حاميد اليوسفي - لمن أعطيت الحمار؟!

1
جلس عبد السلام متكئا على الجدار، يُقارن بين التلفاز والسوق، ويُفكر في العيد. الأسعار تحرق الأيدي والجيوب. الحكومة منشغلة بالتوظيفات الجديدة في المناصب العليا. تقول بأن كورونا وحرب أوكرانيا والجفاف لم يتركوا لها خيارا آخر غير التفرج على المستهلك وهو يحترق بالكامل .
قال فلاح يبيع الخرفان محتجا :
ـ لماذا تطلبون منا وحدنا تخفيض ثمن الأغنام بينما كل شيء يرتفع سعره إلى أكثر من الضعف: العلف والكازوال والنقل والدقيق والزيت والخضر والفواكه. كل شيء تزيدون فيه!
الديمقراطية تقتضي إمّا أن نزيد في كل شيء، أو لا نزيد في أي شيء. وبسبب هذا الميز والحيف، سنقاطع الانتخابات القادمة!
همس تاجر في أذنه :
ـ لا تخف يا صاحبي! عندما تحين ساعة الجدّ ، سيُطأطئ الناس رؤوسهم، كما يفعلون دائما، ويُسلمون أعناقهم للسوق .
2
بالأمس أغلقت امرأة باب البيت في وجه زوجها، لأنه قرر رفض شراء الأضحية، بدعوى أنه عاطل عن الشغل هذه الأيام. صعد إلى السطح من بيت الجيران، لينزل من أعلى. انهار الجدار، وسقط المسكين من فوق السطح ومات.
ـ وأنت أيها الراوي هل تحب اللحم مثلنا ؟ أرجو أن تجبني بصراحة
راوغ الراوي عبدَ السلام بحنكته المعهودة:
ـ ولكن أنا لست بشرا مثلكم!
ـ إذن استمع إلي جيدا. أنت كائن دمه مسحور. لا يأكل ولا يشرب مثلنا! ليس له زوجة ولا أولاد، ولم يكبر داخل عشيرة، ولا يذهب إلى المسجد خمس مرات في اليوم، ولا يشتري خروفا ويذبحه يوم العيد. أرجوك تنحى جانبا، ودعنا نشنق على بعضنا البعض!
أحنى الراوي رأسه، فتلقّف عبد السلام الحركة بسرعة وهجم عليه:
ـ يبدو أنك أعطيتني حمارك*.
3
أنا عبد السلام ولد الطاهر، قطّعتُ حذائي في أزقة هذه الأحياء الملعونة، وترعرعت وسط أسرة متواضعة. جدي رحمة الله عليه، كان يحكي لي وأنا طفل بأن الناس يحبون اللحم. يقتلون ويموتون من أجله. في الماضي البعيد، قبل دخول الآلات المُبرّدة إلى الدكاكين والبيوت، كان باستطاعة الأغنياء وحدهم شراء قدر معين من اللحم. حتى في أعرق المدن، فإن الجزارين لا يفتحون إلا يوما واحدا في الأسبوع، كما يحدث في البوادي وأسواقها. أعيان مراكش كان عليهم انتظار يوم الأربعاء، ليشتروا اللحم من دكان الجزار. كل حومة لا تتوفر إلا على دكان واحد، أو عليها أن تقتني اللحم من الحومة المجاورة. وقد روى لي قصصا غريبة عن بعض الناس إذا رأوا اللحم مطبوخا ، ولم يذوقوا منه ، فقد يُصابون بنوبة من الجنون لا يستيقظون منها أبد الدهر.
4
ثم يأتي العيد الأضحى ، وقد أطلق عليه الناس صفة العيد الكبير. نعم هو كبير لأن الناس ستذبح فيه خروفا سمينا، وتأكل اللحم حتى التُّخمة. ستشوي الكبد والرئة والشحم ، وتتلذذ مذاقه مع التوابل، وتحرق صوف الرأس، وتقطع قرنيه، ثم تُبخّره. وفي الصّباح تفطر بلحمه، وترمي عظامه على بيوت الجيران حتى تتكسر أوانيهم. وبعد يوم أو يومين سيقرأ كبيرهم الطالع في عظم الكتف، وتُرقّد النسوة ما تبقى من اللحم في التوابل، وينشرنه في الشمس على شكل قدّيد حتى لا يفسد.
5
كل شيء تتسامح فيه النساء خاصة في الأحياء الفقيرة. يُسامحن في اللباس والجوع والعنف اللفظي والجسدي إلا الكبش. ويَحببن أن يكون في حجم العجل، وقرونُه كبيرة. إذا نطح أحدا في البيت أو من الجيران، لا بد أن يرسله إلى قسم المستعجلات.
أغلب من يذبح الخرفان في هذا اليوم شباب عاطل عن العمل، يسترزق بالجزارة. يقضي الليل في تدخين الحشيش، وشرب الخمر. يستيقظ في الصباح الباكر، ويخرج بجنابته. إذا وجدت جزارا حقيقيا أو مزورا بين العاشرة والواحدة فأنت محظوظ، والله يحبك . ستذبح وتشوي وتأكل مبكرا، وإلا عليك الانتظار حتى الثالثة بعد الزوال، وستكون من المغضوب عليهم في البيت والآخرة. الناس تتنصّل من ذنوب الذبيحة، وتُحمّل المسؤولية للجزار، لأن الذبح لم يتم كما يشتهي علماء (الفايس بوك).
