قصة ايروتيكة أسمى العطاونة - نصف البدر ليلة

إنّه يومي الأول بالعمل كمتدربة في شركة صناعية كبرى بالمدينة الجنوبية، كنت أستمع لدقات قلبي تختنق وأنا أتبع على مضض شابًا قصير القامة، أسمر، بشعيرات متمرّدة، تظهر مع كل حركة يفرك فيها ذقنه أثناء شرحه المُفصّل لي عن الأقسام المتعددة لطوابق المبنى العملاق. أتبعه كتلميذة مطيعة وأحرك رأسي من حين لآخر، مُبتسمةً بادّعاء ذلك الرضا الاصطناعي ومُتجنبةً مُقاطعته كي اصل معه الى نهاية سريعة. وصلنا إلى مكان عملي الجديد أخيراً ، بعد أن غزت الفقاعات الجلدية أطراف قدميّ. هو ذاته حذاء الكعب العالي يقوّس مشط قدمي، ويرفعني 11 سنتيمتراً أعلى من سطح الأرض، أرتديه أول كل تجربة مهنية أو عاطفية لأجلب ليومي قليلاً من الحظ السعيد. أرشدني العامل أخيراً إلى غرفة التصوير، حيث سأكون مسؤولةً عن تصوير مستندات المبنى بأكملها للموظفين؛ عمل لا يحتاج الكثير من التفكير ويمنحني قليلاً من المال، وكثيراً من الوقت لممارسة طقوسي الإفرودوتيّة اللذيذة. شكرت مرشدي المحترف مراراً، لأخلق مساحتي الانفرادية اخيراً واطبع من خلالها ملامحي الذاتية في عالمي الجديد هذا. عالم الحياة السفلى، تحيط بي المئات من الأوراق العذراء، تنتظر مني أن ألوّثها بحبر الأرقام والشفرات السرية المركّبة، لأوزعها على مكاتب رجال جديين جداً، ونساء جدياتٍ، أهملن أنوثتهنّ، َوكَسَى السواد قاماتهن. شعرت بقليل من الراحة أخيراً، ألقيتُ بردفيّ على كرسي تنبعث منه رائحة الجلد المدبوغ، حررت قدميّ من سجنهما، ألقيتُ بثقل رأسي على ماكنة التصوير، أنتظر استقبال الأمر الأول. للحظة، تذكرت رامي وما دار بيننا من أحاديث شيقة ليلة البارحة، كان وجهه يكتمل كالبدر كلما شعر بلمسات أناملي تلتف حول رقبته كياسمينة متسلقة، غارسة أسناني الحادة بشريانها الأزرق في محاولة جديدة لقتله. شعرت بجناحيّ يبزغان فجأةً، ويُحرّراني من شرنقة تغلّفني بخيوطها الحريرية المنسوجة برقّة. تحررت بجسدي رويداً رويدا وحلّقتُ بلُطفٍ باتجاه نافذة تعلو الحائطَ المقابلَ لماكينة التصوير. ضاق بي فضاء السماء الرحب، هربتُ منه اليكَ، أتذكر لحظاتنا الأشد شبقًا، لتسري أمواج الرغبة في جسدي واتعطّش للحظةٍ أخرى مشحونة بالعاطفة يرتطم فيها لحمي بلحمكَ، نذوب كشموعنا المقدسة المعطرة بفانيليا مدغشقر، النحيلة والسوداء. أتوق لألقي بملابسي قطعةً قطعةً، أمام عينيك الذابلتين، لأتلوى أمامك عارية كأفعى الكوبرا، أرقص على صوت ماريا كالاس تغني كاستا ديفا. لم تُبقِ لي الكثير برحيلك غير بعض الألم وحجريْن أسْوَديْن، يتربّعان على كرسي الحديقة الحديدي، حيث كنت تعشق الجلوس لترتشف قهوتك الصباحيّة، وتقرأ لي سطور انتحارك الأخير بين