُ قَلبي لِذِكرِها
كَما اِنتَفَضَ العَصفورُ بُلِّلَ مِن قَطرِ
تَداوَيتُ مِن لَيلى بِلَيلى مِنَ الهَوى
كَما يَتَداوى شارِبُ الخَمرِ بِالخَمرِ
وَتَزعُمُ لَيلى أَنَّني لا أُحِبُّها
بَلى وَاللَيالي العَشرِ وَالشَفعِ وَالوَترِ
بَلى واَلَّذي أَرسى بِمَكَّةَ بَيتَهُ
بَلى وَالمَثاني وَالطَواسينِ وَالحِجرِ
بَلى وَالَّذي ناجى مِنَ الطورِ عَبدَهُ
وَشَرَّفَ أَيّامَ الذَبيحَةِ وَالنَحرِ
بَلى وَالَّذي نَجّى مِنَ الجُبِّ يوسُفاً
وَأَرسَلَ داوُوداً وَأَوحى إِلى الخِضرِ
بَلى وَالَّذي لا يَعلَمُ الغَيبَ غَيرَهُ
بِقُدرَتِهِ تَجري المَراكِبُ في البَحرِ
سَأَصبِرُ حَتّى يَعلَمَ الناسُ أَنَّني
عَلى نائِباتِ الدَهرِ أَقوى مِنَ الصَخرِ
سَلامٌ عَلى مَن لا أَمَلُّ حَديثَها
وَلَو عاشَرَتها النَفسُ عَشراً إِلى عَشرِ
عَزائي وَصَبري أَسعَداني عَلى الأَسى
فَأَحمَدُ ما جَرَّبتُ عاقِبَةَ الصَبرِ
وَفي كُلِّ يَومٍ غَشيَةٌ مِن صُدورِها
أَبيتُ عَلى جَمرٍ وَأُضحي عَلى جَمرِ
عَلَيها سَلامُ اللَهِ ما طارَ طائِرٌ
وَما سارَتِ الرُكبانُ في البَرِّ وَالبَحرِ
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...