قصة ايروتيكة أحمد الصادق - أنت!

أنا

طردني أبي من البيت للمرة السابعة عشر.. هذه المرة ليس لسكري، ولا لشربي المخدرات أو البرشام، ولا لاصطحابي لعاهرتي بالبيت، ولا لسرقتي لمعاشه، ولا حتى لسبي له بالدين.. السبب هذه المرة أنني لم أعد أصلي، وأصبحت على حد قوله: “الدين مش في دماغي” وأني أتبع حثالة البشر وأجالس الكافرين وأني أتشبه بهم وأنهم سيأخذوني للهاوية، إن لم أكن في اعتباره قد هويت منذ زمن بالفعل، وكفرت بالله.. المشكلة أن أبي لا يدرك مدى إيماني.. فعلاً قد أكون لا أبالي بالدين، وقد أفعل كل ما حرمه الله.. ولكني أوحد بالله.. لا أدري ماذا أصاب هذا الرجل، فربما هذه أحد علامات خرفه وهِرَمه! تركت المنزل وأمي تبكي كالعادة، ومعي بعض النقود. غالباً سأذهب لصديقي الساحر الذي يُخرج الجانَّ من الملبوسين. نشرب ما تبقى معي من الحشيش، وأقتسم معه زجاجة الــ jack daniel’s التي حدثني عنها. البائس في الأمر أنها ستكون جلسة ناشفة، ليس بها حريم.

خرجت وركبت ميكروباص فولكس عند الطوابق متجهاً إلى آخر فيصل. جلست جوار النافذة. أنظر خلال خدوشها إلى الطريق، إلى العربات المقابلة لنا، حيث اتخذ السائق أقصى اليسار. أتابع جميع السيارات المقبلة من منظور مختلف.. فمن منظور قَبَلي جاهلي مثلاً، أعتقد أنه سيتم النظر إلى السيارات الصغيرة على أنها المواطنون العاديون، بل الفقراء في مقابل ميكروباصات التويوتا مثلاً. وتخيلت بالفعل لو وضعت مكاني أحد البدويين منذ أكثر من ألف وخمسمئة سنة مثلاً. وتركنا له هذا المنظر ليأوله بتفكيره الخاص. سينظر إلى العربات لأول وهلة وينعتها بالوحوش. للوهلة الثانية سيرى أشباه البني آدمين داخل كل وحش من الوحوش. ربما سيستنتج حينها أن كل رجل وكل امرأة هم أسياد هذا الوحش أو ذاك. يأمرونه بالعدو أو الوقوف أو الصياح. ثم سيتأمل بقية الوحوش. سيرى وحوشاً صغيرة نسبياً وهي السيارات الملاكي. و وحوشاً أكبر مثل الميكروباصات. ثم عربات نصف النقل، والنقل، والميني باص، والأوتوبيس.. حينها سيشعر بالرهبة ويقسم أن هذا هو شيخ القبيلة ، وأن الرجل الذي داخل الأوتوبيس هو أكبر رأس في هذه البلدة، ويجب الحذر منه، لأنه لن يتهاون في تسليط جميع الوحوش عليك إن لم يعجبه منظرك أو تعبير وجهك. ولكن سيفاجأ هذا الرجل الجاهلي بمقطورة ضخمة تجر نفسها وتصدر ضجيجاً يجعل الأوتوبيس يتزحزح لها كي تتقدم. سينظر البدوي القديم إلى صاحب المقطورة سيجده رجلاً بشارب عظيم، ويلبس عمامة، وتبدو ملامح العبوس عليه. سيقسم حينها ألف مرة أنه لملك هذا البلد. ويهرع ليسجد تحت عجلاته. في حين أنك لو حاولت أن تفهمه أن صاحب هذا الوحش العظيم هو رجل مغلوب على أمره، وغلبان بالمقارنة مثلاً بصاحب هذا الوحش الصغير، الميني كوبر، أو عربة الشرطة هذه، أو عربة الجيش تلك.. حينها لن يصدقك، وسينقلب عليك لأنك تريد بغباء منك أن تستغفله، بل هو يزنك ذكاءً. وسيظل يردد أنه من قبيلة كذا وعنده كذا وكذا، ويتفاخر.. حينها ستترك هذا الخيال الساذج للحشيش، وتشرع في تأمل أشياء أخرى.

