مؤمن سمير: قصيدة النثر تتسع لكل أشكال التجريب

يَعْتَبِر العديد من النقاد تجربة الشاعر مؤمن سمير من التجارب المتميزة في مسيرة الشعر الحداثي المصري وذلك بمراكمته مشروعاً شعرياً طموحاً عبر سنوات متتالية يحمل ملامح فنية تخصه وتعبر عن تحولاته الجمالية التي تبحث في كل مرحلة عن مزيد من الأسئلة التي تتعلق بماهية الشعر وتجريب الخوض في بحار جديدة على الدوام.. أصدر سمير سبعة عشر ديواناً منها: غايةُ النشوة، بهجةُ الاحتضار، ممرُّ عميان الحروب، تفكيكُ السعادة، يُطِلُّ على الحَوَاس، رَفَّةُ شبحٍ في الظهيرة، عالقٌ في الغَمْرِ كالغابةِ كالأسلاف، إغفاءَةُ الحَطَّاب الأعمى، حَيِّزٌ للإثم، بلا خبز ولا نبيذ، سلة إيروتيكا تحت نافذتك، أصوات تحت الأظافر، أبعد بلد في الخيال..
والتقيناه في هذا الحوار..
  • مؤمن سمير أحد رموز قصيدة النثر أو الكتابة النثرية في جيل التسعينات وأحد الشعراء الذين أثروا المكتبة العربية بالكتب والمقالات التي تعد ملمحاً مرجعاً مهماً لجيل كامل.. كيف تقيِّم تجربة القصيدة النثرية؟
هي قصيدة أساسية في تشكيل المشهد الشعري العربي و العالمي، ساهم روادها من أصحاب المشاريع الحقيقية- في تحويل الانتباه للشعر بحد ذاته بغض النظر عن الوعاء الشكلي الفني المؤطر له بعدما كانت من قبل الاشتراطات الفنية تجعل من القالب شرطاً لاعتماد الشعرية وتدل عليه وقد تصنعه أحياناً.. جاءت قصيدة النثر لتعيد النظر في فكرة الأولويات لافتة الانتباه للجوهر، للشعر الخالص، ونافية لأية قداسة وهمية لقيمة فنية هي في النهاية متغيرة ككل الأشياء..
  • ‏كيف يرى مؤمن سمير كُتَّاب قصيدة النثر من جيل الشباب؟
لقد اختار المئات من الشعراء العرب الشباب أن ينتموا لهذه الطريقة في الكتابة و يعد الكثير منهم اليوم من أصحاب التجارب اللافتة والمشاريع الفنية التي سترسخ قريباً في الذاكرة الشعرية نظراً للحرية التي تمتعوا بها أكثر من أجيالنا ولاستفادتهم من التطور التكنولوجي الذي ساهم في تعريفهم بالشعراء العِظام في العالم بأسره وتجاربهم الخلاقة مما جعل تطور تجربتهم أسرع وتلافحها الإيجابي أكثر ظهوراً..
  • ‏أين يقف مؤمن سمير من جيل كتاب الشعر العربي؟
بما أني لم أكتفي يوماً بكتابة القصائد أو إصدار الدواوين بل شغلتُ نفسي دائماً بمتابعة الإنتاج الشعري وتبيان جمالياته و تمايزاته عند كل مَن أتيح لي الاطلاع على شعريته، وبما أني كذلك لا أعاني والحمد لله من الإحساس الغرائبي المريض الذي ساهم في قتل تجارب مهمة سابقة، وهو الإحساس بتفرد المنجز الشخصي أو عظمته وأهميته وكل هذه الأوهام، فإنني أستطيع أن أؤكد بكل بساطة أن تجربتي موجودة بالفعل في هذا الفضاء العميم بما يجعلها عرضة للتأثير والتأثر والنقد والنقض كذلك مثلها مثل تجارب كثيرة جداً .. مجرد الوجود في حد ذاته أمرٌ عظيم وكاف..
