خلف هذا الجدار المتآكل، حديقة جف كل جذر فيها، لا وجود لورقة معلقة على غصن..ولا أثر لأي شكل من أشكال اللون الأخضر..أعشاب شائكة، تتكور على بعضها عندما تهاجمها الريح، فتتحول الى كرة عشبية تتدحرج هنا وهناك، ثم تعود لتنحشر في احدى زوايا الحديقة الجرداء..
على طرف الحديقة شباك مغلق منذ زمن بعيد، لا لون يحيطه، إطاره حديد صدىء، تتناثر عليه قشور صغيرة اللون أبيض، كان يلمع في يوم ما..
النافذة محكمة الاغلاق، وقد كسر المقبض الذي كان يفتح في السابق ليدخل الهواء النقي، أو أشعة الشمس عبره الى الداخل.
أشعة، كانت تتسلل عبر فتحة النافذة كصبية نضرة، تقفز هنا وترقص هناك، ونورها يتمدد باسترخاء على الفراش، أو يتسلق جدران تلك الغرفة التي شهدت قصص حب وعناق، وتغطت سرائرها بشراشف وستائر نسجت من كلمات العشق والوله.. وطرزتها آهات لحظات العشق المجنون..
خلف زجاج هذه النافذة المتربة، التي لم يعد زجاجها شفافاً، توجد زاوية تقابل النافذة، في ركن الزاوية كرسي هزاز، كان يتأرجح في السابق، لكنه توقف عندما ضاع الزمن بين ذرات الأتربة التي تكدست منذ سنوات وسنوات، ولم تعد ذراتها ناعمة الملمس، بل تكلست وتحولت تدريجيا بفعل الرطوبة والعفن الى مادة صلبة كالحجر.
في هذه الزاوية المعتمة بترابها وغبرتها، وعلى الكرسي الذي توقف اهتزازه، بعدما صار يصدر صفيرا متحشرجاً، ثم متكسراً ليصبح متقطعاً وانتهى بتوقفه عن الحركة تماماً.
شكله يبدو ككرسي هزاز، لكنه ثابت كأنه تمثال صب من حجر صلد..
على هذا الكرسي، يجلس كائن، كان بشرياً في يوم ما، يعلوه شعراً أجرد أو الحقيقة، لا لون له، يحيط وجهاً فقد ملامحه، والعيون لا تدور في محجريها، وكأن الاتجاهات تلاشت فيها، أعلى أسفل، يمين يسار، تتجه النظرات الى الأمام فقط، عبر الزجاج الذي لا يمرر كل الألوان إلا اللون المغبر أو اللا لون..
يغطي هذا الكائن خرق لا تعرف بدايتها من نهايتها..قطع قماش، كأنها ملابس، نامت بكسل على جسد لا يتحرك إلا نادراً وعند الضرورات، تعيش كائنات صغيرة بين ثنايا هذه الخرق..وتصالحت مع الجسد الساكن.فلم يزعجا بعضهما وعاشا معاً..
كائن كان امرأة في يوم ما، لها شعر أسود يتماوج خلال لمعانه اللون الأزرق، عينان شهلاوتان وأنف دقيق وشفاه مدورة كأنهما قطعتي فاكهة، أو بسكويت مدور محلى بلون زهري..
امرأة كان فيها الماضي والحاضر، ولها صوت كأنه نغمة تتجدد في كل لحظة..تتحرك بحيوية وحب، فتتحرك حولها ومعها كل الكائنات..امرأة ضم صدرها قلباً لم يتوقف عن الحب أبداً..
الجسد الآن شبه ساكن، لا فعل فيه..وأحيانا نادرة تصدر منه بعض ردود الافعال، لكن الروح داخله، تتلوى داخل قفص الجسد المترب، ترتفع وتهبط، تهرب الى اليمين لتسرع وتتجه الى الأعلى.
أصوات عبر النافذة تنادي الروح الملتاعة، تصرخ فيها منادية:
بعثنا لك رسلاً تحيي العظام وهي رميم..
انهضي ففي المياه وبين خيوط الشمس تورق مساحات أجمل من جنات الخلد..
خلف سورك أنهار من الخمور، حوريات وغلمان..
قفي، أيتها الروح، غادري الجسد الفاني لأن الخلود يكمن فيك..
اصعدي الى العالم السفلي، حيث الافراط في المتع، واتركي عالمهم العلوي، حيث يقسم الهواء حسب التوقيت المحلي على البشر..وقسمتهم غير عادلة..فللأغنياء كميات هواء عشرة أضعاف ما يمنح للفقراء..
إعبري ياروح حاجز اللون المغبر...اخترقي زجاج النافذة المغلقة..
إقفزي فوق كرة العشب اليابس المتكور على نفسه..
تصرخ أصوات الرسل معاً..تنادي الروح القابعة في ذلك الجسد، الملقى على كرسي كان هزازاً..
تغني الأصوات لحناً قديماً، تطرب له الروح، فيهتز الكرسي ببطء، تنفتح النافذة وتتسرب عبرها امرأة بارعة الجمال، يتموج لمعان شعرها الاسود بزرقته، تلتمع عيناها، وعندما تبتسم تخضر كرة العشب وتفرش أعشابها على أرض الحديقة..
