رسائل الأدباء رسالة من عبدالله البردُّوني الى محمد عبدالولي

١٦ رمضان١٣٨١ه‍ الموافق (الأربعاء 21فبراير1962)

بسم الله
صنعاء

الأخ الكريم محمد أحمد عبد الولي؛ لا عدمته؛ تحية ومحبة؛
وافتني رسالتك الكريمة وأنا في غمار الأفكار المتصادمة، وفي زحمة المشاغل النفسية لأن أشباح المٱسي تثب من هنا وتكر من هناك، والشيطان يقهقه على جثث السنا وجنائز العطر، والدخان النتن يتصاعد كتثاؤب الجرائم، والليل يتمطى على رفات المٱتم كما يتمطى المخمور النعسان، وايماءة الفجر تجرب أصابعها من وراء النجوم الخابية كما يجرب الطائر الصغير جناحيه،وبريق الصباح الواعد يطل على الربوات ويختفي كنظرات الرقيب، والغيوم المحزمة بالأفاعي بين التماسك والإنهيار كأنهن سوابح في لج هائج مسحور، في هذا المضطرب من حالة النفس، والصور المتعاقبة تعاقب الموج على الشاطئ وافتني رسالتك فشعرت إني ألاقيك ولم ألاقك، وإني أصافحك من وراء الأبعاد وأشافهك من وراء النوى، وكانت حروف الرسالة تجسدك فتتراءى في كل سطر وشعاع فكرك يسبقك كما تسبق أشعة الفجر مهرجان الضحى أو كما بسبق العبير أغصان الرياحين..
صديقي حدثتني عني حديثا طويلا شهيا كأنك تعبر لي عن سابق عهد بيننا، ونحن على عهد ولم نتعاهد لأننا في انتظار موعد ولم نضرب ذلك الموعد فنحن إخوة غذتنا أمومة العروبة وأبوة المهد اليمني،وتقول قد أتساءل عنك، وكيف يتساءل من عنده الجواب، وما دمنا زملاء الطريق، فنحن السؤال ونحن الجواب، لأنه وحدنا درب وقيدنا سير مطر وتطل من ورائه الغاية الحبيبة إطلالة الفاتنة على الأعزب..
لا تنكر علي لغة الشعر هنا وترى إن الرسائل الاخوانية عفو خاطر، فهذا حديث الوجدان، وليس حديث الوجدان إلأشعر، وليس لي أن أفوه إلا بلغة الشعر لأنه أصبح من قطرات دمي ولهثات أنفاسي فعلي أن ألملم أسراب الخيال المتنافر على صورة الواقع، وليس هناك فرق بين خيال وواقع.. فالخيال هو الجناح إلى ٱفاق الواقع المجهولة وإلى حنايا الدنيا الخفية.. وقد كانت رسالتك مصدر إلهام أنطق صمتي واستنبت في خاطري فنونا من الحديث، ولكنني مضطر إلى كبح جماح الخيال وحجز القلم عن وجهه على رحابة الميدان وحلاوة الحوار بيني وبينك.
صديقي حدثتني عن ديواني "من ارض بلقيس" وعن الذين كتبوا حوله تقريضا أو دراسة أو نقدا،وإني أشكرهم جميعا وارد تحيتهم بأحسن منها.. وأقول لك بكل صدق أني ما كنت أؤمل أن ديواني الأول يبلغ ما بلغ من النجاح والفوز، لخمول مكاني ومجهولية إسمي فيما وراء الحدود ..، وفوز الديوان الأول قد يساعد على طبع الديوان الثاني وهو أكثر قصيدا وأحفل بالأفكار الإجتماعية والسياسية وستقرؤه عما قريب فقد تهيأ الجو لنشره ولانت الظروف العنيدة بعد خشونة فسهل الدرب للديوان الثاني ووطئت الطريق..
صديقي طلبت مني مزيدا من القصيد، ولا أستطيع أن ابعث إليك إلا بعض ماحملته جرائدنا المحلية، وإليك قصيدة "لقيتها" وقد نشرتها "سبأ" و"في طريق الفجر" و"حوار جارين" وقد حملتها "النصر" في تواريخ متفاوتة لا أحددها بالضبط، أما ما لم ينشر في الصحف من القصيد فسينتظمه الديوان الذي سيخرج قريبا بعنوان "في طريق الفجر" وسيلم بأكثر من تسعين قصيدة ومقطوعة، وما بقي من القصيد يكون ديوانا ثالثا.. أما رابع الدياوين وأجملها فما يزال هما في الخاطر وتراكضا في الصدى وإعصارا في الفكر وألهاما يترٱءى في مسارح الأفق ومناكب الربوات وبطون الاودية ومنعطفات الطريق.. وسأتركك على إحدى المنعطفات إلى أن نلتقي في رسالة أو طريق.

اخوك عبدالله البردوني.


ملحوظة
بعثت اليك هذه الثلاث القصائد بدون اختيار ولا تمييز على أمل المزيد في فرصة مواتية لازدحام اوقاتي وكثرة إيجار البريد.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...