قصة ايروتيكة داود سلمان الشويلي - الحب في زمن النت (مجنون رشا) الأجزاء 1الى8

الى رشا الـ..................ـه
الى سليلة العائلة الــ................ـه
اهدي هذا العمل.

ليست مقدمة:

القصة... الرواية... المسرح... الشعر... بل كل الكتابات الابداعية لم تكن في يوم ما بعيدة عن الواقع المعاش... بل هي الواقع بلبوس الخيال الذي تفضيه عليه مخيلتنا.

وانا اذ اكتب هذه الرواية فإنني لم ابتعد عن ذاك الواقع، وفي الوقت نفسه، لم اترك للخيال ان يقيدني اليه فيما اكتب.

والقاري النبيه سيتلمس ما هو واقع وما هو خيالي امتزج فيه، وانا لا اريد ان اخبره اين يجد الواقع، واين يلتمس الخيالي... لان في ذلك مصادرة لعقله وفكره وخياله وذائقته الابداعية.

اترك للقاريء النبيه ذلك... الا انني التمس العذر منه عندما اقول: ان ما في الرواية من رسائل واحاديث على النت بريئة من الخيال، حتى اني تركتها كما هي وبما تحويه من الفاظ عامية.

شكرا
المؤلف
الثلاثاء 13/ 10/2008

الى عزيزي وحبيبي احمد

انا انتظر منك الرسالة التى تحدثني فيها وبصراحة عن حب احمد لرشا مهما كانت التفاصيل... وتأكد ان رشا لم تحب على النت غيرك... وكذلك احبتك في الواقع... جد... جد.(1)

وانا انظرالى مصيرنا في هذه الحياة ونهاية هذا الحب، فاراه انه سيستمر الى يوم يبعثون.

مع خالص حبي لك.
رشا الـــــــــــــ

1 – دائما ما كانت تستخدم هذه الكلمة للتأكد او لتؤكد قولا ما .

---------------------

شات
1

أيكفيك قلبي الصغير
الذي حمل الأرض أجمعها
ومضى راجلاً
كي يقولَ: أحبّك...
أيكفيك قلبي الصغير

ساجدة الموسوي

==============

مرة كنا على اتصال على النت، قالت لي ظانة ان حبنا بلا ضفاف:
: حبي...
: اكتب...
: عن حب احمد لرشا ورشا لاحمد...
: اجمالا وتفصيلا...
: لان رشا...
: حبت حبك...
: ومن كنت انت...
: وليس اسمك او شكلك...
: او عمرك...
: او بلدك...

***

ها انا انتظره منذ ربع ساعة...
مر اسبوع وانا في الانتظار... عملي هو الانتظار... كنت انام وانا انتظر... ااكل واشرب وانا انتظر... استحم وانا انتظر... اغير ملابسي وانا انتظر... اخرج لارى واكتشف معالم المدينة التي ازورها لاول مرة وانا انتظر... حتى ملني الانتظار، الا انني لم امل الانتظار... اصبح الانتظار هو شعاري الوحيد في الفندق الرئيسي للمدينة... واصبح اسمي المنتظر على لائحة الانتظار.

كان اتصالها بي قبل قليل لم يؤثر في ما سأتخذه من مواقف، او فيما سأكون عليه في حديثي مع والدها، اذ قررت ان اكون متماسكا صلبا امامه... عنيدا حد اللعنه... لا مساومة ولا تراجع ولا هم يحزنون.

قالت لي من خلال جهازها المحمول:حبيبي... والدي في الطريق اليك... احذر منه... انه غاضب... اود ان تخرج من الفندق ولا تواجهه .

كان في صوتها خوف شعرت به من خلال نطقها للكلمات القليلة التي قالتها... ارتجاف مخارج الالفاظ... وتهدج في الصوت ... كل ذلك زادني ثقة بنفسي وبحبي لها وبحبها لي .

طمأنتها .

- ساقابله. قلت لها واثقا.

كان اشد ما تخشاه هو ان يعرف اهلها بمحادثاتنا على النت... كان ذلك في بداية تعارفنا... وكانت كثيرا ما تطلب مني ان لا احتفظ بملفات المحادثات على الرغم من بعد المسافة بين بلدينا... وعندما ارسلت صورتها طلبت مني ان لا احتفظ بها ... ولكن، عندما تبادلنا الحب وتحول هذا الحب الى عشق بني عذرة، اصبحت قليلة الاكتراث، الا انها اليوم وبعد ان اتيت الى بلدها، راحت تحذرني من والدها الذي عرف – حتما – بمحادثاتنا ومن ثم مجيئي الى بلدهم.

مرة قلت لها على النت بعد ارسال صورتها بدون النقاب الاسود ،وانا صادق بقولي: سأطير في يوم ما الى بلدك واتزوجك يا حبيبتي.

سألتني وانا ارى الدهشة في عينيها من خلال حروفها المسطرة امامي: تتزوجني؟ّّّّ!!

ثم تابعت قولها: واقيدك؟!!
قلت لها: ما احلى قيدك.
سألتني: وتفقد ما حافظت علية طيلة عمرك...
: الحرية؟
قلت لها: معك؟!... نعم افقد العالم وانا مرتاح البال.
سألتني: مستعد لذلك؟
اجبت: انا على اتم الاستعداد.
قالت: صدق قولك ( غريب هذا النت).

هذه العبارة ذكرتها في احدى رسائل الاشواق والهيام التي ارسلتها اليها.

واعادت مرة اخرى قضية القيد التي تلح عليها، وراحت اصابعها الرقيقة تكتب نهر من الكلمات الرقيقة:
: وانا من ساعة حبيتك...
: لم اكذب عليك بحرف...
: اما انت فقد تغيرت في معلوماتك...
: وانا حدسي تغير ...
: ومع هذا احسست...
: بحبك...
: وصدقك...
: وسلمت روحي لك...
: بس انا صدقتك...
: وخلاص...
: وثقتي بك الان 100%...
: بس تاكد...
: رغم عنك ستتزوجني...
: لاضع على يديك...
: اسوار...
: قيدي
كتبت لها صاقا: انا من الان مقيد بحبك...
قالت: اعلم...
: ممكن اقيدك...
: بزواجي...
: و املأ حياتك...
: حب وعشق...
ثم قالت: اذوب فيك...
: كالشمعه...
: ارتمي...
: على احن صدر...
: وانا اخاف...
: على ايامي بدونك...
: حبيبي.

وعندما بدأت التغزل بها قائلا بعد مشاهدة صورتها: حاجبيك كالسيوف... وشفتيك كالعناب، اتعرفين ان الشعاع على خديك اجمل من الورود التي تحملينها بيديك.
سألتني للمرة الثانية:مستعد تتزوجني؟
قلت لها متسائلا: اتسألينني؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

---------------------------

شات

2

عُمْرُنا نحنُ نذرناهُ صلاة
فلمن سوف نصلّيها.. لغير الكلماتْ؟

نازك الملائكة

===============

جلست في قاعة استقبال فندق الشيراتون باثاثها الفاخر الوثير،واناسها المتعددي الجنسيات والاعراق والالوان... كان الجو خارج الفندق حارا لا يطاق، محمل بالرطوبة... اما داخل الفندق فقد كان باردا، منعشا، يغفو الجالس على مقعده... كنت قد شربت فنجان قهوة عربية مرة لاجعل تفكيري اكثر صفاء واكثر اتزانا.

