1
فاس ــ طريق موزار
درب الملازم عياش
بوزوبع محمد عبده
الصديق المحترم معروفي مصطفى
تحية أخوية
وبعد،
يسعدني أن أكتب إليك هذه الرسالة ـ و إن كانت على عجل ـ لأنقل إليك تحياتي وتقديري الأخويين على هذه المبادرة الحسنة والتي أرجو أن تستمر لخدمة قضايانا المشتركة.
وإني آمل جدا جدا أن نصل إلى نقطة الاتصال، وثق أيها الأخ، أن ما جرى على صفحات البيان الأدبي لم يكن أبدا "صداما" بل نقدا ونقدا ذاتيا، والذي يجب أن يكون دليلنا في كل خطوة نخطوها، كما آمل أن أن أصل وإياك إلى نقطة الارتكاز، ودائما في إطار النقد والنقد الذاتي، وسأكون سعيدا أن أتمم النقاش معك، وإن لم يكن على صفحات البيان الأدبي.
وإلى اللقاء
ورحلة سعيدة.
فاس 3 ــ 10 ــ 1978
التوقيع.
*******************
2
عزيزي مصطفى
إن ما تعرضت له من تضييق وضيق حتى لا تنشر مقالك ـ تعقيبك ـ في جريدة "البيان" لا يمكن إلا أن أشجبه واتضامن معك فيه...
كل الذي أحب أن أوضح لك أنني بصفتي "رفيق" أي بصفتي عضو في حزب التقدم والاشتراكية هو الآتي:
إن العاملين في جريدة "البيان" ليسوا رفاقا كلهم، وحتى إن كان الشخص الذي عاملك بتلك الطريقة "اللاديموقراطية" فإن هذا لا يجعلك ترمي "البيان" في نفس السلة التي رميت فيها الصحف الأخرى.
ذلك ، و إنه بالملموس ، أن صحيفة "البيان" لا تذكر أو تدافع عن الديموقراطية في صفحتها الأولى لتنقضها في الصفحة الثانية (إشارة: في رسالتي إلى الشاعر قلت له بأن جريدة "البيان" تدافع عن الديموقراطية في صفحتها الأولى وتضربها في الصميم في الصفحة الثانية) وأكبر دليل هو هذا الزخم الهائل من الكتاب الذي وجدوا ـ ولا زالوا ـ مساحات واسعة في صحيفة "البيان" ـ حتى اشتد عودهم ـ ليعبروا عن أفكارهم وبكل حرية.
ومن جهة أخرى ، فإن كان الشخص الذي حجز مقالك ـ ردك ـ بطريقة ذاتية لاديموقراطية ، فهذا يؤكد على وجود بعض الأشخاص الذين لا زالوا واقفين في الجهة المقابلة للديموقراطة، لكن هذا الشخص في جريدة "البيان" لا يمكن أن يكون إلا الاستثناء الشاذ الذي يؤكد القاعدة الثابتة لجريدة "البيان" وهي دفاعها عن الديموقراطية والرأي الآخر، ما دام ذلك الرأي لا ينتهك "قدسية" حرية الآخر ، وإننا ما دمنا لا نستطيع أن نتحمل رأيا آخر مغايرا، فذلك لأننا ما زلنا "ضيوف" (وردت لفظة ضيوف هكذا في الرسالة) عل هذا التقليد الجديد "الديموقراطية"، ومن جهتي كنت قرأت رأيا "نقديا" في مجموعتي "أوراق من الحرب السابعة" على صفحة البيان الثقافي اليومي، وكان مقالا ذاتيا بدرجة فجة، ومع ذلك فقد تحاملت على نفسي حتى لا أرد عليه، على أساس أني قلت رأيي في ديواني، وأن له الحق هو الآخر أن يقول رأيه، وهذا ما جعلني أحجم عن الرد على ذاتيته وقتها، ولو أنه طرح شيئا للنقاش لدخلت معه في نقاش ولو أدى بنا الأمر إلى مناقشات ومناقشات متعددة.
إذن فلتكن هذه دعوة إل العودة إلى صفحات "البيان" ،ودعوة إلى الدفاع عن الرأي الآخر ودون تجريح ودون استفزاز مجاني.
الصديق العزيز،
لحد الآن لم أفصل في مسألة اسم الديوان، وإن كان الغالب أن اسمه سيأخذ اسم إحدى قصائده السبعة، وأظنها ستكون قصيدة "ثموديات أو الولاية للواو" وهي قصيدة عن الأحداث التي أعقبت اقتتال الفلسطينيين ـ الفلسطينيين والفلسطينيين ـ السوريين في حرب طرابلس 1983.
