منقول - الجماعات الأدبية بتونس

-1 - الزيتونة و العاصفة
تمثل الجماعات الأدبية من أهم العلامات المؤثرة في تاريخ الثقافة التونسية المعاصرة بداية من جماعة شيوخ الإصلاح في منتصف القرن التاسع عشر الذين تخرجوا من جامع الزيتونة و من بينهم الشاعر محمود قابادو و المؤرخ ابن أبي الضياف و الشيخان محمد السنوسي و سالم بوحاجب الذين دعوا في كتاباتهم المتنوعة إلى ضرورة الِاقتباس من الحضارة الأوروبية ما يوافق الشريعة غير أن صوت تلك الجماعة لم يجد نفعا فقد اِحتلت فرنسا البلاد التونسية سنة 1881
ثم بعد أن أمسى الاحتلال الأجنبي مهيمنا على البلاد دأبت النخبة الفكرية والأدبية المتخرجة من مؤسستي جامع الزيتونة و المدرسة الصادقية على تأسيس الجمعيات والصحف والمجلات مثل الجمعية الخلدونية ومجلة السعادة العظمى وجريدة الحاضرة لتكون منابر للحركة الوطنية ولتبقي جذوة الوعي متأججة جيلا بعد جيل...
في هذا المناخ المشحون بالتحديات والتناقضات ظهرت جماعة الثلث الأول من القرن العشرين تلك التي جمعت الشابي والحليوي والبشروش وبعدها تأتي جماعة تحت السور التي ضمت الدوعاجي و العريبي وغيرهما من الصحافيين والفنانين فكانت تلك الجماعات الإطار الذي شهد ظهور الحركات الأدبية الفاعلة والمؤسسة بما كان في رحابها من تناغم و تباين أيضا ضمن تفاعلاتها الداخلية و بما وجدته كذلك من اِختلاف و تناقض مع محيطها حيث أنتجت جملة من المواقف والنصوص هي اليوم المرجع لتلك الحركات العديدة.
قبيل منتصف القرن العشرين نشأت جماعة أخري من الأدباء اِتخذت منبرها مجلة "المباحث" نذكر من بينهم محمود المسعدي و الصادق مازيغ وكان يجمع بينهم خاصة تكوينهم الدراسي العصري وذودهم عن الأصالة التونسية في مواجهة الاستعمار مع اِنفتاح على الثقافات الغربية و التزامهم بالقضية الوطنية في تلك السنوات الحاسمة من تاريخ تونس الحديث وقد أنتجت هذه الجماعة هي أيضا جملة من الآثار الأدبية إبداعا ونقدا و ترجمة تعتبر رصيدا مهما في الأدب التونسي الحديث
- 2 – آفاق الاِستقلال
في سنوات الخمسين نشأت جماعة رابطة القلم الجديد فضمت طلائع الشباب الأدبي وقتذاك و اِجتمعت حول مقولات عامة في الأدب لم تتمكن من بلورتها في نصوص مرجعية واضحة لأنها كانت إلى العلاقات الشخصية أقرب فهي بمثابة المجالس والمنتديات التي ضمت عديد الأسماء النشيطة في تلك السنوات من بينها عديد الأدباء الجزائريين الذين كانوا يقيمون بتونس أثناء حرب التحرير.
• في السنوات الأولى من الاستقلال اِستطاعت مجلة الفكر التي أسسها الأستاذ محمد مزالي بمعية الأستاذ البشير بن سلامة أن تستقطب أهم الأدباء التونسيين بمختلف أجيالهم و مشاربهم حتى أضحت المنبر الذي التقت فيه أغلب الأقلام ذات التوجه التجديدي حيث وجد الأدباء أنفسهم في إطار جديد و ضمن معطيات جديدة من أهمها ظهور جيل فتي قد فتح عيونه على التعليم الوطني وعلى العالم بما فيه من تحولات وإرهاصات مما جعله لا يتأقلم مع السائد من الثقافة ويطمح إلى مقولات الحداثة والتجريب فراح يتشكل هنا وهناك ضمن مجموعات أدبية لعل من أولها جماعة نادي القصة سنة 1964 وكان من أعمدتها محمد العروسي المطوي والبشير خريف والطاهر قيقة الذين فتحوا المجال للأقلام الجديدة وقتذاك مثل حسن نصر و عزالدين المدني و يحيى محمد و عمر بن سالم ومحمود بلعيد ومحمود طرشونة ومحمود التونسي ولينضم إلى الجماعة محمد الهادي بن صالح ورضوان الكوني وأحمد ممو والتابعي الخضر وفاطمة سليم وعروسيه النالوتي وغيرهم من أدباء السبعينات بعد ذلك.
