دعيني للغنى أسعى فإني = رأيت الناس شُّرُهمُ الفقيرُ
قليل ذنبه، والذنب جمّ = ولكن للغني رب غفورُ
" عروة بن الورد"
أ شهر الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي -
وصل عروة بن الورد إلى مدينة حلب، حطّ الرحال في ساحة سعد الله الجابري، تطلّع الناس إليه بدهشة: " رجل في هذا العصر يرتدي زيّاً قديماً، ويحمل سيفه ! " . ظنّوه مهرّجاً أو مجنونا.
اقترب منه شاب يافع، تأمله باستغراب، وقد وضع إحدى يديه في جيبه، وحمل سلسلة مفاتيح باليد الأخرى، يلوح بها باستهتار. نظر عروة بن الورد إلى الشاب ليرى وجهاً صبوحاً، وثياباً حديثة الطراز، وشعراً مصففاً. سأله الشاب: - من أنت ؟!
- أنا عروة بن الورد
ازدادت دهشة الفتى:
- عروة بن الورد ! هل تمزح معي ؟! أنت ممثل تقلد شخصيته، عروة بن الورد شاعر جاهلي مات منذ زمن بعيد.
- أنا عروة، عدت إلى الحياة، وجئت إلى عصركم لأكتشفه.
ضحك الفتى: - أنت رجل ظريف ! هل أستطيع مساعدتك في اكتشاف عصرنا ؟!
عروة بن الورد : نعم أحتاج لمرشد لي في هذه المدينة ، ولكن يجب أن أستريح قليلاً ، فأنا متعب من السفر .
تطلّع الفتى إلى الحديقة العامة أمامهما: - تعال لنجلس في الحديقة !
مشى الاثنان باتجاه باب الحديقة ، جلسا على أحد المقاعد أمام الشلالات ، سأل عروة الفتى :
-ما اسمك ؟
- عروة الحلبي.
- اسمك عروة أيضاً، مصادفة جميلة !
تابع الفتى: يلقبونني عروة بن الشوك لسلاطة لساني، وشغبي وشقاوتي.
ابتسم عروة بن الورد:-لكل وردة أشواكها، يبدو أن الورد لي والشوك لك !
شمس نيسان أضاءت وجه الفتى، تسللت أشعتها إلى الغبار الذي يعفر ثياب عروة بن الورد الذي اتجه إلى صنبور الماء ليغسل وجهه، وينفض الغبار عن ثيابه، عاد إلى مقعده منتعشاً، نقل بصره
بين الشلالات، والأشجار، والأزهار: - جميلة هذه الواحة !
النسمات الربيعية الدافئة داعبت العروتين، قال عروة بن الشوك:
- إذا كنت حقاً عروة بن الورد، حدثني عن حياتك !
- ألم تصدقني بعد ؟!
- لا
- أنا أيها الشوكي عروة بن الورد بن زيد بن عبس بن مضر، فارس، وصعلوك، وشاعر من العصر الجاهلي، تمردت على المجتمع، وناصرت الفقراء والضعفاء، كنا نغزو القوافل، والقبائل، للحصول على الغنائم، وكنت أساعد الصعاليك إذا أخفقوا في غزواتهم، وأجمعهم، لذا لقبوني بعروة الصعاليك، ألم تسمع بقصيدتي المشهورة التي أقول فيها:
أفرق جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء، والماء بارد
- نعم أحفظ بعض أبياتها التي تصور الكرم بشكل رائع:
إني امرؤ عافي إنائي شركة
وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
أتهزأ مني إن سمنت وأن ترى
بجسمي مس الحق ، والحق جاهد
- يسعدني أن تحفظ أشعاري، وأحب أن أتعرف إليك أكثر.
تطلع إليه عروة بن الشوك بتمعن، أخرج من جيب قميصه علبة سجائر( مالبورو)، أسند مرفقه إلى المقعد بشكل استعراضي، رسم ملامح الجدية على وجهه وكأنه شاب في الثلاثين، مد رجله اليسرى أمامه، أسند اليمنى إلى طرف المقعد، مال باتجاه عروة بن الورد، وهو يخرج من جيبه قداحة ثمينة، قدم علبة السجائر إلى عروة بن الورد
- هل تدخن ؟
- لا
- نسيت، أنت من العصر الجاهلي، لم يكن لديكم سجائر.
أشعل عروة بن الشوك سيجارته، بدأ ينفث دخانها غي الهواء، وهو يتأمل الأشجار.
- أنا شاب في الثامنة عشرة من عمري، أدخن علبتي مالبورو في اليوم، يتيم الأب منذ الحادية عشرة من عمري، توقفت عن الدراسة في منتصف المرحلة الثانوية رغم تفوقي كي أتعلم الخياطة وأعمل بها، مللتها، اتجهت إلى التجارة، وأنا أعمل منذ عامين مندوب مبيعات.
