جلست على المقهى الشعبي تنظر إلى الناس عن كثب تحتسي الشاي الدفيء، وتعيش في عالم غير عالمها الذي نشأت فيه، فأنا أعرفها جيدًا منذ كانت في الجامعة ترسم الحلم في كراسات التاريخ، وتسعى له من خلال السيارة الفخمة التي كانت تأتي بها يوميًّا إلى الجامعة.
كم كانت متكبرة في تعاملها مع الآخرين، تمارس معهم التعالي في أغبى صورة، فنفر منها الجميع، حتى تخرجت وليس لديها من الأصحاب إلا المنافقون والمتسلقون.
اليوم، أمر أمامها وهي جالسة على هذا المقهى، وليست المرة الأولى التي أراها ترسم البسمة على شفتيها وهي تنظر إلى جموع البسطاء الذين يعبرون الشارع بحثًا عن الرزق ولقمة العيش في دروب المدينة المترامية الأطراف التي تطحن البشر طحنًا دون رحمة أو شفقة.
كانت تبحث عن شيء ما في داخلها. تعمدتُ أن أقف أمامها لحظة لعلها تلاحظني برهة. نظرتْ لي وراحت تأخذ نفسًا طويلا من الشيشة التي أمسكت بها بشكل لم أكن أتوقعه. تركتُ المكان وهممت بالخروج من المقهى، فوجدتها قد وقفت ونظرت لي مليًّا، وقالت:
– مش انت اللي كنت معانا في الجامعة.
– احتمال (قلت).
– لا، أنت محمود صاحب محمد.
– احتمال.
– احتمال إيه؟
– ربما أكون هو!!
عادت إلى مجلسها على المقهى، وراحت تبحث مرة أخرى لعلها تصادف الاحتمال الذي تركها يومًا في الجامعة، ولم يركب معها السيارة الفارهة حين دعته إلى عوالم لم يعهدها من قبل!
خرجتُ إلى المجهول يحاربني في كل ما يتصل بأيامي، أنتصر أحيانًا ويتمكن منِّي في أحيان أخرى، إلا أنني أصررت على عدم الركوب في مركبة ليست لي، ولم أسعَ إلى امتلاكها إلا بعد إطعام إخوة لي من أبي وأمي اللذين فعلا المستحيل لإدخالي الجامعة رغم ما بهما من شح وضيق عيش.
أبي هناك على الرصيف المقابل يسعى كل صباح ليسترزق الحلال رغم ما به من ألم، حيث يعاني المرض الذي ألم به عن كبر، ولم يدخر مالا لعلاجه، وإنما ليدخلني الجامعة لعلي أستطيع مجابهة العيش الضيق.
أقصدت ذاك المقهى لأسترزق الفتات، رغم ما أعانيه من مشقة في التعامل مع هؤلاء الرواد، منهم من أحسن التعامل معي، والكثير نظر لي على أنني مجرد عامل مقهى، وليس لي من الإنسانية إلا الجسد النحيف.
البعض نال مني بغطرسة وغلظة في الكلام والنظرات، والبعض منحني الكيان الإنساني ماديًّا وأدبيًّا وإنسانيًّا.
أستدير ناحيتها فأجدها وقد تصلبت نحوي في إصرار على الملاحقة.
خرجتُ أمسح ما بداخلي من امتهان بعض الزبائن، لعلها تنسى ما أتت إليه!
نادت، لكني لم أسمع إلا صوت الزبائن في المقهى. كررت النداء عدة مرات إلا أنني تركت المكان لأني لم أنسَ لها تلك المعاملة، وانغمست وسط الباعة في الشارع المطل عليه المقهى.
كم كانت متكبرة في تعاملها مع الآخرين، تمارس معهم التعالي في أغبى صورة، فنفر منها الجميع، حتى تخرجت وليس لديها من الأصحاب إلا المنافقون والمتسلقون.
اليوم، أمر أمامها وهي جالسة على هذا المقهى، وليست المرة الأولى التي أراها ترسم البسمة على شفتيها وهي تنظر إلى جموع البسطاء الذين يعبرون الشارع بحثًا عن الرزق ولقمة العيش في دروب المدينة المترامية الأطراف التي تطحن البشر طحنًا دون رحمة أو شفقة.
كانت تبحث عن شيء ما في داخلها. تعمدتُ أن أقف أمامها لحظة لعلها تلاحظني برهة. نظرتْ لي وراحت تأخذ نفسًا طويلا من الشيشة التي أمسكت بها بشكل لم أكن أتوقعه. تركتُ المكان وهممت بالخروج من المقهى، فوجدتها قد وقفت ونظرت لي مليًّا، وقالت:
– مش انت اللي كنت معانا في الجامعة.
– احتمال (قلت).
– لا، أنت محمود صاحب محمد.
– احتمال.
– احتمال إيه؟
– ربما أكون هو!!
عادت إلى مجلسها على المقهى، وراحت تبحث مرة أخرى لعلها تصادف الاحتمال الذي تركها يومًا في الجامعة، ولم يركب معها السيارة الفارهة حين دعته إلى عوالم لم يعهدها من قبل!
خرجتُ إلى المجهول يحاربني في كل ما يتصل بأيامي، أنتصر أحيانًا ويتمكن منِّي في أحيان أخرى، إلا أنني أصررت على عدم الركوب في مركبة ليست لي، ولم أسعَ إلى امتلاكها إلا بعد إطعام إخوة لي من أبي وأمي اللذين فعلا المستحيل لإدخالي الجامعة رغم ما بهما من شح وضيق عيش.
أبي هناك على الرصيف المقابل يسعى كل صباح ليسترزق الحلال رغم ما به من ألم، حيث يعاني المرض الذي ألم به عن كبر، ولم يدخر مالا لعلاجه، وإنما ليدخلني الجامعة لعلي أستطيع مجابهة العيش الضيق.
أقصدت ذاك المقهى لأسترزق الفتات، رغم ما أعانيه من مشقة في التعامل مع هؤلاء الرواد، منهم من أحسن التعامل معي، والكثير نظر لي على أنني مجرد عامل مقهى، وليس لي من الإنسانية إلا الجسد النحيف.
البعض نال مني بغطرسة وغلظة في الكلام والنظرات، والبعض منحني الكيان الإنساني ماديًّا وأدبيًّا وإنسانيًّا.
أستدير ناحيتها فأجدها وقد تصلبت نحوي في إصرار على الملاحقة.
خرجتُ أمسح ما بداخلي من امتهان بعض الزبائن، لعلها تنسى ما أتت إليه!
نادت، لكني لم أسمع إلا صوت الزبائن في المقهى. كررت النداء عدة مرات إلا أنني تركت المكان لأني لم أنسَ لها تلك المعاملة، وانغمست وسط الباعة في الشارع المطل عليه المقهى.