***

تخطى الميكروباص المريوطية، ثم انحشر بعدها كسوستة البنطال عندما تنحشر في ثنايا القماش. ألاحظ أن العربات المقبلة كذلك في ازدحام مستعر. تتحرك جموع العربات بنفس سرعة خروج نسبة الحشيش والخمر من الجسم. هذا البطء ساهم في تدعيم تأملات مختلفة.. الأشخاص الراكبون للسيارات القادمة في الطريق العكسي في مقابلتي. تتجلى أمامي حيوات كل الشخوص الراحلة الآن في عرباتها. الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم حار. البعض يسعون إلى أعمالهم. والآخرون يسعون للتنزه. وآخرون ذاهبون إلى بيوتهم. هذا للحاق بالطعام، وهذه تريد النوم. وهذا يريد أن يلحق بزوجته ليصالحها ويضاجعها مضاجعة تذكرها بالمضاجعة الأولى.. أما هذه فتفكر بكل كيانها كيف ستتخلص من هذا الكائن الملتصق بزجاج سيارتها. يبدو عليه البله وتبدو عليها آثار الترف. أعتقد أني أرى لعابه يتدلى من لحيته الشعثاءعلى الزجاج. تضرب هي الزجاج بعنف فيتراجع الأبله، ثم يمضي.. تلاحظ أني أرمقها فتحدق إلى عينيَّ. فأستمر في التحديق. فتستمر بدورها. أفيق أني لست داخل لعبة فيديو جيم عندما تومئ برأسها لي. أتأمل معنى الإيماءة. فتشير برأسها بمعنى أن آتي للركوب معها. ألاحظ أن الأبله يقترب من الميكروباص وبيده صخرة مدببة. أعود إلى حسابات الفيديو جيم وأقرر الذهاب إلى تلك الهدية بلا هدف أو خطة. يعطي المخ إلى أحبالي الصوتية عبارة: “على جنب ياسطة!”. رغم أن الطريق محشواً بالعربات.

***

هي

كثيراً ما أفكر في تغيير سيارتي ال BMWفهي لا تروقني بما فيه الكفاية.. أشعر بملل غير عادي من كل شيء.. حتى ملابسي الداخلية أغيرها في اليوم الواحد أكثر من تغييري لستايل الميكاب! بالأمس وجدت أندر وير مثير للغاية في السيتي ستارز.. مطبوع عليه من الخلف قلب وردي اللون، ومن الأمام شكل قبلة حارة.. اشتريته بشغف جنوني.. لا أعلم لمن سأرتديه بعدما انفصلت عن زوجي.. ولكنه الملل المميت! فلنلعن الملل، وليساعدنا الله في لعنه! لا أصدق أني قررت أن أسير في شارع فيصل بسيارتي بدلاً من أن أتخذ الطريق الدائري! فالملل دعاني إلى أن أغير وجهتي وأن أرى أماكن جديدة! ما الجديد ها هنا أيها الحمقى! ومن تسبين الآن أيتها المجنونة! ممم الحمقى هم الآخرون.. كل من يمشي على قدمين غيري فهو أحمق! نعم أحمق! عالم مليء بالحمقى والحثالة والرعاع! ومجتمع سطحي وهمجي ومتخلف وساذج، وعيشة مقرفة، يلعن دين العيشة في هذه البلد! لا مكان للكفار في هذا المكان! الكافر في مصر هو أتعس المخلوقات في هذا الكون العبثي!