  • ‏يقال إن قصيدة النثر لم تفرز بعد نقادها الحقيقيون ما رأيك؟
أثير هذا الطرح أكثر من مرة وكأنه يفرض علينا صحته عن طريق الإلحاح! لقد كانت له وجاهة مع بدايات ظهور النص السبعيني الذي جوبه بالرفض وإعلان القطيعة رداً على القطيعة الجمالية الذي نادى بها مع الشعر السابق عليه فاضطر أفراده لاعتبار أنفسهم نقاداً لتجاربهم إلى أن تبنى تجاربهم العديد من النقاد الكبار مثل رجاء النقاش وإدوار الخراط وغيرهم أما اليوم فالكتب الخاصة بقصيدة النثر تملأ المكتبات والدراسات الأكاديمية التي تتناول بالدرس هذه القصيدة تترى بل والمقالات التي تتناول هذه الشعرية بشكل نظري أو تحاول أن تقرأ دواوينها تغطي الدوريات لأنه لا نجاح مطلقاً لتجاهل الواقع مهما حاول البعض..
  • هل هناك خطوط عريضة للكاتب وأيضاً خطوط حمراء عند الكتابة؟
كل كاتب حقيقي نسيج وحده وهو الذي يستطيع أن يحدد مع كل عمل جديد- المداخل والمخارج والمعطيات التي ترسم "فرشة" العمل وتتصور ألعابه وطموحه الجمالي وهي قيم وتقنيات ليست ثابتة وإنما من الطبيعي أين يقود إليها كل عمل.. أما بالنسبة للمحاذير فلقد كنا نعاني من الخوض في المناطق المحظورة منذ بداية التكوين فكان الكاتب يضع لنفسه ربما بشكل لا واعي - محاذير تنتمي لثقافته ومحيطه القريب والبعيد، ثم تضاف إليها المحاذير العامة التي تفرضها الثقافة الجمعية على الكل، فكان الجميع يعاني ليجد البدائل التي لا تعرض نصه للقمع أما الآن وفي هذا العصر المفتوح والسيَّال بلا ضفاف فلا محل لأية محاذير اللهم إلا الضمير النقدي الذي يتربى بشكل فطري داخل المبدع ويجعله يختار ما يناسب نصه لا ما يجعله عملاً سياحياً يلفت النظر كتقليعة يتجاوزها الزمن بإصرار..
  • ‏متى تستعيد القصيدة العربية عافيتها بعد مرحلة ترهل مرت بها من خلال التجارب والمحاولات التي تنجح مرة وتفشل مرة؟
بمنتهى الصراحة لقد بت لا أستوعب كثيراً أحكاماً من قبيل ترهل القصيدة العربية أو مواتها المرحلي أو ما يشابه ذلك.. حيث كل دورة تاريخية تفرز شعراء كباراً وشعراء مقلدين وشعراء ضعاف ثم يقوم الزمن بالفرز.. هناك إنجازات فنية مهولة تحيط بنا دائماً وفي كل زمان وفي كل ثقافة أما الضعيف فإنه يسقط رغم انتشاره الذي مهما طال فإنه مؤقت.. لكن أن نستريح للإلقاء بحكم مرعب ثم لا نحدد معياراً جامعاً مانعاً نحتكم إليه فهذا ظلم نقدي ينتمي في ظني لحالة استمراء التعويل على تخلفنا الحضاري بشكل ببغائي في كل مكان وبلا قراءة حقيقية وواقعية تستكشف الطريق..
  • ‏إلى أي المدارس النثرية تنتمى كتابات مؤمن سمير؟
قصيدة النثر قماشة متسعة جداً لكل أشكال وآليات التجريب و اختبارات اقتناص الشعرية من قيم جديدة في كل لحظة.. وبالنسبة لي فلا أملك قيماً ثابتة أو تقنيات تخصني أرتاح معها وأصطفيها، حيث أوقن أنه لو تشابهت رؤاي وأصبحت أملك آليات سريعة ومجربة تقوم على الخبرة والتجربة وبهذا تُنْتَج النصوص معها ببساطة وسرعة فإني سأعتبر نفسي ممن يكتبون نصاً ميتاً.. كل تجربة جديدة لابد وأن تحمل مخاطرة جديدة وضربة غير محسومة النتائج في سبيل فتح سماوات جديدة وعيون أخرى للنظر والأسئلة والارتعاش والخوف الصحي..