- ماذا تبيع ؟
-كل شيء، أعمل مع تاجر جملة يبيع أنواعاً كثيرة من المواد، أسافر إلى معظم المدن السورية، وإلى بيروت لأبيع البضائع.
- هل تسافر وحدك ؟
- نعم.
- في زمني كنت أغزو القوافل مع أصحابي، وأوزع الغنائم عليهم، حين كان يهزمهم الفقر يهرعون إليّ قائلين: "يا أبا الصعاليك أغثنا !". فأخرج لأغزو بهم، وأنت كيف تعامل أصحابك ؟
- أصحابي !ليس لدي أصحاب، أنا لا أثق بأحد، ولا أصادق أحداً، ولا أعادي أحداً أيضاً، أترك شعرة معاوية بيني وبين الآخرين.
- أنت منافق لا تحب أحداً.
- أنا واقعي ابن هذا الزمان.
- كنت نصيراً للفقراء والضعفاء، أجمعهم وأجزل لهم العطاء، وكل غزواتي على الأغنياء هدفها إنصافهم، وتوزيع الغنائم عليهم، ولم أكن أبغي الكثير لنفسي، فمثلي الأعلى تحقيق العدالة والإنصاف، فما هو مثلك الأعلى ؟!
- مثلي الأعلى هو مصلحتي، والحصول على المال لبناء مستقبلي.
- حدّثني عن والدك.
- والدي رحمه الله كان قوي الشخصية، طيباً مع الناس، حنوناً، يحب أمي، ويحبنا أنا و أخوتي.
- وأمك ؟!
- أمي رائعة وحنونة، تحبني أكثر من أخوتي السبعة، فأنا أصغرهم، وأرضيها دائماً، وأجلب لها الهدايا حين أسافر.
- كأنك لست ابناً لأمك وأبيك !
ضحك عروة بن الشوك بسخرية: -زمانهم غير زماني !
كان عروة بن الشوك يتحدث بحماس وهو ينفث دخان سيجارته، ويتطلع إلى سيف عروة بن الورد المعلق على كتفه: -ارني سيفك.
أعطاه السيف، أخرجه من غمده، تأمله: -سيفك لا يصلح لزماننا..
- ولم ؟!
ضحك عروة بن الشوك باستهتار، مدّ لسانه، أشار إليه بإصبعه:- هذا اللسان الذي تراه أمامك هو سيفي الذي أحارب به الأيام والظروف، هذا زمان الكلام لازمان السيوف.
- وهل يغني الكلام عن السيف ؟!
- ليس الكلام فقط، بل الحيلة والدهاء، في عملي أجنّد كلّ حيلي وشقاوتي للنجاح، أصادق الزبائن، أحدثهم بأسلوب ناعم لطيف، في البداية لا يشترون بضائعي، لكنّي أصرّ على زيارتهم دائماً كصديق حميم حتّى يشتروا منّي خجلاً، أخفض الأسعار أكثر من غيري حتّى أكسبهم، وبعد ذلك أزيدها بالتدريج، وحين يأمنون جانبي، وتسنح لي الفرصة، أبيعهم بسعر مرتفع.
- بالك من محتال !
ضحك عروة بن الشوك ضحكته الساخرة، وقف، بدأ يحرك رجليه ويرقص.
- أنت بارع في الرقص..
- هذه رقصة حديثة تعلمتها على يد مدرّب خاص، لابدّ أنك جائع !
- نعم
- انتظرني قليلاً، سأحضر بعض الطعام من مطعم قريب، ونأكل في أحضان الطبيعة.
حين ذهب عروة بن الشوك، تأمل عروة بن الورد الناس الذين يمشون في الحديقة، ويتطلعون إلى هيئته باستغراب، أحسّ بحنين إلى الصحراء، إلى عصره الذهبي، كانت مدينة حلب آخر محطّة في رحلته إلى هذا العصر الذي لم يعجبه، استغرق في أفكاره وتأملاته التي قطعها عروة بن الشوك، وهو قادم باتجاهه يحمل صندويش همبرغر وشاورما، ابتدآ يأكلان، مرّت بجانبهما فتاة يافعة، ابتسمت لعروة، لوّحت له بيدها: -هاي عروة..
لوّح عروة بيده، وتابعت الفتاة طريقها.
- من هذه ؟
- صديقتي ريما.
- تقصد حبيبتك ؟!
- لا، هذه مجرّد صديقة، أنا أحبّ لمى .
- اسمها لمى؟! اسم جميل !