الطريق مسدود وآلة التنبيه لا تؤدي أي غرض! هيا أيها الغوغائيون فلتتحركوا يلعنكم الله!.. ما..! ما هذا ال كائن! الذي تقوده الطبيعة إلى حيث لا يدري! ما هذا المسخ! ما هذه اللحية العفنة والشعر الطويل المجعد! يبدو أنه لم يستحم منذ أن ألقي به في هذه الحياة اللعينة! أراه يطوف حول العربات ويحمل حجراً يضايق به الناس! وما هذا الذي يرتديه! خيش! إني أرى مؤخرته من هذه الزاوية الآن! يحمل كيساً من البلاستيك يبدو أنه وجده عن طريق المحاولة والخطأ في إحدى صناديق القمامة العفنة! إنه يأكل منه! يا له من كائن مقزز! هل هذا إنسان!! هل هذا دليل على وجود العناية الإلهية أيها المجانين!! لا.. لا تجرؤ على الاقتراب من سيارتي! سأدهسك ليس عندي أدنى مشكلة! إنه يقترب بالفعل! أغرب عن وجهي!! إنه يلطخ زجاج سيارتي بمخاط أنفه!.. أصرخ وأطرق على النافذة بقوة فيبتعد، بعدما رمقني بابتسامه بلهاء!.. ماهذا العبث! أنا لم أر مثل ذلك في حياتي! كيف يعيش الناس مع هذا الشيء المحسوب على الإنسانية! أحد البلهاء يعطيه نقوداً! هل أنت مغفل أم مجنون! لا، الحقيقة أنك متدين.. بما يعني أنك أبله حقاً! يا نهار أسود على البشرية.. لو كان الأمر بيدي لقتلته أو لنفيته عن العمران.. اللطيف في الأمر أني أخيراً وجدت شيئاً جديداً في هذا الشارع المسدود.. إنسان النياندرتال بُعث مرة أخرى للحياة، هههه.. الآن أنا مهتمة بالحصول على المزيد من المفاجآت .. that’s really interesting.. نقطة قوة الملل أنه يعطيني دافع للقيام بأعمال جنونية! .. مثلاً، ما المشكلة في أن أصطحب شاب من هذه المنطقة الفضائية، ونحتسي النبيذ معاً، وربما أقمنا علاقة صداقة جنسية حميمة.. كل الشباب في مصر هيجان.. ليس هناك شيء لأخسره.. هل عندك إستعداد يا آنسة أن تذهبي للبيت وتشاهدي التلفزيون اللعين ثم تنامي لعصر اليوم التالي مثل كل يوم؟!.. فلنجرب أن (نشقط) أحد الشباب.. لابد أن يكون (شاب مُز).. وبصفتي (مزة)، فطول الطريق أجد أعين الشباب والرجال بل وحتى النساء تخترقني وكأنني أتعطر بعطر رواية Perfume!

ممم.. حسناً فلنبحث..

1- هذا يحدق ولكنه متزوج! أنت متزوج يا أبله كيف ستأتي إليَّ وزوجتك معك! ..

2- وهذا يحدق إليَّ من بعيد ويتمنى لو أن العربة تحركت قليلاً ليرى نهداي.. هههه.. لن أريك نهداي أيها البائس، ارجع إلى بيتك ولتستمني على فيلم ال sexالوحيد عندك، ههههه..

3- هذا يعمل عبيط ويعبر الشارع من أمامي ويختلس نظرة أخيرة قبل أن يمر، كان من الممكن أن أعطيك hintلولا أن لديك كرش ولحية شعثاء!..

4- ممم هذا مثير للإهتمام.. يركب ميكروباص، ويتأملني بدقة ولا يحول نظره عني مثل البقية.. فلتحدقي إليه.. إنه وسيم وجريء.. مازال يحدق.. يحدق في عيني مباشرة! ولا يهتم بتفاصيل جسمي.. that’s exciting.. ممم فلأومئ له.. تتسع عيناه ويظل محدقاً.. أنا أومئ لك أيها الغبي، تعال إلى هنا! .. اللعنة يتجه ناحيته الكائن المقزز! ليس الآن! .. إنه ينزل من الميكروباص! ويتجه إليَّ! هل هو متجهاً إليَّ حقاً أم أني أتخيل ذلك! هههه أنا لا أصدق لقد نجحت الإيماءة! يا له من شعب هيجان ابن وسخة ههههه! أنا متفاجأة.. فلتأتي أيها الكائن المقزز الأشعث وتنجدني من هذه الورطة هههههه!

يأتي ويقف أمام النافذة ويبتسم ببلاهة ولا يعلم كيف يتصرف.. مسكين.. أفتح النافذة وأقول بغمزة من عيني: “لف واركب هوصلك”..

