محمد مصطفى العمراني - صاروخ في سقف البيت !

عندما وضع عبده حسين خزان الماء فوق سطح منزله لم يخطر بباله أن ذلك الخزان سيجر عليه الكثير من المشاكل وسيدفع بسببه غرامة أضعاف ثمنه وسيصبح حديث الناس في قرية " أكمة العسيق " ! (1)
في الصباح وقف نجل الشيخ وثلاثة من المسلحين أمام منزله ونادوا عليه ولما لم يجبهم رفع نجل الشيخ سلاحه وأطلق رصاصة في الهواء ، استيقظ عبده حسين من نومه العميق مذعورا على صوت الرصاصة ، قفز من سريره إلى الأرض ولبس ثوبه بسرعة وهو يفرك عينيه ويتساءل :
ـ ما في ؟ من هو الذي يرمي ؟!
فتح الباب ليجد أمامه المسلحين ونجل الشيخ الذي صاح به :
ـ راقد على بطنك ونحن لنا ساعة أمام بيتك ؟!
ـ خير يا جماعة أهلا وسهلا ؟
ـ الشيخ يطلبك الآن
عاد إلى الداخل ولبس ملابسه وذهب معهم إلى الشيخ وهو في الطريق تساءل كثيرا في نفسه :
ـ الله أعلم ماذا يريد مني الشيخ ؟!
كان الشيخ وبعض أولاده ومرافقيه قد جلسوا في الظل بجوار منزله وهو يمضغ بعض أغصان القات الطرية ويرتشف الشاي ويستمع إلى إذاعة لندن ولما وصل عبده حسين صافحه الشيخ ببرود وناوله منظاره الحديث الذي وصله هدية من أحد المغتربين قائلا :
ـ أرسلت عبد الله محجوب إلى جبل النجد يأتي لنا بقات فاخر لكنه غاب عن ناظري في شعاب الجبل أنظر هل تراه ؟
أخذ عبده حسين المنظار وجعل يبحث عن مقوت الشيخ في شعاب الجبل ولكنه لم يجده وتعجب كثيرا وسأل نفسه مجددا :
ـ هل طلبني الشيخ لأبحث له عن المقوت الخاص به ؟!
ولما لم يجده سلم المنظار للشيخ الذي جعل يقرب المسافة ويبعدها حتى صاح :
ـ وجدته أنه فوق نبع الماء
أثنى الحاضرون على قوة ملاحظة الشيخ ودقة تصويبه وقالوا بصوت واحد :
ـ ما شاء الله تبارك الله ، ياسين على عيونك يا شيخ
وضع الشيخ المنظار ووجه سؤاله إلى عبده حسين :
ـ قل لي أنت عبده حسين أم صدام حسين ؟!
تعجب من السؤال وردد :
ـ عبده حسين يا شيخ
ـ والصاروخ الذي فوق منزلك ؟!
فاجأه حديث الشيخ فردد مستغربا :
ـ صاروخ !!
رد عليه أكبر أولاد الشيخ :
ـ عبد الله ثابت جاء يشكو بأنك توجه صاروخ نحو منزله
ـ هذا خزان ماء ويمكنكم معاينته
ضحك الشيخ بسخرية :
ـ خزان وإلا صاروخ ؟!
نفذ صبر عبده حسين لكنه تماسك قائلاً :
ـ أنت عقلك يوزن بلد يا شيخ فلماذا تتسرع وتصدقه ؟!
هز الشيخ رأسه قائلا :
ـ سنرى هل هو خزان أم صاروخ وهل أنت عبده حسين أم صدام حسين ؟
ناوله بعض أغصان القات فتناولها عبده حسين وبدأ يمضغها فيما صب الشيخ له من الشاي الخاص به فشعر بالارتياح والنشوة حين قال له الشيخ :
ـ عموما انا لم أصدق عبد الله ثابت حتى الآن
وأضاف الشيخ :
ـ عبد الله ثابت سيأتي ونتحدث
ولم تمض سوى نصف ساعة حتى جاء عبد الله ثابت وهو يقود خروف سمين سلمه لأولاد الشيخ الذين أسرعوا بجره إلى مطبخ الشيخ .
بعد تناول الغداء وبدء المقيل وزع الشيخ حزم القات على الحاضرين وزاد في حصة عبد الله ثابت وعبده حسين وبدأ الشيخ يتحدث بتعجب فقد سمع في إذاعة لندن البارحة عن نجاح شركة أمريكية بصناعة طائرة عسكرية بدون طيار وأنها تحلق في السماء وتطير آلاف الكيلومترات بدون طيار وتقصف بصواريخ وتصيب الأهداف لوحدها .!!