ومن جهة ثانية أعتذر عن عدم إرسالي أي قصيدة في هذه المراسلة ـ الطويلة ـ راجيا أن تتاح الفرصة في المرة القادمة، وشكرا على عنايتك.
وحتى فرصة طيبة أخرى ، تحياتي و متمنياتي لك.
فاس 3 ـــ 2 ـــ1985
التوقيع
***
الصديق الودود مصطفى
تحية طيبة،
وبعد،
وضعت إصبعك على جرح عميق في ثقافتنا المغربية"الشابة"وأشرت بالخصوص إلى القضية المتعلقة بالنقد، والمتابعة النقدية فيها، وكما طلبتَ، سأحاول أن أبسط لك رأيي، مع التأكيد على شيئين اثنين:
ـ أن النقد إبداع مستقل وإن كان يرتبط "عضويا" بـ "ملاحقة الأعمال الإبداعية الأخرى .
ـ القضية الثانية أن الصراع ، إن كان موجودا ـ وهو موجود فعلا ـ ليس صراع الأجيال أو صراع الشيوخ والشباب.
1ـ حينما قسمت أو أبرزت الأزمة في النقد ـ الثقافة بشكل عام ـ في عنصرين ذاتي وموضوعي ـ حقا هناك فئة ـ ذات مصلحة خاصة ـ تريد أن تظل "المهيمنة" على الساحة، لا يبرز احد دونها إلا إذا سمحت له بذلك واعترف هو بفضلها عليه. هذه الفئة ـ والتي صدقتَ حبنما وصفتَها باللاتاريخيةـ تجهل أو تحاول أن تتجاهل سيرورة الأحداث والواقع، وإني بها ـ من البؤس ـ كذلك الذي يتعب ـ دون أن يكل ـ في محاولة لإخفاء الشمس بواسطة الغربال.
إذن هذا النوع من النقاد ـوهم الأكثرية مع الأسف أو لحسن الحظ، لا أدري ـ لا يمكن أن يؤثروا على مجرى الأحداث الثقافية في بلادنا، لأن عملهم لا يخرج عن انطباعات ودردشات إخوانية مدفوعة الأجر ـ أو الخمر ـ لكن الخطير في الأزمة هو ذلك العنصر الموضوعي المتجسد في "انعدام" شيء يمكن أن نسميه نقدا، أي إبداعا ثانيا للعمل المنقود. هنا المشكل، والمشكل أنه يثير فراغا كبيرا في الساحة الثقافية.
إن هذا النقد المفروض فيه أن يقرأ العمل الإبداعي بطريقة خلاقة، وأن يواكب "التراكم" الأدبي والثقافي بدون نظرة نقص، ودون أن يعتقد الناقد أنه يؤدي "خدمة" لصاحب العمل المنقود ، وهذا بطبيعة الحال دون أن يلغيه.
إذن فوجود الناقد مسبوق بوجود المادة الخام، وهو العمل الأدبي أو الثقافي.
أما الاستناد إلى مقولة أن الأعمال الأدبية "المتراكمة" دون المستوى، فهذا لا يخلو من محاولة القفز على المشكل لشيء في نفس "الناقد".
2ـ قد يبرز من كلامك أنك تحاول التأكيد أن الصراع الموجود حاليا هو صراع بين جيلين مختلفين، إلا أن الواقع ـ وهذا الذي أعرف أنك تدركه جيداـ أن الصراع الموجود في الثقافة المغربية، هو صراع لا يخرج عن الصراع العام الذي نعيش في أتونه، ولا يمكن إلا أن نخوضه، في هذا الجانب وفي ذلك الجانب من الصراع.
فلا بد إذن، من تبسيط فكرة بديهية، حتى ننطلق من أسس واضحة، أن الثقافة هي الصراع على الواجهة الأخرى، إنها الواقع المادي الذي يتجسد فيه صراع الأفكار والنظريات، هذه التي لم تنزل من السماء، بل جاءت من مكب الواقع المعاش، والصراع الملتهب بين طبقاته الاجتماعية.