قبل اسبوع ركبت الطائرة من بلدي الى هذا البلد الذي يقع في زاوية يكونها بحر ومحيط... بلد من احب.... وبلد من ساجعلها شريكة ايامي الاتية .

قبل يوم من ركوبي الطائرة ، طلبت منها ارسال صورة لها بالملابس الملونة، وبدون غطاء رأس، فرفضت، والححت عليها كثيرا الا انها ظلت تردد:
: انا اسفة .
ثم كتبت لي على الشات: انا خارجة من النت.

تركتني مشتولا على النت وخرجت منه، كنت اشعر انها قد زعلت، تركتني دون وداع سوى كلمة باي السريعة الكتابة والقصيرة، وكان طلبي بسيطا... ان تريني صورتها بملابس ملونة ودون غطاء رأس، عندها قررت ان اسافر الى بلدها لاطلب يدها وتشاركني قيدها، بل لاراها بملابسها الملونة وبدون .....

هل كان هذا دلال منها؟ لها الحق ان تتدلل على حبيبها وعشيقها... ام انه الالتزام بأمور دينية فيها خلاف؟ الحقيقة لا اعرف... ان الذي اعرفه هو انني هنا في بلدها منذ اسبوع انتظر مقابلة والدها.

كتبت لها رسالة بعد ان خرجت من النت ارسلتها على بريدها الالكتروني:

الاربعاء 7/10

رشا الحبيبة...
العشيقة...
الـ.................

وانا بعيد عنك... بعد المسافات التي تفصلنا.... تساعدني نظرية انشتاين النسبية في ان اقول وداعا لحواسنا الخمس... فلا يهم ان لا اراك حقيقة لانك انت لست بالحقيقة التي تصورها حواسنا ... فانت عبارة عن موجات وذبذبات تدركها عقولنا على انك بهذه الصورة... اذن فجمالك مهما كان نوعه هو شيء خادع ، فلا ارى من الواجب ان اراك علانية... وكذلك رائحة جسدك ان كانت طبيعية ام صناعية فهي بالنسبة لحاسة الشم عبارة عن موجات وذبذبات تدركها عقولنا على ما اصطلحنا عليه بانها رائحة زكية او رائحة منفرة... وعندما تتلامس شفتاي شفتيك وتمصين لساني ورضابي وكذلك افعل انا فهذا لا يعني ان رضابك او رضابي حلوا او طيبا وانما العقل هو الذي ترجم ذبذبات التذوق هذه الى ما نشعر به.. وهكذا باقي الحواس... اننا في عالم غير العالم الذي تدركه حواسنا .. وقد ساعدنا العبقري انشتاين على هذا ، وازاح منا الما وحزنا لا يطاق جلبه الينا البُعد.. انه قال لنا لا تحزنوا ولا تتألموا لبعد المسافات، فان هذا يعود الى قصر في حواسكم... يمكن ان تتواصلوا عن بُعد.. وان حبيبتك اذا كنت تراها طويلة او قصيرة فان حاسة النظر ترجمت لك هذا.. اذن لتبقى بعيدا عنها واستعمل وجدانك وروحك وضميرك في القياس.. ماذا يقولون لك؟.. ايقولوا انها قصيرة فهذا يكفي... ايقولوا طويلة فهذا يكفي.. ايقولوا جميلة المحيا... فهذا يكفي، وهكذا بقية احساساتك التخيلية.. فما اعظمك انشتاين علمتنا ان نحب ونشعر ونحس بالحب والعشق عن بعد.

انا احبك لانني اتخيلك في عقلي انك بهذه الصورة التي احببتك بها... والبارحة كنت معي قاسية لعدم ارسال الصورة الخادعة بسبب حواسنا القاصرة... كنت غبيا عندما طلبت صورتك بالملابس الملونة، اذ ان انشتاين افهمنا ان الالوان ما هي الا ذبذبات ترجمتها لنا عقولنا، انها ما اصطلحنا عليه انها لون كذا وكذا... فكم كنت غبيا انا... لان هذا هو السبب الذي دفع بك لان تهجريني على النت، ومن ثم تقفلي دون ان تودعيني على الرغم من انني ودعتك، الا ان كلمات التوديع التي كتبتها لك كانت اقفالك للنت ضربة قاصمة لها فلم ترسل اليك هكذا ببساطة... تركتيني اعيش الوجع والالم علما ان عالمنا هذا عبارة عن موجات وذبذبات لها اطوال معينة... انها اشياء مجردة تحسب بالمعادلات الرياضية كما حسبها انشتاين... فلا صورتك تنفع ولانقابك ولا سواد ملابسك... كل شيء هو معادلات رياضية ... اذن تبا لكل حواسي الخمسة، وسأعتمد على شعوري واحساساتي الباطنية وضميري على ان اتخيلك كما يعتمد الفنان على ذلك، خاصة فناني التكعيبيبة والسريالية والفن الحديث عندما لم يعتمدوا على حواسهم وانما على احساساتهم، فظهر اجمل فن واجمل لوحات تشكيلية... وها انا اترك الحواس واعتمد الاحساس لاراك في خيالي وتبا لصورتك التي جعلتك لا تودعيني ليلة امس.

فصورتك التي امامي الان ما هي الا نقاط من النور واخرى من الظلمة ترجمها عقلنا الى هذا الشكل الذي اسميناه صورة، والحقيقة لا توجد صورة انما انت عبارة عن نقاط ضوء ونقاط ظلمة، وعلى هذا الاساس سأتخيل لك مجموعة من نقاط الضوء ونقاط الظلمة لاراك اما بالملابس الملونة او بدون ملابس... وانت تعرفين ان هناك برامج اعدت للحاسوب تستطيع ان تعريك او تغير من ملابسك وهي مبذولة في الاسواق وفي متناول اليد... اذن الخاسر الوحيد في ذلك هو انت... وربما حبنا... فهل ترغبين في ان اعالج صورتك بهذا البرنامج ام تعودي الى رشدك وترسلين الصورة؟ لك الخيار.

فانت كبشر، وكانثى لست حقيقة مطلقة، وانما عبارة عن ملايين الحقائق المطلقة... لهذا لن اعتمد على حواسي في ادراكك وانما سأعتمد على احاسيسي واركب من مجموعة حقائقك المطلقة شبه حقيقة افتراضية اسميها رشا واصفها بانها حبيبتي وعشيقتي .