- لمى حبيبتي الرائعة التي أشعلت الشمع في قلبي ، وأنارت لي الطريق الجميل ، وأوقدت نواقيس الفرح في حياتي ، أحببتها منذ الخامسة عشرة من عمري ، وحاولت إحدى صديقاتها أن تفرّق بيننا ، فأوهمتني أنّ لمى تحب غيري ، فجنّ جنوني ، كنت عندها في السادسة عشرة من عمري ، كتبت لها قصيدة أقول فيها :
" ماذا ؟!أ كنتِ بي تهزئين ؟! وفي حبك لي تكذبين ! نفسك يا غادرة تخدعين ! اعلمي ! ما كنتِ أبداً فتنة للناظرين، أو كأس خمر يسكر الشاربين، ما كنتِ إلا مائدة جميلة، تركت عليها البقايا للآخرين.."
هتف عروة بن الورد: هل تسمي ما قلته شعراً ؟! هذا كلام لا علاقة له بالشعر، بينك وبين الشعر مسافات.. اسمع هذه الأبيات:
أقلّي عليّ اللوم يا بنت منذر
ونامي وإن لم تشتهي النوم فاسهري
ذريني ونفسي أم حسان، إنني
بها، قبل أن لا أملك البيع مشتري
أحاديث تبقى، والفتى غير خالد
إذا هو أمسى هامة فوق صيّر
ذريني أطوّف في البلاد، لعلّني
أخلّيك أو أغنيك عن سوء محضري
توقف عروة بن الورد عن الإنشاد: - لعلّك تعرف قصيدتي "أقلّي عليّ اللّوم "
- نعم أعرفها، وأحفظ بعض أبياتها، لكن الشعر في زماننا أصبح مختلفاً..
- ما قلتَه قبل قليل لم يكن شعراً..
- أنا مجرّد هاو، أكتب الخواطر لحبيبتي، ولست شاعراً مشهوراً مثلك..
- نعود إلى لمى، ماذا حصل بعد ذلك ؟
- اكتشفت أن لمى تحبني، وخاب كيد صديقتها الماكرة، وتعلقت بها أكثر، وحين سافرت مرّة مع أهلها للاصطياف، كتبت:" اليد ترتجف، والقلب ينبض بقوة، والعين تدمع لرحيلكِ، كيف ذلك بحق السّماء ؟! بكت الجوامد لفجيعتي، حزن الأعداء لنكستي، وجاءني الكرب باكياً."
- أتكون لمى جميلة مثل اسمها ؟!
- نعم جميلة ، وطيبة جدّاً ، لا تحقد على أحد،تحبني أكثر مما أحبها ، وتحترم آرائي وتقدّرها .
- لابدّ أنّك أحببتَها من أول نظرة !
- وهل يوجد حب من أول نظرة ؟! هذا في أفلام السينما فقط ، كنت أبغي التسلية وقضاء الوقت ، فوقعت في الحب دون أن أدري ، وأحسست أن لمى هي التي تناسبني ، وأريدها ، وقررت أن
أو قف غرامياتي، لأحب لمى فقط.
- غرامياتك! أنت مجرد فتى في الثامنة عشرة من عمرك !
- صحيح، لكنني محبوب جدّاً من الفتيات، وكنت ألاحق طالبات المدارس الإعدادية، وراهقت منذ الحادية عشرة من عمري حتى الرابعة عشرة، ثم أحببت لمى.
توقف عروة بن الشوك عن الحديث، تطلع بتمعن إلى عروة بن الورد:
- لابد أنك تستغرب ما أقوله لك !
- نعم، أنت تثير فضولي، واستغرابي..أكمل حديثك..
- في مرحلة المراهقة كنت أقف أمام مدرسة البنات القريبة من مدرستي، وحين أرى الطالبات يخرجن من المدرسة، أتطلّع إليهن، وأطلق بعض التعليقات الطريفة لأثير ضحكهن، فكما تعلم الفتيات يحببن الشاب الظريف، بعد ذلك تجرأت أكثر، فصرت أختار الفتاة التي تعجبني، أتطلّع إليها بإصرار حين تمر أمامي، دون أن أحدثها، وأثابر على ذلك عدّة أيام، حتّى أثير فضولهن لمعرفة ما أريد، عندها أحدّثها، وأحييها بألفة كصديق قديم، وفي غمرة دهشتها، تنسى حذرها، وتحدثني،
وترافقني، وتتباهى بين صديقاتها بمعرفتي، وقد تحضر صديقتها معها، عندها أغتنم الفرصة للقاء صديقتها دون علمها، وبعد ذلك أتهرب منها، أغير طريقي، أبتعد عن المدرسة إلى مدرسة أخرى، أحياناً أقنع صديقة لي أن تصادق فتاة تعجبني كي تعرّفني إليها، مرة تعلقت بي إحدى الفتيات كثيراً، وأردت التخلص منها، فاضطررت لتهديدها بفضحها أمام أهلها، لتجنب مضايقاتها الهاتفية، مرة تحالفت فتاتان ضدي، وخسرتهما معاً، فقد التقتا مصادفة في أحد الأعراس، وتعرفتا على بعضيهما، كل واحد ة حدثت الأخرى عن خطيبها عروة الذي هو أنا، واكتشفتا أنهما تحبان نفس الشخص، وأنه يخدعهما معاً، ومرة عرفت طالبتين في إحدى المدارس، أوهمت كل واحدة منهما أنني أحبها، وحين عرفتا الحقيقة، اصطدمتا، وتضاربتا بالأيدي، وكانت معركة طريفة، وفضيحة، اضطررت بعدها للابتعاد إلى مدرسة أخرى، وحارة أخرى.
