د. حاتم الجوهري - ترجمة لكتاب جان بول سارتر: "تاملات فى المسألة اليهودية".. (البيان الصحفى لصدور الكتاب)

ترجمة لكتاب جان بول سارتر: "تاملات فى المسألة اليهودية"، الذى حجب عن العربية ولم يترجم إليها من قبل طيلة اكثر من سبعين عاما كاملة مضت!

***

بمشيئة الله تصدر فى معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام وفى جناح دار روافد، ترجمتى لكتاب جان بول سارتر: "تاملات فى المسألة اليهودية"، والذى لم يترجم للعربية من قبل قط، وحجب عنها طيلة أكثر من سبعين عاما كاملة، كما صحبت الترجمة بدراسة أعددتها بعنوان: "سارتر بين الصهيونية وسلب الحق الوجودى للفلسطينيين" للرد على المقولات الفلسفية والسياسية التى وظفها سارتر لدعم الصهيونية فى فلسطين..

***

وهذا هو البيان الصحفى لصدور الكتاب

فى كتابه الجديد وتعاونه الثانى مع دار روافد بالقاهرة هذا العام، يقدم الشاعر والباحث د.حاتم الجوهرى مفاجأة كبرى للثقافة والمكتبة العربية، وهى ترجمته لكتاب جان بول سارتر الذى حجب عن العربية لمدة تزيد عن السبعين عاما ولم يسبق ترجمته لها، وهو كتابه: "تأملات فى المسألة اليهودية"، وقد سبق المترجم الكتاب بدراسة قام بها بعنوان: "سارتر بين الصهيونية وسلب الحق الوجودى للفلسطينيين" اعتمد فيها على المراجع الإنجليزية والعربية والعبرية بالإضافة لكتاب سارتر نفسه. حيث يشير إلى أن فيلسوف الحرية قد وقع ضحية لمنهجه الظاهرى (الفينومينولوجى) فى مقاربة الظاهرة الإنسانية، ووقف الحدس والموقف الذاتى والآنى عاجزا إزاء تعاطف سارتر مع يهود فرنسا وما تركته بصمات النازية على أوربا فيما بعد الحرب العالمية الثانية؛ وأثر ذلك الذى جعله يتخذ قرارا تعميميا بدعم حرية يهود أوربا والعالم على حساب حرية العربى الفلسطينى ودعم الصهيونية بإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين، وظلت معضلة العربى-الصهيونى تطارد سارتر، ولم تنجح محاولاته بعد ذلك فى التوفيق بين حرية هذا وحرية ذاك! ولم ينجح مفكرون عرب بحجم إدوارد سعيد فى انتزاع اعتراف منه بحق الفلسطينيين فى مواجهة الصهاينة.
ويقول الدكتور مصطفى النشار أستاذ الفلسفة والمفكر المصرى المعروف عن الكتاب ومؤلفه فى تقديمه له: "لقد أحسن د.حاتم الجوهري وهو المختص فى الأساس فى الدراسات العبرية والواعي بتاريخ اليهودية والصهيونية العالمية، أحسن صنعا حينما بحث عن هذا النص الذي ربما أهمل عن عمد من المتخصصين فى الفلسفة المعاصرة عموما وفى الفلسفة الوجودية على وجه الخصوص، وترجمه إلى العربية ليسد بحق فراغا فى المكتبة الفلسفية السياسية؛ فهذا الكتاب من شأنه أن يدفع كل المختصين فى الوجودية عموما وفى سارتر خاصة، أن يعيدوا النظر فى رؤاهم وتفسيراتهم للمذهب الوجودي ومدى اتساق مبادئه الفلسفية مع تطبيقاته الاجتماعية والسياسية. فلابد من تحية المترجم على جهده فى نقل هذا النص المهم إلى العربية وبهذه اللغة الفلسفية الرصينة، وعلى الدراسة القيمة التى صدر بها الترجمة: "سارتر بين الصهيونية وسلب الحق الوجودى للفلسطينين" وهي دراسة ضافية ومهمة اكتملت بها ترجمته للكتاب، وهما معا إضافة فى غاية الأهمية للمكتبة العربية عموما وللمكتبة الفلسفية السياسية فى الفلسفة المعاصرة على وجه الخصوص ."