فانا لست كالاعمى الغبي الذي يريد ان يعرف طول وعرض وارتفاع قطعة من الثلج، الا انه لا يعرف انها تذوب بين يديه فاذا قاس الطول لا يتمكن من قياس العرض لانه ذاب قسم منه.. انا لا اقيس جمالك هكذا بحاسة اللمس وانما ساقيسه باحساسي وشعوري لاقول انك جميلة.
لا اقول وداعا... اقول الى اللقاء.

-------------

شات
3

تركت الطائرة البوينج 747المدرج... وها هي تحلق على ارتفاع عال... لقد غادرت الوطن الى وطن من احب.. هي تركتني بلا وداع، الا انها قالت ستقيدني.. وها انا اندفع بشوق الى ذلك القيد الجميل .

شعرت ان العالم الاخر الذي تركته خلفي سنعود اليه مرة اخرى انا وهي... كل افكاري معها... تاريخي اصبح تاريخ حبنا... وجغرافيتنا ستكون جغرافية واحدة... اما روحينا فقد اصبحا روحا واحدة منذ يوم عرفتها على النت، كان كل ما حولي ينطق برشا ، حتى الغيوم التي تلوح من زجاج نوافذ الطائرة، ترسم صورة شفافة لها وهي تبتسم لي.

اتصلت بها على النت قبل موعد اقلاع الطائرة، كنت اشعر بزعلها ،كانت في قلبي حرقة لا يزيلها الا كلماتها الرقيقة والحنونة والدافئة... لم اعرف انها حساسة جدا في هذه القضية، كانت رقيقة معي الا انها ترفض ان ارى شعر رأسها مثلا، ربما هو دلال بنات او انها كانت تعرف ان كل ممنوع مرغوب، فكانت تمتنع من ارسال ما اطلب كي اكرر طلبي اكثر من مرة... ارتضيت هذا الامر معها لان كلامها معي كان كالشهد، ثلج ينزل على قلبي في حر صيف مدينتي، اخبرتها انني قادم الى بلدها... فشعرت بتغير لهجتها... كان بلدها يبعد مئات الكيلو مترات عن بلدي .

سألتني برقة لسانها المعسول: لماذا تأتي حبيبي؟
اجبتها: لتشاركيني بقيدك.
اعرف انها قد فوجأت .
اخرجني صوت الكابتن من عالمي المزهر الوردي الجميل مع رشا... شدو الاحزمة سنكون على الارض بعد خمس دقائق... شعرت بتوتر الفرح، وانقباض في معدتي... رشا على بعد اقل من ساعة من المطار... ها انا قادم اليك يا رشا... جئت لتقيديني بقيدك الجميل.
ومن غرفة الفندق اتصلت بها على النت، اخبرتها بوصولي... و اني انتظر رد منها عن تمهيد الطريق لي عند عائلتها.

لم تقل شيئا، كتبت على النت العبارة التالية: اهلا حبيبي، واغلقت النت ربما فرحا.

ثم اعادت الاتصال مرة اخرى.
سألتني على النت وانا اقرأ في حروفها الراقصة فرحة العصافير : كيف اخبرهم حبيبي؟
قلت لها على النت: هذا عملك.... سأنتظر.
ثم تابعت القول متحمسا ومحمسا لها: لتكن ارادتك قوية ...اعلمي ان هذا اختيار صعب.

ورحت اكتب على النت: حبيبتي رشا... بيدك ستغيرين تاريخنا انا وانت... يجب ان تتحملين كل النتائج .

قرأت ما كتبته على النت وانا اشعر ان اصابعها تضغط على الحروف وهي ترتعش خوفا على حبنا: انا متأكدة ان قرار القبول والرفض غير تابع لي... الا انني سأتابع المحاولة حتى اغير فكر وقناعات عائلتي .

كنت اعرف انني وضعت على كاهلها الرقيق حمل ثقيل... وليس لي حيلة في ذلك... الا اني مطمئن انها ستنجح.

وانتظرت... اسبوع كامل دون ان اتصل بها او تتصل بي ... هكذا ارادت هي... قالت على النت:

: لحين اخبار عائلتي...
واكدت: اعطني فترة زمنية لذلك ...

حتى اتصلت بي قبل ربع ساعة على جهاز المحمول تحذرني من والدها.

كانت رقيقة حتى في تحذيرها لي... كانت رقة الالفاظ قد اشعرتني بالراحة والاطمئنان لا بالخوف... الا انني شعرت بموجة عارمة من القلق والخشية عليها... انتابتني مشاعر متضاده... ربما اساء لها والدها، ضربها، شتمها... اسمعها كلام لا تطيق روحها الرقيقة ان تسمعه، لن اغفر لنفسي في يوم ما اذا اساءها مكروه، او اذا احست انها قد اسيء لها بنظرة او كلمة او فعل ما من اهلها، كل الذي يأتيها هو ذنبي انا لانني وضعتها في موقف من لا يحسد عليه .

مرة كتبت على النت متسائلة، فيما كنت احس بكلماتها تحمل جرحها الخاص :كيف لي ان اتزوجك? كيف؟؟

كانت هذه (الكيف) طعنة خنجر في صدري.
اجبتها بحرقة محب: حبيبتي.
سألتها: صورة اخرى للذكرى.
اجابت: انت طماع.

وعندما الححت عليها تمنت ان ينقطع التيار الكهربائي في مدينتي، اذ انها تعودت على انقطاعه، فيعطل النت، قالت: الله يلعن الكهرباء.

قلت لها ضاحكا: انت تريدين ان اكون اكثر تعاسة.

قالت: دائما تطفأ الكهرباء عندكم فلماذا اليوم لا?

سألتها: اتتمنين موتي?
قالت: قل لهم ان يطفؤوها.
قلت: لا.
قالت: انا اقول لهم اطفؤا.
قلت ضاحكا: انهم رأفوا بي.
اعتذرت ثم تابعت كتابتها على النت: سؤال اخير.
اجبتها بحب : نعم.
سألت: هل سياتي اليوم الذي اقتسم انا وانت الفراش?
اجبتها: نسأل الله ذلك... وانا مثلك اتمنى.
دعت الله قائلة: اللهم اذا لم يكن لحبنا نصيب في الدنيافاجمع بيننافي الاخرة.
فرددت: اللهم اشهد.
قالت: وهذا الامل الذي سوف اعيش عليه.

وها انا انتظر والدها على احر من الجمر... كنت مهيئا لمواجهة حامية معه، وكنت قد قررت ان احقق لها امنيتها، ان اجتمع بها في الدنيا قبل الاخرة.

------------------
شات
4

أغَرَّكِ منِّي أن حبَّكِ قاتِلي
وَأَنَّكِ مهما تأْمري الْقلبَ يَفْعَلِ
امرؤ القيس
==============

كنت قد رأيت صورة والدها في احدى مجلاتهم المحلية، كان يكتب عمود ا صحفيا في المجلة .