فخذيّ، تداعبني بوردة الأوركيديا وبها تزيح طرف الساتان الذي يغطي نهديّ فتكمل تعريتهما بمرمغة وجهك بينهما، وتلتقط بشفتيْكَ حبّتي عنبٍ سمراويْن بانتظار حرارة لسانك. نستمتع بالإصغاء لتراتيل توماس تاليس، وأجرّكَ معي إلى الهاوية، حيث لقاؤنا الأول، بحفلتنا الماجنة سوية مع الشياطين. مازلت أرى شرايين الغيرة تكاد تتفتّق من عينيكَ وأنت تراقبني متيقظًا، أمتصّ ذيولها الحمراء واتذوقها بشهيتي الشرهة ممررة لساني عليها برفق. ليتكَ تقدّر جنوني وأنا أتذكر سيلانك المنويّ يفيض فينسكب من عينيّ دموعَ نشوة. أَتَذَكر عشقنا وملاءتي القطنيّة البيضاء التي تخمرت برائحة عرقك المختلط بنبيذ سوائلنا المتدفق من ساعات قضيناها حتى الفجر، يحرسنا ملك الليل، وتلهبنا حشود من شياطين احتلت جسدينا، نمارس الحب الى حين نستيقظ فيه وقد فقدنا كل اتصال بما يحيط بنا، الستائر مغلقة بإحكام، نفتحها بشقاوة من حين لآخر ليغذي عهرنا أعين المارة المتطفلين. أتذكركَ فيبكي ردفيّ اشتياقا لأظافر تغرسها باحمرار الإثارة، فتقتلع من جسدي روحي ونذوب سوية بغيبوبة دائمة. كنت تحب تمرد عينيّ الناعستيْن من فرط اللذة، اثبتهما بعينيك، أراقب استسلامك النهائي أمامهما، تجرّانك لعالم سفلي تقطنه الجنيات الغامضة . أراك تنهار أمام حركات جسدي المتتابعة بين هبوط وصعود، أغطي بفرجي النيء قضيبك، واحتك من حين لآخر ببطنك وعانتك. أسري واعرج بك من وإلى الجنّة. تتحسّس دفء مهبلي يرتعش. أرتفع للحظة أخيرة، ألامس فيها أقدام الآلهة لارتطم هاوية على صدركَ. جسدي يرتعش كاملاً، قلبي تتسارع نبضاته، أناجيك، تمرر أصابعك بين خصلات شعري المشعة بالاحمرار تمامًا كما تحبّها. نلتحف عري أجسادنا المنهكة، نغرق بمستنقعات العرق المخلوط بروائح لحمنا من جديد. قليل من المجون والشغف معكَ، يكفيان ليعيدان لقلبي ألوان الربيع. لم تُبقِ لي سوى صدى لتأوهاتنا تسألك الرحمة، ألقيها بقعر البئر فتطفو على السطح ببدر له وجهكَ بشامتكَ السوداء المنسيّة فوق شفتكَ العليا الممتلئة. لم تُبقِ لي سوى غيوم سوداء مشحونة أعصرها وأروي بها خلايا جسدي العطشى جميعها. للحظة، أشعر بضربات أصابعك الخفيفة تلامس وجهي لأصحو، يختلط صدى بعيد لصوتك بأصوات مجهولة لآخرين، غريبين، لم أسمعها من قبل قطّ، أشعر برشّات خفيفة من الماء البارد على وجهي، أكاد لا أرى شيئًا غير الضباب، لم أعد أراك، بل أرى طيفًا لرجل آخر يحاول جاهداً المرور بين فتحات رموشي الضيّقة المتشابكة ، أستمع لصوته الخشن يقترب أكثر فأكثر من أذني مكرراً: ” يا آنسة، يا آنسة، هل تستطيعين سماعي؟


.



Le Crabe
Alexandre Jacques Chantron
(1842 – 1918, French)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...