كان كلما كره الجلوس أمام شاشة التلفازوسئم تتبع نشرات الأخبارالتي لا تسرالخاطرولا تأتي بجديد ،حمل كتابا وغادرالمكان إلى الطوابق العليا في مسكنه الفخم يجوب غرفه الواسعة ،آنا يتملى طلاء الجدران ذات الألوان الزاهية وآنا يسرح بخياله في جمال اللوحات الزيتية المنتقاة بإتقان ،لوحات رسمت بريشة فنان مرهف بديع وإذا ما داهمه التعب استرخى بعض الوقت فوق أريكة من الأرائك المخملية ثم ما يلبث أن ينهض متحاملا على نفسه ليعاود التجوال منتقلا الى بقية الغرف ممدققا النظرفي أثاث الأبنوس الذي اختيروفق ما يلائم كل حجرة من الحجرات الخمس حامدا الله على أن كل شيىء في مكانه وعلى أحسن ما يرام،
فلو تسنى لأحفاده الصغارأن يصعدوا حيث يوجد لعاثوا فسادا في كل ما صادفوه ،أحفاده الذين يصفهم بالعفاريت لما يتميزون به من خفّة الحركة ونشاط منقطع النظير وعدم انصياع لأوامره حين يصرخ فيهم صه ،قائلا كفاكم ركضا في كل الاتجاهات أيها الشياطين ،مضيفا كما لوكان أولئك الأطفال يستوعبون ما يتمتم به ،ما كان أغناني عن هذا الجوالمتوتّراالصّاخب ،سحقا للأيام التي فرقت بيني وبين خيرة أصدقائي
وتعسا للعمرالذي أحالنا جميعا إلى التقاعد فاتسعت الهوة بيننا وتفرقنا شذر مذر بعدما غادر معظمهم إلى المنازل التي بنوها في الرّيف مسقط رأس أجدادهم و آبائهم هروبا من زحام المدينة ومما طالها من إهمال ولاذوا بعد طول معاناة
بقراهم الوديعة حيث الطبيعة البكروالهواء الطلق والمناظر الخلابة والاخضرار الذي يتعدى الربيع إلى بقية الفصول ولا عجب في ذلك فأبناء الأرياف كما هو معروف عنهم مولعون بالبستنة وزراعة الورود والكروم وغراسة أشجارا لتين والزيتون التي ينتفعون بثمارها ويستظلون ظلها الظليل أوقات القيض ،
رفقاء الطفولة والعمل الذين تناءت المسافات بينه وبينهم ولم يعد يلتقيهم سوى عبرهاتفه المحمول بين الفينة والأخرى وأحيانا يمتدّ صمتهم إلى شهور دون أن تحين منهم التفاتة ،وحلّ الوباء اللعين بكل مدن العالم وبمدن بلاده وغيرت جائحة كورونا ملامح الحياة وإيقاعها ،
تكدر صفو الفرح واكتأب الانشراح وألزم البشربقوانين وإجراءات وقائية لم تخطرعلى بال أحد منهم من قبل ،كمامات وكفوف ومطهر لليدين ،تباعد اجتماعي و حجر صحيّ ،
حدود جوية وبحرية وبرية مغلقة ،وفرض حجر التجول لتخفيض معدل الإصابات والوفيات الناتجة عن كوفيد19 الذي حصد الملايين من الأرواح ومازال يصول ويجول متحورا في سلالات جديدة تقض مضاجع خلق االله وزاد الفيروس المجهول المصدر الطين بلّة و أصبح واقع حياة الناس أكثر إيلاما من ذي قبل ،فأمعن (عمرو ) في القلق وهو الطائر الحرّالطليق الذي يأنف من القيود والأقفاص ويعشق التجوال والسّفروالتأمل والاكتشاف وحضور مختلف أنواع الفعاليات
ومع تفاقم الوضع عبرالأيام والشهور في ظل هذه الازمة الإنسانية والصّحيّة اللامسبوقة ذات النهاية المفتوحة ،ثاب أبو (أحمد )إلى رشده وخفّف من غلوائه وانتهى به الأمر أخيرا إلى التكيّف مع نمط الحياة الجديد الذي فرض على الجميع
بعدما وعى أنه محظوظ رغم كل شيىء فمن نعم الله عليه أنه ليومنا هذا لم يصب بالعدوى وأنه يتمتع بلياقة بدنية عالية وهذا مالم يتح أحيانا لمن يصغرونه سنّا، فتيات وفتيان في مقتبل العمر أنهكتهم الإصابة وأقعدهم المرض في البيت فتأخروا عن الدراسة والالتحاق بمناصب
العمل أما هو فكثيرا ما يغادر المنزل في الأوقات المسموح فيها بالخروج ممتطيا سيارته إلى قرية قريبة من القرى الفلاحية يشتري ما طاب ولذ من الفواكه الموسمية والخضراوات الطازجة المعروضة على ضفّتيّ الطريق، أو يقصد شاطئ البحر لينعم بالراحة والهدوء في حين أن المئات والآلاف من البشر خلال اليوم والأسبوع والشهر في كافة أرجاء المعمورة في هذا الكون الفسيح يلفظون أنفاسهم الأخيرة وهم في طريقهم إلى المستشفى طمعا في الحصول على سرير شاغر وقارورة أوكسجين!