• إن جماعة نادي القصة قد أسست للسرد في تونس بفضل إصرارها على النقد الذاتي في ما بينهم وبفضل دأبهم على مواكبة الكتابات الجديدة في العالم فأضحت مجلة " قصص" منبرا متميزا للقصة العربية
• عند أول الستينات من القرن العشرين عادت جماعة أخرى من الجامعات الفرنسية سرعان ما تصدرت التدريس في منابر كلية الآداب الفتية وراحت هي بدورها تسهم في تطوير الثقافة الوطنية من زوايا أخرى فأصدرت مجلتي "الحوليات" ومجلة "التجديد " التي لم تتمكن إلا من الصدور في أعداد قليلة لكنها طرحت مقولات جديدة في الثقافة والأدب كان لها الأثر الواضح بعد ذلك
• و يمكن ذكر ثلاثة من أبرز هذا الجيل الذي طور الأدب التونسي بفضل أفكاره الجديدة ومن خلال تدريسه وإشعاعه وأعني بهم الأساتذة منجي الشملي و توفيق بكار وصالح القرمادي إضافة إلى الأديب الدكتور فريد غازي الذي توفي شابا في مطلع الستينات
• إن بعض المقاهي في وسط العاصمة كانت فضاء للتلاقي بين الأدباء التونسيين أثناء سنوات الستينات من القرن العشرين نذكر من بينهم مقهي "المغرب" بشارع فرنسا الذي كان يجلس فيه خاصة البشير خريف مع جملة من أصدقائه ومريديه ثم مقهى "الكون" الذي كان فضاء للقاء عدد من الشعراء والرسامين مثل الميداني بن صالح ونجيب بلخوجة.
• ولم تكد الستينات تلفظ سنواتها حتى كان الأدباء في غمرة الأحداث الجسام تلك التي هزت الوطن العربي في حرب جوان 1967 وشغلت أحرار العالم ضد حرب فيتنام في شرق آسيا فتأثرت الذهنيات التونسية بتلك الوقائع إلى حد بعيد بالإضافة إلى تفاعلها مع المستجدات الثقافية في الصين وفي فرنسا و في أمريكا وكلها كانت تدعو إلى إعادة طرح الأسئلة الأساسية في الفكر والفن والحياة حيث تزامنت تلك الإرهاصات مع التحولات الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية التي شهدتها البلاد في هذه السنين إثر الشروع في تطبيق القوانين العائلية و الاقتصادية و التعليمية الجديدة ومنها خاصة حل مؤسسة التعليم في جامع الزيتونة ومنع تعدد الزوجات وتطبيق المنهج الاشتراكي و اِعتماد نظام الحزب الواحد في الحكم
-2 – البحث عن البديل
 مع مطلع السبعينات من القرن العشرين بدأت ملامح جديدة تلوح على المشهد الثقافي في تونس إذ تشكلت حركة نشيطة بين الشباب الذي نهل من المعرفة على مقاعد المدارس والمعاهد والجامعة التونسية وهو لئن كان متجذرا في بيئته التونسية إلا أنه كان مطلعا ومواكبا للحركات الفكرية والأدبية والفنية سواء في المشرق أو الغرب بالإضافة إلى ظهور عدة منابر أدبية قد ساعدت على بلورة هذه الحركة الجديدة لعل من أهمها مجلة "ثقافة" التي صدرت عن النادي الأدبي بدار الثقافة ابن خلدون بإدارة عبد القادر القليبي ومجلة "قصص" الصادرة عن نادي القصة بالنادي الثقافي بالوردية ومجلة "الفكر" التي فتحت صفحاتها للشعر الجديد تحت عناوين عديدة من بينها خاصة ـ في غير العمودي والحر و ـ قصائد مضادة ـ و ـ ألوان جديدة ـ حيث برز جيل جديد من الشعراء من بينهم الطاهر الهمامي و محمد الحبيب الزناد وفضيلة الشابي والتهامي الكار ثم مختار اللغماني ونور الدين عزيزة ومحمد أحمد القابسي وأحمد الحباشة بالإضافة إلى شعراء مطلع الاستقلال ومن بينهم نور الدين صمود و محي الدين خريف والميداني بن صالح وجعفر ماجد و علي عارف وغيرهم
وقد نشطت هذه الجماعة في تحريك المشهد الأدبي بين أنصار هذا اللون من التجديد وبين المناهضين له الذين نذكر من بينهم خاصة أحمد اللغماني و علي دب.