وها هو يدخل من باب الفندق الزجاجي الكبير... هو نفسه كما في الصورة... كبيرة صلعة الرأس... اسمر اللون... كان يتوكأ على عصى خشبية خمنت انه لا يحتاج اليها ، فقد كان ظهره مستقيما في مشيته... ربما حملها للهيبة والوقار، كان في السادسة والخمسين من عمره، والشعر المتبقي على رأسه كان يحيط بصلعته من جوانبها الثلاث،فاصبحت كشبه الجزيرة العربية التي تقع بلده في نهايتها وقد اشتعل بياضا.

كنت قد تعرفت على رشا على النت... كان ذلك قبل شهر تقريبا ، في ايام عيد الفطر المبارك... كنت قد تركت برنامج الياهو شغالا وانا اكتب رواية جديد... ظهرت صفحة الشات فجأة... مع كتابة تقول :
-عيد سعيد ...
ثم قدمت نفسها بقولها : شذى من السعودية.

وبدأ الحديث على النت... وبدأت رحلة العذاب الجميل ... رحلة انتهت بي في بلدها وانا انتظر والدها ليسمح لها ان تقيدني بقيود الحب والعشق.

ها هو والدها يتحدث مع رجل الاستعلامات الذي اشار الى مكان جلوسي... استقبلته واقفا ، مبتسما ،مهيئا للمواجهة... الا ان ما اراحني هو وجهه الذي لا ينم عن اية سورة غضب كما حذرتني رشا، بل كانت هناك ابتسامة صغيرة على شفتيه ...وبعد السلام جلس.

لولا صلعته وسمرة وجهه وبعض التجاعيد المحفورة على خديه لظننت انه رشا بزي رجل... ملامح الوجه نفسها ... كانت عينا رشا بنيتا البؤبؤ، وكانت عينا والدها كذلك، وكان انفها صغيرا مستديرا بعض الشيء وكان انف والدها كذلك، اما فمه الباسم فكان فمها بالضبط،ولولا الشعر الابيض القصير للحيته لبان تكورحنكه كما هو حنك رشا .

بدأ الحديث معي مباشرة كأنه يعرفني من سابق ، سألني عن بلدي واحواله... عن الجو فيه فأكدت له قائلا: انه الصيف يا ابا رشا... ابتسم ... تابعت: الا ان جوكم يحمل رطوبة عالية ، اما جونا فجاف حار.

سألني بعد ان شرب قدح عصير البرتقال الذي قدمه له النادل : سمعت انك كاتب؟

كنت اود ان يقول لي انه سمع ذلك من ابنته رشا ،اجبته: نعم ... انا اكتب القصة والرواية .

كانت هي قد سألتني اول يوم اتصلت بي على النت عن هواياتي ، فأخبرتها بانني اديب.

كتبت متسائلة باندهاش على صفحة الشات لتتأكد :جد!!!
ثم سألتني: معك كتاب لك ؟
كتبت لها : ادخلي على المواقع التي انشر فيها بأسمي.
سألني ابو رشا: هل لك كتب منشورة؟
اومأت له برأسي، واشرت الى مجموعة من الكتب الموجودة على الطاولة التي نجلس عليها.

كنت قد احضرت بعض نسخ كتبي لاهديها الى بعض الادباء هنا ، وقد اخترت بعضها لاهديها له ، قلت له : ارجو ان تقبل هذه النسخ من بعض كتبي المنشورة هدية وعربون صداقة.

ورحت اكتب على صفحاتها الاول اهدائي له كصحفي يعرف مهنة القلم.

تذكرت ما قالته حبيبتي رشا مرة عندما كانت تخشى ان تستمر علاقتها معي لانني كاتب، وتخشى ان انشر المحادثات التي تجري بيننا، قالت لي:القلم سلاح.

رد ابو رشا مبتسما: هذا شرف عظيم. واخذ النسخ.

كنت ارتدي قميصا وبنطلونا اسودا اللون ، وسترة حمراء... واعرف ان ملابسي هذه ستجعلني اعيش في تنور ، الا ان جو قاعة استقبال الفندق جعلني اعيش في ربيع دائم .
كان هو يرتدي زي بلدهم الصيفي.

سألني بابتسامته المعهودة : متى وصلت؟
اجبته بصوت واضح: قبل اسبوع.
- اهلا وسهلا. رد مبتسما.
راح يقلب صفحات كتبي... وبعد ان انتهى من ذلك قال: انك كاتب متمرس ...احسدك على قلمك.
اذكر انها كتبت لي على النت تقول: كنت عايزة اطلب منك طلب.
قلت لها بكل شوق: اكلبي .
كتبت: اكتب قصة لي انا لاقراها انا وبس ... خاصة لي... لقلبي الذي حبك.
اجبتها: نعم سأفعل .
ثم اكدت قائلة : تكتبها لي انا وحدي اذا كنت انا فعلا حبك الاول... اسمها حبي الاول ... انها قصتي معك كما تراها.
كتبت القصة ... وها هي في جيبي سترتي الداخلي بالقرب من قلبي النابض بحبها، المتقد بعشقها ، المتشوق للارتباط بها.

شكرته ... كما شكرت رشا في اتصال جرى بيننا على النت بعد ان قرأت بعض كتبي.

كانت رشا فتاة رقيقة ... لسانها يقطر العسل بدل الكلمات فتروح اناملها الرقيقة تكتب على لوحة مفاتيح الحاسوب ارق الكلمات لي .

قالت لي على النت بعد ان قرأت بعض قصصي :خيالك واسع.
اجبتها : نعم... كل كاتب يجب ان يمتلك خيالا واسعا.
ردت بلهجتها: حلو كثير.
ثم قالت: سررت بمعرفتك.
سألتني: هل ممكن نتعرف اكثر؟
اجبتها: هذا شرف لي.
قالت بلهجة بلدها: بس انا اخاف من هذا.
سألتها: مِن مَن؟
ردت: عايزة علاقة عابرة.
سألتها: لماذا؟
ردت: صعب اتعلق بانسان.
قلت لها: اتركيها للظروف.

وها هي النتجة التي جاءت بها الظروف... احببنا بعضنا ... عشقنا بعضنا... تعلقنا ببعضنا، تركت الاهل والاصحاب وتبعتها.

شكرتها على اطرائها لي ولكتبي.

مرة ونحن على النت، سألتها عما تريده بالضبط، قالت: احب ان اكوّن علاقة حب معك.

ثم اكدت: بصراحة....انا اعجبت بشخصيتك.

----------------
شات
5

لنكنْ أصدقاءْ
في مَتاهاتٍ هذا الوجودِ الكئيبْ

نازك الاملائكة

============

أستأذن مني لدقائق، وقبل ان يغادر رن جهاز محمولي ايضا ... انتظرت حتى تركني... كانت المتصلة حبيبتي رشا... سألتني بصوت خفيض مرتعش عما حدث مع والدها، اخبرتها ان والدها انسان رائع ... ولا خوف منه... اننا نتحدث معا... وقد اهديته بعض كتبي ... واكدت لها قائلا: اطمأني.