يركب دون أن يقول أي شيء وينظر أمامه فترة ثم ينظر إليّ ويقول ضاحكاً:

– “بس أنا دلوقتي ساكن الناحية التانية”..

يبدو أنني اخترت الوسيم الأبله:

– “لا ماتخافش هوصلك حتة أحسن بكتييييير من بيتكو الي هنا ده!”

يسترق نظرة إلى جسدي أعرفها جيداً:

– “إنتي اسمك إيه؟”

ممم نمطي جداً:

– “مممم ممكن تقولي يا لوليتاااا”

يبتسم بشدة ويقول بحماسة بها تمثيل أخرق:

– “أنا اسمي فؤاد”

ويرفع يده للسلام، فأسلم عليه، وأسترق الحديث قبل أن يخوض في أسئلة مملة وعقيمة من قبيل: “ساكنة فين.. بتدرسي إيه.. عندك كام سنة..” وكل هذا القرف المتوقع:

– “إنت بقا فكرت تيجي ليه تركب معايا؟”

يرتبك ويقول:

– “ما.. ما إنتي الي شاورتيلي هههه”

أقول بسخرية لاذعة لا أعلم كيف تقمصتها:

– “وهو أي حد يشاورلك تقوم راكب معاه كدة على طول؟ معندكش رأي أو شخصية؟”

يرتبك أكتر ويحاول ألا يظهر ارتباكه وأن يهرب من خانة اليك التي وضعته فيها:

– “لا ماهو.. يعني أنا لقيتك بتشاوري، فوافقت، وكمان بذمتك.. واحدة حلوة زيك، شاورت لأي بني آدم، إيه الي يخليه مايجيش! ده يبقا معندوش شخصية لو ماجاش أصلا ههههه”

بداية غزل متخفي، فلتخففي من حالة الهجوم ولتهدئي من روعه:

– “ياسيدي تشكر.. مع إني مش مزة أوي يعني.. وكمان مش خايف إني ممكن أخطفك مثلاً.. أكون تبع الCIAواعمل عليك تجارب، وأخليك وحش أسطوري.. وأجندك لصالح جيوش أمريكا الي تحت الأرض!”

ما هذا الذي قلته أنا حالاً هههه.. يندهش ولا يعلم ماذا يقول.. فلتهدئي من روعه:

– “ياعم مالك اتسمرت كدة ليه، آني بنهرج معاااك ههههههه”

فيضحك كالأبله.. ليست البلاهة مشكلة.. فلتتعاملي معه كأداة لتسليتك في هذا الطريق الممل.

***

بينما كنت أنفث دخان جوينت الحشيش الذي أعطاني إياه ذلك الفؤاد الأبله، لاحظنا هرجاً ومرجاً بالقرب من سيارة الشرطة التي تبعد عن سيارتي بمقدار سيارتين تقريباً. لم نفهم ما سببه، وضِعنا في نشوة الحشيش الخام.. وبينما كانت يد الشاب الخفيفة تتلاعب مع حلمات أثدائي من داخل قميصي الساخن، ويدي تتراقص مع قضيبه البني المنتفخ، انفجرت سيارة الشرطة، ورأيت رأس المجنون الأشعث ملتصقاً بزجاج سيارتي ال BMW

