د. معاد كريفش - السرطان في كل مكان

أنا ياصديقي
لست متشائما
على الإطلاق
ربما كنت حالما أحيانا
وربما كنت واقعيا
أكثر مما ينبغي
أحيانا أخرى...
أنا فقط أراه
في كل مكان
حيثما قلبت وجهي
في هذه المدينة
وعلى هذا الكوكب
أرى ملامح ذاك المرعب
الذي يدعى "سرطان"
في الصحن على مائدة الغذاء
وفي البيض الفاسد
الذي آكله في الصباح عادة
في كل أشكال "البروتين"
وفي نكهة القهوة التي شربتها للتو
قبل أن اكتب قصيدة خضراء!
أراه على الشاشة في العمل
حيث علي أن أقدر حجم الخسائر
لكنني أراه أكثر فداحة
على وجوه المرضى المتعبين الشاحبين
وفي حسرة ذويهم العائدين
من أعماق المدينة
ومن الضواحي
أوحتى من الجبال
ألم أقل لك ياصديقي
أني أراه في كل مكان
في الغابات المسروقة
في أعقاب السجائر
في عيون الأطفال..
في الطيور التي غادرت أعشاشها
في نفوق النحل
وانقراض الفراشات
أتنفسه في نسيم الصباح
الملوث بدخان العوادم.. والمزابل
أشربه في الماء المعدني
وآكله في الغذاء المسمم
أقرأه في فنجاني
وأستسيغه في السكر الأبيض
أراه في الحقول المحروقة
وفي زحف البنيان
أراه في كل هذا الزحام
على الأشجار المخنوقة بالسخام
على مائدة الإفطار
في سلة الخضار
وفي علبة الدواء
ببساطة ياصديقي
تجار السرطان
بدم بارد
يزرعون الموت
في كل مكان...
لكن ألم أقل لك ياصديقي
أن معلمتي التي ماتت
هي أيضا بالسرطان
كانت قد علمتنا
أن "درهم وقاية
خير من قنطار علاج"
وأن "العقل السليم
في الجسم السليم"
لكن أعلم أن زراع الموت المتخمين
لا يأبهون لكلام معلمتي
يغلفون الأسقام في علب الهدايا
ويبيعون المسرطنات
بباهض الأثمان
يشربون أنخابهم
من عرق الكادحين
ومن دم الجوعى
يسرقون من الأطفال الأحلام
ويملؤون كوكبنا الأخضر بالأدران.
لكن هذه المرة ياصديقي رأيته
في هذا الحجم الهائل
من القلق الذي يحاصرني
في كل هذا الحزن الذي يسكن عيني
ورأيته.. في قلة عزيمتي وعزيمتك
في يأسي ويأسك
قلي بالله عليك ياصديقي
كم شجرة غرست
كم حلما رعيت
كم وردة.. كم حقلا.. كم غابة زرعت
كم صحراء خضَّرت؟!
كم كربة فرجت
كم ينبوعا فجرت
كم بئرا حفرت
وكم ساقية مددت..
قلي ياصديقي
ماذا فعلت أنت لمحاربة السرطان
الذي يعشش
في عقولنا وقلوبنا التي ماتت
فهو في الحقيقة أخطر
نعم ياصديقي...
ومرة أخيرة رأيته
في محطة الوقود الساحلية
بينما كانت شمسنا متألقة
وأمواج البحر صاخبة
فقلت لماذا ندفع مقابل طاقة تخنقنا
وتحرق كوكبنا؟!
لكن ربما لن تصدقني هذه المرة ياصديقي
فأنا لم أر شبح السرطان هذا الصباح
فقد رأيت طفلا صغيرا.. يغرس فسيلة خضراء
في ساحة متربة في قلب المدينة
وشجرة للأمل في ساحة قلبي.

معاد كريفش
مايو 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...