وهكذا يمكن فهم الستار الحديدي الذي تحاول أن تفرضه أكثر من جهة لها المصلحة لإي أن تظل الأمور راكدة ومتعفنة وعلى كل الأصعدة، لذلك فإني أضع كلمة الشباب بين قوسين، حتى أشير إلى واقع الصراع الذي يخوضه أدبنا المغربي المتمترس في الخندق المتقدم. وطبعا فإن الشباب هم الفئة والشريحة من المجتمع ـ في كل مجتمع ـ التي تتمترس في هذا الخندق المتقدم لتدافع عن الفكر والثقافة الجديدة.
هذا باختصار رأيي، ولكن تبقى ضرورية الإشارة إلى أن المشكل يتسع بدرجة خطيرة حينما ندرك الأمية الثقافيةالسائدة لدى مثقفينا، وأقصد بالمثقفين كل الشرائح المتعلمة من طلبة و أساتذة ومحامين وأطباء الخ...
إن هذه الأمية حقا هو الأخطر ما يعسكر ضد ثقافتنا. إن المثقف حينما لا يقرأ عملا أدبيا ما، إنما يؤكد على حقيقتين هما أنه لا يعترف بهذا الأدب وأنه لا يعنيه هذا الذي يسمونه "أدبا".
قد يقول قائل بأن هذا المشكل راجع إلى هذا "التراكم" الذي لا يحمل أي معنى، وأنه دون المستوى ،وأنه بالتالي أدب "النخبة"، والدليل على ذلك هو الرواج الكبير الذي تعرفه "روايات" محمد شكري، بينما العديد من الروايات والدواوين والكتب تظل على الرفوف لتعود إلى أصحابها وعلى غلافها لفحات الشمس والغبار وآثار تصفحات الأيدي العابثة بها.
فعلا إن العديد و العديد من "الإنتاجات" الأدبية والثقافية تظل دون المستوى المطلوب، وأنها غارقة في بحر من التجريد و التجريب، إلا أن لا يشفع أبد لوجود هذه الأمية الثقافية، ولا يمكن ـ حتما ـ أن يبررها بشكل من الأشكال، وهذا الذي كنت عنيته في رسالتي السابقة. أما ذلك أو "النقد" أو ذلك النقد، فحتما سنتخطى مشاكله سواء الذاتية أو الموضوعية حينما يزداد، ويفرض نفسه هذا الأدب الطلائعي.
***
فاس ــ طريق موزار
درب الملازم عياش
بوزوبع محمد عبده
الصديق المحترم معروفي مصطفى
تحية أخوية
وبعد،
يسعدني أن أكتب إليك هذه الرسالة ـ و إن كانت على عجل ـ لأنقل إليك تحياتي وتقديري الأخويين على هذه المبادرة الحسنة والتي أرجو أن تستمر لخدمة قضايانا المشتركة.
وإني آمل جدا جدا أن نصل إلى نقطة الاتصال، وثق أيها الأخ، أن ما جرى على صفحات البيان الأدبي لم يكن أبدا "صداما" بل نقدا ونقدا ذاتيا، والذي يجب أن يكون دليلنا في كل خطوة نخطوها، كما آمل أن أن أصل وإياك إلى نقطة الارتكاز، ودائما في إطار النقد والنقد الذاتي، وسأكون سعيدا أن أتمم النقاش معك، وإن لم يكن على صفحات البيان الأدبي.
وإلى اللقاء
ورحلة سعيدة.
فاس 3 ــ 10 ــ 1978
التوقيع.
*******************
2
عزيزي مصطفى
إن ما تعرضت له من تضييق وضيق حتى لا تنشر مقالك ـ تعقيبك ـ في جريدة "البيان" لا يمكن إلا أن أشجبه واتضامن معك فيه...
كل الذي أحب أن أوضح لك أنني بصفتي "رفيق" أي بصفتي عضو في حزب التقدم والاشتراكية هو الآتي:
إن العاملين في جريدة "البيان" ليسوا رفاقا كلهم، وحتى إن كان الشخص الذي عاملك بتلك الطريقة "اللاديموقراطية" فإن هذا لا يجعلك ترمي "البيان" في نفس السلة التي رميت فيها الصحف الأخرى.
ذلك ، و إنه بالملموس ، أن صحيفة "البيان" لا تذكر أو تدافع عن الديموقراطية في صفحتها الأولى لتنقضها في الصفحة الثانية (إشارة: في رسالتي إلى الشاعر قلت له بأن جريدة "البيان" تدافع عن الديموقراطية في صفحتها الأولى وتضربها في الصميم في الصفحة الثانية) وأكبر دليل هو هذا الزخم الهائل من الكتاب الذي وجدوا ـ ولا زالوا ـ مساحات واسعة في صحيفة "البيان" ـ حتى اشتد عودهم ـ ليعبروا عن أفكارهم وبكل حرية.