أبدى من في المقيل دهشتهم من حديث الشيخ حتى أن الفقيه قاسم مهيوب حوقل وبسمل واستعاذ بالله من شر هذه البدع مؤكد قرب قيام الساعة فقد نطق الحديد وقرب البعيد .!
ومال أغلب الحضور إلى أنها كذبة من أكاذيب اليهود النصارى ولكن الشيخ فاجأهم قائلا :
ـ أنا مصدق لهذا الكلام لأن العالم يتطور والعلم كل يوم يتقدم ، وأصاف الشيخ :
ـ أنا كنت زمان غير مصدق أن في طائرات تطير في السماء وتنقل الناس من دولة إلى دولة لكن عندما ذهبنا للحج سافرنا بطائرة من صنعاء إلى جدة والمسافة التي قطعها جدي فوق الحمير إلى مكة في ستة أشهر قطعناها بالطائرة في ساعات .
هز كل من في المجلس رؤوسهم وعادوا لتصديق ما قاله الشيخ عن الطائرات بدون طيار بعد انكارهم له .!
قال الشيخ لعبد الله ثابت :
ـ يا عبد الله ثابت عبده حسين ينكر وجود صاروخ فوق منزله
وأضاف الشيخ :
ـ أعقل يا عبد الله هو خزان ماء بس مستطيل بشكل صاروخ
أقسم عبدالله ثابت أنه صاروخ موجه نحو منزله وأن أولاد عبده حسين عندما يلعبون الكرة يهددون أولاده بقصفهم بالصاروخ .!
ضحك الشيخ فتبعه من في المقيل بالضحك فقال :
ـ هم أطفال يلعبون نعمل عقولنا بعقولهم ؟!
ولما أصر عبد الله ثابت على أقواله أكد الشيخ أنه سيخرج غدا بنفسه إلى منزل عبده حسين ويعاين الخزان الذي في السطح ويتأكد وأن على عبده حسين تجهيز الغداء والقات .
في اليوم التالي أقبل الشيخ وأولاده ومرافقيه ومن انضم إليهم إلى منزل عبده حسين وصعد إلى السطح وعاين الخزان قائلا لعبد الله ثابت :
ـ هذا هو الصاروخ ؟!
ارتبك عبد الله ثابت قائلا :
ـ لكن يا شيخ من بعيد يبدو مثل الصاروخ فهو مستطيل ولونه أسود ورأسه مثل رأسه الصاروخ .
ضحك الشيخ فضحك كل من حضر .
وفي المقيل حرر الشيخ وثيقة الحكم والتي تقضي بأن يغير عبده حسين اتجاه الصاروخ ويطليه باللون الأبيض فاعترض عبده حسين قائلا :
ـ لكن يا شيخ اللون الأسود يجذب أشعة الشمس ويسخن الماء
قال الشيخ بغضب :
ـ الأبيض رمز السلام فاجنح للسلام واترك الكلام .
أمتثل عبده حسين وعبد الله ثابت لأمر الشيخ ووقعا على الحكم ووقع الفقيه والشهود فقرر الشيخ بعد ذلك أن على الطرفين دفع مائة ألف ريال أجرته .
وبينما لاذ عبد الله ثابت بالصمت أجتاح عبده حسين شعورا بالحزن والهم وأقسم أنه ما يمتلك حتى ألف ريال وقد أقترض قيمة القات وأن على عبد الله ثابت الدفع لأنه اتهمه بالكذب .
قال الشيخ :
ـ خزان الماء أيضا فيه شبهة فهو مستطيل وشكله غريب ورأسه مثل رأس الصاروخ وموجه نحو منزل عبد الله ثابت وهذا بحد ذاته تهديد فأنت وضعت نفسك موضع الشبهة .
في اليوم الثاني بادر عبد الله ثابت بدفع ما عليه للشيخ من عائدات بيع عسل النحل الذي يمتلكه فيما ساق عبده حسين ثوره إلى السوق وباعه ودفع أجرة الشيخ ومن يومها لم يعد أحد منهما يصافح الآخر أو يرد عليه السلام أو يجتمع معه في مكان فيما أولادهم يجتمعون كل يوم ويلعبون .!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ العسيق : في بعض اللهجات اليمنية يعني الثعلب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...