إذا كان المظهر الشكلي في الخلاف بين الجماعتين هو المتناول في الجدال بينهما إلا أن المسألة تخفي تناقضا بين موقفين من الشعر يتمثلان في أن المجددّين يرومون البحث عن التعبير عن المعاني الجديدة بأشكال متحررة من العروض واللغة الصافية بينما الجماعة المناهضة تقف موقف الدفاع عن الأصالة و الجمالية في مفهومها التقليدي .
ثمة نصوص شعرية أخرى كانت تنطلق من البحث عن تطوير الفن الشعري عامة دون أن تلتزم بالجماعة في عنوان "غير العمودي والحرّ" نذكر من بينها خاصة محمد مصمولي في نصوصه التي جعل لها عنوان "القصيدة المضادة" ونور الدين صمود الذي كتب عدة قصائد تروم التجديد تحت عنوان "ألوان جديدة" وعندما كانت سنة 1970 أصدر الأديب صالح القرمادي ديوانه بعنوان " اللحمة الحية"بتقديم الأستاذ توفيق بكار الذي انتصر في مقدمته لشعر القرمادي باعتبار أن تفعيلة الحياة أهم وأبدع من تفعيلة الخليل بن أحمد وسرعان ما شب النقاش والجدال بين الشعراء والأدباء والمبدعين حول مواضيع اللغة والإيقاع والجمهور والالتزام والتراث وغيرها مما حرك السواكن وزلزل الثوابت في تلك السنوات الأولى من السبعينات.
و الغريب حقا أنه بعد ثلاثين سنة من تلك المواقف المتناقضة سنقرأ قصائد موزونة عصماء لأولئك الشعراء الذين كانوا قد نادوا بالثورة على التفعيلات والبحور والقوافي بل إن الشاعر نور الدين عزيزة وهو أحد المنظرين والدعاة للشعر الجديد قد أصدر كتابا مختصا في العروض وسينشر الشعراء الآخرون الذين كانوا ضد الشعر الجديد في تلك السنوات عديد القصائد التي يمكن اعتبارها من الشعر الحداثي وتلك هي تطورات المواقف والمفاهيم بحكم قانون الزمن ولعل تفسير تراجع هؤلاء و أولالئك هو أن الشعراء الذين كتبوا في التجديد أرادوا إثبات قدرتهم على امتلاك ناصية القديم، أما الشعراء الذين كانوا قد رفضوا الشعر الحديث في تلك السنوات فكأنهم أرادوا بدورهم الانخراط في ركاب الشعر الجديدقبل فوات الأوان
إبّان السنوات الأولى من سبعينات القرن العشرين أنشء اتحاد الكتاب التونسيين وطيلة هذه العشرية لم يكن له نشاط يذكر ما عدا احتضانه لمؤتمر الأدباء والشعراء العرب سنة 1973 وتنظيمه لمهرجان ابن رشيق في القيروان ذلك أن مجلته "المسار" ونواديه الأدبية الأسبوعية لم تظهر إلا بعد سنه 1982 عندما صار له مقره المستقل في شارع باريس بالعاصمة.
ما كادت السبعينات تنتصف حتي خفتت أصوات جماعة الطليعة الأدبية لأسباب متداخلة لعل من أهمها تباين المنطلقات والأهداف وتذبذب المرجعيات الفكرية فيمكن تشبيهها بالعاصفة الهوجاء أو بالموضة العارمة ولكنها تركت بصماتها في نصوص محدودة القيمة الفنية في الشعر غير أنها على مستوى القصة والمسرح كانت أثبت وأجدر، أما في النقد فقد مثلت تلك السنوات الانطلاقة الحاسمة للأطروحات الجديدة في اللغة والأسلوب وفي غيرهما من القضايا الأدبية تلك التي شهدت دخول الجامعيين إلى الميدان فيما بعد.