ويقول المترجم فى مقدمته أن الأساس المنهجى للكتاب يقوم على مجموعة من الانطباعات الظاهرية واستطلاعات الرأى الذاتية التى قام بها سارتر بنفسه بين سكان أوربا من اليهود وغيرهم! ليخلص لنتيجة مدفوعا بفكرة الذنب تجاه يهود أوربا، بأن شخصية اليهودى عبر التاريخ ليست سوى شخصية سلبية مظلومة رد فعل للآخرين! وتقوم الأفكار الرئيسية التى اعتمد عليها سارتر فى كتابه على التالى:
- يعتبر مؤلف سارتر إجمالا نقدا لما يمكن أن نسميه: "الصورة النمطية لليهودى فى أوربا" فلم يسع فى مقاربته للمسألة اليهودية إلى البحث عن أسبابها التاريخية، إنما سعى لبحث ودراسة مظاهر وأشكال وتمثلات "الصورة الذهنية" المسبقة لليهود فى أوربا.. لكنه وظف هذه الصورة لدعم الصهيونية، ووصفها فلسفيا باعتبارها ممارسة لحرية اليهود وتطور وعيهم بذاتهم!
- الفكرة الرئيسية فى مقاربة سارتر للمسألة اليهودية، اعتبار اليهودية ليست سوى "موقف" صنعه العالم لليهود من خلال معاملتهم باعتبارهم يهودا؛ وليس لليهود أى ذنب أو تدخل فى ذلك إطلاقا.. فاليهودية – عنده – موقف يخلقه العالم/الآخرون لليهودى ليس إلا! مسقطا عنهم المسئولية التاريخية كجماعة أو مجموعات وجدت عبر التاريخ! ومعتبرا – فى هذا السياق – أن الصهيونية ستمثل "الموقف المشترك" الوجودى الجديد المضاد والحقيقى؛ الذى من خلاله سيرد اليهود على موقف الرد فعل والتهميش والقهر التاريخى - من جانب العالم- الذى يصورهم به سارتر!
- قدم سارتر رؤيتين للشخصية اليهودية إحداهما سلبية وسماها: "عدم الأصالة" أو التنكر ومحاولة إخفاء الهوية اليهودية، والأخرى إيجابية وسماها: "الأصالة" وهى التى تواجه العالم بحقيقتها اليهودية؛ واعتبر سارتر أن خط النهاية بالنسبة لـ "الأصالة اليهودية" هو تطور الوعى بالذات وصولا لحالة الموقف الجماعى القومى الذى تمثله الصهيونية!
- ربط سارتر فى مغالطة سياسية ومنطقية واضحة بين اضطهاد اليهود فى أوربا، والحل المتمثل فى الصهيونية واحتلال فلسطين! ربط بين الهولوكست وعقدة الذنب الأوربية والفرنسية تحديدا، و التعويض الذى اعتبر أن الصهيونية هى الممثل له.
- بعد أن ربط سارتر بين اليهودية ومعاداة السامية؛ ثم بين معاداة السامية والحل الصهيونى.. أخذ الأمر لأبعد من ذلك بحيث أصبح رفض الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية واستعمارية يساوى معاداة السامية! وكأن الصهيونية أصبحت إرهابا فكريا لمن يحاول نقدها.
- فى مقاربة سارتر للمسألة اليهودية ومن ضمن المعادلات التى يصنعها؛ قدم ثنائية جديدة وهى: العالمى والذاتى.. كان تعريفه لليهودى الذى يحاول التماس مع العالمى سلبيا، واعتبر أنه يهرب من ذاته ويبحث عن الحل فى تعميمات لا جذور لها فى الواقع، أما الذاتى فهو الذى كان يتماس مع خصوصيته ويهوديته ويحاول مواجهة العالم من خلالها، وبالطبع أعلى درجات الخصوصية من وجهة نظر سارتر سيفضى للتأكيد على الذات؛ من خلال دعم المشروع الصهيونى!
- من ضمن المعادلات والثنائيات التى قدمها سارتر أيضا، كانت ثنائية: الحدس- العقل، فقد اعتبر أن اليهودى الذى يحاول عقلنة الأمور والبحث عن آلية للحوار المنطقى مع أعدائه، يهرب من مواجهة حقائق الواقع الصادم وغير العقلانى؛ التى يجب أن تعتمد على الحدس والعاطفة والحس والانتفاض بقوة فى مواجهة أعداء اليهودى.. ونلمح هنا إسقاطا لفلسفة سارتر الوجودية العامة؛ على موقفه المناصر لليهود والصهيونية، من خلال جدلية العقل والعاطفة، التى انتصرت فيها الوجودية للعاطفة والحدس بالطبع، كما تكرر هذا الإسقاط بين فلسفته الوجودية العامة وبين تحليله للمسألة اليهودية وانتصاره للصهيونية وتحيزه لها كثيرا.
