سمير الفيل - هيا إلى العمق

كانت علاقتهما مسطحة . علاقة بلا عمق ، ولا مسارات متعددة. كل ما يمكنه قوله ، قيل في جلستين ثم حدث الزواج.
شعرت أنه اخترق كل ما عاشت لتخفيه عن الناس. المسألة لا تخص الجسد بل الروح التي ظلت شاردة ، وهفهافة.
أما هو فقد وجدها أمامه كالكتاب المفتوح ، مساحة من السطح المحايد البارد ، يمكنه أن يقرأها بعد تصفح ورقتين ، لا أكثر . لقد ملها بسرعة لم يتوقعها.
وهي ملته تماما بعد أن صارحته بأنه رجل بلا عمق. وقد عاشت لتدرك معنى العمق في الإنسان : تصرفات وأحاديث وحكايات وإيماءات ، ربما إشارات اليدين وخلجات الشفتين وأنين القلب . يالله . حياة بلا عمق لا تعني سوى الفناء الأبدي.
حين اقترحت عليه أن يقوما برحلة في صحراء مصر الغربية وافق سريعا . ركبا سيارة دفع رباعي وعندما توغلت السيارة ، وغرست في كثبان الرمال نزلا برفق على أقدامهما ، وركبا جملا كان بيد بدوي يخفي ملامحه بلثام أسود .
يقود الجمل بهوادة ، وهو يركب على السنام فيما تمسك بملابسه وخصره ، حتى لا تقع . يتوقف الجمل ليتناول بعض الأعشاب والأشواك وأوراق الشجر القزمي ، التي تقل في وجودها كلما اتجها غربا.
إنه ينيخ الجمل كي يهبط ، يأخذ بيدها ، يسيران في صمت تام ، وهي ترتعد . أمام بئر عميق يتوقف وتتبعه.
يصرخ بكل قوته في البئر فيتردد صدى الصوت ، تصرخ صرخات واهنة ، فيكون الصدى أقل . يخبرها أن في عمق البئر ماء . تهز رأسها مؤكدة اقتناعها بذلك.
تميل أكثر وأكثر ، لتتصنت فتزل ساقيها أو يدفعها بيديه القويتين لترتطم بسطح الماء ارتطاما مخيفا .
عاد وحيدا ، دون أن يرمش له جفن . كان يشعر بالسعادة لأنها سكنت العمق الذي ظلت تبحث عنه.ف


سمير الفيل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...