6
يجب على الرجل أن يُرضيَ زوجته، ويشتري لها ثياب العيد، وكبشا في حجم العجل، حتى لا تشمت فيها الجارات، وإلا سيقضي الشهر، وما بعده في النَّكد.
عندما تغضب الزوجة، تهجر غرفة النوم، وترقد مع الأبناء في غرفة أخرى. وأنت بعد تناول (بولفاف)* والمشوي، اضرب رأسك مع الحائط، ونم مع الوسادة. سينصحك بعض علماء (الفايسبوك) من أصحاب اللّحٍي الطويلة، بتأديب زوجتك حتى تُطيعك، ولا تقول لا في وجهك. لابد أن تعاملك مثل صحابي جليل ، وتَرضي عنك من صلاة العشاء حتى صلاة الصبح. البلهاء لا تُقدّر ما تقوم به كل يوم. أنت تعمل وتكدّ، وتقطف النقود من لهيب النار، وهي تنفخ أوداجها عليك. ماذا تريد منك؟ أن تقطف لها النجوم من السماء؟
إياك أيها الأحمق أن تمدّ يدك عليها! ستجرك إلى دار القاضي، وتجمع عليك كل قنوات الفضيحة، ولن تلُمَّ الخٍرَق بُرازك، ولن ينفعك لا فقيه ولا داعية ولا رجل دولة.
أيها الأبله من قال بأن الدعاة والفقهاء والعلماء بلحيّهم الطويلة وحتى القضاة ورجال الدولة لا يُقبّلون أرجل النساء؟! حذار! أنت رفضت أن تشتري كبشا بثمن ما بين ألفين وثلاثة آلاف درهم، وهو مبلغ هزيل. الآن ستدفع في كلفة الصلح أضعاف ذلك، وستُقبّل الرأس في دار القاضي، والرجلين في البيت.
هل أنت أحمق حتى تُصدق الناس، وتضرب زوجتك؟! ألا تعلم أن الكثير من الخطباء الذين يملئون الشاشات، يقولون الشيء، ويفعلون ضده؟
7
ـ تعال أ ولد الحرام. لا تخجل! قل بيني وبينك، ألا تحب لحم النساء؟!
ـ أعوذ بالله! ماذا تقصد؟
ـ لا تنزعج! لا يوجد أحد غيرنا. أعني أن تكون زوجتك جميلة وبدينة وممتلئة الفخذين!؟
ـ ههههههه خلتُ انك ستقول لي اذبحها مثل الخروف!
ـ نحن نحب لحم النساء أكثر من لحم الخرفان! نموت في الشيخة (الطراكس)*، لا لأنها تجيد الغناء أو الرقص. لو كان الأمر كذلك لأطلق عليها الناس اسم أحد الطيور، أو الحيوانات الجميلة.
الشيخة (الطراكس) ذكية، تقول بأن الله هو من وهبها هذه الأرداف، وهذه المؤخرة التي لا مثيل لها، وتُدٍرُّ عليها الملايين في الليل. إنها ليست غبية كما يعتقد أمثالك. أنظر إلى صور النساء في هاتفك! أغلبهن وخاصة الفنانات يحاولن تقليدها، ويتمنين أن يصنع لهن الأطباء أرداف ومؤخرات مثل (الطراكس).
8
أنتم معشر الرواة تقرؤون القليل أو الكثير من الكتب، فتعتقدون بأنكم تفهمون في كل شيء. قد يكون ذلك صحيحا في الفقه والأدب والفلسفة والطب والكيمياء والقانون! لكن مع (الطراكس) تخطئون، ولا تفهمون شيئا. وأغلبكم سيموت ضحية فهمه الخاطئ. المرأة والحياة وجهان لعملة واحدة. كلاهما يعرف متى يأخذ، ومتى يُعطي! وإن تخلّفتَ عن الموعد، فلن تقبل منك شكاية، وستركلك المرأة والحياة معا، وتذهب إلى الجحيم قبل يوم الحساب


المعجم:
ـ أعطيتَ حمارك : تعبير شعبي يأتي في سياق عندما يعجز طفل عن فك لغز ما، فهو يقر بعجزه ، ويطلب الحل من جده أو جدته أو محاوره.
ـ (بولفاف): الكبد والرئة، يُرقدان في التوابل، ثم يُلفّان في الشحم، ويُشويان فوق النار.
ـ الشيخة (الطراكس): (فنانة) تجيد الرقص الشعبي، تفاخر وسطها الفني بجمال وكبر مؤخرتها وتناسق أردافها. وقد أطلق عليها عشاقها وصف (الطراكس)، وهي آلة كبيرة وثقيلة، تستعمل في بناء الطرق، تمر على الحصى والزفت، فتسويهما حتى يتحولا إلى ما يشبه السجّاد.

مراكش 23 / 06 / 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...