- قدم سارتر فى ثنايا مقاربته دعما فلسفيا لفكرة العنف الصهيونى بشكل ضمنى، حينما قال إن اليهودى يمكن أن يتحرر من خلال جدل مشابه لجدل "العبد والسيد" عند هيجل، أو من خلال المقاومة المسلحة ضد أعدائه.
إلا أن سارتر وعلى الرغم من تلك الأسس السابقة التى اعتمد عليها؛ أظهر الكتاب عدة نقاط تناقض الأطروحة الكلية له:
- فلقد اعترف سارتر –على سبيل المثال– بشكل غير متوقع ومفاجئ فى أحد مواقع الكتاب بوجود نمط يهودي فى التاريخ كان السبب فى العداء لهم، واعتمد هذا النمط على الندية والعند والامتيازات والتفضيل! وبالتالى ورغما عن سارتر اعترف أن ذلك النمط كان الأصل فى بناء وتشكيل تلك الصورة النمطية، التى تحدث عنها طوال الكتاب!
ومن خلال الدراسة النقدية التى أعدها المترجم بعنوان "سارتر بين الصهيونية وسلب الحق الوجودى للفلسطينين" نجد أن سارتر قد أسقط حق العربى الفلسطينى فى سعيه للبحث عن حرية وجودية متساوية وعادلة مفترضة لكل البشر وفق فلسفته الوجودية! بداية حاول تجاهله تماما فى فترة الدعاية للمشروع الصهيونى وما قبل إعلان الدولة حتى إقامتها أواخر أربعينيات القرن العشرين؛ حيث انقسمت بعد التجاهل التام لمرحلتين؛ الأولى من التأسيس وحتى ما قبل عدوان 1967: حيث صور سارتر العربى وكأنه امتداد للنازى الأوربى المضطهد لليهود والمهدد لوجودهم، على عكس الحقيقة وكون الصهيونية مشروع أقيم على حساب سلب الحرية الوجودية للفلسطينيين، حيث نظر سارتر لهذه الفترة على اعتبارها فترة تهديد للوجود الصهيونى الناشئ الذى تبناه منذ تأسيسه أواخر الأربعينيات.
وكانت المرحلة الثانية بعد حرب 67 وحرب 73 التى حاول فيها – حرجا وعلى استحياء – الموازنة بين تبنيه للصهيونية و بين مشكلة الشعب الفلسطينى الذى أصبح مشتتا وموزعا على أقليات فى بلدان العالم والبلدان العربية المجاورة، وأصبح فى موقف وجودى مماثل تماما ليهود أوربا المشتتين إبان الحرب العالمية الثانية! حيث وقع سارتر فى هذه المرحلة فى حيرة وفى حالة عجز عن مواجهة المعضلة التى وضع نفسه فيها، ولم يجد أمامه من سبيل سوى الحلول التوفيقية والتلفيقية، حيث لا يستطيع التراجع عن دعمه السياسى لإسرائيل، أو دعمه الفلسفى للجماعات اليهودية والمشروع الصهيونى، ليعتبر أن العلاقة بين يهود الصهيونية والعرب الفلسطينيين هى علاقة بين مظلومين تعرض كل منهما للظلم والاضطهاد! ويجب أن يقدر كل منهما موقف الآخر، ويبحثا عن آليات التعايش والسلام التى تضمن بشكل أساسى مكتسبات ووجود المشروع الصهيونى الذى دعمه سارتر!
فيمكن القول أن المحدد الرئيسى الذى حكم سارتر فى الفترة الأخيرة من حياته إزاء القضية الفلسطينية وعلاقته بالصهيونية؛ كان ينقسم إلى عاملين؛ الأول: خط أحمر لا يسمح بالاقتراب من مكتسبات المشروع الصهيونى العنصرى ولا يناقشها، الثانى: اعتبار العرب ضحايا مضطهدين بدورهم لكن يجب عليهم أن يتعايشوا مع الوجود الصهيونى على أرضهم، ويرضخوا لسلطته السياسية فى الواقع، ويجب عليهم أن يقبلوا بمساحةٍ من الوجود السياسى المقيد، فى ظل السيطرة السياسية الغالبة للصهيونية وهيمنتها وجوديا!
