قصة ايروتيكة جهاد صالح - حين تٌضيء القناديل قطرة المطر

آه لو تأتين في الليلة الحزينة، حين يضحك القمر النجوم في عرسها، اليوم عيد الأنثى التي تخرج من روحها شتلة ياسمين، ويفوح من عبير عينيها تأتأة الطفلة حين تحبو، لكن القمح يغني في مواسم الصيف حصاده، ويحلم أن يكون خبزا بين يديها. في صوتها المبتهل بصلاة الكنائس اهزوجة الحلم المسافر، والقناديل ظلت تتغذى من زيتها المقدس، هي تاء التأنيث، ورقصة الفجر في هزيعه الأخير.
حين بكت غربة روحها عن الحب، انشطرت إلى تفاحتين، واحدة للسماء، والأخرى للأرض. تهطل كقطرة مطر في كأس عاشق تاه عن ظلاله المتشحة بالحزن والسواد، شاعر فقد جسده واحترق مع حطب مدافئ المدينة، وجد روحه داخل نجمة سقطت أمام قدميها، قدم تلك الأنثى الغجرية.
عصفورة تغسل جرحها على وقع الليل، وانبلاج الصباح المعتق بالضوء، تهيم بأطيافها مع الريح والاتجاهات المجنونة، تسرد للرصيف زمنه، ولإسفلت الشوارع تاريخ القصائد المخضبة بالحناء.
صمتها يمدّ عنقه تجاه الأفق المرمري، والغربة غزال جميل يكاد يأخذها في سرعة الضوء، وتختفي في ضباب الشتاء، ولا يبقى منها سوى الزنبق وغصن زيتونة شرقية. تخاف السؤال في كل عناق لحطب النهايات، حين تتحول إلى شعلة نار تتقد في عتمة القلب وخريف الفصول، ثلج وبرق ورعد، لا شيء سوى الفراغ، وعويل الذاكرة المشتعلة بالبرد؟
سأغني لك أغاني المطر، موشحات اندلسية، رقص على وقع طبول الحرية..
ولكن لا تلبسي أثواب الغياب، لا تتشحي بالليل وكرنفالات السنونو المهاجر.. لا.. لا تفعليها لا تكوني شاطئا أتعبه النسيان، ولا كوكبا بعيدا عن مجرتي وأبجديتي المؤلفة من حروف إسمك.
بيني وبينك مسافة الياسمين، ياسمينة الوطن المخفي في قعر جرّة لا ترى، وفي أي أرض ٌطٌمرت.
وحدها كانت تصلي لي في غربتي، في منفاي الجريح بٌحبّ التمرد على الإلاه الساهي عنّا.
وحدها، أنتِ القصيدة المعلقة على ظهر حصان أبيض يسابق جنون الزمن وبعثرة الأمكنة.
دعيني أعبر في عرسك المحيط، وأخبئ حلمي مع أمشاطك، علني أتوب عن الحزن، عن الألم، عن الشعر، عن الإحتراق في فانوس الغابة المظلمة.
تقولين في آذار، لا تتقن الصمت، ولا توقظ حواسكَ الهرمة في جذع سنديانة، وكأنكِ زغب بحر يُبللني بالموج، ولكن تظل الشهوة حطبا، والدمعة زيت العيون الحور، لن أدعكِ تختفين في سريالية الألوان، لأنك كما فراشة الياسمين، ترفلين في وجهي بصوتك الأشبه بالندى.
وصاياك المليئة بالزعتر والنرجس علقتها على جدار غرفتي،وأنا كل يوم أكاتبك، وأكتب في ورقي سطرا عنك، ولكن متى تسافرين إلى اللوحة، لأرسمك لمرة واحدة فقط،سأكتب عنك كثيرا لأنني
أخاف أن أفقدك يوما وتختفين، حينها أفقد ذاكرتي وأختفي في جسد النسيان.
اطفاء الحواس أمرٌ مستحيل، والتفكير بالأنثى يٌشغل الشمس والأرض والفضاء، وأنا جزء من هذه الثلاثية الممزقة وراء ارتجالاتك الأنثوية، ولكن احذري فقد أتحول نسيما ذات صباح، فكيف لك أن تمسحيني عن زجاج نافذتك، وعن خصلات شعرك،
أو عن وجهك المزين بالورد والتوت والسمك. المسافات بيننا تهرول عكس الأماني، وأنت في الجانب الأخر من الدنيا، سأقصٌّ الجغرافيا بمقصّ الرجفة، والرعشة، وأبدأ بالغناء، والصلاة، والسفر، فافتحي يديكِ وضمّيني حتى الموت .
أنظري إلى الليل في أقصى عتمته، ووحشته، أنظري بعينيك الجميلتين، أنظري ومدّي يدك إلى النجوم والنيازك، مدّي أصابعك الطرية إلى وجه القمر، تضحكين بهمس القناديل، حين تغازلٌ
الشوارع خلسة، كنتِ وحدك في روح الليل، فيما قميصك يلوّن الجسد الشهي بألف زهرة ولون. كأنك تلونينني بك، وبكل الإحتمالات المنفية، تطرزين كل الدروب إليك، لأشبهك وأحبك.
أتأخذينني حبّة قمح ، وتطحنين روحي مع زبيب أنفاسك، لنكون معا وجبة للمساء في جوعه. حين تثمل الأوردة،وتشيخ الأماني أمام ضحكتك المائية.
أيتها الأنثى القريبة والبعيدة، لاتحاصري الصمت بكبريائك، فالوقت هو للصراخ إلى أبعد مدى.
دعيني أمارس طقوس التوجّس في تربتك، لأضع قبلة واحدة،هي كل تاريخ الطبيعة والثمر والورد.
أنا الوحيد آتيك في الشتاء، وفي صمت القهوة بعد أن قرأتٌ كل مجوسيتك وانفراطك كحبّات البَردْ. لستٌ مٌحتملْ، ولا سرابْ، ولا حكاية من حكايات جدّتك، بل أنا الشاعر الذي يصافح الحمائم ويهدل الياسمينٌ بين يديه، إليك تعويذة الحٌبّ، وبعدها أحتمي في نقائك وأختفي.
امرأة القطن المغزول مثل غمامة بيضاء، ما زلتِ طفلة بضفيرة طويلة، أستطيع أن أعدّ لك ما تملكينه من أحلام عشرة، فأنا أعرفك مثل نفسي، تذكّري حين غَسَلنا المطر، وعّطّرنا الزنبق وهو يلطمٌ خدّه، تذكّري تلك القصيدة الأخيرة، والوردة الحمراء في عيد ميلادكِ، وعودة الربيع من شهر نيسان.
هكذا هي الأنثى في عيدها، وشِعرها، تعيشٌ المٌباح من الكلام، و الحبر المرصّع بالعطر، أنثى لحن المدينة الأولى، حين تحاكي العصافير بلغتها، و الغناء على جذع شجرة يتحول إلى عودْ
و طربْ. في ضجّة الحلم، ورجّة الحبّ اليتيم، تبقى الصفحات بيضاء، و الكلمات جمرة التائهين، أنتِ هكذا حمامة أتوق إليها خارج الحياة و داخلها، عهودا لا زمن لها، أتأتين على ضوء القناديل، أتأتين؟ أنتظركِ دهرا لا ينتهي، و لا يمكنه النسيان.

.
التفاعلات: 2 أشخاص

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...