- يبدو أنك تتسلى بقلوب الفتيات !
- ولم لا تقول إنني أسليهن، وأمنحهن بعض الذكريات الجميلة، أنا أريد أن أظل صورة لطيفة في أذهان الفتيات، تتحسر كل واحدة علي إذا رأتني في الطريق.
- الرجل الحق يا عروة الشوكي يحب مرة واحدة في حياته، أنا لم أحب سوى زوجتي سلمى بنت المنذر من قبيلة كنانة، وقد سبيتها في إحدى غزواتي، أعتقتها وتزوجتها، فكانوا يعيرون أولادي منها بأنهم أولاد السبيّة، فلم تهن عليها كرامتها، وطلبت العودة إلى أهلها الذين سقوني الخمر، حتى سكرت، ورضيت بردها إليهم، وندمت على ذلك، فقلت:
" فلا والله لو ملكت أمري
ومن لي بالتدبر في الأمور
إذاً لعصيتهم في حب سلمى
على ما كان من حسك الصدور"
- زوجتك لم تكن تحبك، ولذا تخلت عنك.
- كانت تحبني، لكن كرامتها كانت أغلى مني، أثنت علي قائلة: إنني طويل العماد، كثير الرماد، راضي الأهل والجانب، وكنت أعرض نفسي للأخطار، ولا أهاب الموت من أجلها، ومن أجل أولادي، وقومي الفقراء.
- مسكين أنت ! أحببت واحدة تزوجتها، فتخلت عنك، أما أنا فقد عشت حياتي كما أريد، وتمتعت بأوقاتي، ولم أتزوج حبيبتي كي لا تقف عقبة أمام مستقبلي، فعلي أن أنهي خدمتي العسكرية الإلزامية، وأشتري بيتاً، وغير ذلك. . سألتني أم لمىعن نهاية حبي لابنتها، طلبت مني أن أتزوجها، ولكن ليس باليد حيلة، كنت أضعف أحياناً، وأقرر الزواج منها، ثم أتراجع. قال لي أصدقائي: تعرف على غيرها لتنسى حبها، لكن معرفتي بغيرها زادت حبي لها، وجعلتني أحس بالذنب، وأرقني عذاب الضمير، وعدت لأراها، ومازالت مشكلتي معلقة ليس لها حل … هل لديك حل لمشكلتي ؟!
ضحك عروة بن الورد: - حل مشكلتك بيدك لا بيدي، يبدو أنك تتسلى.
عروة بن الشوك: - هذه المرة أنا جاد، انتهت مرحلة الطيش، وأفكر بمستقبلي.
كانت الشلالات تتراقص أمامهما ، والحديث الطويل استغرقهما ، فلم يحسا بالوقت ، بدأت الشمس بالغياب ، والمساء يزحف رويداً رويدا .
قال عروة بن الورد: حديثك شيق، لكنك صدمتني بآرائك وتصرفاتك الغريبة.
- أنا ابن هذا العصر، أتكلم لغته، لو كنت تعيش في عصرنا لما حدثتني عن المثاليات، والجرأة، والشجاعة، والشهامة !
- -مخطئ أنت، لكل عصر فرسانه، وشعراؤه، وشجعانه تعال معي إلى الصحراء، علك تطهر نفسك من الشوائب ….
- وهل أغامر بترك مدينتي برفاهيتها لأذهب إلى صحراء ليس فيها سوى الرمال ؟! لك صحراؤك، ولي مدينتي، لك سيفك، ولي لساني، لك إخلاصك وشهامتك، ولي واقعيتي، وشطارتي.. ألن تتجول في المدينة ؟! حلب جميلة في الليل.
- لا.. لا أريد رؤية الكثيرين من أمثالك.. سأعود سريعاً إلى عصري وعالمي.. وداعاً أيها الشوكي !
قفز حصان عربي أصيل أمامهما، خاطبه عروة بن الورد – اقترب يا حصاني أنا بانتظارك..
شهر سيفه، امتطى حصانه، واختفى..لم يبق أمام الشلالات سوى عروة بن الشوك يجلس وحيداً، على المقعد، يكمل تدخين سيجارته، وينظر إلى ساعته، فلديه موعد هام ينبغي أن يسرع إليه.