واغلقنا الخط.

اذكر مرة كناعلى النت نتحاور في موضوع ما ، وكانت كلماتها الرقيقة ما زالت امام ناظري ... وقد حفظتها على الوورد ،
قالت: انا اريد الان ان اعرفك كانسان.
اجبتها: تفضلي اسألي.
قالت: ممكن صداقة؟
قلت: نعم ممكن.
سألت بلهجة بلدها المحكية:انت واثق فيني؟
اجبت: نعم.
قالت مندهشة:غريبة!!
قلت لها وانا اضحك في غرفتي امام جهاز الحاسوب : ما غريب الا الشيطان.
قالت: يعني ممكن بخليك تعتقد ان انا العب عليك؟او ان انا اعرفك من قبل؟
قلت لها: ممكن ... طالما كان ذلك على الشات ...هذا ممكن.
سألتني: ممكن ايه
اجبتها: تعرفيني من سابق.
عندها قالت لي: بجد... انا لم اعرفك من قبل.
قلت لها: المعرفة الانسانية مطلوبه بأي شكل كان.
قالت: شكلك اصلا مش لعبي.
اجبتها: انا صريح جدا
ردت كتابة على النت: اه.
سألتها: وانتِ؟
ردت: انتي وليس انت. (ظانة اني اخاطبها كرجل).
قلت لها: لغويا لا تكتب ياء الجر... فقط كسرة تحت التاء.
سألتني: ماهي مهنتك الاصلية؟

اكدت مع نفسي انها سألت هذا السؤال قبل الان...فلا احرجها بعدم الرد ، اجبتها: اديب.
ردت : اه.
ثم سألتني: تشتغل كاتب؟
اجبتها: نعم...ولي كتب منشورة باسمي الصريح.

بعد دقائق عاد ابو رشا مبتسما ، واكد لي انني اليوم ضيفه على الغداء في بيته ، هممت ان اعتذر، فاسرع قائلا والابتسامة ما زالت على شفتيه: ممنوع الاعتذار.

انا في السادسة والخمسين من عمري... حاصل على بكلوريوس اداب .... غير موظف ... اعمل بالتجارة... اكتب القصة والرواية .... غير متزوج... وعندما سألني ابو رشا عن سبب عدم زواجي، اجبته ضاحكا: ممكن ان تقول انني متزوج من الادب. فشاركني الضحك.

ثم قلت له: يقول الكاتب ابسن (الرجل القوي الرجل الوحيد).
رد بلا مبالاة: اه.
وضحكنا معا.

مرة قالت لي على النت: احس ان انت رقيق.
اجبتها: وانت اكثررقة.

ومرة اكدت لي كتابة على النت: خليها علاقة عابرة احسن.
سألتها: ما الذي يخيفك مني؟
كتبت: لا... بس انا انسانة عاطفية كثير ...واذا تعلقت بشخص اخاف افقده.
اجبتها: شعور رقيق.
تابعت على النت: وهذا صعب عليك وعليّ.

بعد صمت لاذ به الاب محاولا ان يستجمع افكاره – كما خمنت - سألني: اتعرف استاذ ... ان العمر له تأثير كبير على جسم الانسان وحيويته .

احسست ان كلماته انتصبت في فضاء الصالة البارد علامة استفهام كبيرة حاول ايصال معناها لي ، الا انني لم اعطه المجال لان ينتصر عليّ.

اجبته وانا اعرف ما يقصده بهذا القول: نعم ، فقد كبرت صلعتك ... واراك تتوكأ على العصا ... على الرغم من انني اظن انك لا تحتاج اليها... فما زلت محتفظا بحيويتك.

قال بصيغة الجمع : لقد كبرنا... وقد اثر فينا الزمن.

وانا افرش ابتسامة على شفتي حاولت ان تكون اكثر طراوة، قلت له: انت تتحدث عن نفسك ... انت متزوج ...وللعائلة وتربية الاطفال تأثير كبير.
: هذا صحيح ... الا...
قال مستسلما دون ان يكمل.

انحنى الى الامام وخاطبني بنبرة خفيضة مسالمة الا انني شعرت بها بحد السكين : انك بعمري... ورشا في الرابعة والعشرين من عمرها... الا تجد فارق العمر؟

قلت له: الاعمار بيد الله.
امن على قولي ، وعاد الصمت بيننا من جديد.

عندما عرفت رشا تاريخ ميلادي من الموقع الذي انشر فيه، قالت لي انك بعمر والدي ، الا انها تابعت القول:
- تصدقني... او لا؟
اجبتها: نعم اصدقك.
قالت: انا حبيت حبك ... حبيت كلماتك ...فكرك ... عقلك.
قلت: لقد نفد صبرك مع من كان بعمر والدك ؟
تساءلت: انا ؟؟؟ّّّ!!! لماذا تقول هذا ؟
قلت: هذا قولك.
قالت: ولكن لماذا تقول نفد صبري؟؟ هل انا اسئت لك؟
قلت: لا ... انا لا ابحث عن اساءة عند الغير... فكيف ابحث عنها عندك؟
قالت: انااوضح لك سبب حبي.
قلت: نعم.
قالت: اي انه لم يتغير باسمك او عمرك.
ثم قالت: بس انت طفلي المدلل.

كسر الصمت البارد برودة الصالة عندما سألني: هل ترغب برؤية عاصمة بلدنا ؟
اجبته : بالتاكيد... هذا فضل منك.

------------------------
شات
6

وورثنا عن آدم أن نخطئ
كي نَخرُجَ من ثغر الجنةِ بالتفاحْ
وورثنا عن حواء الدمعة
وغرسَ الأرضِ بأثمار الذرّيّةْ

ساجدة الموسوي

==================

الشمس حامية ... والرطوبة عالية النسبة وبالكاد استطيع ان احصل على الاوكسجين ... كان وجهي قد لفحته حرارة الجو عندما خرجت من باب الفندق الزجاحي ... لا اقصد اني غير متعود على حرارة جو مثل هذا، الا ان الحرارة والرطوبة هما اللذان صدما وجهي فبدأت صفحته تنز عرقا استطعت ان اتخلص منه في سيارة ابي رشا بعد ان فتح جهاز التكييف.

كانت السيارة تسير بنا في شوارع العاصمة ... وبالتاكيد كان هو يريني اجمل مناطق عاصمتهم ... رحت انظر الى الصف الجانبي لاشجار الشارع والى المحال... كانت المحلات فيه راقية ... بديكوراتها وواجهاتها الزجاجية وبضائعها ، وايضا بروادها.

كان رواد المحلات رجالا ونساء ، الا ان ما ادهشني هو كثرة النساء المنقبات المكتسيات سوادا .

