د. أحمد الحطاب - من المصطلح العلمي إلى ترجمة النص العلمي : مفهوم المصطلح العلمي.. (جزء أول)

(جزء أول)


قد يتساءل القارئ لماذا نُعِتت بعض المصطلحات دون غيرها بالعلمية؟ هل فعلا هناك خاصيات تتميز بها هذه المصطلحات عن غيرها أم هناك تفسير آخر؟
للإجابة عن هذا التساؤل، يجدر بنا أن نوضح ما المقصود بكلمة "علم"، أو بعبارة أخرى، أن نُدرك ماهية المفهوم الكامن وراء هذه الكلمة.
إن لفظة "علم" لفظة بسيطة جدا تتكون من ثلاثة أحرف لكن معناها ومضمونها لهما جذور تضرب في أعماق التاريخ البشري. فالكلمة كغيرها تزامنت مع وجود العنصر البشري على وجه الأرض إلا أن مفهوم العلم تطور مع تطور الحضارات والمجتمعات البشرية بدأ من الحضارات الأسيوية والمصرية ومرورا بالحضارات اليونانية والرومانية والعربية الإسلامية إلى الحضارات المعاصرة. وكيفا كان الحال، فالعلم كمفهوم وليد الحاجة أي بمعنى آخر، فالإنسان منذ ظهوره على سطح الأرض وجد نفسَه باستمرار أمام عدة مشكلات إرتبط بقاءُه بإيجاد حلول لها. فبحكم الضرورة، وظَّف الإنسانُ قدراتِه العقلية والفكرية التي يمتاز بها عن سائر الكائنات الحية الأخرى للتصدي لهذه المشكلات. فكانت النتيجةُ أن تكونت لديه طريقةٌ معينة لفحصِ هذه المشكلات والنظر فيها والتعامل معها. والمقصود هنا بالطريقة هو الاستعمال المنظم والممنهج للقدرات الفكرية والمهارات اليدوية المتمثلة في الملاحظة والمقارنة والتدقيق والقياس والعد والتجريب والحفظ والاستنتاج، الخ.، الشيء الذي أدى مع مرور الوقت إلى ظهور منهجية لها قواعدها و أسسها يتم اللجوء لها كلما ظهرت الحاجة لحل مشكلة من المشكلات أو للتعرف على الظواهر الطبيعية و الاجتماعية.
إنطلاقا من هذه الاعتبارات، فما هو المقصود بمفهوم علم؟ العلم حسب ما هو متعارف عليه هو الرصيد المعرفي الذي توصل إليه الإنسان من خلال استعماله المتواصل للمنهجية المذكورة أعلاه. وسمِّي العلمُ علما لأن الرصيدَ المعرفي الذي يتكون منه ناتج عن أسلوب في التفكير يعتمد أساسا على الملاحظة و التجريب. و من هنا، وُضِعَ تمييزٌ بين المعرفة المنعوتة بالعلمية والمعرفة غير العلمية أو المتداولة التي تفرزها الممارسة اليومية والتفاعل الاجتماعي اللساني. و اعتمادا على هذا المنظور، يبدو جليا أن المصطلح العلمي هو كل لفظة أو كلمة تدخل في نطاق المعرفة العلمية والتي صاغها أو ابتكرها أو اقتبسها الباحثون والدارسون للتعبير عن نتائج أعمالهم. و هكذا، فإذا نعتت المصطلحات بالعلمية فذلك ليس راجعا لكونها علمية في حد ذاتها و لكن للظروف التي تمت فيها الصياغة أو الإبتكار.
فالمصطلحات العلمية إذن عبارة عن مجموعة من الكلمات تم الاتفاق على استعمالها من طرف مجمع الباحثين لتقوم بوظيفة تتمثل في تجسيد نتائج البحث و وضعها في قالب لغوي يضمن تواصلا فعالا ومفيدا بين مختلف فئات المستعملين.
فكل مصطلح إذن يحمل في طياته تاريخا حافلا بالأبحاث و الدراسات و التجارب قد يطول عدة سنوات بل عشرات السنين. و على سبيل المثال لا الحصر، نسوق هنا مصطلحَ النظام البيئي أو المنظومة البيئية (Ecosystème) الذي صاغه العالم البيئي الإنجليزي (Lindeman) عند و ضعه لنظرية الأنظمة البيئية (Théorie des écosystèmes) خلال النصف الأول من القرن العشرين لكن بعد أخذ و رد امتدا منذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر .
إن المصطلحات العلمية وليدةُ البحث و النشاط العلميين وبالتالي، فهي إما تُطلق على الظواهر الطبيعية و إما على مكونات الطبيعة أو العناصر التي تتألف منها هذه المكونات و إما على الوسائل التي يستعملها الباحث للقيام بنشاطه العلمي. فعندما نتحدث مثلا عن :
-الجاذبية (Gravitation)
-أو عن التـركيب الضوئي (Photosynthèse))
-أو عن التحلُّل بالمـاء (Hydrolyse)
-أو عن الترسُّب (Sédimentation)،
هذه مصطلحات صاغها الباحثون للتعبير عن أفكار علمية تصف ما يحدث من ظواهر في الطبيعة. فهي في الحقيقة عبارة عن مفاهيـم بينمـا عندمــا نتحـدث عـن :
-المعـي (Intestin)
-أو عـن الزئبـق (Mercure)
-أو عن العـلــق (Plancton)
-أو عـن الكلس (Calcaire)
-أو عـن المجـهـر (Microscope)
-أو عـن أبي منجل (Ibis)
-أو عن العدسة (Lentille)،
فهذه مصطلحات تشير إلى أسماء تُطلق إما على مكونات حية أو غير حية تتألف منها الطبيعة و إما على الوسائل التي يستعملها الباحثون لممارسـة نشاطهم العلمـي.
في هذه الحالة، يمكن بصفة عامة تصنيف المصطلحات العلمية إلى نوعين اثنين. في النوع الأول، يمكن إدراج المصطلحات التي تمت صياغتُها للدلالة على ما يقع من ظواهر الطبيعية منها و تلك التي أحدثها الإنسان. و في هذا الصدد، يُنظر إلى المصطلحات كصورٍ فكريةٍ تشير في غالب الأحيان الى أشياءَ غير ملموسة. أما في النوع الثاني، فيمكن إدراجُ المصطلحات المُصاغة للدلالة على المكونات و الأشياء التي يتعامل معها الباحث أثناء قيامه بنشاطه العلمي و التي يمكن أن يُنظر لها كألفاظ تقنية. و كيفما كان الحال، أي سواء تعلق الأمر بالمصطلحات كصور فكرية أو كألفاظ تقنية، فهي ناتجة عن سياق فكري علمي معين.



التفاعلات: أمل الكردفاني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...