قليل ذنبه، والذنب جمّ = ولكن للغني رب غفورُ
" عروة بن الورد"
أ شهر الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي -
وصل عروة بن الورد إلى مدينة حلب، حطّ الرحال في ساحة سعد الله الجابري، تطلّع الناس إليه بدهشة: " رجل في هذا العصر يرتدي زيّاً قديماً، ويحمل سيفه ! " . ظنّوه مهرّجاً أو مجنونا.
اقترب منه شاب يافع، تأمله باستغراب، وقد وضع إحدى يديه في جيبه، وحمل سلسلة مفاتيح باليد الأخرى، يلوح بها باستهتار. نظر عروة بن الورد إلى الشاب ليرى وجهاً صبوحاً، وثياباً حديثة الطراز، وشعراً مصففاً. سأله الشاب: - من أنت ؟!
- أنا عروة بن الورد
ازدادت دهشة الفتى:
- عروة بن الورد ! هل تمزح معي ؟! أنت ممثل تقلد شخصيته، عروة بن الورد شاعر جاهلي مات منذ زمن بعيد.
- أنا عروة، عدت إلى الحياة، وجئت إلى عصركم لأكتشفه.
ضحك الفتى: - أنت رجل ظريف ! هل أستطيع مساعدتك في اكتشاف عصرنا ؟!
عروة بن الورد : نعم أحتاج لمرشد لي في هذه المدينة ، ولكن يجب أن أستريح قليلاً ، فأنا متعب من السفر .
تطلّع الفتى إلى الحديقة العامة أمامهما: - تعال لنجلس في الحديقة !
مشى الاثنان باتجاه باب الحديقة ، جلسا على أحد المقاعد أمام الشلالات ، سأل عروة الفتى :
-ما اسمك ؟
- عروة الحلبي.
- اسمك عروة أيضاً، مصادفة جميلة !
تابع الفتى: يلقبونني عروة بن الشوك لسلاطة لساني، وشغبي وشقاوتي.
ابتسم عروة بن الورد:-لكل وردة أشواكها، يبدو أن الورد لي والشوك لك !
شمس نيسان أضاءت وجه الفتى، تسللت أشعتها إلى الغبار الذي يعفر ثياب عروة بن الورد الذي اتجه إلى صنبور الماء ليغسل وجهه، وينفض الغبار عن ثيابه، عاد إلى مقعده منتعشاً، نقل بصره
بين الشلالات، والأشجار، والأزهار: - جميلة هذه الواحة !
النسمات الربيعية الدافئة داعبت العروتين، قال عروة بن الشوك:
- إذا كنت حقاً عروة بن الورد، حدثني عن حياتك !
- ألم تصدقني بعد ؟!
- لا
- أنا أيها الشوكي عروة بن الورد بن زيد بن عبس بن مضر، فارس، وصعلوك، وشاعر من العصر الجاهلي، تمردت على المجتمع، وناصرت الفقراء والضعفاء، كنا نغزو القوافل، والقبائل، للحصول على الغنائم، وكنت أساعد الصعاليك إذا أخفقوا في غزواتهم، وأجمعهم، لذا لقبوني بعروة الصعاليك، ألم تسمع بقصيدتي المشهورة التي أقول فيها:
أفرق جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء، والماء بارد
- نعم أحفظ بعض أبياتها التي تصور الكرم بشكل رائع:
إني امرؤ عافي إنائي شركة
وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
أتهزأ مني إن سمنت وأن ترى
بجسمي مس الحق ، والحق جاهد
- يسعدني أن تحفظ أشعاري، وأحب أن أتعرف إليك أكثر.
تطلع إليه عروة بن الشوك بتمعن، أخرج من جيب قميصه علبة سجائر( مالبورو)، أسند مرفقه إلى المقعد بشكل استعراضي، رسم ملامح الجدية على وجهه وكأنه شاب في الثلاثين، مد رجله اليسرى أمامه، أسند اليمنى إلى طرف المقعد، مال باتجاه عروة بن الورد، وهو يخرج من جيبه قداحة ثمينة، قدم علبة السجائر إلى عروة بن الورد
- هل تدخن ؟
- لا
- نسيت، أنت من العصر الجاهلي، لم يكن لديكم سجائر.
أشعل عروة بن الشوك سيجارته، بدأ ينفث دخانها غي الهواء، وهو يتأمل الأشجار.
- أنا شاب في الثامنة عشرة من عمري، أدخن علبتي مالبورو في اليوم، يتيم الأب منذ الحادية عشرة من عمري، توقفت عن الدراسة في منتصف المرحلة الثانوية رغم تفوقي كي أتعلم الخياطة وأعمل بها، مللتها، اتجهت إلى التجارة، وأنا أعمل منذ عامين مندوب مبيعات.