سألتها مرة : هل انت منقبه ام محجبه؟
ردت: منقبة.
وتابعت سؤالي : وهل تظنين ان النقاب يمنع الوقوع في الرذيلة؟
قالت: يقلل منها...
ثم تابعت قولها: الرذيلة موجودة في كل الحالات.
قلت لها: اذن نصل الى نتيجة ان النقاب لا فائدة منه.
سألتني: كيف؟ النقاب امر شرعي مش للرذيلة فقط ... هو للستر.

سألتها وانا احفظ الاية القرانية التي ستذكرها: اتذكرين لي اية قرآنية عن النقاب؟

اجابت: وليدلين عليهن بجلابيبهن...سورة المائدة.
صححت لها الاية : يدنين عليهن من جلابيبهن ... سورة الاحزاب.
قالت: اه ... انا اسفة.
وتابعت لاكملها : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ) .

قلت : ان الهدف الرئيس هو المعرفة ... أي لنعرف الحرة من الامة.
ردت : اه.

ثم قالت بلهجتها المحكية: شوف انا معك...ان النقاب عليه خلاف.

قلت: وثانيا، هو تغطية الجبهة والرقبة فقط... اما من يريد ان يزيد على ذلك فهذا خروج عن الشرع وفيه تعسف.

وها انا انظر الى نساء بلدها من خلف زجاج السيارة، كتل سوداء تتحرك ، لا مشاعر... لا احاسيس... ولا حتى ابتسامة صغيرة لطفلها الذي يسير الى جنبها... اشفقت عليهن، ليس لارتدائهن النقاب فحسب، وانما للجو الحار والرطب الذي يحرق المدينة... انها الان كالتنور .

كانت صورتها بالنقاب قد مزجها خيالي بالنساء المنقبات اللاتي اراهن من خلل زجاج السيارة ... تساءلت مع نفسي وانا اضحك في سري : هل يأتي يوم وارى نفسي اسير واتحدث واضحك مع رشا المنقبة؟

كادت الضحكة تفلت من بين شفتي ، الا ان سؤال ابو رشا اخرجني من تخيلاتي المضحكة.

سألني وهو يقود السيارة ببطئ: كيف ترى عاصمتنا؟
اجبته ضاحكا متهكما:عاصمة النساء المنقبات والملابس السود!!
ضحكنا سوية.

اعرف ان لكل بلد عربي مسلم خصوصياته ،ولكل مذهب ايضا تفسيراته، الا ان القران الكريم والسنة النبوية صريحان بذلك ، ذكرت هذا لابي رشا فوافق على قولي.

اول مرة طلبت منها صورة لها، امتنعت من ارسالها... وبعد ممانعة اكثر من يوم كتبت لي على النت : ممكن اوريك صورتي ؟

طرت فرحا: نعم.
قالت: هذه انا،بس لا تنسخها.
وصلت الصورة المفاجأة.
ضحكت وانا جالس امام النت .
كتبت مندهشا: ماذا ارى؟؟ّّ لا شيء سوى النقاب... هذا غير معقول!!
ردت: هذا كل ما امكن ان اريه اياك.
قلت لها: لا... لا تمنيني بالماء فأرى السراب.
كانت صورتها بالملابس السود الطويلة ، وعلى وجهها النقاب لا ترى منه سوى العينين بالكاد، اما كفوف يديها فقد اخفاهما ردني الرداء الاسود ولم تبان سوى الانامل الرقيقة المحلات بالمحابس الذهبية.

كان جسمها في هذا السواد غير مكتنز ، واناملها رقيقة جدا... قلت مع نفسي هذا جسم لدن، وانا احب جمال هذه الاجسام.

كتبت لها على النت : يقول توفيق الحكيم في زهرة العمر (لا شيء اجمل من جسد امراة).

طلبت مني ان اضعها هي في القلب.
كانت كلماتها تحمل رقة اناملها ، كتبت: الان خليني في قلبك.
وكان مكانها القلب قبل وصول الصورة.

خرجت بنا السيارة الى اطراف المدينة.

كسر الصمت داخلها صوت حركة عجلاتها على حصى الشارع ... كان الطريق غير معبد ... انه طريق يفضي الى خارج المدينة ... و كانت الجبال تلوح عن بعد بمدرجاتها الخضراء تحت شمس حامية.

رأيت عن بعد مداخن عالية تبث دخانها الرصاصي في هواء العاصمة الحار... سألته عنها ، اخبرني انها مداخن محطة توليد الطاقة الكهربائية ، عندها سألته: وهل ينقطع عندكم التيار الكهربائي؟ اجابني : نادرا.

تذكرت الكهرباء في بلدي، قلت له :الكهرباء في بلدي ميؤوس منها، فهي نادرا ما تأتي.

ثم تابعت ضاحكا: النادر عندكم عكس النادر عندنا.

شاركني الضحك.

مرة وجدت على الشات علامات استفهام منها: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ثم كلمة: يا عمري تسمعني؟

وعندما فتحت النت ، قالت على النت: اخيرا لقيتك حبيبي وين رحت؟

اجبتها واللهفة تتقطر من اصابعي التي تضرب حروف لوحة مفاتيح الحاسوب: انا عدت حبيبتي.

قالت: شكرا لك عمري... وين رحت؟
اجبت: لعن الله الكهرباء في بلدي التي تبعدني عنك.
قالت متسائلة: جد؟
قلت لها: وهل تشكين في حبي وعشقي لك.؟
قالت: لا والله.

هكذا كانت الكهرباء وانقطاعها تبعدني عن حبيبتي ... فيا تعس المحبين... ويا ظلم الكهرباء.

بعد اكثر من ربع ساعة دخلت السيارة طريقا معبدا ، ثم اقتربت من حي كانت بيوته حديثة البناء ... ودخلنا مرة اخرى المدينة ... رحنا نتجول بالسيارة في احياء العاصمة، كنت انظر من زجاج السيارة الى حركة الناس على الرصيف،وكانت الاحياء التي تعمد ان يمر بها هي احياء الطبقة الغنية ،كانت الشوارع الخالية من المارة، نظيفة، والبيوت فاخرة اوربية الطراز ، عندها طلبت منه ان نرى قاع المدينة.

سألني مندهشا: ماذا؟

ابتسمت ، قلت له: هذا تعبير استخدمه القاص يوسف ادريس يريد به احياء ابناء البلد الفقراء.

قال: في المرة القادمة سنزورها.

عندها ايقنت ان طلبي مجاب.

---------------------

شات

7

فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا

أ َلا أنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ

زهير بن ابي سلمى

================

وصلنا الى بيته.... اقصد بيت من جاءت بي من بلدي الى هذا البلد ... بيت من احب ومن سأتزوج بها ، بلد مقيدتي... البلد الذي كان فيه النت يتصل بالنت في بيتي.

ونحن في طريقنا الى البيت ، اخذنا الحديث عن عوائلنا ... قلت له: كلمني عن نفسك، عن عائلتك.
سألني: الم تعرف شيئا عنهم؟

ربما عرف ان ابنته رشا قد اعلمتني بذلك.

اجبته: لا.

وراح يكلمني عنهم.
سألتها مرة: كم هم افراد عائلتك؟
اجابت: ابي وامي و 4 اولاد و4 بنات .
قلت لها: الله يحفظهم.

كان قد اوقف سيارته امام دار ذي طابقين ... تتقدمه حديقة صغيرة... نزل من السيارة وطلب مني ان انزل ... ترجلت من السيارة بقلب تصاعدت فيه نبضاته ، و بدأ الجسد يختض من حرقة الاشواق التي يحملها لرشا المحبوبة المعشوقة وليس من حرارة ورطوبة الجو... كنت قاب قوسين او ادنى منها .

شعرت ان الدم في عروقي قد نزل الى اخمص قدميّ ... اخذ قلبي يرتجف ... قربت المسافات ... زادت ضرباته... بدأت قدماي لا يقويان على حمل ثقل جسدي الذي احسست به ينهار... ها انا اقف امام باب دار حبيبتي... وحتما انها تسترق النظر من احد شبابيك الدار الى حبيبها ... انها المرة الاولى التي تراني فيها ولا اعرف رد فعلها ... يا للهول كما كان يردد الممثل يوسف وهبي.

مرة كتبت لي: لا يهمني شكلك... اهم شي فكرك.
ومرة سألتني على النت: بعدين ليش انت شاغل نفسك بي؟

اجبت: لا استطع الاجابة على هذا السؤال...
وتابعت قولي: اسألي نفسك؟

الا اني ادركت فكتبت على الشات: ربما انت عنيدة.

قالت: انا عنيدة سبب يجعلك تشغل وقتك بي؟
قلت لها: نعم.
ردت بعذوبة: حلو...
ثم قالت: امرك مهم اكثر من اشياء اخرى...
ثم تساءلت: قصة جديدة؟!
اجبتها: صدقيني كلا ... وقد شرحت لك ذلك.

ثم تابعت الكتابة لها على النت: اتعرفين ان احد الاسباب كونك سعودية.
اجابت: اه.

وبقيت لايام اعتقد انها من السعودية... فقد كان اول ما ذكرته لي هو انها شذى من السعودية... ثم جاءت صورتها المنقبة فزادت درجة يقيني بذلك ، الا اني لم ارسو نهائيا على قرار عن بلدها ، لهذا ارسلت لها رسالة على الوورد فيها الشك اكثر من اليقين، وطالبتها ان تجيب عن الاسئلة التي حوتها هذه الرسالة بكل امانة وصدق .

الى شذى غاليتي وحبيبتي
تحية حب وعشق وهيام

عزيزتي:
اكتب هذه الرسالة بعد ان تركتي طيفك العزيز في تفكيري وتركتيني اهيم بلا هدف.... فانا لم ارك في الواقع.... ولم اسمع صوتك.... الا انني وثقت بما قرأته مما كتبتيه لي ... وهذا كاف.

عزيزتي:

تحدثنا كثيرا عن حياتنا اولا، وعن تعلق قلبينا، وانتِ كنتِ معي في بداية الامر مدعية– وارجو ان تسمحي لي ان استخدم هذه اللفظة معك – اذ بعد جهد جهيد وقول نشّف الدماء من جسمي ، ذكرتي قول اخر.

اول مرة قدمتي نفسك على انك فتاة سعودية، ثم ذكرتي انكِ من (...) فأي القولين اعتمد؟

اذا كنت هكذا متقلبة في ذكر الحقائق فكيف تريدينني ان اثق بعواطفك اتجاهي ، بحبك لي و بقولك أي شيء؟وقبل كل شيء اقدم نفسي لك:

1- انا احمد ، وهو اسم الى حين.
2- انا كاتب لي كتب منشورة و غير منشورة.
3- عازب، لانني اريد ان انطلق في الحياة.
4- لم احب بصدق سواكِ، والسبب لانني لا اريد ان تدفعني الفتاة التي احبها للزواج بها فافقد حريتي.

عزيزتي وحبي:

انا اعرف ان اسمك غير شذى لكنني ساناديك به ،فيا شذى قولي الصراحة رجاء،اجيبي على اسألتي بكل صراحة وثقي بي:

: اسمك؟ ممكن ان تذكري لي ان هذا الاسم غير اسمك وانا افهم ظروفك.
: عمرك، وهذا لا يمكن الكذب فيه ولا يهمني عمرك بقدر ما تهمني صراحتك. :تحصيلك الدراسي. ولا يهمني ان كنت حاصلة على الدكتوراه او الابتدائي الا ان اهم شيء هو الصدق.
: من أي بلد انت؟ واريد الصراحة.
: هل انت تثقي بي مئة بالمئة ام لا؟ اريد الصراحة.
: هل انك احببتيني حقيقة ام فقط على الشات ، أي كلام فقط؟ اريد الصراحة.
: هل احاسيسك وشعورك الطيبين نحوي وكلمات الحب هي حقيقية ام مزيفة؟

اسئلة كثيرة انتظر منك اجابات صريحة عنها وليس ادعاءات غير صريحة وغير صادقة، ثقي انني احببتك من بعيد ولا يهمني شكلك ولونك وعمرك وحالتك الاجتماعية ونسبك، المهم الحب المتبادل عن بعد. اريد اجابة صريحة.

اسمحي لي ان اقبلك... اسمحي لي ان احضنك.... اسمحي لي ان اترك يداي تتحدثان مع جسمك... اسمحي لي ان اعيش معك ساعات جميلة ، لننس هموم الدنيا... لننس همومنا... لنجعل من حبنا جناحين نطير بهما....لنترك العصافير وطيور الحب تزقزق حوالينا، دعي الشمس واشعتها تكون فرحة بحبنا وبلقائنا ، دعي الله يشهد اننا صادقين في حبنا.

شذى وشذاك اشمه الان...قولي لي ما خبأه قلبك من مشاعر الحب والعشق والهيام.

شذى ارسل لك هذه الرسالة وانا مفتون بحبك، فافتحي قلبك لي بالحب.

قبلاتي الحارة .... الحارة.... الحارة.

حبيبك

***

ردت على النت بعد ان قرأتها مباشرة: انا وعدتك ان اكون اصدق انسانة لك اليوم حبيبي.

: انا رشا من (وذكرت اسم دولتها) 24 سنة ،بس حبيتك ، فعلا لان انت علمتني كيف اعشق.

ثم تساءلت: اتزعل من صراحتي؟
قلت لها: لا.
اكملت: انا فعلا كذبت من البداية ... لان انا خايفة على نفسي... بس في الاخير قلت لك رشا لان انا حبيتك... والله العظيم حبيتك... انا واثقة فيك ... يهمني انا فعلا ان حبيتك.