عند منتصف السبعينات سجل نادي الشعر حضوره من خلال أمسيات يوم الجمعة سواء في الطابق العلوي من دار الثقافة ابن خلدون أو في دهليز دار الثقافة ابن رشيق حيث كان يجتمع كل أسبوع عدد كبير من الشعراء نذكر منهم محمد أحمد القابسي ومختار اللغماني وحسين العوري ومحمد العوني وخالد النجار ونورالدين عزيزة وعبد الحميد خريف وعبد الله مالك القاسمي محمد معالي ونجاة العدواني وسندرلا اليحياوي ثم صار يتردد عل جلسات ذلك النادي هشام بوقمرة ومحمود عبد المولى أدم فتحي ومنصف المزغني ولعل أهم أنشطة ذلك النادي كانت تتمثل في الحوارت الجدية بين الحضور حول قضايا الشعر والثقافة عامة وتمكنت تلك المجموعة من إقامة عديد "الأيام الشعرية" خلال سنوات 1978 و1979 و1980 شارك فيها أغلب الشعراء سواء من العاصمة أو من داخل البلاد فكانت مناسبة لظهور شعر تونسي جديد يختلف إلى حد بعيد عن شعر الستينات وأوائل السبعينات .
-3 – الأغصان المختلفة
إذا كان نادي الشعر بالعاصمة قد مثل طيلة سنوات آخر السبعينات وأوائل الثمانيات أهم منبر أدبي رغم تنقله ما بين دار الثقافة ابن خلدون ودار الثقافة ابن رشيق فإن داخل البلاد قد شهد هو كذلك بعض الأنشطة ساهمت في تفعيلها عديد الجماعات الأدبية نذكر من بينها جماعة نادي الأدب بدار الثقافة بمدينة صفاقس وقد كان ملتقي أسبوعيا يحضره أدباء الجهة والشعراء من بينهم عبد الرزاق نزار وعبد الرزاق الفريخة ومنصف المزغني ونور الدين بوجلبان ثم محمد البقلوطي وعبد الجبار العش وغيرهم أما في مدينة توزر فقد نشط الأدباء والشعراء في عقد الجلسات الأدبية في رحاب الجمعية المحلية "الطالب التوزري" ونذكر خاصة من بينهم الأديب الشاذلي الشاكر والشعراء محمد الأمين الشريف و محمد علي الهاني الذين أسسوا بدعم من الجهات الثقافية الأخرى مهرجان الشعر العربي الحديث بالجريد والذي سيتواصل إلى اليوم.
أما في مناطق المناجم وتحديدا في مدينة المتلوي فإن الشعراء هناك سينتظمون حول مواضيع مناجم الفسفاط وما يدور حولها من معاناة وتحد للطبيعة وتعلق بقيم العدالة والانعتاق على المستوى الاجتماعي والإنساني وقد عرفوا بجماعة شعراء المناجم نذكر من بينهم خاصة محمدعمار شعابنية وسالم الشعباني ومحمد مختار الهادي وقد كانوا النواة التي أسست لمهرجان الشعر بالمتلوي الذي مازال مستمرا ومنتظما في دوراته.
في هذه السنوات نشأت جماعة "الأخلاء" التي تكونت من خلال نشرها لكتبها الخاصة والمشتركة في دار نشر "الأخلاء" لصاحبها الشاعر أبو وجدان الصادق شرف الذي كان شديد الرفض للتجارب الجديدة في الشعر في تلك السنوات الأولى من الثمانينات حيث أصدر عديد النصوص في هذا الموقف ومن أبرز الشعراء في هذه الجماعة حميدة الصولي ويوسف رزوقة وعبد الله مالك القاسمي وعبد الرؤوق بوفتح والحبيب الهمامي وعبد الله البلطي.
وانتشرت في تلك السنوات ظاهرة الأمسيات الشعرية التي كانت تقيمها عدة أطراف ثقافية في أغلب جهات البلاد سواء في دور الثقافة أو في المعاهد والكليات والمبيتات والجمعيات الأخرى وأحيانا تكون بمرافقة الفرق الموسيقية التي كانت تؤدي الأغاني والأناشيد الملتزمة مثل فرقة البحث الموسيقي بقابس وفرقة الحمائم البيض التي ما تزال قائمة إلى اليوم ويمكن ذكر كذلك بعض الفنانين مثل الهادي قلة ومحمد بحر والزين الصافي وحمادي العجيمي وقد كان يشارك في بعض تلك النوادي والمهرجانات عدد من الشعراء الفلسطنيين الذين أقاموا بتونس بعد اجتياح بيروت سنة 1982
أما في مدينة القيروان فقد تألفت جماعة أخري من الشعراء هم خاصة منصف الوهايبي ومحمد الغزي وجميلة الماجري ثم انضم إليهم في النشاط والحركة والمواقف حسونة المصباحي وخالد النجار ومحمد رضا الكافي.
وهؤلاء الجماعة ينطلقون من المراجع التراثية في التصوف ومن الوزن الخليلي في الإيقاع و معبرين عن تعلقهم بالقيروان باعتبارها رمزا للأصالة العربية وقد خاضت هذه الجماعة عدة سجالات على المنابر الصحفية في سنوات الثمانينات مما يجعلها أوضح حركة بعد حركة الطليعة السابقة.
في سياق مطلع سنوات الثمانينات إذن اِنتظم الملتقي الأول والثاني للشعر التونسي الحديث بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات وكان يشتمل على مداخلات نقدية وعلى قراءات شعرية ثم على البيان الختامي غير أنه قد سجل اختلافا كبيرا بين الشعراء المشاركين عند النقاش والحوار فيما بينهم والنقاد أيضا مما أفضي بالملتقي الأخير إلى ظهور ثلاثة تيارات أو اِتجاهات كبرى هي:
أولا: جماعة المنحى الواقعي وهي تمثل بقايا جماعة في غير العمودي والحر وتعتبر أن الشعر وسيلة من وسائل التعبير عن التناقضات التاريخية بما فيها الصراغ الطبقي بحيث أن الأدب لديها ينبغي أن يكون في خدمة القضايا الاجتماعية والإنسانية من دون الاحتفال بالأبعاد الجمالية وقد مثل هذا الاتجاه كل من الطاهر الهمامي ومحمد معالي وسميرة الكسراوي.
ثانيا: جماعة الشعر الكوني وهي تمثل مجموعة شعراء القيروان خاصة وترى هذه الجماعة أن الأبعاد القومية العربية هي المنطلق لديها مع الانفتاح على الثقافات الإنسانية الأخرى وفد وقفت ضد المنهج الواقعي تحديدا وقد مثل هذه الجماعة كل من منصف الوهايبي ومحمد الغزي وحسونة المصباحي.
ثالثا: الجماعة الثالثة وقد كانت ترى أن الشعر بحث وتجديد وتحرر أولا يكون دون الالتزام بضوابط إيديولوجية سواء تلك التي مأتاها المشرق أو الغرب وتعتبر أن الشعر التونسي متفاعل مع الشعر العربي بما يزخر به من تنوع وتعدد وإضافة، وقد كان من بين هذه الجماعة منصف المزغني ومحمد العوني ومحمد الصغير أولاد أحمد وأحمد الحاذق العرف وكاتب هذه السطور.
وقد تكونت لجنة بعد هذا الملتقي لتنظيم الملتقي الموالي على أن يشمل شعراء آخربن فاعلين في المشهد الأدبي لتعميق الحوار ولتجذير الأفكار ولتوضيح الآفاق غير أن إدارة المركز الثقافي الدولي لم تستجب لمواصلة تنظيم تلك الملتقيات الشعرية آنذاك.
لذلك دعا عدد من الشعراء إلى قرع أبواب اِتحاد الكتاب التونسيين في مقره الجديد بشارع باريس بالعاصمة فوجدوا الترحاب والاحتضان من لدن رئيسه الأدبب محمد العروسي المطوي فتأسس بداية من سنة 1984 نادي الشعر الذي كان أكثر تنظيما وتفاعلا وإشاعا.
-4 – اِختلاط الأوراق
منذ مطلع الثمانينات من القرن العشرين أضحي فضاء اتحاد الكتاب التونسيين ملتقي للأدباء من جميع الأجيال والاتجاهات الفكرية والفنية وقد تجسم هذا التنوع والاختلاف في هيئاته المتلاحقة على مدى تلك السنوات حيث كانت تضم أغلب اللألوان والأشكال الفكرية والأدبية وحتى السياسية وقد تعزز في هذا الخضم نادي الشعر بمنتدى القصة وبمنابر أخرى لعرض الكتب الفكرية والقضايا العالمية الجديدة بحيث أضحى اتحاد الكتاب التونسيين في تلك الفترة من الثمانينات يعج بالنشاط والحركة والحوارات خاصة أن عددا من أساتذة الجامعة في الأدب والحضارة قد ولجوا نواديه بالإضافة إلى اِستضافته لأغلب الأدباء العرب الذين كانوا يفدون على تونس بمناسبة أو بأخرى مع غيرهم من الأدباء والمستشرقين من أوروبا وأسيا بحيث أن الأدب التونسي شهد سنوات خصبة خاصة عندما توطدت الصلات بين المشرق والمغرب وعند صدور مجلة "المسار" التي كانت مطلبا لأعضاء الاِتحاد على مدى سنوات متواصلة
وما كاد فجرحركة السابع من نوفمبر 1987 يتجلى حتى طوى الأدباء التونسيون مرحلة مهمة من مراحل تاريخهم الحديث وراحوا يرنون ويستشرفون آفاق المستقبل بآمال عريضة لذلك كانت سنوات التسعينات الطفرة التي مثلت بوضوح رسوبات السنوات الطويلة والثقيلة الماضية بما كان فيها من تناقضات وخيبات وبما حملته من طموحات وأحلام الجيل الذي فتح عيونه على المكتسبات العديدة وخاصة في تلك الإنجازات الثقافية التي كانت حلما قبل التغيير وصارت واقعا ملموسا في سنوات القرن العشرين الأخيرة والتي تتمثل خاصة في سهولة النشر والترويج والظهور في وسائل الإعلام المختلفة والمشاركة في الملتقيات والندوات والمهرجانات على مدى شهور السنة وفي كامل جهات البلاد حتى صار البعض يشكو من اِختلاط الحابل بالنابل وطغيان الكثرة على الجودة غير أنه ثمة علامات تظل محطات أدبية مهمة و تمثل مناسبات للتلاقي على مستوى الشعر والنقد نذكر من بينها خاصة:
1- مهرجان الشعر العربي بالجريد
2- مهرجان الشعر بالمتلوي
3- مهرجان الشعراء الشبان بحي الزهور
4- مهرجان الشعراء الشبان بقلبية
5- مهرجان الشعر الحديث ببنزرت
6- مهرجان الربيع ببوسالم
7- خيمة على بن غذاهم للشعر بجدليان
8- مهرجان مرآة الوسط بسيدي بوزيد
9- ربيع الفنون بالقبروان...
وغيرها من الملتقيات والندوات الأدبية المختصة التي تنتظم بشكل مناسباتي أو بشكل دوري في كامل الأنحاء التونسية مثل مدينة سوسة التي تستقبل المبدعات العربيات في كل سنة ومثل مدينة قابس التي ينظم مهرجانها ملتقي الرواية العربية ومثل مدينة صفاقس التي ينتظم فيها ملتقي الشاعر محمد البقلوطي وغيرها من المدن والقرى التي عملت طيلة هذه السنوات على دعوة الأدباء في مناسبات عديدة مثل المنستير و تطاوين و مدنين القصرين وزغوان وعين دراهم ومنزل عبد الرحمان ومنزل جميل و المروج وبن عروس والزهراء ودار شعبان ومقرين وغيرها وذلك بالتنسيق مع لجانها الثقافية حينا ومع المندوبيات الثقافية حينا أخر وكذلك مع بعض الفروع الناشطة لاتحاد الكتاب.
إن الملاحظة الواضحة خلال هذه السنوات تتمثل في كثرة تنظيم اللقاءات الأدبية وفي كثرة الإصدارات للكتب سواء على الحساب الخاص أو ضمن دور النشر الجديدة التي هي بدورها لا تقيم وزنا يذكر للناحية الأدبية بحيث أن اتحاد الكتاب تجاوز عدد أعضائه المنتسبين الخمسمائة بعدما كان هذا العدد لا يتجاوز المائة سنة 1987.
في هذا السياق من التهافت على النشر والمشاركة في المهرجانات والندوات والملتقيات وفي تنشيط المنابر الإعلامية وفي نيل العضوية في هذه الهيئة أو تلك من الجمعيات وغيرها من الفضاءات المختلفة برزت المنافسات و الخلافات التي لا ترتكز على أساس أدبي و لا تنبني على برنامج فكري و إنما تقوم على تكتيك حركي أساسا لكسب الفرص والامتيازات الشخصية .