انقسم موقف سارتر إجمالا من العربى الفلسطينى إلى ثلاث مراحل متباينة للغاية، وهى: الإنكار والتجاهل – المضْطَهِد العدوانى – الضحية المظلوم! الأولى: مرحلة الإنكار والتجاهل وهى فترة تأليف الكتاب حيث كان مدفوعا بأحداث الاضطهاد النازى، وإحساس الذنب تجاه اليهود الذى أعماه عن رؤية حقيقة موقفه المتحيز الذى ينصر اليهود على حساب جماعة إنسانية أخرى سلبها حقها الوجودى الحر.
المرحلة الثانية: المضْطَهِد العدوانى وهى التى ظل متأثرا فيها بأحداث اضطهاد اليهود فى أوربا من جانب النازى، فأسقط صورة النازى على العربى، رغم أن العربى كان يدافع عن أرضه ووجوده الإنسانى تجاه محتل غاشم، وفى هذه الفترة أيضا يمكن القول أن سارتر كان تحت تأثير نفسى لفكرة وحيدة وضاغطة، للمآسى التى شهدتها فرنسا تحت الاحتلال النازى فى حق اليهود، فأصبح بصره أعمى تجاه المذابح الجديدة التى حدثت فى حق الفلسطينيين من الأطفال والشيوخ والنساء.
المرحلة الثالثة: الضحية المظلوم وهى المرحلة التى أصبح فيها تجاهل الحق والوجود العربى حرجا إنسانيا لا يستطيع سارتر تجاهله، ولا يستطيع فى الوقت نفسه الاعتراف الكامل بالظلم البين الذى وقع عليه، حين سلبه حقه فى الوجود الحر! فاصطك لنفسه موقفا توفيقيا يحفظ ماء وجهه – نوعا – معتبرا أن العربى قد وقع عليه الظلم مثله مثل اليهودى فى أوربا! لكن ذلك الاعتراف من جانب سارتر ظل موقفا دعائيا لا يمكن لسارتر أن يقف عليه حقيقة؛ وإلا اكتشف مدى الأزمة التى خلقها للفلسطينيين، ومدى عجزه عن طرح مقاربة تعيدهم إلى موقف الوجود الإنسانى الحر مثلهم مثل أى جماعة بشرية أخرى لها الحق فى الحياة.
لقد قفز فيلسوف الحرية والإنسانية الشهير – عاصبا عينيه - على خطيئته فى حق الإنسان الفلسطينى الذى سلبه حريته الوجودية؛ معتبرا أن العلاقة بين الاحتلال الصهيونى والمقاومين الفلسطينيين هى علاقة متساوية بين طرفين مظلومين! تحمل – من وجهة نظره – المشترك الأبرز المتساوى المتمثل فى الظلم الذى وقع على الجانبين! فى مغالطة وفساد تدليل ٍ منهجى ٍ وعلمى ٍ وتاريخى ٍ. إن هناك إزاحة فى الزمان والمكان والتاريخ فى تبرير سارتر لدعمه للحق الصهيونى على حساب الحق العربى، على مستوى المكان: ظلم اليهود فى أوربا فكيف يكون الحل فى فلسطين! وعلى مستوى الزمان: ظلمتهم أوربا على مدار العصور الوسطى والحل جاء فى القرن العشرين على حساب العرب! وعلى مستوى التاريخ: انتهى وجود الجماعات اليهودية فى المنطقة كسلطة سياسية منذ فترة تزيد على الألفى عام، فكيف يستخدم ذلك لتبرير سلبهم لحق الفلسطينيين فى السيادة السياسية وفى الوجود الحر على أرضهم - الآن وحاليا - لصالح السيادة السياسية ليهود العالم!
المعضلة الأوضح أن سارتر قد وضع اليهود فى موقف الوجود العدمى؛ ونظريته فى "الصهيونية الوجودية" التى تعتبر أن فلسطين تخلق "الموقف المشترك" الموحد والجامع ليهود أوربا والعالم، وتمثل الموقف الوجودى الحر الغائب عن اليهود بوصفهم – كما يقول سارتر- شعبا مضطهدا عبر التاريخ! تحولت شيئا فشيئا إلى "صهيونية عدمية" طورت ما يمكن تسميته بـ "الأبوكاليبسة" أو حالة "انتظار الكارثة الوجودية"؛ وخلقت حالة أبوكاليبسية (أخروية) تنتظر نهاية العالم بالنسبة ليهود الصهيونية.. وخراب المشروع ودماره.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...