  • ‏كيف تصف المشهد الثقافي المصري و العربي الآن؟
هو مشهد متسع وسريع التحولات ونابض بكل وعي جديد يتشكل ويفرض نفسه بقوة الحضور.. الأشكال الأدبية والفنية كلها ممثلة ونشطة وتلبي غالبية الرؤى و كل دولة أو منطقة أو محيط ثقافي يعبر عن طبيعته الخاصة ويرفد الجماليات العامة بخصوصيته تلك ليتشكل المشهد العام ثرياً ومكوناً على الدوام من طبقات وطبقات وزوايا إدراك وبصائر متباينة وخلاقة..
  • ‏هل مقولة "الرواية هي مستقبل الأدب العربي الحديث" حقيقية؟ وما دليلك؟
ليس صحيحاً أن توهج نوع أدبي في مرحلة معينة، لأسباب حضارية وثقافية معينة، قادر على أن يزيح أشكالاً أخرى من دوائر الاهتمام بها.. كل الأشكال والأنواع معاً تساوي كلمة المستقبل وبالتالي فالطبيعي أن يخضع كل نوع لمناقشات تقرأ دخول تقنيات جديدة وأساليب واقتراحات أحدث داخل النوع وما إلى ذلك من جهود مطلوبة على الدوام لكن أن يتوارى نوع بأكمله أو شكل فني لصالح شكل جديد فهذا ما لا أظنه.. و الدليل هو أنه من لحظة إطلاق مقولة "زمن الرواية" وهي الإعلامية ربما أكثر من كونها النقدية المنهجية المؤسسة على معطيات صارمة- استكملت الروايات ازدهارها المعتاد ومارس الشعر تألقه وباقي الأشكال والفنون كذلك.. لم تحدث قطيعة مع شكل ولم يمت شكل ولم ندفن فناً في مقابر وعينا الجمالي مطلقاً لصالح غلبة فن آخر..
  • متى نصل بالشعر العربي للعالمية و ما هي مقومات القصيدة العالمية؟
لا مفر من الاعتراف أنه قد آن الأوان لبذل الجهد لتقديمنا للعالم خارج منطقتنا العربية بشكل مؤسسي منظم ومهتم ومدرك ويبتعد عن أمراضنا الشخصية والثقافية المزمنة.. كل ما يجري بالنسبة للترجمة هي جهود فردية ومبادرات لا تصيب أهدافاً بالأحرى في إعطاء صورة عن أدب منطقتنا العربية.. لقد نجح الأدب الأفريقي في فرض نفسه وكذلك الأدب المنتمي للسواحل وما بعد الكولينالية الخ لكن أدب منطقتنا الكبيرة والممتدة غائب.. إن القصيدة العالمية هي القصيدة الإنسانية العامة، البعيدة عن ضيق الشوفينية والتعصب، التي تمتح من كل الأساطير والأحلام والأفكار والأحداث في المحيط الإنساني الكبير لا أن تقتصر على أوهام تفوقها أو اجترارها الدائم لنفس الأسئلة التي تم تجاوزها أو ثباتها أمام نفس الأنهار الصغيرة بنفس التقنيات البدائية التي عافتها الأسماك..
  • ‏يقال إن بعض كتاب قصيدة النثر يقلدون حرفياً القصائد المترجمة من اللغات الأخرى.. ما صحة ذلك؟
الأمر للأسف وارد، ففي كل شكل فني يكون هناك ضعاف يهربون من الجهد الإبداعي الجميل أو يفشلون في سبر أغواره فيقلدون تجارب قريبة أو بعيدة لكن مهما قلد المقلد وارتضى أن تنمسخ روحه فإنه سيتعرض للانكشاف ويكفي أنه يحرم نفسه من لذة البحث المضني داخل الذات ومن اللعب مع القصيدة، تلك المغوية المثيرة، للظفر بعمل يساهم في منح العالم قدراً من الجمال يدخل في الوعي العام للإنسان ويكوِّن الذائقة الجمعية للبشر..
**حوار في جريدة "القاهرة" العدد 1122 الصادر يوم الثلاثاء18يناير2022 أجرى الحوار:نور سليمان**

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى