قصة ايروتيكة زينب حفني - امرأة على فوهة البركان

وقفت المرأة أمام المرآة، نظرت بحسرة إلى معالم جسدها، وقع بصرها على حلمتي ثدييها، لاحظت انتصابتهما، لوت شفتيها، أدارت رأسها ناحية زوجها، كان يغطُّ في النوم، رشقته بقرف، صوت شخيره ضاعف نفورها، أشاحت بوجهها عنه، حشرت ثدييها في حمالة صدرها، أكملت ارتداء ملابسها، سحبت عباءتها من المشجب، دلفت إلى غرفة الجلوس، رمت عجيزتها على الأريكة، ألقت بصرها على التلفاز، أخذت تُقلب قنواته بالريموت كنترول وهي شاردة بذهنها بعيداً عن مشاهده، رن جرس الهاتف، أعادها لأرض واقعها، هرعت بلهفة نحوه، تحدثت بصوت منخفض، ارتسمت الفرحة على معالم وجهها، شيء من الارتياح تسرّب لدواخلها المضطربة بعض الشيء، ارتدت عباءتها على عجل، صوت زوجها القادم من مخدع النوم اخترق سياج غبطتها، اتجهت صوب الغرفة، سألته بجفاء ( ماذا تريد؟! ).

سألها بنبرة ناعسة ( أين ذاهبة ؟!).
( لشراء بعض الأغراض قبل حلول المساء، وسأمر في رجوعي على مروة صديقتي ) .
رمقها بطرف عينه ، قائلاً بنبرة معاتبة ( لم تعودي تحبينني ) .
أجابته بتأفف ( عدنا إلى الموشح نفسه. لندع العتاب جانباً ) .

أولته ظهرها متابعة القول بنبرة هازئة ( إذا رغبت في شيء ستجد الخادمة. هي دوماً رهن إشارتك ) .

شعرتْ بالاختناق من أجواء البيت الكئيبة، هرولت إلى الخارج، دلفت إلى داخل السيارة، طلبت من السائق أن يذهب بها إلى الكورنيش، جلست على واحدة من الصخور الكبيرة، المستلقية بوداعة على شاطئ البحر، لفحت النسمات وجهها، انحسر الوشاح عن رأسها، تطاير شعرها الأسود الفاحم، لامس بحنو صدغيها، هدير أمواج البحر حرّك مجرى ذكرياتها، دفعها ناحية شط ماضيها، انخرطت في البكاء، لاحت لها صورة زوجها، وأحداث تلك الليلة القاتمة، لم تكن قد أكملت عاماً على زواجها، أخبرته أنها مضطرة للمبيت عند أهلها بمكة، عدلت عن رأيها بعدما تشاجرت مع أختها الصغرى، أصرّت ليلتها العودة إلى جدة، ما إن أدارت المفتاح في باب الشقة ودلفت إلى الصالة حتى سمعت فحيحاً، يصدر من غرفة نومها، انقبض صدرها، مشت على أطراف أصابعها، شعرت بالأرض تدور بها وعيناها تقعان على زوجها وفي أحضانه ترقد خادمتها الآسيوية على سريرها. أصابها الوجوم، قام يجري كالفأر المذعور، قدّم بعدها اعتذارات وتبريرات واهية، طالباً الصفح والغفران، وعدها أنه لن يعود لمثل هذا التصرف مرة أخرى، لمحته في مرات لاحقة وهو يداعب خادمتها الجديدة، يضربها على مؤخرتها بشهوة مكشوفة، وهي تتمايل أمامه بأنوثة مفضوحة .توالت الحوادث، تكرر الأسف، أصابها تبلّد حسي تجاهه، برود غريب تسرب لأعماقها كلما حاول لمسها أو ممارسة الجنس معها، تكوّن بداخلها شعور مفرط لم تستطع كبحه، إنه بؤرة نتنة، ماء ملوث يصب في أي مجرى مهما كان منبعه .

أفاقت من شرودها على أبواق السيارات المتزاحمة في الطريق، إحدى السيارات لمح أصحابها الجسد المكوّم على الصخرة، تعالت أصواتهم بكلمات غزل جريئة، اضطربت، أعادت الوشاح على رأسها، تجاهلتهم، عندما يئسوا من المحاولة ابتعدوا .الأغاني المنبعثة من أجهزة التسجيل اختلط بعضها مع بعض، صوت محمد عبده وأغنيته (أرفض المسافة) تداخل مع صوت عمرو دياب وأغنيته

( ويلوموني ) مع صوت أم كلثوم وأغنيتها ( هجرتك ) تعبت أعصابها من هذا الضجيج، الذي لم يحترم خلوتها. دفنت رأسها بين ركبتيها، غاصت في بحر أحزانها، نجحت أمواج البحر المتلاطمة في إعادة السكينة لنفسها التائهة، التي كلّت من البحث عن مأوى آمن .

أقفلت عائدة، تذكرت المغامرة التي تنتظرها في الغد. منذ أيام وهي خارجة من السوبر ماركت، رمى لها رجل ورقة بها رقم هاتفه، راقت لها هيئته، جسارة نظراته، تجرأت ودست الورقة في حقيبة يدها، لم تعرف عنه سوى القليل، مجرد مكالمات خاطفة عبر الهاتف :(( يقولون في العلاقات العابرة لا تهم الظروف المحيطة بالشخص، المطلوب فقط أن يكون قادراً على تأدية الاحتياج المطلوب ). ابتسمت لنفسها، مرددة عبارة خدّرت أعصابها ( غداً سأدخل جنتي الموعودة التي رسمتها في خيالي، وليذهب الجميع إلى الجحيم ) قامت صباح اليوم التالي مضطربة بعض الشيء ، أعادت تصفيف شعرها عدة مرات، الساعة دقت العاشرة، لم تزل هناك ساعة على الموعد المضروب، اختارت هذا التوقيت لتضمن وجود زوجها في العمل، رن جرس الهاتف، ردت بلهفة (سأنزل بعد نصف ساعة. نعم أعرف العنوان. لا سأفهم السائق أنه مسكن صديقتي الجديد. مع السلامة ). أقفلت الخط، عادت بسرعة لغرفتها لتكمل هندامها .

توقفت السيارة عند باب العمارة، تلفتت يمنة ويسرة، طلبت من السائق الانتظار، فتحت باب المصعد، ضغطت على زر الطابق الذي تريده بعصبية، توقف بها عند الطابق الثالث، قالت لنفسها ( لا. الشقة في الدور الرابع . سأكمل على قدميَّ ). صوت حذائها كالسوط يلهب فؤادها، أحست كأن أزمة قلبية أطاحت بشجاعتها،وستؤدي إلى مقتلها. وقفت أمام الشقة، رقم عشرة تراقص أمام عينيها، توهمت أن شللاً أصاب ذراعها، قواها خذلتها، لم تستطع الضغط على زر الجرس، سمعت جلبة وضوضاء بالدور العلوي، ارتبكت، أسدلت الوشاح على وجهها، ضغطت على الزر بشدة، لاح لها الرجل مبتسماً من خلف الباب الموارب، سحبها من ذراعها، العرق بدأ يتصبب من مسامات جلدها، طافت بعينيها في هيئته، وطاف هو بعينيه في مفاتنها، كان مرتدياً جلباباً مفتوحاً عند أعلى صدره، نظراتها تسمّرت في شعيرات صدره النافر، رائحة عطره الرجولي غطّى على عبق عطرها، كل شيء يشير إلى عمق فحولته الفتية، اقترب برفق منها، حاول إزاحة عباءتها عنها، تمسّكت بها، سألها بنبرة رخيمة ( هل أنت خائفة؟؟). لم تجبه، كل آلام الماضي التحمت مناظرها في مشهد واحد في ذهنها، صوت مجلجل اخترق ذبذبات عقلها قائلاً لها ( ما زلت عند بر الأمان. السفينة لم تقلع بعد ). اقترب منها أكثر، أنفاسه لمست صفحة وجهها، استجمعت قوتها، دفعته عنها، اتجهت صوب الباب، خرجت متعثرة في عباءتها، قفزت فوق درجات السلم، نيران من الاحتجاج اندلعت فيها، طلقات من الندم اخترقت ضميرها، ركبت سيارتها، أمرت السائق بالتحرّك مرددة في عناد ( لا، لن يكون الثمن عمري) .



.

L’Odalisque“ La Fille du Sud”
Hans Zatzka
(1859 – 1949, Austrian)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...