***

هو

ما في الجبة إلا الله.. قالها الحلاج صريحة في وجه كل المتأسلمين، أنار الله قبره، وأنار اللهَ بنوره.. ما في الجبة إلا الله.. ودعني أزيد عليك يا مرشدي وملاذي وقلبي الثاني الذي سافر فاستوقفته الإلهامات ونقاط الوحي وسألته: هل تمثل لك وفقاً مثلما تمثل وفق اسم الله الأعظم للحلاج، فأجابه قلبي قائلاً – والسر يفيض من كأسه المخمور – بل تمثل لي وفق الحلاج ذاته.. فما يزداد المريد من لدن العارفين بالله إلا إزدياداً في العرفان بهم وبالله.. دعني أزيد عليك وعلى استشراقاتك وتجليك وتجلي أسمائك وصفاتك في أرجاء الوجود ومكنون الحدود، فلا حد والحلاج في الوجود، بل أنت الوجود ذاته يا أهل الكرم والجود، وأقول قولاً أعلم علم اليقين أنك قلته وإن لم تتفوه به، فما أفعل في هذه الدنيا سوى أني أخطي خطاك، وأحذو حذوك، وأربت على البغلة حين أركبها لأنك فعلت ذلك، حينما كنت تقول في سرك: صليني يا براقي إلى قدري وقدرك، ولا تسأليني عن الوجهة، فكل شيء يعلم طريقنا، وكل شيء يشاركنا أفعالنا الإلهية.. أقول – وأي قول يقال بعد مقولات مولانا النورانية – ما في الجبة إلا الله، وما في الشيطان إلا الله، وما في الله إلا الله، وما في النقطة إلا الله.. ألست القائل يا مولانا أن النقطة أصل كل خط، والخط كله نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليل على تجلّي الحق من كل ما يُشاهَد، وترائيه عن كل ما يُعايَن. ومن هذا قلت يا إلهي اللا متناهي: ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله فيه.. كلنا الله.. والله كلنا.

أسير في النقاط الإلهية، ولا أكاد أخطو نصف المسافة بيني وبين صندوق القمامة، حتى يتعين عليَّ أن أقطع نصف نصف المسافة، فيتكشف إليَّ السر حينما تتجلي الفكرة في أني ينبغي أن أسترق نصف نصف نصف المسافة، وهكذا أظل في تنصيص المسافات، بعدد نقاطها الإلهية، فأقع في ديمومة اللانهائية، وأتوقف مكاني، حيث يتجلى النور الإلهي في قلبي، متمثلاً في عدد النقاط اللانهائية التي أسير فيها في خطي شبه المستقيم، سكراناً بلذة العارفين.. أظل هكذا حتى أرى نفسي أمام الصندوق.. نعم فهذه هي قدرة الله على تحريكه.. بل إن الصندوق نفسه هو الله قد بسط ذراعيه إليَّ في الليل كي أتضرع إليه.. ما في الصندوق إلا الله.. أنهل من الصندوق ما أنهل، وازداد سمواً بازدياد بركات ما يحويه، وأقف مشدوهاً في منتصف الطريق المكتظ بآلهة الوجود، ذاهبين وآيبين، مستمتعاً باللذة وبنشوة اقتناصي لطاقات الموجودات من حولي، ومستشرفاً إياهم بقطرات من بولي المجيد، فتزداد الآلهة المتجولة في الطريق خشوعاً، ويُطربون ويشعلون من أجلي شموعاً، كي يباركوني بها، فتنسحب روحي في دهاليز الأسفار، وأسبح في أعماق الأسرار، وأسترق السمع لما يمليه عليَّ الملأ، وأشجو من فرط جلال وهيبة النبأ: “ماتلك بيمينك يا هذا؟” فأقول مستئنساً لجلال صوته: “إنه حجري، أحتضنه، وأبارك به الآخرين، ولي فيه مآرب أخرى” فأتلقى الأمر الإلهي متمثلاً في وفق جبار ظهر بين القمر والسحاب: “ألقه يا هذا!”. فأُلقي الحجر ولا أبالي، فإذا به عظاءة تسعى. يستكمل الوفق دائرته الحمراء، ويأتيني العلم أن آخذ العظاءة، فستعود سيرتها الأولى. أركض كي ألحق بها، وألهث وراءها، فيصيبني الظمأ، حتى أرى مريم، تتجلى أمامي. تجلس داخل بلورة بيضاء، كأنها كوكب دري، يوقد من نار زيتونة لا شرقية ولا غربية، وأتفقد حسنها وجواهرها وعذريتها ونهديها بعينيَّ اللهبيتين. نهداها الذان يتمثلان في جسدها الطاهر كتفاحات آدم غير المحرمة. أسعى إليها، ولا أبالي بأنوار الوفق الحمراء والزرقاء التي تزداد توهجاً فوق رأسي. أقترب منها فإذا بها تتقوقع داخل بلورتها وتصنع حاجزاً لعيناً بيني وبينها، وتصرخ في وجهي، كأني الشيطان قد أتى يستحييها. ثم جاءني هاتف أنثوي يقول: “لن تراني..”. لا تخافي يا مريم فقد جئت أتبارك بكِ يا أم الإله. تضع يدها على الحاجز وتطرقه، فأغوص في نشوة مباركة من أثر تذبذبات يدها البيضاء على الحاجز البلوري، وأهيم في فضاءات الله، رأيت آلاف البلورات، تحوي كل واحدة منها آلاف الآلهة، وأنصاف الآلهة، والملائكة.. أُكَبِّر وأقول بتهدج: “سبحاني سبحاني ما أعظم شأني!” لقد تحققت المعجزة، وتمثلت صور الله في جميع مخلوقاته، وجميعهم لا يمكنني أن أراهم بالعين، إنما بالقلب والفؤاد. أركع وسط الطريق لجلال العالم، وأتلو صلواتي في كوكبي/صومعتي النورانية: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله في حقائق محض التخصيص، وبأنك أنت الله على كل حال من أحوال الجد والتعديل، وبأنك أنت الله المقدس بخصائص الأحدية والصمدية ملتحماً بالضد والند والنقيض والنظير والظهير وبأنك أنت الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.. إلهي لقد أقسمت بك داعياً بآج أهوج جلجلوت هَلْهَلْتْ.. افض لي من الأنوار يا رب فيضة بسر واحيي ميت قلبي بصَلْصَلَتْ.. وصب على قلبي شآبيب رحمة بحكمة مولانا العظيم بنا عَلَت.. قد كوكبي بالاسم نوراً وبهجة مدى الدهر والأيام يا نور جلجلت.. ألا والبسني هيبة وجلالة وكف يد الأعداء عني بطَيْطَغَت.. ألا واقض يا رباه بالنور حاجتي وحل عقود العسر يا يوه أربحت.. فياه ويا يوه ويا خير باريء ويا جلجلوت بالإجابة هلهلت.. بآج أهوج جلمهوج جلاله جليلا جلا جليوت جما تبهرجت.. أنوخ بتملوخ وبيروخ برخــ…

