نبيل عودة - من يريد استعادة زوج مثل هذا؟.. قصة قصيرة

وصلت مدام نديم برفقة صديقتها الى محطة الشرطة، قلقة ومضطربة وتكاد الدموع تتدفق من عينيها.. ولولا صديقتها المخلصة التي تتأبط ذراعها وتمسح عرقها وتهمس لها مطمئنة: "سنجده.. ستجده الشرطة.. لا تقلقي"، لسقطت على الأرض مغشيا عليها.

كانت متوترة للغاية.. وفورا توجّهت للشرطي المناوب:

- زوجي ضاع.. خرج ولم يعد.. اريد أن تجدوه لي.. اذا لم يتناول دواءه اليومي قد يموت!!

فورا أدخلت الى غرفة ضابط مسؤول.

- ارتاحي يا سيدتي واهدئي.. انا سأعالج الموضوع.

- الموضوع لا يحتاج الى علاج.. اريد ان تجدوا زوجي.. خرج صباحا ولم يعد.. ليس من عادته.. انه مريض.. ويجب ان يتناول دواءه والا.. آه.. يا ويلي..

- حسنا سيدتي اطمئني.. لا داعي للقلق.. هذه وظيفتنا أن نجد المفقودين.. عليك ان تعطينا بعض التفاصيل..

- زوجي ضائع وانتم تريدون تفاصيل.. تفاصيل مفاصيل.. من يهتم للتفاصيل.. اريد ان تجدوا زوجي وكفى.

حاولت صديقتها ان تهدئ من روعها..

- مدام نديم يا صديقتي.. أنت مضطربة.. الضابط يريد وصفا للسيد نديم حتى يجدوه..

قال الضابط بفراغ صبر:

- اهدئي ياسيدتي.. سأجلب لك كوب ماء.. خذي راحتك..

قدم لها الضابط كوب ماء بارد. فأفرغته دفعة واحدة. قال:

- اطمئني.. سنجدة.. بالطبع نحتاج منك الى معلومات حول عاداته وشكله و..

قاطعته:

- أقول لك زوجي ضائع وانت تقول لي معلومات..؟

جففت دموعها..

- ما اسمه يا سيدتي؟

- نديم.. السيد نديم.

- صفيه لنا..

نظرت مدام نديم بوجه الضابط، فكرت، انتعشت قليلا وبان بعض الهدوء على محياها

- زوجي طويل القامة..

قاطعتها صديقتها:

- مدام نديم.. يا صديقتي..

اشارت اليها بيدها بحركة غاضبة ترفض المقاطعة:

- يا صاحبتي.. أنا أعرف زوجي أفضل منك..

احمرت وجنتي صاحبتها وصمتت.. ولكن في وجهها بان عدم الإرتياح.

- زوجي طويل القامة..

قالت بحيوية وارتياح وكأنها لم تكن قلقة مضطربة قبل لحظات. تابعت:

- طوله.. أظن حوالي مترين.. اليس كذلك يا صديقتي..؟

الصديقة تبدو مصدومة وغير مصدقة ما تسمع.. وتمتمت بما يفهم ان الوصف صحيح.

- جسمه رياضي.. أسود الشعر.. قوي العضلات.. اسمه نديم.. نسكن قرب العين الفوقا.

- قلت انه مريض... وقد يموت.. وهذه صفات لرجل قوي لا يعرف المرض..

- أجل أجل.. يتناول دواء يوميا.. بسب رشح خفيف ألم به.

- أي لا يوجد خطر الموت.. حسنا.. متى خرج وما هي عاداته اليومية؟

- كان يجب ان يعود ظهرا.. ليس من عادته أن يفوت وجبة الغداء ظهرا. ها نحن في المساء ولم يعد.

بانت الحيرة على وجه الضابط.. خاصة وان الصديقة بدت مرتبكة وشيئا ما يجعلها أكثر اضطرابا من مدام نديم. ألقى قلمه على المنضدة، تأمل مدام نديم، تأمل صاحبتها.. هزّ رأسه بعدم استيعاب.. وسأل:

- لكنك تصفين انساناً مسؤولاً وعاقلاً وغير مريض، ربما انشغل مع بعض أصدقائه..

- أصدقاء.. لا أصدقاء لزوجي.

بانت الحيرة على وجه الضابط.. وسأل بعدم اهتمام:

- ماذا كان يرتدي؟

- بنطالاً رمادياً، حذاءً رياضياً وقميصاً أزرق اللون..

حاولت الصديقة أن تقول شيئا، فأشارت لها مدام نديم ان تصمت. قال الضابط بملل:

- اعطني رقم تلفونك.. ونأمل خيرا.. هل تحملين صورة له؟

- وتريدون صورة له.. هل صار مشهورا مثل مايكل دوغلاس؟ لا أحمل صورته معي..

- سأرسل شرطيا لأخذ صورة له.. الصورة تساعدنا على ايجاده بسرعة.

- لا أعرف أين صوره.. لا أعرف..

- عودي الى البيت.. وابحثي عن صورة.. سيحضر شرطي لأخذ الصورة.

قالها بطريقة توحي ان المقابلة انتهت. أعطته رقم تلفون المنزل وغادرتا مبنى الشرطة وهي تردد:

- جدوه بسرعة.. لا أريد ان يتعرض لمكروه.

خارج مبنى الشرطة نطقت الصديقة ببعض الحيرة والعتاب:

- تفاصيل زوجك ليست صحيحة.. كيف سيجدونه؟

- هل تعرفين زوجي أكثر مني؟

- يا صديقتي ماذا جرى لك.. زوجك طوله متر ونصف وأقرع وله كرش ضخمة، مصاب بمرض النسيان ولا رياضي ولا بطيخ.. يدبّ على عصا ويسير بصعوبة؟

نظرت مدام نديم باستهجان لصاحبتها وقالت بحزم:

- ومن يريد استرجاع زوج مثل هذا؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...