نحن نعرف جيدا ان التعبير الشعبي الذي يأتي على لسان أبناء الشعب متنوّع ومتعدّد، وهو لا يبتعد عنه في التعبير الرسمي، اذا صحت التسمية، بعد أن أصبح الشعب يستخدم اللغة، واللهجة، أو اللسان، إذ أن اللغة العربية لها مجموعة من اللهجات منذ أن تداولت على ألسنة الناس، وكانت اللغة الفصيحة التي نتداولها الآن، أوما تسمى بلغة القرآن، في يوم ما، لهجة عربية من ضمن اللهجات العربية التي كانت متداولة في القبائل كلهجة، أو لسان، مثل لهجة تميم، ولهجة هذيل، ولهجة طيء، ولهجة أسد، ولهجة مضر، ولهجة قضاعة، ولهجة حِمْير، وكذلك لهجة قريش التي دوّن فيها القرآن بعد أن أوصى الخليفة عثمان بن عفان، لجنة تدوين القرآن التي شكلها كما تذكر المصادر، فيما إذا اختلفوا في شيء فليكتبوه بلغة قريش، أو لهجة قريش، أو لسان قريش.
ويكمن السبب الرئيسي في اختلاف اللهجات في فعاليات الإستبدال، والإعراب، والإعلال، والبناء، والتحليل. وكان من أبرز اللهجات، والألسنة، في ذلك الوقت، أي في زمن الجاهلية(1):
- عجعجة قُضاعة: وفيها يتم قلب الياء جيمًا وذلك بعد العين وبعد الياء المشددة، ومثال على ذلك كرسي حيث يقولون فيها، كرسج.
- طمطمانية حِمْير: وفيها يتم ابدال "إم" بدلا من "ألـ" ومثال على ذلك، يقولون في البر، أمبر، وفي الصيام أمصيام.
- فحفحة هذيل: وفي ذلك يقلبون الحاء عينًا، مثل: أحل إليه فيقولون أعل إليه.
- عنعنة تميم: وفيها يتم إبدال العين في الهمزة وذلك إذا وقعت في أول الكلمة، ومثال على ذلك أمان تقال عمان.
- كشكشة أسد: وفيها يتم اقلاب الكاف شينًا، ومثال على ذلك، عليك تقال عليش.
- قطْعةِ طيء: وفيها يتم حذف آخر الكلمة، ومثال على ذلك، يا أبا الحسن، كانت تقال، يا أبا الحسا.
كما الآن في كل بلد من البلدان العربية مجموعة من اللهجات، أو الألسنة المتداولة، خاصة في المحافظات، أو المناطق.
***
قلنا ان صور التعبير الشعبي متعدّدة ومتنوّعة، فهناك الاسطورة، وهناك القصص الشعبي، وهناك المثل الشعبي، وهناك اللغز أو الحزورة، وهناك النكتة الشعبية.
أولا: الاسطورة:
عند بدء الخليقة وانشغال الانسان بما يحيط به من المظاهر الطبيعية، فقد وجد نفسه منشغلة في بدايات ونهايات هذه المظاهر فراح يبحث عن تغيير ما هو سيء من تلك النهايات فوجد ان تلك المظاهر مترابطة تخضع لقوانين وأعراف معينة ولا يمكن فك عرى ذلك الترابط إلا بممارسات اخترعتها تراكمات تجاربه فكان السحر وقوانينه وأعرافه، ومن ثم جاء الدين بعد مسيرة طويلة في الزمان ليحل مكان السحرعلى الرغم من أن الاثنين سارا معاولكن الدين افترق عن السحر بوجود مجالين اثنين له هما المجال النظري وهو الاعتقاد بوجود قوى عليا، وجانب عملي وهو امكان السيطرة على تلك القوى بوساطة الأساطير وهكذا ملدت الأساطير.
والاسطورة هي محاولة لفهم الكون بظواهره المتعدّدة، أو هي تفسير له، وهي نتاج للخيال وتحمل بعض المنطق والفلسفة(2).
والاسطورة على أنواع هي(3):
1- الأسطورة الطقوسية:
وهي تختص بالأفعال التي من شأنها أن تحفظ للمجتمع رخاءه ضد القوى المتعددة التي تحيط بالانسان، وتمثل الجانب الكلامي لهذه الطقوس العملية. فكانت أغلب تلك الطقوس تمارس بهدف اتقاء شر ذلك المجهول، وطلب عطفه وقبوله حمايتهم ومنحهم الأمن من خلال هذه الطقوس وترجع إلى (2300سنة ق.م)(4). ومثالها اسطورة تموز وعشتار، حيث قيام تموز – الإله القتيل – من جديد، ويعاد "تمثيلها" سنويًّا في احتفاء ديني طقوسي ضمن مهرجان السنة البابلية الجديدة. إذ ستة أشهر خصب وستة أشهر جدب، ويكون تموز في العالم السفلي، العالم الآخر. وكذلك أسطورة أوزيريس المصرية.
2 - اسطورة التكوين:
تصور لنا هذه الاسطورة كيف خُلق الكون، مثل اسطورة التكوين البابلية ((التي كانت تغنى في اليوم الرابع من عيد رأس السنة. وتقول هذه الأسطورة: إنه في البدء قبل خلق السموات والأرض كان عنصر الحياة موجودا، وهو عبارة عن مزيج من ذكورة وأنوثة، وكان عنصر الذكورة يتجلى في الماء العذب ویسمی (دابشو)، وعنصر الأنوثة يتجلى في الماء المالح ويسمى (تيامة). فلما تم المزج بينهما ولد (مومو) وهو عبارة عن "الكلمة"، وعن هذا الثالوث المكون من الأب والأم والإبن، أو الكلمة، نشا الذكر (لكسمبو) والأنثي (لکسامو)، وعنهما نشأ (انشار) أى العالم العلوي، و(کيشار) أي العالم السفلى. ومن ثم نجد ثالوثا آخر من (أنو) إله السماء و (انليل) إله الأرض، و(آيا) إله الحكمة والمياه. وهم الذين يحكمون السماوات، والأرض، والمياه، فنرى هنا ثلاثة عناصر من عناصر التكوين أو الوجود التي عرضت لها كتبنا السماوية وعبر عنها القرآن الكريم أحسن تعبير وأقصد بهذه العناصر (الماء) وفكرة (الزوجية) و (الكلمة ).))(5).
في هذه الاسطورة نجد جذور فكرة "الكلمة" المسيحية "في البدء كان الكلمة"، وكذلك فكرة الثالوث، الأب، والأم، والابن.
3- الأسطورة التعليلية:
يحاول الانسان البدائي عن طريقها أن يعلّل ظاهرة تسترعي نظره ولا يجد تفسيرا لها. مثل اسطورة الطوفان الرافدينية.
وكذلك اسطورة الفأس، إذ يهدي الإله "إنليل" الفأس للشعب السومري ليعملوا بها ويصلحوا أرضهم ويبنوا مدنهم.
"الفأس والسلة تبني المدن
الدار الثابتة الأركان بنتها الفأس
الدار الثابتة الأركان أنشأتها الفأس))(6).
وتعد اسطورة "جلجامش" اسطورة تعليلية وذلك بتحويل البشر الى انسان بسبب الجنس، بتحويل سلوكه الطبيعي الى سلوك انساني، ثقافي. يقول الصياد الى البغي شمخة (شامهات Shamhat ، ويقول عنها بعض دارسي الحضارة السومرية انها كاهنة من اوروك في معابد آنانا):
*((... إنضي عنكِ ثيابكِ ليقع عليكِ..
.. علّمي الوحش الغر فن المرأة.
.. ستنكره حيواناته التي ربيت معه في صحرائه..
.إذا حفي بكِ وأنعطف بحبه إليكِ..))(7).
وأيضا اسطورة الغراب المعلم الأول للبشرية حيث تعلمت منه دفن الموتى. وهي اسطورة واضعها نسي أو تناسى ان بطلها طائر وحري بنفسه ان يعلم نفسه وأفراد نوعه "الغربان" هذه الكيفية لا أن تبقى جميع الغربان ومن ورائها الحيوانات كلها بلا دفن.
4- الأسطورة الرمزية:
ان الأساطير الرمزية تمثل حلقة فكرية رائعة في التراث الأدبي، وما زال الأدباء في كل جيل يجدون فيها معينا لا ينضب من الأفكار الانسانية.
((ومن المؤكد أن مثل هذه الأساطير قد ألفت في مرحلة فكرية أرقى من تلك التي ألفت فيها النماذج السابقة، فتفكير الإنسان لا ينحصر فيها في الأجواء السماوية وفي الظواهر الكونية، وإنما يتعداها إلى العالم الأرضي، عالم الإنسان.
مثل اسطورة ((عشتار وغيرها من آلهة الأنوثة والخصوبة لدى كل الديانات البدائية كانت تُرمز ويشار اليها برموز مثل الشعلة الأبدية النجمة المثمنة والوردة والقمر ومُثلت تارةً تمتطي الأسد (وهو رمز حبيبها تموز) وتارةً أخرى ترعى البقر (وصور قرنها الهلال) وصورت تحمل الأفعى رمزا للطب والشفاء))(
.
واسطورة "آدابا" تعكس الرمز في الاسطورة ((قد يكون للرمز قيمة شمولية ومدلولا عاما . (...)، فقد ظهر هذا الرمز أيضا في أقدم نموذج أدبي في العراق القديم، ألا وهو قصة (آدابا). فحينما عاكست الريح (آدابا) وهو في البحر، جعلت النوء يخالف ما يروم وهو يتصارع لتحديد اتجاهه و(آدابا) هو رمز الانسان المكافح الباحث عن قوته، الذي يکد في طلب رزقه تحت الظروف القاسية. والريح هي القدر الذي يترصد هذا الانسان ويعاكسه، حتى تغلق أمامه جميع أبواب العيش الهنيء. فالريح تعبير عن قدرة غامضة، أو قل هو الله من الآلهة العظام التي يتعبدها الانسان البابلي ويخافها ولكنه مع ذلك يرفض الانصياع لكل قراراتها.))(9).
5 – أساطير الزراعة والصيد:
مثل اسطورة نينورتا الرافدية: و((نينورتا، رب الشعير كان إله القانون والكتبة والزراعة والصيد. في لجش كان يُعرف مع إله المدينة نينجيرسو. في بدايات علم الأشوريات، عادة ما كان الاسم يترجم إلى نينيب، وكان يعتبر أحياناً إله الشمس. وكثيراً ما يظهر نينورتا ممسكاً بقوس وسهم، أو سيف منجل أو هراوة.))(10).
6 – أساطير الصعود والهبوط:
مثل اسطورة "أيتانا" التي تعرف باسطورة الراعي الذي صعد الى السماء. ((بحسب ثبت الملوك السومريين فأن الملك أيتانا حكم مدينة كيش بحدود 2750 ق.م بعد طوفان شروباك(فارة الحالية), وهو رابع ملوك ما بعد الطوفان من كيش (وقد حكم مدة 635 سنة) ليخلفه في الحكم ابنه بليخ (حكم بحدود 400 سنة) حسب اللوائح وعصر البشرية الذهبي الذي وردنا في قائمة الملوكية بعد هبوطها من السماء.. كان تقيا ورعا ولكنه شارف على الشيخوخة وزوجه لاتلد فحاول ان يستجدي عطف الآلهة لتمنحه وريثا للعرش, كان يصلي في كل يوم ويقدم قرابينه إلى الآلهة من أحسن مواشيه، علها تنظر إليه بعين العطف وترفع عنه عنة العقم, يبلغه نبأ عن نبتة مزروعة في السماء تُشفِي من العقم، فيدعو الإله شمش أن يجعل هذه النبتة في متناول يده. يستجيب له الآله ويدله على مكان نسر حبيس ومريض، يقوم بتحريره واشفاءه وتدريبه من جديد على الطيران لقاء أن يطير به إلى السماء(الرابعة) حيث نبتة الإخصاب التي تتعهدها الالهة عشتار سيدة الحب والولادة بالرعاية والسقاية ومنها الى انو في السماء (السابعة) كي يمنحه الاذن والبركة والخلود. يصطحب النسر الملك ايتانا في رحلة عجائبية ومدهشة حيث يفشل النسر وتخور قواه في المحاولة الاولى وينجح في الثانية بعد ان يقص عليه أيتانا حلمه الرائع, الرحلة والوصف لا تخلو من تساؤلات مشروعة عن مصدر الوصف الدقيق لمنظر الارض وهو يبتعد عنها بسبب ما سيرد من محاورات بين النسر وأيتانا وهو يرتفع به الى ارتفاعات شاهقة حين يسأله النسر:
- أنظر يا صاحبي وقل لي كيف ترى البلاد (ويعني الأرض), أحط البحر بعينيك وفتش بنظرك عن شواطئه؟
- فيجيبه أيتانا: أن الارض تصغر وتتضاءل شيئا فشيئا حتى لتبدو وكأنها بستان صغير ويبدو البحر الواسع وكأنه قدر ماء.
يرتفع النسر فراسخ الى الاعلى (النص المعتمد لم يشر الى التسمية الاكدية للمسافة وانما يضاعفه كعادة المدون العراقي القديم في تضخيم الارقام) و يعاود السؤال:
- أنظر يا صاحبي وقل لي كيف ترى البلاد؟
- فيجيبه أيتانا: لم تعد البلاد سوى هضبة.
وبعد ان يصعده الى ثلاثة فراسخ مضاعفة يعاود السؤال:
- أنظر يا صاحبي وقل لي كيف ترى البلاد؟
فيجيبه أيتانا: أنني انظر الى الارض وكأنني لا اراها وعيناي لا تستطيعان رؤية حتى البحر الواسع.
نص حلم الملك أيتانا الذي قصه للنسر: "رأيت أننا نمضي عبر بوابة آنو وإنليل وإيا, هناك ركعنا معاً، أنا وأنت, ثم رأيت أننا نمضي معاً، أنا وأنت عبر بوابة سن وشمش وأدد وعشتار هناك ركعنا، أنا وأنت رأيت بيتاً فيه نافذة غير موصدة دفعتها، فانفتحت وولجت إليها، فرأيت هناك فتاة مليحة الوجه مزينة بتاج, وهناك عرش منصوب, وتحت العرش أسود رابضة مزمجزة, فلما ظهرتُ لها قفزت نحوي, عند ذلك أفقتُ من نومي مذعورا"ً.
تنتهي الاسطورة بوصول أيتانا الى السماء السابعة حيث يدلفها من خلال بوابة انليل وآيا ليسجد بين يدي كبير مجمع الالهة آنو الذي يقرر منحه عشبة الحياة التي منحت زوجه المقدرة على انجاب وريث له "ويدعى بحسب قائمة الملوك السومريين بـ بليخ".))(11).
***
ثانيا: القصص الشعبي:
القصص الشعبي على نوعين، القصص أو الحكايات الخرافية، والقصص أو الحكايات الشعبية.
1 – الحكاية الخرافية:
الحكاية الشعبية الخرافية، هي: ((قصة قصيرة تحمل معنى أو عبرة أو موعظة، وهي تعتمد على شخصيات مُختلقة وغير بشرية، فالشخصيات التي تؤدي الأدوار في الحكايات الخرافية غالبًا ما تكون حيواناتٍ أو نباتاتٍ أو جمادات، أضفى عليها الكاتب صفة بشرية فجعلها تتكلم وتنطق كالبشر مؤدية دورها في إتمام القصة المُرادة، ويمكن أن تكون الحكايات الخرافية حكاياتٍ شعريّة أو حكايات نثرية، وقد ظهرت هذه الحكايات الخرافية عند كلِّ الشعوب القديمة تقريبًا، وقد اشتهرَ عدد من الحيوانات بصفات مشتركة في كثيرة من الحكايات الشعبية، مثل البومة التي اشتهرت بأنها تدل على الخراب في بعض الحكايات، واشتهرت بالحكمة في حكايات أخرى، والثعلب الذي اشتهر بالمكر والحيلة.))(12).
وقد تناولنا ما تقوم به هذه الحيوانات من أفعال بكتابنا المخطوط والذي تنشر فصوله هذه الأيام في جريدة العراقية التي تصدر في استراليا" كائنات تفكر- أنسنة الكائنات في القصص الشعبي العربي".
2 – القصص الشعبية:
هي: ((حكاية يصدقها الشعب بوصفها حقيقة ، وهي تتطور مع العصور وتتداول شفاها ، كما أنها قد تختص بالحوادث التاريخية الصرف أو بالأبطال الذين يصنعون التاريخ))(13).
وقد ألفت كتبا عن القصص الشعبي، هي:
- كتاب (القصص الشعبي العراقي من خلال المنهج المورفولوجي) - صدر عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد سنة 1986.
- كتاب (القصص الشعبي العربي - دراسات وتحليل) – صدر أيضا عن دار الشؤون الثقافية العامة لسنة 2020.
- كتاب (ألف ليلة وليلة وسحر السردية العربية) – صدر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق عام 2000، وصدرت طبعته الثانية عام 2019 في الشارقة. وطبعته الثالثة عن دار الورشة في بغداد، عام 2019.
ولي كتب مخطوطة، هي: كتاب "كائنات تفكر- أنسنة الكائنات في القصص الشعبي العربي". وكتاب " السقوط والصعود في القصص الشعبي - منهج لدراسة القصص الشعبي".
***
ثالثا- المثل الشعبی:
والمثل الشعبي هو حصيلة تجارب انسانية متكررة. وهو يختلف عن الحِكم، وهو من أكثر التعابير الشعبية على ألسنة الشعوب جريانا(14).
صدر لي قبل أيام كتاب عن الأمثال بعنوان (الأمثال الشعبية العراقية كما تضرب في الناصرية – مطبعة الحسام في الناصرية -2021).
ومن امثلة على المثل الشعبي المتداول في المجتمع العراقي الأمثال التالية:
أولا: الأمثلة السلبية:
((إبعد عن الشر وغنيله.)).
ثانيا: الامثلة الايجابية:
((آخر الدواء الكي.)).
***
رابعا - اللغز الشعبی:
و ((اللغز شكل أدبي شعي قديم قدم الأسطورة والحكاية الخرافية كما أنه كان يساويهما في الانتشار. فليس اللغز إذن مجرد كلمات محيرة تطرح السؤال عن معناها بين ثلل الأصحاب في الأمسيات الجميلة. ومن ثم فإنه يتحتم علينا أن نبحثه بوصفه عملا أدبيا شعبيا أصيلا شأنه شأن الأنواع الأدبية التي سبق الحديث عنها.
واللغز في جوهره استعارة، والاستعارة تنشأ نتيجة التقدم العقلى في إدراك الترابط والمقارنة وإدراك أوجه الشبه والاختلاف. على أن اللغز فضلا عن ذلك يحتوي على عنصر الفكاهة؛ ذلك أن سبب كل شيء يثير الضحك احتوائه على عنصر عدم التوقع.
ولكن لماذا نشأ اللغز؟ أول ما نشأ يقول "موریس بلوم فیلد" في بحث عن الألغاز البراهمانية ألقاه في مؤتمر الفن والعلم عام ۱۹۰4، "إن اللغز نشأ منذ قديم الزمان
حينما كان العقل البدائي مرن نفسه على التلائم مع الكون الذي يحيط به. ذلك أنه لما كانت الرؤية أكثر نضارة، ازدادت الرغبة في إدراك ظواهر الطبيعة وظواهر الحياة، وإدراك القوانين التي تحيط بالإنسان. ومن ثم فإن الأطفال يحبون الألغاز ومثلهم البدائيون. ولهذا كذلك فإننا نجد الأنواع الأدبية الشعبية مثل الأسطورة والحكاية الشعبية والحكاية الخرافية تتضمن الألغاز. فاللغز يشير إلى غموض الحياة، وهو في الوقت نفسه يمثل إدراك العقل البكر"))(15).
مثال على ذلك لغز بلقيس الذي طرحته على سليمان كما جاء في كتاب فريزر "العناصر الفلكلورية في العهد القديم"( ). ولغز أبی الهول. ولغز أوديب(16).
ومن الألغاز المتداولى بين ابناء المجتمع العراقي حاليا اللغزالذي جاء بصيغة الشعر العامي. يقول:
((شنهو: الما عرف دنيه ولا دين؟
وشنهو: اللا رجل عنده ولا دين؟
وشنهو: بالسنه يولـد ولا دين؟
وشنهو: المـا ينـام إلا بتچيه؟)).
والجواب:
((الجاهل: ما عـرف دنيا ولا دين
الحية: لا رجل عدها ولا دين
النعجـة: بالسنة تولد ولا دين
الفيـل: المـا ينـام إلا بتچية)).
***
خامسا- النكتة الشعبية:
تقول الدكتورة نبيلة ابراهيم في كتابها السالف الذكر عن النكتة: ((ليس للنكتة الشعبية زمن محدد، أو مكان ما، ولكل مجتمع نكاته مهما كانت خصوصيته، وكذلك لكل وقت أو مكان نكاته)).
لهذا فان حالها حال الأسطورة، والقصص الشعبي، واللغز، وكل فنون الأدب الشعبي.
وتقول كذلك عنها، انها: ((خبر قصير في شكل حكاية، أو هي عبارة أو لفظة تثير الضحك.))، وتتساءل قائلة: ((ما الذي يميز النكتة عن الكلام العادي؟))، فتجيب قائلة: ((يتحتم علينا أن نتعرض للمشكلة اللغوية في النكتة. فاللغة بصفة عامة إما أن تكون وسيلة لنقل خبرا ولإدراك شيء. ولهذا فإنه يتحتم أن يكون كل جزء من الكلام ممتلكا لخاصية الفهم. فإذا حدث أن استخدمنا عبارة أو كلمة تخفي معنى آخر غير المعنى الظاهري، فإنه ينشا حينئذ ما نطلق عليه المعنى المزدوج. وبعبارة أخرى فإن الهدف الإخباري المباشر للغة ينتفی عنها. فإذا انتهى الأمر بإدراك المعنى الخفي فإن المشكلة اللغوية تكون بذلك قد انتهت بالحل عن طريق إدراك مغزى كلام المتكلم))، وتقول: ((إن النكتة تلاعب بالألفاظ من شأنه أن يصنع معنی مزدوجة))(17).
وعندي دراسة عن النكتة التي قيلت أثناء الانتفاضة العراقية في تشرين من عام 2019 منشورة في كتاب "الخطاب الثائر لسانيا ونقديا – دراسات في شعارات انتفاضة تشرين العراقية " وقد حررة الدكتور خالد حوير الشمس، وتحمل الدراسة عنوان "أدبية النكتة في الخطاب التشريني".
ومن امثلة للنكتة التي درستها في دراستي هذه انكتة التي تقول: ((اهربوا الى أربيل فإن فيها ملكا يأوي الفاسدين)). و((انگله الربع فاسدين وحرامية، يگلي خل يسوولكم قوانين)).
***
المراجع والمصادر:
1 - أشكال التعبير في الأدب الشعبي – د. نبيلة ابراهيم – دار نهضة مصر – القاهرة – ب. ت..
2 - الاساطير السومرية – د. الحسيني الحسيني معدى – كنوز – 2012 .
3 - ملحمة جلجامش- ترجمة الأستاذ طه باقر عن اللغة المسمارية – بدون معطيات.
4 - أساطير سومرية – ت: سلمان التكريتي – مطبعة النعمان – 1972.
المواقع الالكترونية:
1 - ويكيبيديا.
2 - موقع منظمة الصرح العراقي.
3 - موقع سطور - مفهوم الحكاية الخرافية – محمد شودب – 288/ مارس/ 2019.
***
الهوامش:
) ) نستخدم لفظ الجاهلية كمصطلح متداول بين الناس ليعبر عن فترة ما قبل الاسلام وليس كمصطلح ديني.
) 2) أشكال التعبير في الأدب الشعبي - ص 9.
) 3) هناك من يوصل عدد أنواع الأساطير الى سبعة، فيضيفون أساطير الهيبة، والأساطير التاريخية. فقد ذهبت الدكتورة ((نبيلة ابراهيم)) إلى تعدادِ خمسةِ أنواعٍ منها:1- الأسطورةُ الطقوسيّةُ.2 – أسطورةُ التكوين.3 – الأسطورةُ التعليليّةُ.4 – الأسطورةُ الرمزيّةُ.5 – أسطورةُ البطلِ الإله . بينما يقسّمُها الدكتور أحمد كمال زكي أربعةَ أقسامٍ هي:1 – الأسطورةُ الطقوسيّةُ.2 – الأسطورةُ التعليليّةُ.3 – الأسطورةُ الرمزيّةُ.4 – التاريخسطورة.
(4 ) أشكال التعبير في الأدب الشعبي – د. نبيلة ابراهيم – دار نهضة مصر – القاهرة – ب. ت..ص16.
(5 ) المصدر السابق - ص17.
) 6) الاساطير السومرية - ص 104.
(7) العمود الرابع من ملحمة جلجامش.
(
ويكيبيديا.
(9) أساطير سومرية - ص35.
)10) ويكيبيديا.
(11) موقع منظمة الصرح العراقي.
(12) موقع سطور - مفهوم الحكاية الخرافية – محمد شودب – 288/ مارس/ 2019.
(13) اشكال التعبير في الأدب الشعبي – د. نبيلة ابيراهيم – دار نهضة مصر – القاهرة – ب. ت..ص91.
(14) المصدر السابق - ص139 ص140.
(15) المصدر السابق – ص154.
(16) المصدر السابق - ص157.
(17) المصدر السابق - ص158.
(18) تستخدم المفارقة كثيرة في نهاية القصة القصيرة جدا.
)19) المصدر السابق - ص176.
داود سلمان الشويلي / العراق
ويكمن السبب الرئيسي في اختلاف اللهجات في فعاليات الإستبدال، والإعراب، والإعلال، والبناء، والتحليل. وكان من أبرز اللهجات، والألسنة، في ذلك الوقت، أي في زمن الجاهلية(1):
- عجعجة قُضاعة: وفيها يتم قلب الياء جيمًا وذلك بعد العين وبعد الياء المشددة، ومثال على ذلك كرسي حيث يقولون فيها، كرسج.
- طمطمانية حِمْير: وفيها يتم ابدال "إم" بدلا من "ألـ" ومثال على ذلك، يقولون في البر، أمبر، وفي الصيام أمصيام.
- فحفحة هذيل: وفي ذلك يقلبون الحاء عينًا، مثل: أحل إليه فيقولون أعل إليه.
- عنعنة تميم: وفيها يتم إبدال العين في الهمزة وذلك إذا وقعت في أول الكلمة، ومثال على ذلك أمان تقال عمان.
- كشكشة أسد: وفيها يتم اقلاب الكاف شينًا، ومثال على ذلك، عليك تقال عليش.
- قطْعةِ طيء: وفيها يتم حذف آخر الكلمة، ومثال على ذلك، يا أبا الحسن، كانت تقال، يا أبا الحسا.
كما الآن في كل بلد من البلدان العربية مجموعة من اللهجات، أو الألسنة المتداولة، خاصة في المحافظات، أو المناطق.
***
قلنا ان صور التعبير الشعبي متعدّدة ومتنوّعة، فهناك الاسطورة، وهناك القصص الشعبي، وهناك المثل الشعبي، وهناك اللغز أو الحزورة، وهناك النكتة الشعبية.
أولا: الاسطورة:
عند بدء الخليقة وانشغال الانسان بما يحيط به من المظاهر الطبيعية، فقد وجد نفسه منشغلة في بدايات ونهايات هذه المظاهر فراح يبحث عن تغيير ما هو سيء من تلك النهايات فوجد ان تلك المظاهر مترابطة تخضع لقوانين وأعراف معينة ولا يمكن فك عرى ذلك الترابط إلا بممارسات اخترعتها تراكمات تجاربه فكان السحر وقوانينه وأعرافه، ومن ثم جاء الدين بعد مسيرة طويلة في الزمان ليحل مكان السحرعلى الرغم من أن الاثنين سارا معاولكن الدين افترق عن السحر بوجود مجالين اثنين له هما المجال النظري وهو الاعتقاد بوجود قوى عليا، وجانب عملي وهو امكان السيطرة على تلك القوى بوساطة الأساطير وهكذا ملدت الأساطير.
والاسطورة هي محاولة لفهم الكون بظواهره المتعدّدة، أو هي تفسير له، وهي نتاج للخيال وتحمل بعض المنطق والفلسفة(2).
والاسطورة على أنواع هي(3):
1- الأسطورة الطقوسية:
وهي تختص بالأفعال التي من شأنها أن تحفظ للمجتمع رخاءه ضد القوى المتعددة التي تحيط بالانسان، وتمثل الجانب الكلامي لهذه الطقوس العملية. فكانت أغلب تلك الطقوس تمارس بهدف اتقاء شر ذلك المجهول، وطلب عطفه وقبوله حمايتهم ومنحهم الأمن من خلال هذه الطقوس وترجع إلى (2300سنة ق.م)(4). ومثالها اسطورة تموز وعشتار، حيث قيام تموز – الإله القتيل – من جديد، ويعاد "تمثيلها" سنويًّا في احتفاء ديني طقوسي ضمن مهرجان السنة البابلية الجديدة. إذ ستة أشهر خصب وستة أشهر جدب، ويكون تموز في العالم السفلي، العالم الآخر. وكذلك أسطورة أوزيريس المصرية.
2 - اسطورة التكوين:
تصور لنا هذه الاسطورة كيف خُلق الكون، مثل اسطورة التكوين البابلية ((التي كانت تغنى في اليوم الرابع من عيد رأس السنة. وتقول هذه الأسطورة: إنه في البدء قبل خلق السموات والأرض كان عنصر الحياة موجودا، وهو عبارة عن مزيج من ذكورة وأنوثة، وكان عنصر الذكورة يتجلى في الماء العذب ویسمی (دابشو)، وعنصر الأنوثة يتجلى في الماء المالح ويسمى (تيامة). فلما تم المزج بينهما ولد (مومو) وهو عبارة عن "الكلمة"، وعن هذا الثالوث المكون من الأب والأم والإبن، أو الكلمة، نشا الذكر (لكسمبو) والأنثي (لکسامو)، وعنهما نشأ (انشار) أى العالم العلوي، و(کيشار) أي العالم السفلى. ومن ثم نجد ثالوثا آخر من (أنو) إله السماء و (انليل) إله الأرض، و(آيا) إله الحكمة والمياه. وهم الذين يحكمون السماوات، والأرض، والمياه، فنرى هنا ثلاثة عناصر من عناصر التكوين أو الوجود التي عرضت لها كتبنا السماوية وعبر عنها القرآن الكريم أحسن تعبير وأقصد بهذه العناصر (الماء) وفكرة (الزوجية) و (الكلمة ).))(5).
في هذه الاسطورة نجد جذور فكرة "الكلمة" المسيحية "في البدء كان الكلمة"، وكذلك فكرة الثالوث، الأب، والأم، والابن.
3- الأسطورة التعليلية:
يحاول الانسان البدائي عن طريقها أن يعلّل ظاهرة تسترعي نظره ولا يجد تفسيرا لها. مثل اسطورة الطوفان الرافدينية.
وكذلك اسطورة الفأس، إذ يهدي الإله "إنليل" الفأس للشعب السومري ليعملوا بها ويصلحوا أرضهم ويبنوا مدنهم.
"الفأس والسلة تبني المدن
الدار الثابتة الأركان بنتها الفأس
الدار الثابتة الأركان أنشأتها الفأس))(6).
وتعد اسطورة "جلجامش" اسطورة تعليلية وذلك بتحويل البشر الى انسان بسبب الجنس، بتحويل سلوكه الطبيعي الى سلوك انساني، ثقافي. يقول الصياد الى البغي شمخة (شامهات Shamhat ، ويقول عنها بعض دارسي الحضارة السومرية انها كاهنة من اوروك في معابد آنانا):
*((... إنضي عنكِ ثيابكِ ليقع عليكِ..
.. علّمي الوحش الغر فن المرأة.
.. ستنكره حيواناته التي ربيت معه في صحرائه..
.إذا حفي بكِ وأنعطف بحبه إليكِ..))(7).
وأيضا اسطورة الغراب المعلم الأول للبشرية حيث تعلمت منه دفن الموتى. وهي اسطورة واضعها نسي أو تناسى ان بطلها طائر وحري بنفسه ان يعلم نفسه وأفراد نوعه "الغربان" هذه الكيفية لا أن تبقى جميع الغربان ومن ورائها الحيوانات كلها بلا دفن.
4- الأسطورة الرمزية:
ان الأساطير الرمزية تمثل حلقة فكرية رائعة في التراث الأدبي، وما زال الأدباء في كل جيل يجدون فيها معينا لا ينضب من الأفكار الانسانية.
((ومن المؤكد أن مثل هذه الأساطير قد ألفت في مرحلة فكرية أرقى من تلك التي ألفت فيها النماذج السابقة، فتفكير الإنسان لا ينحصر فيها في الأجواء السماوية وفي الظواهر الكونية، وإنما يتعداها إلى العالم الأرضي، عالم الإنسان.
مثل اسطورة ((عشتار وغيرها من آلهة الأنوثة والخصوبة لدى كل الديانات البدائية كانت تُرمز ويشار اليها برموز مثل الشعلة الأبدية النجمة المثمنة والوردة والقمر ومُثلت تارةً تمتطي الأسد (وهو رمز حبيبها تموز) وتارةً أخرى ترعى البقر (وصور قرنها الهلال) وصورت تحمل الأفعى رمزا للطب والشفاء))(
واسطورة "آدابا" تعكس الرمز في الاسطورة ((قد يكون للرمز قيمة شمولية ومدلولا عاما . (...)، فقد ظهر هذا الرمز أيضا في أقدم نموذج أدبي في العراق القديم، ألا وهو قصة (آدابا). فحينما عاكست الريح (آدابا) وهو في البحر، جعلت النوء يخالف ما يروم وهو يتصارع لتحديد اتجاهه و(آدابا) هو رمز الانسان المكافح الباحث عن قوته، الذي يکد في طلب رزقه تحت الظروف القاسية. والريح هي القدر الذي يترصد هذا الانسان ويعاكسه، حتى تغلق أمامه جميع أبواب العيش الهنيء. فالريح تعبير عن قدرة غامضة، أو قل هو الله من الآلهة العظام التي يتعبدها الانسان البابلي ويخافها ولكنه مع ذلك يرفض الانصياع لكل قراراتها.))(9).
5 – أساطير الزراعة والصيد:
مثل اسطورة نينورتا الرافدية: و((نينورتا، رب الشعير كان إله القانون والكتبة والزراعة والصيد. في لجش كان يُعرف مع إله المدينة نينجيرسو. في بدايات علم الأشوريات، عادة ما كان الاسم يترجم إلى نينيب، وكان يعتبر أحياناً إله الشمس. وكثيراً ما يظهر نينورتا ممسكاً بقوس وسهم، أو سيف منجل أو هراوة.))(10).
6 – أساطير الصعود والهبوط:
مثل اسطورة "أيتانا" التي تعرف باسطورة الراعي الذي صعد الى السماء. ((بحسب ثبت الملوك السومريين فأن الملك أيتانا حكم مدينة كيش بحدود 2750 ق.م بعد طوفان شروباك(فارة الحالية), وهو رابع ملوك ما بعد الطوفان من كيش (وقد حكم مدة 635 سنة) ليخلفه في الحكم ابنه بليخ (حكم بحدود 400 سنة) حسب اللوائح وعصر البشرية الذهبي الذي وردنا في قائمة الملوكية بعد هبوطها من السماء.. كان تقيا ورعا ولكنه شارف على الشيخوخة وزوجه لاتلد فحاول ان يستجدي عطف الآلهة لتمنحه وريثا للعرش, كان يصلي في كل يوم ويقدم قرابينه إلى الآلهة من أحسن مواشيه، علها تنظر إليه بعين العطف وترفع عنه عنة العقم, يبلغه نبأ عن نبتة مزروعة في السماء تُشفِي من العقم، فيدعو الإله شمش أن يجعل هذه النبتة في متناول يده. يستجيب له الآله ويدله على مكان نسر حبيس ومريض، يقوم بتحريره واشفاءه وتدريبه من جديد على الطيران لقاء أن يطير به إلى السماء(الرابعة) حيث نبتة الإخصاب التي تتعهدها الالهة عشتار سيدة الحب والولادة بالرعاية والسقاية ومنها الى انو في السماء (السابعة) كي يمنحه الاذن والبركة والخلود. يصطحب النسر الملك ايتانا في رحلة عجائبية ومدهشة حيث يفشل النسر وتخور قواه في المحاولة الاولى وينجح في الثانية بعد ان يقص عليه أيتانا حلمه الرائع, الرحلة والوصف لا تخلو من تساؤلات مشروعة عن مصدر الوصف الدقيق لمنظر الارض وهو يبتعد عنها بسبب ما سيرد من محاورات بين النسر وأيتانا وهو يرتفع به الى ارتفاعات شاهقة حين يسأله النسر:
- أنظر يا صاحبي وقل لي كيف ترى البلاد (ويعني الأرض), أحط البحر بعينيك وفتش بنظرك عن شواطئه؟
- فيجيبه أيتانا: أن الارض تصغر وتتضاءل شيئا فشيئا حتى لتبدو وكأنها بستان صغير ويبدو البحر الواسع وكأنه قدر ماء.
يرتفع النسر فراسخ الى الاعلى (النص المعتمد لم يشر الى التسمية الاكدية للمسافة وانما يضاعفه كعادة المدون العراقي القديم في تضخيم الارقام) و يعاود السؤال:
- أنظر يا صاحبي وقل لي كيف ترى البلاد؟
- فيجيبه أيتانا: لم تعد البلاد سوى هضبة.
وبعد ان يصعده الى ثلاثة فراسخ مضاعفة يعاود السؤال:
- أنظر يا صاحبي وقل لي كيف ترى البلاد؟
فيجيبه أيتانا: أنني انظر الى الارض وكأنني لا اراها وعيناي لا تستطيعان رؤية حتى البحر الواسع.
نص حلم الملك أيتانا الذي قصه للنسر: "رأيت أننا نمضي عبر بوابة آنو وإنليل وإيا, هناك ركعنا معاً، أنا وأنت, ثم رأيت أننا نمضي معاً، أنا وأنت عبر بوابة سن وشمش وأدد وعشتار هناك ركعنا، أنا وأنت رأيت بيتاً فيه نافذة غير موصدة دفعتها، فانفتحت وولجت إليها، فرأيت هناك فتاة مليحة الوجه مزينة بتاج, وهناك عرش منصوب, وتحت العرش أسود رابضة مزمجزة, فلما ظهرتُ لها قفزت نحوي, عند ذلك أفقتُ من نومي مذعورا"ً.
تنتهي الاسطورة بوصول أيتانا الى السماء السابعة حيث يدلفها من خلال بوابة انليل وآيا ليسجد بين يدي كبير مجمع الالهة آنو الذي يقرر منحه عشبة الحياة التي منحت زوجه المقدرة على انجاب وريث له "ويدعى بحسب قائمة الملوك السومريين بـ بليخ".))(11).
***
ثانيا: القصص الشعبي:
القصص الشعبي على نوعين، القصص أو الحكايات الخرافية، والقصص أو الحكايات الشعبية.
1 – الحكاية الخرافية:
الحكاية الشعبية الخرافية، هي: ((قصة قصيرة تحمل معنى أو عبرة أو موعظة، وهي تعتمد على شخصيات مُختلقة وغير بشرية، فالشخصيات التي تؤدي الأدوار في الحكايات الخرافية غالبًا ما تكون حيواناتٍ أو نباتاتٍ أو جمادات، أضفى عليها الكاتب صفة بشرية فجعلها تتكلم وتنطق كالبشر مؤدية دورها في إتمام القصة المُرادة، ويمكن أن تكون الحكايات الخرافية حكاياتٍ شعريّة أو حكايات نثرية، وقد ظهرت هذه الحكايات الخرافية عند كلِّ الشعوب القديمة تقريبًا، وقد اشتهرَ عدد من الحيوانات بصفات مشتركة في كثيرة من الحكايات الشعبية، مثل البومة التي اشتهرت بأنها تدل على الخراب في بعض الحكايات، واشتهرت بالحكمة في حكايات أخرى، والثعلب الذي اشتهر بالمكر والحيلة.))(12).
وقد تناولنا ما تقوم به هذه الحيوانات من أفعال بكتابنا المخطوط والذي تنشر فصوله هذه الأيام في جريدة العراقية التي تصدر في استراليا" كائنات تفكر- أنسنة الكائنات في القصص الشعبي العربي".
2 – القصص الشعبية:
هي: ((حكاية يصدقها الشعب بوصفها حقيقة ، وهي تتطور مع العصور وتتداول شفاها ، كما أنها قد تختص بالحوادث التاريخية الصرف أو بالأبطال الذين يصنعون التاريخ))(13).
وقد ألفت كتبا عن القصص الشعبي، هي:
- كتاب (القصص الشعبي العراقي من خلال المنهج المورفولوجي) - صدر عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد سنة 1986.
- كتاب (القصص الشعبي العربي - دراسات وتحليل) – صدر أيضا عن دار الشؤون الثقافية العامة لسنة 2020.
- كتاب (ألف ليلة وليلة وسحر السردية العربية) – صدر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق عام 2000، وصدرت طبعته الثانية عام 2019 في الشارقة. وطبعته الثالثة عن دار الورشة في بغداد، عام 2019.
ولي كتب مخطوطة، هي: كتاب "كائنات تفكر- أنسنة الكائنات في القصص الشعبي العربي". وكتاب " السقوط والصعود في القصص الشعبي - منهج لدراسة القصص الشعبي".
***
ثالثا- المثل الشعبی:
والمثل الشعبي هو حصيلة تجارب انسانية متكررة. وهو يختلف عن الحِكم، وهو من أكثر التعابير الشعبية على ألسنة الشعوب جريانا(14).
صدر لي قبل أيام كتاب عن الأمثال بعنوان (الأمثال الشعبية العراقية كما تضرب في الناصرية – مطبعة الحسام في الناصرية -2021).
ومن امثلة على المثل الشعبي المتداول في المجتمع العراقي الأمثال التالية:
أولا: الأمثلة السلبية:
((إبعد عن الشر وغنيله.)).
ثانيا: الامثلة الايجابية:
((آخر الدواء الكي.)).
***
رابعا - اللغز الشعبی:
و ((اللغز شكل أدبي شعي قديم قدم الأسطورة والحكاية الخرافية كما أنه كان يساويهما في الانتشار. فليس اللغز إذن مجرد كلمات محيرة تطرح السؤال عن معناها بين ثلل الأصحاب في الأمسيات الجميلة. ومن ثم فإنه يتحتم علينا أن نبحثه بوصفه عملا أدبيا شعبيا أصيلا شأنه شأن الأنواع الأدبية التي سبق الحديث عنها.
واللغز في جوهره استعارة، والاستعارة تنشأ نتيجة التقدم العقلى في إدراك الترابط والمقارنة وإدراك أوجه الشبه والاختلاف. على أن اللغز فضلا عن ذلك يحتوي على عنصر الفكاهة؛ ذلك أن سبب كل شيء يثير الضحك احتوائه على عنصر عدم التوقع.
ولكن لماذا نشأ اللغز؟ أول ما نشأ يقول "موریس بلوم فیلد" في بحث عن الألغاز البراهمانية ألقاه في مؤتمر الفن والعلم عام ۱۹۰4، "إن اللغز نشأ منذ قديم الزمان
حينما كان العقل البدائي مرن نفسه على التلائم مع الكون الذي يحيط به. ذلك أنه لما كانت الرؤية أكثر نضارة، ازدادت الرغبة في إدراك ظواهر الطبيعة وظواهر الحياة، وإدراك القوانين التي تحيط بالإنسان. ومن ثم فإن الأطفال يحبون الألغاز ومثلهم البدائيون. ولهذا كذلك فإننا نجد الأنواع الأدبية الشعبية مثل الأسطورة والحكاية الشعبية والحكاية الخرافية تتضمن الألغاز. فاللغز يشير إلى غموض الحياة، وهو في الوقت نفسه يمثل إدراك العقل البكر"))(15).
مثال على ذلك لغز بلقيس الذي طرحته على سليمان كما جاء في كتاب فريزر "العناصر الفلكلورية في العهد القديم"( ). ولغز أبی الهول. ولغز أوديب(16).
ومن الألغاز المتداولى بين ابناء المجتمع العراقي حاليا اللغزالذي جاء بصيغة الشعر العامي. يقول:
((شنهو: الما عرف دنيه ولا دين؟
وشنهو: اللا رجل عنده ولا دين؟
وشنهو: بالسنه يولـد ولا دين؟
وشنهو: المـا ينـام إلا بتچيه؟)).
والجواب:
((الجاهل: ما عـرف دنيا ولا دين
الحية: لا رجل عدها ولا دين
النعجـة: بالسنة تولد ولا دين
الفيـل: المـا ينـام إلا بتچية)).
***
خامسا- النكتة الشعبية:
تقول الدكتورة نبيلة ابراهيم في كتابها السالف الذكر عن النكتة: ((ليس للنكتة الشعبية زمن محدد، أو مكان ما، ولكل مجتمع نكاته مهما كانت خصوصيته، وكذلك لكل وقت أو مكان نكاته)).
لهذا فان حالها حال الأسطورة، والقصص الشعبي، واللغز، وكل فنون الأدب الشعبي.
وتقول كذلك عنها، انها: ((خبر قصير في شكل حكاية، أو هي عبارة أو لفظة تثير الضحك.))، وتتساءل قائلة: ((ما الذي يميز النكتة عن الكلام العادي؟))، فتجيب قائلة: ((يتحتم علينا أن نتعرض للمشكلة اللغوية في النكتة. فاللغة بصفة عامة إما أن تكون وسيلة لنقل خبرا ولإدراك شيء. ولهذا فإنه يتحتم أن يكون كل جزء من الكلام ممتلكا لخاصية الفهم. فإذا حدث أن استخدمنا عبارة أو كلمة تخفي معنى آخر غير المعنى الظاهري، فإنه ينشا حينئذ ما نطلق عليه المعنى المزدوج. وبعبارة أخرى فإن الهدف الإخباري المباشر للغة ينتفی عنها. فإذا انتهى الأمر بإدراك المعنى الخفي فإن المشكلة اللغوية تكون بذلك قد انتهت بالحل عن طريق إدراك مغزى كلام المتكلم))، وتقول: ((إن النكتة تلاعب بالألفاظ من شأنه أن يصنع معنی مزدوجة))(17).
وعندي دراسة عن النكتة التي قيلت أثناء الانتفاضة العراقية في تشرين من عام 2019 منشورة في كتاب "الخطاب الثائر لسانيا ونقديا – دراسات في شعارات انتفاضة تشرين العراقية " وقد حررة الدكتور خالد حوير الشمس، وتحمل الدراسة عنوان "أدبية النكتة في الخطاب التشريني".
ومن امثلة للنكتة التي درستها في دراستي هذه انكتة التي تقول: ((اهربوا الى أربيل فإن فيها ملكا يأوي الفاسدين)). و((انگله الربع فاسدين وحرامية، يگلي خل يسوولكم قوانين)).
***
المراجع والمصادر:
1 - أشكال التعبير في الأدب الشعبي – د. نبيلة ابراهيم – دار نهضة مصر – القاهرة – ب. ت..
2 - الاساطير السومرية – د. الحسيني الحسيني معدى – كنوز – 2012 .
3 - ملحمة جلجامش- ترجمة الأستاذ طه باقر عن اللغة المسمارية – بدون معطيات.
4 - أساطير سومرية – ت: سلمان التكريتي – مطبعة النعمان – 1972.
المواقع الالكترونية:
1 - ويكيبيديا.
2 - موقع منظمة الصرح العراقي.
3 - موقع سطور - مفهوم الحكاية الخرافية – محمد شودب – 288/ مارس/ 2019.
***
الهوامش:
) ) نستخدم لفظ الجاهلية كمصطلح متداول بين الناس ليعبر عن فترة ما قبل الاسلام وليس كمصطلح ديني.
) 2) أشكال التعبير في الأدب الشعبي - ص 9.
) 3) هناك من يوصل عدد أنواع الأساطير الى سبعة، فيضيفون أساطير الهيبة، والأساطير التاريخية. فقد ذهبت الدكتورة ((نبيلة ابراهيم)) إلى تعدادِ خمسةِ أنواعٍ منها:1- الأسطورةُ الطقوسيّةُ.2 – أسطورةُ التكوين.3 – الأسطورةُ التعليليّةُ.4 – الأسطورةُ الرمزيّةُ.5 – أسطورةُ البطلِ الإله . بينما يقسّمُها الدكتور أحمد كمال زكي أربعةَ أقسامٍ هي:1 – الأسطورةُ الطقوسيّةُ.2 – الأسطورةُ التعليليّةُ.3 – الأسطورةُ الرمزيّةُ.4 – التاريخسطورة.
(4 ) أشكال التعبير في الأدب الشعبي – د. نبيلة ابراهيم – دار نهضة مصر – القاهرة – ب. ت..ص16.
(5 ) المصدر السابق - ص17.
) 6) الاساطير السومرية - ص 104.
(7) العمود الرابع من ملحمة جلجامش.
(
(9) أساطير سومرية - ص35.
)10) ويكيبيديا.
(11) موقع منظمة الصرح العراقي.
(12) موقع سطور - مفهوم الحكاية الخرافية – محمد شودب – 288/ مارس/ 2019.
(13) اشكال التعبير في الأدب الشعبي – د. نبيلة ابيراهيم – دار نهضة مصر – القاهرة – ب. ت..ص91.
(14) المصدر السابق - ص139 ص140.
(15) المصدر السابق – ص154.
(16) المصدر السابق - ص157.
(17) المصدر السابق - ص158.
(18) تستخدم المفارقة كثيرة في نهاية القصة القصيرة جدا.
)19) المصدر السابق - ص176.
داود سلمان الشويلي / العراق