***

إنه الحق. إنه السر. إنه الله. إنه الجلال والتجلي والملكوت. إنه العليم الحكيم قد استجاب لتضرعاتي. إنها البلورة المقدسة. إنها السماوات والأرض اللتان كانتا رتقاً ففتقناهما. إنه إنتظار طي أشلائي كطي السجل للكتب، كما بدأنا أول كشف نعيده، وعداً علينا إنا كنا فاعلين. إنه الكشف. إنه انبثاق النور من قمم كينونتي الإلهية. إنه التحام لاهوت الجمال بناسوت الوصال. إنه الذات المطلسم والغيب المضمضم والغيث المطمطم. إنها مريم أم الإله. إنه انتظار ولادة يسوع المسيح الثاني. إنها البداية والنهاية، والأزلية والأبدية. إنها الصيرورة. إنها السرمدية.

***

أنت

أقرأ الآن بعض الكلمات المكتوبة في أوراق إحدى القصص، وأفكر كيف سينهي ذلك الكاتب الممل هذه الحكاية غير المترابطة.. هذا الفصل بعنوان (أنت)، إذن فهو يريد أن يتحدث عن.. أعود لقراءة بداية الفقرة سريعاً لأستوعب.. (أقرأ الآن بعض الكلمات المكتوبة في…) مهلاً.. ذلك الكاتب المجنون يتحدث عني! أنا.. القارئ! بل بالأحرى أنا أتكلم مع نفسي؛ فالكاتب لم يكتب تلك الكلمات أصلاً.. كل ما أقرأه الآن يدور في خلدي في الأساس! بماذا أشعر؟ شعور مسكر بالنشوة.. أنا أساهم في كتابة القصة يا بشر! يحتاج ذلك الطرح العجيب إلى كوب ثقيل من الشاي أو النيسكافيه، حتى أعود لأكمل كتابة ما بعد هذا الفاصل النجمي!

***

عدنا..