نورة سعدي
فلو تسنى لأحفاده الصغارأن يصعدوا حيث يوجد لعاثوا فسادا في كل ما صادفوه ،أحفاده الذين يصفهم بالعفاريت لما يتميزون به من خفّة الحركة ونشاط منقطع النظير وعدم انصياع لأوامره حين يصرخ فيهم صه ،قائلا كفاكم ركضا في كل الاتجاهات أيها الشياطين ،مضيفا كما لوكان أولئك الأطفال يستوعبون ما يتمتم به ،ما كان أغناني عن هذا الجوالمتوتّراالصّاخب ،سحقا للأيام التي فرقت بيني وبين خيرة أصدقائي
وتعسا للعمرالذي أحالنا جميعا إلى التقاعد فاتسعت الهوة بيننا وتفرقنا شذر مذر بعدما غادر معظمهم إلى المنازل التي بنوها في الرّيف مسقط رأس أجدادهم و آبائهم هروبا من زحام المدينة ومما طالها من إهمال ولاذوا بعد طول معاناة
بقراهم الوديعة حيث الطبيعة البكروالهواء الطلق والمناظر الخلابة والاخضرار الذي يتعدى الربيع إلى بقية الفصول ولا عجب في ذلك فأبناء الأرياف كما هو معروف عنهم مولعون بالبستنة وزراعة الورود والكروم وغراسة أشجارا لتين والزيتون التي ينتفعون بثمارها ويستظلون ظلها الظليل أوقات القيض ،
رفقاء الطفولة والعمل الذين تناءت المسافات بينه وبينهم ولم يعد يلتقيهم سوى عبرهاتفه المحمول بين الفينة والأخرى وأحيانا يمتدّ صمتهم إلى شهور دون أن تحين منهم التفاتة ،وحلّ الوباء اللعين بكل مدن العالم وبمدن بلاده وغيرت جائحة كورونا ملامح الحياة وإيقاعها ،
تكدر صفو الفرح واكتأب الانشراح وألزم البشربقوانين وإجراءات وقائية لم تخطرعلى بال أحد منهم من قبل ،كمامات وكفوف ومطهر لليدين ،تباعد اجتماعي و حجر صحيّ ،
حدود جوية وبحرية وبرية مغلقة ،وفرض حجر التجول لتخفيض معدل الإصابات والوفيات الناتجة عن كوفيد19 الذي حصد الملايين من الأرواح ومازال يصول ويجول متحورا في سلالات جديدة تقض مضاجع خلق االله وزاد الفيروس المجهول المصدر الطين بلّة و أصبح واقع حياة الناس أكثر إيلاما من ذي قبل ،فأمعن (عمرو ) في القلق وهو الطائر الحرّالطليق الذي يأنف من القيود والأقفاص ويعشق التجوال والسّفروالتأمل والاكتشاف وحضور مختلف أنواع الفعاليات
ومع تفاقم الوضع عبرالأيام والشهور في ظل هذه الازمة الإنسانية والصّحيّة اللامسبوقة ذات النهاية المفتوحة ،ثاب أبو (أحمد )إلى رشده وخفّف من غلوائه وانتهى به الأمر أخيرا إلى التكيّف مع نمط الحياة الجديد الذي فرض على الجميع
بعدما وعى أنه محظوظ رغم كل شيىء فمن نعم الله عليه أنه ليومنا هذا لم يصب بالعدوى وأنه يتمتع بلياقة بدنية عالية وهذا مالم يتح أحيانا لمن يصغرونه سنّا، فتيات وفتيان في مقتبل العمر أنهكتهم الإصابة وأقعدهم المرض في البيت فتأخروا عن الدراسة والالتحاق بمناصب
العمل أما هو فكثيرا ما يغادر المنزل في الأوقات المسموح فيها بالخروج ممتطيا سيارته إلى قرية قريبة من القرى الفلاحية يشتري ما طاب ولذ من الفواكه الموسمية والخضراوات الطازجة المعروضة على ضفّتيّ الطريق، أو يقصد شاطئ البحر لينعم بالراحة والهدوء في حين أن المئات والآلاف من البشر خلال اليوم والأسبوع والشهر في كافة أرجاء المعمورة في هذا الكون الفسيح يلفظون أنفاسهم الأخيرة وهم في طريقهم إلى المستشفى طمعا في الحصول على سرير شاغر وقارورة أوكسجين!
نورة سعدي