ومن جهة أخرى ، فإن كان الشخص الذي حجز مقالك ـ ردك ـ بطريقة ذاتية لاديموقراطية ، فهذا يؤكد على وجود بعض الأشخاص الذين لا زالوا واقفين في الجهة المقابلة للديموقراطة، لكن هذا الشخص في جريدة "البيان" لا يمكن أن يكون إلا الاستثناء الشاذ الذي يؤكد القاعدة الثابتة لجريدة "البيان" وهي دفاعها عن الديموقراطية والرأي الآخر، ما دام ذلك الرأي لا ينتهك "قدسية" حرية الآخر ، وإننا ما دمنا لا نستطيع أن نتحمل رأيا آخر مغايرا، فذلك لأننا ما زلنا "ضيوف" (وردت لفظة ضيوف هكذا في الرسالة) عل هذا التقليد الجديد "الديموقراطية"، ومن جهتي كنت قرأت رأيا "نقديا" في مجموعتي "أوراق من الحرب السابعة" على صفحة البيان الثقافي اليومي، وكان مقالا ذاتيا بدرجة فجة، ومع ذلك فقد تحاملت على نفسي حتى لا أرد عليه، على أساس أني قلت رأيي في ديواني، وأن له الحق هو الآخر أن يقول رأيه، وهذا ما جعلني أحجم عن الرد على ذاتيته وقتها، ولو أنه طرح شيئا للنقاش لدخلت معه في نقاش ولو أدى بنا الأمر إلى مناقشات ومناقشات متعددة.
إذن فلتكن هذه دعوة إل العودة إلى صفحات "البيان" ،ودعوة إلى الدفاع عن الرأي الآخر ودون تجريح ودون استفزاز مجاني.
الصديق العزيز،
لحد الآن لم أفصل في مسألة اسم الديوان، وإن كان الغالب أن اسمه سيأخذ اسم إحدى قصائده السبعة، وأظنها ستكون قصيدة "ثموديات أو الولاية للواو" وهي قصيدة عن الأحداث التي أعقبت اقتتال الفلسطينيين ـ الفلسطينيين والفلسطينيين ـ السوريين في حرب طرابلس 1983.
ومن جهة ثانية أعتذر عن عدم إرسالي أي قصيدة في هذه المراسلة ـ الطويلة ـ راجيا أن تتاح الفرصة في المرة القادمة، وشكرا على عنايتك.
وحتى فرصة طيبة أخرى ، تحياتي و متمنياتي لك.
فاس 3 ـــ 2 ـــ1985
التوقيع
***
الصديق الودود مصطفى
تحية طيبة،
وبعد،
وضعت إصبعك على جرح عميق في ثقافتنا المغربية"الشابة"وأشرت بالخصوص إلى القضية المتعلقة بالنقد، والمتابعة النقدية فيها، وكما طلبتَ، سأحاول أن أبسط لك رأيي، مع التأكيد على شيئين اثنين:
ـ أن النقد إبداع مستقل وإن كان يرتبط "عضويا" بـ "ملاحقة الأعمال الإبداعية الأخرى .
ـ القضية الثانية أن الصراع ، إن كان موجودا ـ وهو موجود فعلا ـ ليس صراع الأجيال أو صراع الشيوخ والشباب.
1ـ حينما قسمت أو أبرزت الأزمة في النقد ـ الثقافة بشكل عام ـ في عنصرين ذاتي وموضوعي ـ حقا هناك فئة ـ ذات مصلحة خاصة ـ تريد أن تظل "المهيمنة" على الساحة، لا يبرز احد دونها إلا إذا سمحت له بذلك واعترف هو بفضلها عليه. هذه الفئة ـ والتي صدقتَ حبنما وصفتَها باللاتاريخيةـ تجهل أو تحاول أن تتجاهل سيرورة الأحداث والواقع، وإني بها ـ من البؤس ـ كذلك الذي يتعب ـ دون أن يكل ـ في محاولة لإخفاء الشمس بواسطة الغربال.