أهم جماعة جديدة ظهرت في هذه الفترة ـ جماعة أدباء التسعينات ـ و أدباء التسعينات تسمية ظهرت في إذاعة المنستير بمناسبة تنظيمها لعدة ملتقيات أدبية تحت هذا العنوان ثم ترسخت بعد ذلك لدى الشعراء الذين أصدروا دواوينهم في السنوات التي أعقبت تحول السابع من نوفمبر 1987 وكانوا قد برزوا في النوادي والملتقيات الأدبية الشبابية خاصة غير أنهم لم يتفردوا بمقولات خاصة بهم في المضمون والشكل ذلك أن ظلال المدونة السابقة لهم – تونسيا وعربيا- واضحة على أغلب نصوصهم التي تتفاوت في قيمتها الإبداعية إلى حد بعيد ويمكن أن نسجل بكل وضوح في هذه السنوات الحضور الكبير لموجة الأقلام النسائية
ثم تشكلت جماعة شعراء ـ تحت النخلة ـ وهي النخلة التي في ساحة ِاتحاد الكتاب التونسيين بشارع باربس حيث كانوا يجلسون ونذكر من بينهم الشاعر محمد رضا الجلالي ويبدو أن لقاء الجماعة كان سببه اِختيارهم للهامشية مسلكا في الحياة.
ثم جماعة شعراء النادي الثقافي الطاهر الحداد بالمدينة العتيقة في تونس العاصمة وهو النادي الذي نشطه الشاعر يوسف رزوقة سنوات عديدة ولهذه الجماعة مركز نشرها الأسبوعي على منبر جريدة "الصحافة".
ثم جماعة ـ مدونة الملاعين الطيبين ـ وهم الشعراء الذين نشروا ديوانا مشتركا سنة 2002 و ضم كلا من صلاح الدين الحمادي وعبد الحفيظ المختومي وحامد المرايحي ومنتصر الحمدي ومنجي الطيب الوسلامي وأبو الهيثم ابن البشير.
ثم جماعة مقهى ـ المتروبول ـ حيث اِجتمعت في هذا المقهي الصغير وسط العاصمة بين ساحة برشلونة وشارع بورقيبة محاولة إرساء حركة أدبية جديدة قائمة على العلاقات الإنسانية الجميلة حسب بعض كتاباتها وتصريحاتها ومن بين هؤلاء الجماعة الباحث والصحفي محمد المي والشاعر صلاح الدين الحمادي والأديب ظافر ناجي.
أما آخر جماعة أدبية في تونس فقد ظهرت في مطلع القرن الحادي والعشرين عند إقامة بعض الأمسيات الشعرية وأعني بها الثنائي الشاعر عبد السلام لصيلع والشاعرة سلوى الفندري حيث راحا يشتركان في قراءة نصوصهما الشعرية المتجاوبة و المنسجمة في الموضوع و الوجدان كأنها تمثل معارضات أو قصائد مشتركة.
-5- صخب و زبد
خلاصة القول في مسيرة الجماعات الأدبية بتونس أنها مثلت القاعدة الأساسية في الإصلاح على مدى منتصف القرن التاسع عشر باعتمادها على قيم العدل والشورى في مجابهة الحكم المطلق و بدعوتها إلى الأخذ بأسباب الحضارة والعلم للاِرتقاء بالمجتمع إلى مرتبة الدول الأوروبية و إن النصوص الشعرية والنثر لتلك الفترة شاهدة على مدى وعي الأديب التونسي بتحديات عصره.
وعندما جثم كابوس الاحتلال الأجنبي على البلاد سرعان ما اِنتظم الأدباء مع غيرهم من النخب للحث على التشبث بمقومات الشخصية الوطنية حتى تصمد أما دعوات الاِغتراب والذوبان في الثقافة الفرنسية المتغلبة فنشأت جماعات متوالية تعبر عن الانتماء التونسي بجذوره الأصيلة من دون رفض مقولات الانفتاح على الحضارة المعاصرة بما فيها من أبعاد عقلية وأدبية ضمن التفاعل الإنساني وقد تجلى ذلك بوضوح لدى جماعة أبي القاسم الشابي على منبر مجلة ـ العلم الأدبي ـ ثم مع جماعة محمود المسعدي على منبر مجلة ـ المباحث ـ ومن ناحية أخرى عملت جماعة أدباء ـ تحت السور ـ على ربط الصلة بالجماعات الفنية الأخرى وخاصة مع الموسيقيين والمغنيات وكذلك مع الرسامين مما نتج عن ذلك التفاعل الخصب الأعمال الرائدة في الأغنية والرسم والمسرح.