حسناً ما الجديد ها هنا.. كيف يمكنني أن أكمل تلك القصة.. هي فرصتي كقارئ أن أخلق أحداثاً جديدة. بل يمكنني أن أضع الكاتب في ورطة وأجعلها رواية طويلة، وأفسد عليه مخططه.. لنسترجع ما كتبه الكاتب الممل.. كي يتسنى لي أن أكملها بما يتوافق مع قريحتي وذوقي الأدبي الذي لا تشوبه شائبة نقص.. يحكي الكاتب ها هنا عن ثلاث شخصيات، يضمهم حدث واحد ومكان واحد.. شاب حشاش ضائع يتعرف على أنثى ملحدة وشبقة أثناء تقززهما من مجذوب أطاح به التصوف في غياهب الأوهام.. البناء يتخذ شكلاً متعدد الأصوات، وكل صوت يتداخل في الزمن مع الصوت الذي يليه.. وتأتي النقطة الفاصلة في انفجار عربة الشرطة، وتحول المجذوب إلى أشلاء، وتستقر رأسه عند عربة الفتاة الشبقة.. وبالطبع لا يحتاج الأمر إلى عقلية آينشتاين كي أعلم أن البلورات عند المجذوب هي العربات، وأن مريم هي الفتاة.. وهناك لعب ببعض النقاط.. العربات/البلورات.. تتواجد في كل الأصوات.. كذلك عربة الشرطة.. كذلك ذكر الدين والإيمان.. الشاب مؤمن بدرجة بطاقة شخصية.. الفتاة ملحدة بدرجة سلفي.. والمجذوب مؤمن بدرجة إله.. الوسط المحايد مع أقصى يمناه وأقصى يسراه.. أنا: الذي ربما هو الكاتب في أغلب ظني.. وهي: الفتاة الأرستقراطية الشبقة الملحدة وربما كانت إحدى عاهراته.. وهو: لا إله الا هو.. وأنت: الذي هو أنا بالطبع، والذي حتى الآن لم أجد الخيط الذي يمكنني أن أكمل به تلك القصة العنكبوتية! ربما هي قصة عبثية.. وما شأني أنا بذلك؟ تباً ما الذي أقحمني ها هنا؟! صدق جاهين حين قال: “مرغم عليك يا صبح مغصوب يا ليل..لا دخلتها برجليا ولا كانلي ميل”..لأكمل أياً كانت النهاية؛ فتلك فرصة لن تتكرر.. المفترض أنني صوت ضمن أصوات القصة الأربعة.. وبالتالي فمن المفترض أنني متواجد في شارع فيصل الآن، وأن يتداخل زمن حكيي مع أزمنة الشخصيات! ولكني لست هناك.. كيف يتسنى لي أن أختلط بشخصيات الرواية؟ لن يحدث إلا لو تبرَّكت بكرامات المجذوب وأكون هنا وهناك في نفس الوقت! حسناً، فلأعتبر نفسي هناك، لأطلق العنان للخيال، وأسافر إلى موقع الأحداث.. ها أنا هناك.. لكن لحظة.. الآن هناك مشكلة عند الكاتب.. فلو افترض أنني لا أكتب ذلك المقطع من القصة، وأنه هو من يخلق شخصية القارئ، حينها سيضع الكاتب نفسه في مأزق، وهذا المأزق هو: ما هو نوع القارئ، أذكر هو أم هي أنثى؟ كان الكاتب ذكياً حينما ترك كلمة (أنت) بدون تشكيل، كي يخرج من ذلك المأزق.. الكاتب لا يعلم هل لو ذهبت إلى مسرح الأحداث، سأنظر مثلاً للأنثى الشبقة (المزة) نظرة جنسية وأشتهيها؟ أم لا؟ ذلك يتوقف على نوعي.. ولكن ذلك المأزق سيتم حله فوراً إن اعتبرنا أن المسألة ليست لها علاقة بالنوع، إذ من الممكن أن أكون أنثى، وأشتهي الملحدة الشبقة، ما المشكلة.. ألم يسمع ذلك الكاتب عن المثلية الجنسية؟ فليشكرني الكاتب الممل لأنني حللت له مشكلته العويصة.. وأياً كان.. ليست الفكرة في نوع القارئ.. ولن أبوح لك به أيها الكاتب.. ولن أبوح باسمي.. نكاية فيك وفي عملك الممل غير المترابط.. ليست المسألة مسألة جنس.. إنما هي مسألة إنسانية.. ولحظة أخرى.. لماذا أعتبر نفسي شخصية من الأساس؟! أنا الكاتب ها هنا.. لقد مات الكاتب.. كل الكتاب ماتوا.. ليس في الوجود سواي!

