حاميد اليوسفي - الورقة الزرقاء.. قصة قصيرة

وقف الحاج بسيارته بالقرب من وكالة بنكية . نزلت زوجته ، واتجهت إلى الشباك الآلي لسحب قدر معين من النقود . فجأة فتحت الباب امرأة في الثلاثينات ، وجلست بجانبه ، طلبت منه مائتي درهم ، وإلا وضعت أصبعيها في أذنيها وجمعت عليه الناس !
لم يسبق له أن وقع في مصيدة مثل هاته ، ولا سمع عنها من قبل . التفت ناحية زوجته ، حمد الله وشكره على أنها لا تنظر إلى جهته ، وأن دورها لم يحن بعد . أمر المرأة بأن تنزل من السيارة ، وإلا استدعى الشرطة ، فرفعت يديها قرب أذنيها . مسك يدها اليسرى ، وطلب منها أن تهدأ . من غير أن يشعر مد يده إلى جيبه ، وأخرج ورقة زرقاء من فئة مائتي درهم ، وناولها إياها . أخذت الورقة ودستها داخل رافعة النهدين ، وانسحبت بسرعة بعد أن عرجت على زنقة ضيقة بالجوار ، واختفت عن الأنظار .
تنفس الصعداء ، وهو يرى زوجته تقطع الطريق بعد أن سحبت ما تحتاج إليه من نقود . قاد السيارة ، وذهنه شارد . تخيل أنه رفض أن يلبي طلب المرأة المحتالة ، ووضعت أصبعيها بالفعل في أذنيها ، وجمعت عليه الناس . لن يصدق أحد بأنه تعرض لعملية نصب ، حتى زوجته أقرب الناس إليه ستشك في أمره ، خاصة وأن المرأة النصابة جميلة ، ذات قوام رشيق ، وترتدي لباسا أنيقا ، وهو رجل تجاوز الستين . سيقول البعض :
ـ الله يمسخه ، لم يستحي من الشيب الذي يعلو رأسه !
وسيعلق البعض الآخر :
ـ هؤلاء المسنين أولاد الحرام ! أنظر المرأة تبدو في سن ابنته !
قال لنفسه :
ـ لو أحكمت إغلاق أبواب السيارة لما خسرت الورقة الزرقاء ، وعشت كل هذه البلبلة !
تخيل الحاجة تندب وتشتم ، وتشنق على المرأة ، وتحاول أن تقبض على شعرها لتجرها منه !
ثم أضاف :
وماذا لو جاءت الشرطة ، وقبضت على الجميع ، ووصل الخبر إلى أفراد العائلة والمعارف ، وتحولتَ إلى أضحوكة ، وفقدتَ كل الاحترام الذي كنتَ تحظى به من قبل .
من يدري ، لو لم تكن معك الحاجة ، لتصرفتَ بشكل مغاير . قد يغويك الشيطان وتقدم لها أكثر من مائتي درهم ، لكن بشرط أن تأخذ منها ما يقابل ذلك .
مراكش 16 أبريل 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...