رسائل الأدباء ثمان رسائل من مضر حمد السعيد إلى نقوس المهدي (09 - 16)

صديقي العزيز ناقوس المهدي
تحية حب وصداقة
أكتب لك الآن من ساحة المعركة ومن أحد نقاطها الساخنة.. وعلى أصوات انفجارات القنابل وصفير القذائف الذاهبة الآيبة، اليوم كان مشمسا دافئا مع أصوات الانفجارات أنصت بين لحظة وأخرى إلى أصوات مختلفة تماما زقزقة العصافير أغنية حزينة يترنم بها احد الجنود، منذ عدة أيام وانا اشعر بفيض من الضيق حتى لكأني أشعر بمرض ثقيل يجثم على أنفاسي ربما كأنه اليأس من كل شيء ومما زاد في حزني فقداننا لاحد الإخوان معنا، ومضي فترة طويلة لم اصل بها للى البيت، عموما الحرب ليست شيئا مفرحا ولا هي بالأمر الذي يدعو للتفاؤل، أنا هنا وحيد، وأقول هذا مجازا لأنني ورغم أنني محاط بالعديد من الاخوان أشعر بالغربة، وهذا الشعور يزعجني ، أكثر من أي خطر آخر يواجهنا هنا، وهذا الشعور كان حافزا لأن أكتب اليك، رغم ان وضعيتي وانا اكتب اليك مضحكة، في الأيام الماضية كتبت الكثير حتى اصبحت الكتابة سلاح وحيد أقاوم به هذه الغربة...
.../...

9




10




11




12




13





14




15



16





تعليقات

إذا كانت باقي الاجناس الأدبية مستقلة كل في محورها، فإن الرسائل ينطبق عليها المثل الشائع (كُلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفِرَا)، فهي بخلاف الخاطرة التي يكتبها المرء لنفسه، والقصيدة والاثر الادبي الذي يكتب لقراء ونقاد مفترضين، بينما تستهدف الرسالة متلقيا واحدا معينا، فهي لون أدبي متعدد الأوصاف، متنوع التصنيفات وتجمع بين القص، والسيرة الذاتية، والمقالة الأدبية، وأدب الرحلة، والاستكشاف، وأدب الاعتراف والبوح، والاخبار. وتستحمل الرؤية الفلسفية، والتحليل السياسي، وتستدعي طقوسا خاصة لكتابتها تحضر فيها كل العواطف والاحاسيس الممكنة..
من هذا المنطلق تولد شغفي برسائل الأدباء بعد قراءتي المبكرة لكتاب باللغة الفرنسية بعنوان [رسائل ستالينغراد] يضم تسعا وثلاثين رسالة لمجندين في الحرب العالمية الثانية الى اهلهم وحبيباتهم واصدقائهم، وتتحدث عن الوطن، ومعاناتهم تحت رحمة الجوع والفناء والبرد والصقيع.. فكانت هذه الاضمامة الثرية التي تقارب الالفي رسالة وتشتمل على أزيد من 15.000 رسالة، بتحفيز من الاخ والصديق مدير ومؤسس الموقع أخي السي جبران الشداني، إيمانا منا في تشر المعرفة وتقريب المعلومة
وهذه الخطابات التسعة. والتسعة التي قبلها هي حصيلة مراسلاتي مع طالب وخريج قسم اقتصاد في جامعة بغداد اسمه مضر حمد السعيد، بين سنوات74 و 80 من القرن الماشي ضمنها رسالتان من جبهات المعارك الدونكيشوتية العبثية التي زجت فيها عصابة عشيرة صدام العراق ، وساهموا في دماره، لم تجد عليه الدولة بوظيفة تسعف حالة الفقر والضياع الوجودي لانه لم يكن يكن ولاء للبعث. ولم يرحموا سنينه الخمس والعشرين ليقع أسيرا في ايدي الجيش الايراني كما تقول التقارير، ويختفي
كان مقبلا على الحياة، محبا للشعر وللسياب وسعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر، وموسيقا فيكتور خارا وميكيس ثيوديراكيس، وموسيقا الشعوب رغم أني لم استطع تلبية رغبته بارسال شريط لفرقة ناس الغيوان التي كانت تشكل ظاهرة فنية فريدة خاصة بالنسبة لي كتلميذ بائس لا أملك ثمن سيجارة، وكان الى جانب هذا ممتلئا بالطموح وعنفوان الشباب، وبحس ثوري مؤمن بعزيمة الجماهير، وقدرتها الخلاقة على التغيير.، مدججا بترسانة من الأفكار التقدمية والمعتقدات التحررية والفكر الاشتراكي، ممتلئا بالأمل والفكر الثوري ويؤمن بان لا ثورة بدون نظرية ثورية.. يشيل هموما لا حصر عن القضية العربية.. والهم العربي مثخنا بالخيبات التي يعكسها الواقع المزري، والشروخ العميقة التي أحدثثها هزيمة 67 في الوعي العربي، قبل ان يتحول الانتماء الى لامبالاة، والايمان بالفكر الاشتراكي الى هزأة، ومراهقة سياسية، وتدخل الانظمة العربية الجبانة الى بيت الطاعة وتستقوي على شعوبها باسرائيل وامريكا. في أزمنة التطبيع والانبطاح العربي..
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...