أما في النصف الثاني من القرن العشرين فقد تأثرت الحركة الأدبية خاصة بتطور الأحداث والقضايا على الساحة العربية والعالمية مما جعل الأدباء التونسيين يتفاعلون مع الوقائع على المستوى السياسي والاجتماعي فكانت نصوصهم على مدى هذه الفترة متجاوبة مع غيرها من الأحداث بما تؤثر فيهم من آلام و آمال مفتوحة على جميع الجهات تهب فيها مختلف الرياح حيث مثلت مدونة الأدب العربي الحديث الزاخرة بالتنوع و الاِختلاف و المراوحة بين التجديد و التقليد ضمن تفاعل مقولة الأصالة والمعاصرة.
لقد كان لتلك الجماعات الأدبية في أغلب فتراتها منابرها التي نشطت فيها فعرفت الاجتماع بين أفرادها في فضاءات المقاهي والنوادي ونشرت نصوصها على صفحات المجلات والجرائد ثم جمعت نصوصها في كتب مستقلة أو جماعية أحيانا مما يجعلها المرجع الأساسي.
غير أنه لا بد من الإشارة إلى أن هذه الجماعات الأدبية لم تكن تمثل جميع الأدباء بل إنها لم تشمل إلا الأقلية منهم وتظل القيمة الأدبية والإبداعية مرتبطة أولا وأخيرا بنص صاحبه.
في هذا السياق يمكن أن نقارن الحركة الأدبية بتونس في سنوات القرن العشرين الأخيرة بما سبقها من الحركات فنقف على جملة الملاحظات التالية:
-1 شهدت هذه السنوات مطلع القرن الواحد والعشرين مجالات لا تحصي ولا تعد من مناسبات النشاط والنشر سواء في النوادي والملتقيات والمهرجانات أو على صفحات الصحف والمجلات والكتب وكذلك على موجات الإذاعات والفضائيات وداخل البلاد وخارجها.
-2 رغم هذا الظهور الكثيف للأدباء – القدامى والجدد على السواء – لم نسجل حركة أخرى تتفرد بمقولاتها الأدبية والفكرية تكون إضافة أخرى في تاريخ التطور الثقافي وهي ملاحظة ليست خاصة بتونس فقط رغم أن تطورات جذرية كبيرة حدثت في هذه السنوات على مستوى العربي والعالمي فإذا كانت الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين 1948 قد ظهرت بعدهما حركة الشعر الحر، وإذا كانت حرب جوان 1967 وحرب فيتنام على مدى الستينات ظهرت خلالهما حركة الطليعة الأدبية في تونس وفي كثير من البلدان العربية فإن اِنهيار جدار برلين سنة 1988 أو حرب الخليج وما حدث من أليم الوقائع في المنطقة بعد ذلك لم نسجل إثرهما منعرجا أو لونا جديدا في الأدب.
-3 هل أن الأدب صار يعيش بعيدا عن الواقع وأضحي لا يتأثر بما حول الأديب من أحداث تهز الوجدان والضمير وتخلخل الأشكال والأساليب وتراجع الثوابت بالأسئلة ؟ أم أن الأدباء صاروا يكتبون لأجل توفير لقمة العيش وحصد الجوائز واِكتساب الوجاهات و الترقيات الاِجتماعية و اللهاث وراء بريق النجومية والبهرجة الإعلامية واِكتساح الكراسي الوثيرة..
-4 صحيح أن الكثير من الصحف والمجلات تشتمل على كتابات حول اِختلافات الأدباء في ما بينهم ولكنها خلافات شخصية من أجل المواقع والمصالح بعيدة كل البعد عن الجدل الفكري والأدبي في سبيل تطوير الكتابة وتجديد الإبداع.
- 5 – رغم توفر عديد المنابر الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية و رغم وجود عديد الجمعيات والفضاءات والمؤسسات الأدبية والثقافية ورغم وجود الكثير من النصوص القانونية أيضا إلا أن مؤشرات الإضافة و التميز قد شهدت في سنوات مطلع القرن الحادي والعشرين رتابة و خفوتا إن لم نقل ِانتكاسة وتراجعا على المستوى الإبداعي خاصة إذا ما قورنت هذه الفترة بسابقاتها عامة تلك التي خاضت في قضايا جوهرية ومصيرية كان لها الأثر الواضح على مدى التاريخ الثقافي لتونس ؟
تونس /صيف 2003

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...