- ماذا تبيع ؟
-كل شيء، أعمل مع تاجر جملة يبيع أنواعاً كثيرة من المواد، أسافر إلى معظم المدن السورية، وإلى بيروت لأبيع البضائع.
- هل تسافر وحدك ؟
- نعم.
- في زمني كنت أغزو القوافل مع أصحابي، وأوزع الغنائم عليهم، حين كان يهزمهم الفقر يهرعون إليّ قائلين: "يا أبا الصعاليك أغثنا !". فأخرج لأغزو بهم، وأنت كيف تعامل أصحابك ؟
- أصحابي !ليس لدي أصحاب، أنا لا أثق بأحد، ولا أصادق أحداً، ولا أعادي أحداً أيضاً، أترك شعرة معاوية بيني وبين الآخرين.
- أنت منافق لا تحب أحداً.
- أنا واقعي ابن هذا الزمان.
- كنت نصيراً للفقراء والضعفاء، أجمعهم وأجزل لهم العطاء، وكل غزواتي على الأغنياء هدفها إنصافهم، وتوزيع الغنائم عليهم، ولم أكن أبغي الكثير لنفسي، فمثلي الأعلى تحقيق العدالة والإنصاف، فما هو مثلك الأعلى ؟!
- مثلي الأعلى هو مصلحتي، والحصول على المال لبناء مستقبلي.
- حدّثني عن والدك.
- والدي رحمه الله كان قوي الشخصية، طيباً مع الناس، حنوناً، يحب أمي، ويحبنا أنا و أخوتي.
- وأمك ؟!
- أمي رائعة وحنونة، تحبني أكثر من أخوتي السبعة، فأنا أصغرهم، وأرضيها دائماً، وأجلب لها الهدايا حين أسافر.
- كأنك لست ابناً لأمك وأبيك !
ضحك عروة بن الشوك بسخرية: -زمانهم غير زماني !
كان عروة بن الشوك يتحدث بحماس وهو ينفث دخان سيجارته، ويتطلع إلى سيف عروة بن الورد المعلق على كتفه: -ارني سيفك.
أعطاه السيف، أخرجه من غمده، تأمله: -سيفك لا يصلح لزماننا..
- ولم ؟!
ضحك عروة بن الشوك باستهتار، مدّ لسانه، أشار إليه بإصبعه:- هذا اللسان الذي تراه أمامك هو سيفي الذي أحارب به الأيام والظروف، هذا زمان الكلام لازمان السيوف.
- وهل يغني الكلام عن السيف ؟!
- ليس الكلام فقط، بل الحيلة والدهاء، في عملي أجنّد كلّ حيلي وشقاوتي للنجاح، أصادق الزبائن، أحدثهم بأسلوب ناعم لطيف، في البداية لا يشترون بضائعي، لكنّي أصرّ على زيارتهم دائماً كصديق حميم حتّى يشتروا منّي خجلاً، أخفض الأسعار أكثر من غيري حتّى أكسبهم، وبعد ذلك أزيدها بالتدريج، وحين يأمنون جانبي، وتسنح لي الفرصة، أبيعهم بسعر مرتفع.
- بالك من محتال !
ضحك عروة بن الشوك ضحكته الساخرة، وقف، بدأ يحرك رجليه ويرقص.
- أنت بارع في الرقص..
- هذه رقصة حديثة تعلمتها على يد مدرّب خاص، لابدّ أنك جائع !
- نعم
- انتظرني قليلاً، سأحضر بعض الطعام من مطعم قريب، ونأكل في أحضان الطبيعة.
حين ذهب عروة بن الشوك، تأمل عروة بن الورد الناس الذين يمشون في الحديقة، ويتطلعون إلى هيئته باستغراب، أحسّ بحنين إلى الصحراء، إلى عصره الذهبي، كانت مدينة حلب آخر محطّة في رحلته إلى هذا العصر الذي لم يعجبه، استغرق في أفكاره وتأملاته التي قطعها عروة بن الشوك، وهو قادم باتجاهه يحمل صندويش همبرغر وشاورما، ابتدآ يأكلان، مرّت بجانبهما فتاة يافعة، ابتسمت لعروة، لوّحت له بيدها: -هاي عروة..
لوّح عروة بيده، وتابعت الفتاة طريقها.
- من هذه ؟
- صديقتي ريما.
- تقصد حبيبتك ؟!
- لا، هذه مجرّد صديقة، أنا أحبّ لمى .
- اسمها لمى؟! اسم جميل !