إذن هذا النوع من النقاد ـوهم الأكثرية مع الأسف أو لحسن الحظ، لا أدري ـ لا يمكن أن يؤثروا على مجرى الأحداث الثقافية في بلادنا، لأن عملهم لا يخرج عن انطباعات ودردشات إخوانية مدفوعة الأجر ـ أو الخمر ـ لكن الخطير في الأزمة هو ذلك العنصر الموضوعي المتجسد في "انعدام" شيء يمكن أن نسميه نقدا، أي إبداعا ثانيا للعمل المنقود. هنا المشكل، والمشكل أنه يثير فراغا كبيرا في الساحة الثقافية.
إن هذا النقد المفروض فيه أن يقرأ العمل الإبداعي بطريقة خلاقة، وأن يواكب "التراكم" الأدبي والثقافي بدون نظرة نقص، ودون أن يعتقد الناقد أنه يؤدي "خدمة" لصاحب العمل المنقود ، وهذا بطبيعة الحال دون أن يلغيه.
إذن فوجود الناقد مسبوق بوجود المادة الخام، وهو العمل الأدبي أو الثقافي.
أما الاستناد إلى مقولة أن الأعمال الأدبية "المتراكمة" دون المستوى، فهذا لا يخلو من محاولة القفز على المشكل لشيء في نفس "الناقد".
2ـ قد يبرز من كلامك أنك تحاول التأكيد أن الصراع الموجود حاليا هو صراع بين جيلين مختلفين، إلا أن الواقع ـ وهذا الذي أعرف أنك تدركه جيداـ أن الصراع الموجود في الثقافة المغربية، هو صراع لا يخرج عن الصراع العام الذي نعيش في أتونه، ولا يمكن إلا أن نخوضه، في هذا الجانب وفي ذلك الجانب من الصراع.
فلا بد إذن، من تبسيط فكرة بديهية، حتى ننطلق من أسس واضحة، أن الثقافة هي الصراع على الواجهة الأخرى، إنها الواقع المادي الذي يتجسد فيه صراع الأفكار والنظريات، هذه التي لم تنزل من السماء، بل جاءت من مكب الواقع المعاش، والصراع الملتهب بين طبقاته الاجتماعية.
وهكذا يمكن فهم الستار الحديدي الذي تحاول أن تفرضه أكثر من جهة لها المصلحة لإي أن تظل الأمور راكدة ومتعفنة وعلى كل الأصعدة، لذلك فإني أضع كلمة الشباب بين قوسين، حتى أشير إلى واقع الصراع الذي يخوضه أدبنا المغربي المتمترس في الخندق المتقدم. وطبعا فإن الشباب هم الفئة والشريحة من المجتمع ـ في كل مجتمع ـ التي تتمترس في هذا الخندق المتقدم لتدافع عن الفكر والثقافة الجديدة.
هذا باختصار رأيي، ولكن تبقى ضرورية الإشارة إلى أن المشكل يتسع بدرجة خطيرة حينما ندرك الأمية الثقافيةالسائدة لدى مثقفينا، وأقصد بالمثقفين كل الشرائح المتعلمة من طلبة و أساتذة ومحامين وأطباء الخ...
إن هذه الأمية حقا هو الأخطر ما يعسكر ضد ثقافتنا. إن المثقف حينما لا يقرأ عملا أدبيا ما، إنما يؤكد على حقيقتين هما أنه لا يعترف بهذا الأدب وأنه لا يعنيه هذا الذي يسمونه "أدبا".
قد يقول قائل بأن هذا المشكل راجع إلى هذا "التراكم" الذي لا يحمل أي معنى، وأنه دون المستوى ،وأنه بالتالي أدب "النخبة"، والدليل على ذلك هو الرواج الكبير الذي تعرفه "روايات" محمد شكري، بينما العديد من الروايات والدواوين والكتب تظل على الرفوف لتعود إلى أصحابها وعلى غلافها لفحات الشمس والغبار وآثار تصفحات الأيدي العابثة بها.
فعلا إن العديد و العديد من "الإنتاجات" الأدبية والثقافية تظل دون المستوى المطلوب، وأنها غارقة في بحر من التجريد و التجريب، إلا أن لا يشفع أبد لوجود هذه الأمية الثقافية، ولا يمكن ـ حتما ـ أن يبررها بشكل من الأشكال، وهذا الذي كنت عنيته في رسالتي السابقة. أما ذلك أو "النقد" أو ذلك النقد، فحتما سنتخطى مشاكله سواء الذاتية أو الموضوعية حينما يزداد، ويفرض نفسه هذا الأدب الطلائعي.
***