رجلٌ يقف وحيدًا على خشبة المسرح ممسكًا مكنسةً بيديْه.
ــــ أريدها أن تلمعَ أثناء العرض، يا عطيّة.
يهزّ عطيّة رأسَه في رضًى. ينهي كنس الخشبة، ويغادرها وهو يتطلّع من خلف الستار إلى مقاعد المسرح التي لا تزال فارغة.
يجلس على كرسيّه الخشبيّ خلف الستائر البالية، استعدادًا لشدّ الحبل.
يتنهّد تعبًا؛ فقد اضطرّ إلى العمل في أحد المطاعم الفخمة هذا الصباح، شأن بقية أيّام هذا الأسبوع، ساعاتٍ إضافيّة، لحاجة أولاده إلى المال عند دخولهم المدرسةَ، فلم يعد إلى بيته للحصول على قسط من الرّاحة.
يتذكّر بدايةَ تعلّقه بعمله في المسرح منذ أكثر من عشرين عامًا، لم يغب يومًا عنه، ولم يتأخّر عن موعد رفع الستار. وعلى الرغم من قلّة أجره مقارنةً بالملقّن وعامل شبّاك التذاكر مثلًا، فإنّه لم يبحث عن عملٍ آخر. بل كان دائمًا ما يغيّر عملَه الصباحيّ الآخر، وأحيانًا يرفض بعضَ عروض العمل المغرية إذا تعارضتْ مواعيدُها مع موعد رفعه للستار.
يتذكّر مَن مرّوا عليه:
الفنّان الكبير ي.و الذي كان يغدق عليه، وعلى العاملين الآخرين، الهدايا عند المناسبات والأعياد؛
والفنّانة ز.ع التي كانت تأتي قبل الجميع لتُراجع دورَها على الخشبة قبل دخول الجمهور إلى القاعة؛
والمخرج م.ج الذي كان يفقد أعصابَه على الجميع قبل العرض وأثناءه، ولا يغالبه أحدٌ في المزاح بعد انتهاء العرض؛
والممثل الشاب ل.ر الذي زار ابنتَه الصغيرة في المستشفى أثناء مرضها، وأدخل السعادة إلى قلبها.
يبدأ الجمهور بدخول المسرح، ويعجّ شيئًا فشيئًا بالضجيج.
يتذكّر تلك التراجيديا التي حملتْ معها بكاء الحاضرين؛
وذلك العرضَ الكوميديّ الذي استمرّ فيه الجمهور بالقهقهة ساعاتٍ متواصلة، حتى أتاهم في اليوم التالي تحذيرٌ من الجيران بسبب ارتفاع أصوات الضحك أثناء الليل؛
ويتذكّر ذلك اليومَ الذي أُلغي فيه العرضُ بسبب العواصف والأمطار؛
ولا ينسى تلك الليلةَ الغريبة حين اعتذرتْ إدارةُ المسرح للجمهور عن متابعة إحدى المسرحيّات، وأعادت النقودَ إليهم بعد انتهاء فصلها الثاني، بسبب مكالمةٍ بلغتْ مديرَ الفرقة من مصدر "رفيع."
تنهال عليه الذكرياتُ، التي يقاطعها صوتٌ يقول:
ــــ استعدّوا. كلّ في مكانه. عطيّة، خمس دقائق ويُرفع الستار.
القاهرة
* عن مجلة الاداب
ــــ أريدها أن تلمعَ أثناء العرض، يا عطيّة.
يهزّ عطيّة رأسَه في رضًى. ينهي كنس الخشبة، ويغادرها وهو يتطلّع من خلف الستار إلى مقاعد المسرح التي لا تزال فارغة.
يجلس على كرسيّه الخشبيّ خلف الستائر البالية، استعدادًا لشدّ الحبل.
يتنهّد تعبًا؛ فقد اضطرّ إلى العمل في أحد المطاعم الفخمة هذا الصباح، شأن بقية أيّام هذا الأسبوع، ساعاتٍ إضافيّة، لحاجة أولاده إلى المال عند دخولهم المدرسةَ، فلم يعد إلى بيته للحصول على قسط من الرّاحة.
يتذكّر بدايةَ تعلّقه بعمله في المسرح منذ أكثر من عشرين عامًا، لم يغب يومًا عنه، ولم يتأخّر عن موعد رفع الستار. وعلى الرغم من قلّة أجره مقارنةً بالملقّن وعامل شبّاك التذاكر مثلًا، فإنّه لم يبحث عن عملٍ آخر. بل كان دائمًا ما يغيّر عملَه الصباحيّ الآخر، وأحيانًا يرفض بعضَ عروض العمل المغرية إذا تعارضتْ مواعيدُها مع موعد رفعه للستار.
يتذكّر مَن مرّوا عليه:
الفنّان الكبير ي.و الذي كان يغدق عليه، وعلى العاملين الآخرين، الهدايا عند المناسبات والأعياد؛
والفنّانة ز.ع التي كانت تأتي قبل الجميع لتُراجع دورَها على الخشبة قبل دخول الجمهور إلى القاعة؛
والمخرج م.ج الذي كان يفقد أعصابَه على الجميع قبل العرض وأثناءه، ولا يغالبه أحدٌ في المزاح بعد انتهاء العرض؛
والممثل الشاب ل.ر الذي زار ابنتَه الصغيرة في المستشفى أثناء مرضها، وأدخل السعادة إلى قلبها.
يبدأ الجمهور بدخول المسرح، ويعجّ شيئًا فشيئًا بالضجيج.
يتذكّر تلك التراجيديا التي حملتْ معها بكاء الحاضرين؛
وذلك العرضَ الكوميديّ الذي استمرّ فيه الجمهور بالقهقهة ساعاتٍ متواصلة، حتى أتاهم في اليوم التالي تحذيرٌ من الجيران بسبب ارتفاع أصوات الضحك أثناء الليل؛
ويتذكّر ذلك اليومَ الذي أُلغي فيه العرضُ بسبب العواصف والأمطار؛
ولا ينسى تلك الليلةَ الغريبة حين اعتذرتْ إدارةُ المسرح للجمهور عن متابعة إحدى المسرحيّات، وأعادت النقودَ إليهم بعد انتهاء فصلها الثاني، بسبب مكالمةٍ بلغتْ مديرَ الفرقة من مصدر "رفيع."
تنهال عليه الذكرياتُ، التي يقاطعها صوتٌ يقول:
ــــ استعدّوا. كلّ في مكانه. عطيّة، خمس دقائق ويُرفع الستار.
القاهرة
* عن مجلة الاداب