- لمى حبيبتي الرائعة التي أشعلت الشمع في قلبي ، وأنارت لي الطريق الجميل ، وأوقدت نواقيس الفرح في حياتي ، أحببتها منذ الخامسة عشرة من عمري ، وحاولت إحدى صديقاتها أن تفرّق بيننا ، فأوهمتني أنّ لمى تحب غيري ، فجنّ جنوني ، كنت عندها في السادسة عشرة من عمري ، كتبت لها قصيدة أقول فيها :
" ماذا ؟!أ كنتِ بي تهزئين ؟! وفي حبك لي تكذبين ! نفسك يا غادرة تخدعين ! اعلمي ! ما كنتِ أبداً فتنة للناظرين، أو كأس خمر يسكر الشاربين، ما كنتِ إلا مائدة جميلة، تركت عليها البقايا للآخرين.."
هتف عروة بن الورد: هل تسمي ما قلته شعراً ؟! هذا كلام لا علاقة له بالشعر، بينك وبين الشعر مسافات.. اسمع هذه الأبيات:
أقلّي عليّ اللوم يا بنت منذر
ونامي وإن لم تشتهي النوم فاسهري
ذريني ونفسي أم حسان، إنني
بها، قبل أن لا أملك البيع مشتري
أحاديث تبقى، والفتى غير خالد
إذا هو أمسى هامة فوق صيّر
ذريني أطوّف في البلاد، لعلّني
أخلّيك أو أغنيك عن سوء محضري
توقف عروة بن الورد عن الإنشاد: - لعلّك تعرف قصيدتي "أقلّي عليّ اللّوم "
- نعم أعرفها، وأحفظ بعض أبياتها، لكن الشعر في زماننا أصبح مختلفاً..
- ما قلتَه قبل قليل لم يكن شعراً..
- أنا مجرّد هاو، أكتب الخواطر لحبيبتي، ولست شاعراً مشهوراً مثلك..
- نعود إلى لمى، ماذا حصل بعد ذلك ؟
- اكتشفت أن لمى تحبني، وخاب كيد صديقتها الماكرة، وتعلقت بها أكثر، وحين سافرت مرّة مع أهلها للاصطياف، كتبت:" اليد ترتجف، والقلب ينبض بقوة، والعين تدمع لرحيلكِ، كيف ذلك بحق السّماء ؟! بكت الجوامد لفجيعتي، حزن الأعداء لنكستي، وجاءني الكرب باكياً."
- أتكون لمى جميلة مثل اسمها ؟!
- نعم جميلة ، وطيبة جدّاً ، لا تحقد على أحد،تحبني أكثر مما أحبها ، وتحترم آرائي وتقدّرها .
- لابدّ أنّك أحببتَها من أول نظرة !
- وهل يوجد حب من أول نظرة ؟! هذا في أفلام السينما فقط ، كنت أبغي التسلية وقضاء الوقت ، فوقعت في الحب دون أن أدري ، وأحسست أن لمى هي التي تناسبني ، وأريدها ، وقررت أن
أو قف غرامياتي، لأحب لمى فقط.
- غرامياتك! أنت مجرد فتى في الثامنة عشرة من عمرك !
- صحيح، لكنني محبوب جدّاً من الفتيات، وكنت ألاحق طالبات المدارس الإعدادية، وراهقت منذ الحادية عشرة من عمري حتى الرابعة عشرة، ثم أحببت لمى.
توقف عروة بن الشوك عن الحديث، تطلع بتمعن إلى عروة بن الورد:
- لابد أنك تستغرب ما أقوله لك !
- نعم، أنت تثير فضولي، واستغرابي..أكمل حديثك..
- في مرحلة المراهقة كنت أقف أمام مدرسة البنات القريبة من مدرستي، وحين أرى الطالبات يخرجن من المدرسة، أتطلّع إليهن، وأطلق بعض التعليقات الطريفة لأثير ضحكهن، فكما تعلم الفتيات يحببن الشاب الظريف، بعد ذلك تجرأت أكثر، فصرت أختار الفتاة التي تعجبني، أتطلّع إليها بإصرار حين تمر أمامي، دون أن أحدثها، وأثابر على ذلك عدّة أيام، حتّى أثير فضولهن لمعرفة ما أريد، عندها أحدّثها، وأحييها بألفة كصديق قديم، وفي غمرة دهشتها، تنسى حذرها، وتحدثني،
وترافقني، وتتباهى بين صديقاتها بمعرفتي، وقد تحضر صديقتها معها، عندها أغتنم الفرصة للقاء صديقتها دون علمها، وبعد ذلك أتهرب منها، أغير طريقي، أبتعد عن المدرسة إلى مدرسة أخرى، أحياناً أقنع صديقة لي أن تصادق فتاة تعجبني كي تعرّفني إليها، مرة تعلقت بي إحدى الفتيات كثيراً، وأردت التخلص منها، فاضطررت لتهديدها بفضحها أمام أهلها، لتجنب مضايقاتها الهاتفية، مرة تحالفت فتاتان ضدي، وخسرتهما معاً، فقد التقتا مصادفة في أحد الأعراس، وتعرفتا على بعضيهما، كل واحد ة حدثت الأخرى عن خطيبها عروة الذي هو أنا، واكتشفتا أنهما تحبان نفس الشخص، وأنه يخدعهما معاً، ومرة عرفت طالبتين في إحدى المدارس، أوهمت كل واحدة منهما أنني أحبها، وحين عرفتا الحقيقة، اصطدمتا، وتضاربتا بالأيدي، وكانت معركة طريفة، وفضيحة، اضطررت بعدها للابتعاد إلى مدرسة أخرى، وحارة أخرى.