تسير المرأة عبر بوابة السور، تستدير وتنظر خلفها فترى الكائن المترب قابعاً على كرسيه، الذي استقر في زاويته المعتمة، تجلس عليه سيدة الظلمة دون غيرها، وبدون حراك بعدما غادرها ظلها..
* منقول عن جريدة المدى
على طرف الحديقة شباك مغلق منذ زمن بعيد، لا لون يحيطه، إطاره حديد صدىء، تتناثر عليه قشور صغيرة اللون أبيض، كان يلمع في يوم ما..
النافذة محكمة الاغلاق، وقد كسر المقبض الذي كان يفتح في السابق ليدخل الهواء النقي، أو أشعة الشمس عبره الى الداخل.
أشعة، كانت تتسلل عبر فتحة النافذة كصبية نضرة، تقفز هنا وترقص هناك، ونورها يتمدد باسترخاء على الفراش، أو يتسلق جدران تلك الغرفة التي شهدت قصص حب وعناق، وتغطت سرائرها بشراشف وستائر نسجت من كلمات العشق والوله.. وطرزتها آهات لحظات العشق المجنون..
خلف زجاج هذه النافذة المتربة، التي لم يعد زجاجها شفافاً، توجد زاوية تقابل النافذة، في ركن الزاوية كرسي هزاز، كان يتأرجح في السابق، لكنه توقف عندما ضاع الزمن بين ذرات الأتربة التي تكدست منذ سنوات وسنوات، ولم تعد ذراتها ناعمة الملمس، بل تكلست وتحولت تدريجيا بفعل الرطوبة والعفن الى مادة صلبة كالحجر.
في هذه الزاوية المعتمة بترابها وغبرتها، وعلى الكرسي الذي توقف اهتزازه، بعدما صار يصدر صفيرا متحشرجاً، ثم متكسراً ليصبح متقطعاً وانتهى بتوقفه عن الحركة تماماً.
شكله يبدو ككرسي هزاز، لكنه ثابت كأنه تمثال صب من حجر صلد..
على هذا الكرسي، يجلس كائن، كان بشرياً في يوم ما، يعلوه شعراً أجرد أو الحقيقة، لا لون له، يحيط وجهاً فقد ملامحه، والعيون لا تدور في محجريها، وكأن الاتجاهات تلاشت فيها، أعلى أسفل، يمين يسار، تتجه النظرات الى الأمام فقط، عبر الزجاج الذي لا يمرر كل الألوان إلا اللون المغبر أو اللا لون..
يغطي هذا الكائن خرق لا تعرف بدايتها من نهايتها..قطع قماش، كأنها ملابس، نامت بكسل على جسد لا يتحرك إلا نادراً وعند الضرورات، تعيش كائنات صغيرة بين ثنايا هذه الخرق..وتصالحت مع الجسد الساكن.فلم يزعجا بعضهما وعاشا معاً..
كائن كان امرأة في يوم ما، لها شعر أسود يتماوج خلال لمعانه اللون الأزرق، عينان شهلاوتان وأنف دقيق وشفاه مدورة كأنهما قطعتي فاكهة، أو بسكويت مدور محلى بلون زهري..
امرأة كان فيها الماضي والحاضر، ولها صوت كأنه نغمة تتجدد في كل لحظة..تتحرك بحيوية وحب، فتتحرك حولها ومعها كل الكائنات..امرأة ضم صدرها قلباً لم يتوقف عن الحب أبداً..
الجسد الآن شبه ساكن، لا فعل فيه..وأحيانا نادرة تصدر منه بعض ردود الافعال، لكن الروح داخله، تتلوى داخل قفص الجسد المترب، ترتفع وتهبط، تهرب الى اليمين لتسرع وتتجه الى الأعلى.
أصوات عبر النافذة تنادي الروح الملتاعة، تصرخ فيها منادية:
بعثنا لك رسلاً تحيي العظام وهي رميم..
انهضي ففي المياه وبين خيوط الشمس تورق مساحات أجمل من جنات الخلد..
خلف سورك أنهار من الخمور، حوريات وغلمان..
قفي، أيتها الروح، غادري الجسد الفاني لأن الخلود يكمن فيك..
اصعدي الى العالم السفلي، حيث الافراط في المتع، واتركي عالمهم العلوي، حيث يقسم الهواء حسب التوقيت المحلي على البشر..وقسمتهم غير عادلة..فللأغنياء كميات هواء عشرة أضعاف ما يمنح للفقراء..
إعبري ياروح حاجز اللون المغبر...اخترقي زجاج النافذة المغلقة..
إقفزي فوق كرة العشب اليابس المتكور على نفسه..
تصرخ أصوات الرسل معاً..تنادي الروح القابعة في ذلك الجسد، الملقى على كرسي كان هزازاً..
تغني الأصوات لحناً قديماً، تطرب له الروح، فيهتز الكرسي ببطء، تنفتح النافذة وتتسرب عبرها امرأة بارعة الجمال، يتموج لمعان شعرها الاسود بزرقته، تلتمع عيناها، وعندما تبتسم تخضر كرة العشب وتفرش أعشابها على أرض الحديقة..
تسير المرأة عبر بوابة السور، تستدير وتنظر خلفها فترى الكائن المترب قابعاً على كرسيه، الذي استقر في زاويته المعتمة، تجلس عليه سيدة الظلمة دون غيرها، وبدون حراك بعدما غادرها ظلها..
* منقول عن جريدة المدى