وبعد وقت طال بزمن الحب قالت: الكذبه الاولى شذى ...الان بعد ما اعلنت صدقي لك فأنا رشا.
اجبتها من كل قلبي: انت صادقة والله.
سألتني: ان انت مستعد تتزوجني في الواقع واعتقد ان انت فعلا حبيتني... بانوثتى... ورقتي.
اجبتها محبا هائما عاشقا: نعم.
ثم كتبت لها على النت: الخلاصة بالنسبة لي هي:انت حبيبتي... انت عشيقتي.
سألت: رشا ام شذى؟
اجبتها والعشق يتلبسني:نعم رشا.
سألتني وانا اقرأ حروف كلماتها المتلهفة: من انا ؟
اجبت: رشا حبيبتي.
ثم قالت: اعد علي.

رحت اردد كتابة: انت رشا حبيبتي ...انت رشا عشيقتي.

طالت هذه المحادثة الكتابية من الساعة السادسة مساء الى الساعة الرابعة والنصف من صباح اليوم الثاني ... كان الجو حارا خارج غرفتي المكيفة ... الا ان قلبينا وروحينا كانا على النت ... وها انا امام باب دارها انتظر السماح لي بالدخول بعد ان جاء بي والدها لتناول طعام الغداء في بيتهم.

-----------------------
شات

8

حتى فساتيني التي أهملتها
فرحت به .. رقصت على قدميه

نزار قباني

================

كانت غرفة الاستقبال التي ادخلني اليها مفروشة بوسائد للجلوس على الارض ...وهناك على الجدار المقابل للباب صورة كبيرة له تصدم الداخل بصلعتها الكبيرة الواسعة ، وبالشعر الخفيف الابيض.

ادخلني الغرفة وخرج... وبعد لحظات عاد يحمل ترمز الماء المبرد وقدحين ... صب لي الماء ... وخرج.

كانت الغرفة -على الرغم من بساطة اثاثها - تنم عن ذوق من رتبها، وخمنت ان الذي قام بترتيب الاثاث هي حبيبتي رشا... كانت تنتظرني في بيتها ... وحتما انها الان تعد شيئا اشربه او اكله... وسحت بخيالي معها الى حبنا.

ندت مني اهة طويلة لم استطع كتمها.

لا اعرف ان كانت هذه الاهة قد سمعتها حقيقة ام انها مطبوعة من ذكريات ايام النت ؟ وانا اجلس في غرفة استقبال بيتهم ، وهي لا تبعد عني سوى امتار؟

كنا – انا ورشا - كثيرا التأوه والتأسف على حبنا الذي نشأ على الاوراق الافتراضية ... كان حبا تنقله الذبذبات ... لم يكن حبا حسيا ... واقعيا ... حقيقيا... انه حب على النت، الا انه الان سيتحقق ... سيزهر حب النت... ستظهر له اوراقا خضرحقيقية ،وازهارا حقيقية ... سيصبح جنة، تلمس وترى وتشم وتسمع فيها زغاريد العصافير والبلابل ...سيثمر ذاك الحب.

قطع رحلتي الجميلة والدها ليقدم لي قدحا من عصير الفواكه... كنت انا هائما مع رشا في جنة خضراء مزهرة والعصافير والبلابل وانواع طيور الحب الملونة ترفرف فوق رأسينا ، فيما صوت خرير الماء يمتزج مع تغريد وزقزقة تلك الطيور، حتى اخرجني صوته:

:تفضل.

و تناولت قدح العصير الذي حضرته – حتما – حبيبتي رشا... شاكرا.

وخرج مرة اخرى.

مرة سألتها ان تصف لي وجهها كأني اراه، قالت:

: شعري طويل نوعا ما... صبغتة بني...اذناي متوسطة الحجم...عيناي بنية اللون...انفي نوعا ما مستدير...فمي صغير... بيضاء البشرة.

ثم قالت: الا يكفي ذلك.

وانا اضيف على وصفها هذا مما رأيته في صورتها المتشحة بالسواد ... ان اناملها انامل فنان موسيقي ... تعرف جيدا كيف تتعامل بحنان ورقة مع ريشة العزف على اوتار العود بكل فن وحرفية ، فتتصاعد منها اصواتا تجعلني اطير في سماوات حبها وعشقها.

مرة وصفت حبها لي...قالت :

: حب خلني اليوم اسعد انسانة لاني لقيتك بعد غياب طويل .

رددت مع نفسي وكتابة على الشات: الله ما احلى وارق كلماتك .

ردت: كلها من القلب الى حبيب القلب.

ثم سألتني: واسأل قلبك؟

ولتبرهن على حبها قالت: والدليل ان غيابك جنني.

كان النت قد تعطل لثلاثة ايام ، وكانت رشا تحاول الاتصال بي ,الا انها فشلت في ذلك.

كانت الاعطال في النت كلها من طرفي، خاصة التي تحدث بسبب انقطاع التيار الكهربائي الدائم ، وكذلك اعطال المنظومة ... كنت انا ابقى على صفيح ساخن حتى يتم الاتصال بيني وبينها ... وهي كانت تنقل لي شعورها في تلك الاوقات ، اوقات انقطاع الاتصال .

كتبت على النت وكانت تظن اني تركتها لسبب ما: اين رحت؟
وتابعت الكتابة: حبيبي...
: شوف انت تتركني...
: الله يسامحك...
: ارحمني...
: رد علي...
: قلبي يسال عليك...
: لا تقسو علي...
: لن استطيع انام دون ما تقول تصبحي على خير...
: وتقبلني...
: انا حزينة...
: بس بحبك...
: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
: انا حبيبتك...
: منتظرتك...
: هل تقسو علي...
: وتخليني انتظر...
: اين انت؟
: حبيبي...
: جاوبني...
: لم استطع النوم...
: جالسة افكر فيك...
: اذا تسمح لي اقول لك حبيتك...
: وهل تتذكر وعدك...
: رد علي...
: الم تعدني...
: ان تغنيني عن الكل...
: حبيبي...
: حرام عليك ارحمني.
: وانا وعدتك اكون اليوم صادقة معك ...
: 100 بالمئة...
: الى متى هذا الصد عني...
: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
: هل انت فعلا حبيتني؟
: ام كنت تتسلى بي؟
: جاوبني...
: انا تعبت...
: احلفك بربك تلقني ولو لحظة.

وعند ظهر اليوم الثاني عاد التيار الكهربائي ، فاشتغل النت ، فاتصلت بها و قرأت ما كتبته لي ليلة البارحة عند انقطاع النت .
قلت لها : صباح الخير يا حبي.
ردت: صباح الحب... والعشق.
قلت معتذرا: حبيبتي اسف لعطل النت... هذه اللحظة تم تصليحه وفرحت جدا.
تساءلت: جد... جننتني عليك.
ثم تابعت: تسمح لي ان اقول لك... اني اغرمت بك...
ثم اكدت: جد ...
وتابعت القول: شفت كم ... سألت عليك... كنت ادخل ... وارن لك ... كل لحظة ... عسى ولعل ترد .
اجبتها: انا اسف.




* داود سلمان الشويلي - الحب في زمن النت (مجنون رشا) الأجزاء 1الى8
التفاعلات: 2 أشخاص

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...