- يبدو أنك تتسلى بقلوب الفتيات !
- ولم لا تقول إنني أسليهن، وأمنحهن بعض الذكريات الجميلة، أنا أريد أن أظل صورة لطيفة في أذهان الفتيات، تتحسر كل واحدة علي إذا رأتني في الطريق.
- الرجل الحق يا عروة الشوكي يحب مرة واحدة في حياته، أنا لم أحب سوى زوجتي سلمى بنت المنذر من قبيلة كنانة، وقد سبيتها في إحدى غزواتي، أعتقتها وتزوجتها، فكانوا يعيرون أولادي منها بأنهم أولاد السبيّة، فلم تهن عليها كرامتها، وطلبت العودة إلى أهلها الذين سقوني الخمر، حتى سكرت، ورضيت بردها إليهم، وندمت على ذلك، فقلت:
" فلا والله لو ملكت أمري
ومن لي بالتدبر في الأمور
إذاً لعصيتهم في حب سلمى
على ما كان من حسك الصدور"
- زوجتك لم تكن تحبك، ولذا تخلت عنك.
- كانت تحبني، لكن كرامتها كانت أغلى مني، أثنت علي قائلة: إنني طويل العماد، كثير الرماد، راضي الأهل والجانب، وكنت أعرض نفسي للأخطار، ولا أهاب الموت من أجلها، ومن أجل أولادي، وقومي الفقراء.
- مسكين أنت ! أحببت واحدة تزوجتها، فتخلت عنك، أما أنا فقد عشت حياتي كما أريد، وتمتعت بأوقاتي، ولم أتزوج حبيبتي كي لا تقف عقبة أمام مستقبلي، فعلي أن أنهي خدمتي العسكرية الإلزامية، وأشتري بيتاً، وغير ذلك. . سألتني أم لمىعن نهاية حبي لابنتها، طلبت مني أن أتزوجها، ولكن ليس باليد حيلة، كنت أضعف أحياناً، وأقرر الزواج منها، ثم أتراجع. قال لي أصدقائي: تعرف على غيرها لتنسى حبها، لكن معرفتي بغيرها زادت حبي لها، وجعلتني أحس بالذنب، وأرقني عذاب الضمير، وعدت لأراها، ومازالت مشكلتي معلقة ليس لها حل … هل لديك حل لمشكلتي ؟!
ضحك عروة بن الورد: - حل مشكلتك بيدك لا بيدي، يبدو أنك تتسلى.
عروة بن الشوك: - هذه المرة أنا جاد، انتهت مرحلة الطيش، وأفكر بمستقبلي.
كانت الشلالات تتراقص أمامهما ، والحديث الطويل استغرقهما ، فلم يحسا بالوقت ، بدأت الشمس بالغياب ، والمساء يزحف رويداً رويدا .
قال عروة بن الورد: حديثك شيق، لكنك صدمتني بآرائك وتصرفاتك الغريبة.
- أنا ابن هذا العصر، أتكلم لغته، لو كنت تعيش في عصرنا لما حدثتني عن المثاليات، والجرأة، والشجاعة، والشهامة !
- -مخطئ أنت، لكل عصر فرسانه، وشعراؤه، وشجعانه تعال معي إلى الصحراء، علك تطهر نفسك من الشوائب ….
- وهل أغامر بترك مدينتي برفاهيتها لأذهب إلى صحراء ليس فيها سوى الرمال ؟! لك صحراؤك، ولي مدينتي، لك سيفك، ولي لساني، لك إخلاصك وشهامتك، ولي واقعيتي، وشطارتي.. ألن تتجول في المدينة ؟! حلب جميلة في الليل.
- لا.. لا أريد رؤية الكثيرين من أمثالك.. سأعود سريعاً إلى عصري وعالمي.. وداعاً أيها الشوكي !
قفز حصان عربي أصيل أمامهما، خاطبه عروة بن الورد – اقترب يا حصاني أنا بانتظارك..
شهر سيفه، امتطى حصانه، واختفى..لم يبق أمام الشلالات سوى عروة بن الشوك يجلس وحيداً، على المقعد، يكمل تدخين سيجارته، وينظر إلى ساعته، فلديه موعد هام ينبغي أن يسرع إليه.