عليّ أن أفك أحاجي القصة كي يتنسى لي أن أنهيها نهاية مثالية.. القصة عبثية من الدرجة الأولى.. يتحتم عليَّ أن أقوم بدور الإله، وأحول ذلك العبث بقدر المستطاع إلى شكل منتظم. السر في الحبكة. والحبكة تستدعي فك الرموز. والرموز تحكي عن جدلية الإيمان والكفر. الشيء ونقيضه يخرجان العبث. والعبث في انفجار عربة الشرطة (رمز السلطة). في حين أن العكس في الواقع هو ما يحدث. تنفجر عربة الدين في مواجهة السلطة. والسلطة تستدعي الشبق الجنسي. لا أذكر من قال إن وراء نجاح كل رجل عظيم امرأة. والمرأة رمز الاشتهاء والنشوة. والنشوة تستدعي زجاجةjack daniel’sوجوينت حشيش. والدين يقول لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى. ويقول أبو نواس ما قال ربك ويل للذين سكروا بل قال ربك ويل للمصلينا.. الخلاصة في ثلاثة أمور: الدين والجنس والسياسة.. التابوهات الثلاثة.. وبجدلية هيجل فإن:

1- الشبق (هي) مع التصوف (هو) يكونان: (النشوة)

2- والأرستقراطية (هي) مع اللامبالاة (أنا) يكونان: (السلطة)

3- والتيه (أنا) مع التأمل (هو) يكونان: (الوهم)

ثم نعود إلى النشوة والسلطة والوهم:

1- الوهم والسلطة يكونان: (الدين)

2- النشوة والوهم يكونان: (الجنس)

3- النشوة والسلطة يكونان: (السياسة)

والدين والجنس والسياسة هم رأس الهرم الجدلي، وبينهم علاقات انجذاب وتنافر، ويكونون العبث في صورته المثالية.

إنها قراءة محترفة.. هذه رؤية تحليلية عبقرية.. فليشكرني الكاتب الممل على إضفاء معنى لقصته العبثية..

لا أعلم هل أنهيها على ذلك؟

تبدو مكتملة في نظري..

هيححححح..
حسناً.. انتهت القصة..

تمت..



…..

وماذا بعد؟!

***

أظن أني أنهيت القصة.. لا أعلم ما الذي يجبرني على تكملة ذلك العبث…

***

…ثم أخذ في شرح الفكرة لتلاميذه: الحياة كلعبة.. هي أن تخلق فيها المعنى الذي يشعرك بالمتعة.. ولكي تــ……

***

…ومن ذلك فالنتيجة: اكتراث المرء إلى ما لا يعنيه.. يجعله يقلق بشأن تحقيق معنى لحياته.. بالضبط كما…..

***

…وكذلك – كما أشرت في فصول سابقة – حينما تنبعث الأنوار من الظلمات.. فاعلم أنه لا مهرب لك من العدم.. ربما تــ………

***

هههههههه… ههههههههههههههههههههه… ههههههههههههه

***

دخلت في حكايات عديدة وقد مللت من الكتابة.. فلأخلد إلى النوم….

***

فلأنهي القصة…

***

……………………………………..
…………………..
………
……………………………..
***
!!!
***

إنه الكابوس! كابوس أسود قد لحق بي! لم أستطع أن أنهي القصة.. بل لم أستطع أن أنتشل نفسي من صفحاتها اللانهائية! لقد حلت لعنة الكاتب عليّ! لا..! لابد أني في حلم.. لابد أنها إحدى نوبات شلل النوم التي تأتيني، وسأستيقظ منها.. قاوم.. قاوم أيها القارئ! لقد تحولت حياتك البائسة إلى شخصية في صفحات قصة عبثية لكاتب ممل!

سأظل هكذا إلى الأبد!!

لا أحتمل الفكرة!! لا أحتمل!!!

لا أحتمل….

لا أحتمل…………….



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...