"صورة الفلسطيني في الرواية العربية".. لعادل الأسطه

صدر عن دار الرقمية في رام الله كتاب "صورة الفلسطيني في الرواية العربية" لعادل الأسطه. وجاء في تقديمه:

"في شهر آذار من العام 2012 ألقيت، في المنتدى التنويري في نابلس، محاضرة عن صورة الفلسطينيين في الرواية العربية، متخذاً من روايتين مصريتين وصلتا إلى اللائحة القصيرة لجائزة الرواية العربية العالمية (البوكر) نموذجاً.

لم أتوقف يومها أمام الروايتين وحسب، فقد أتيت على صورة الفلسطينيين في الرواية الفلسطينية في القرن العشرين وما طرأ عليها من تطورات بعد اتفاقية أوسلو حتى صدور رواية سامية عيسى "حليب التين" في 2011.

من الفلسطيني اللاجيء المنتظر تحرير الجيوش العربية فلسطين، إلى الفلسطيني المقاوم الذي بادر إلى الفعل بعدما يئس من النظام العربي، إلى الفلسطيني المساوم الذي وقع اتفاقية أوسلو من دون أن ينجز أدنى ما طمح إليه الفلسطينيون.

من "أبو قيس" و"أبو الخيزران" في رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس" 1963، إلى سعد في رواية كنفاني أيضاً "أم سعد" 1969، حتى رواية أحمد رفيق عوض "مقامات العشاق والتجار" 1997، ورواية يحيى يخلف "نهر يستحم في البحيرة" 1997.

صدرت روايتا كنفاني في زمنين مختلفين؛ زمن النكبة والعجز وزمن المقاومة وصعود الفدائي المقاوم، وصدرت روايتا عوض ويخلف في زمن أوسلو، فصورتا ما آل إليه واقع الفلسطينيين فيه، ثم توقفت أمام رواية سامية عيسى التي صورت واقع المخيمات الفلسطينية في لبنان بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت في 1982.

وتوقفت في المحاضرة أمام روايات عربية قرأتها في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، أبرزها رواية أديب نحوي "عرس فلسطيني"، ورواية حيدر حيدر "حقل أرجوان"، وقد أظهر الكاتبان صورة مشرقة للفدائي الفلسطيني، وإن أظهر الثاني صورة سلبية للفلسطيني إلى جانب الصورة الإيجابية المتمثلة في الفلسطيني المقاوم الصلب.

منذ تلك المحاضرة والفكرة تلح على ذهني. وكنت، قبل المحاضرة، صغت بعض ما ورد فيها، بخاصة ما ورد عن روايتي الكاتبين المصريين ناصر عراق وعز الدين شكري فشير، صغته في مقال نشرته في جريدة الأيام الفلسطينية في 26/ 2 / 2012. ولم يغب الموضوع عن ذهني إذ ظل يلازمني، فقد عدت إلى تتبعه، في العام 2016، يوم درست رواية الكاتب اللبناني الياس خوري "أولاد الغيتو: اسمي آدم"، وتوقفت أمام الشخصيات الأدبية الفلسطينية التي حضرت فيها مثل كنفاني وسعيد ودرويش وجبرا. وفي نهاية العام 2019، عدت والتفت ثالثة إلى الموضوع، فقد تقدمت بملخص دراسة إلى مؤتمر جامعة الزيتونة الأردنية تحت عنوان "صورة الفلسطينيين في الرواية العربية: "العاطل" 2011 لناصر عراق، و"النبيذة" 2018 للعراقية إنعام كجة جي نموذجاً، وقد أنجزت الدراسة، لكن المؤتمر للأسف لم ينعقد، بسبب جائحة الكورونا.

في العام 2020، أعدت قراءة أكبر عدد من الروايات العربية التي صور أصحابها فيها الفلسطينيين.

من روايات إلياس خوري اللبناني، إلى رواية اسماعيل فهد اسماعيل الكويتي، فرواية زينب حفني السعودية، وبعض روايات حيدر حيدر وفواز حداد وجنى فواز الحسن وياسين رفاعية وهوشنك أوسي السوريين، وعلي بدر وعواد علي العراقيين، وأمجد ناصر وليلى الأطرش الأردنيين، ورضوى عاشور المصرية، إلى أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج الجزائريين. (بعض الروايات كتبت عنها يوم صدورها تحت عناوين أخرى، مثل صورة اليهود في الرواية العربية أو القدس في الرواية العربية ونشرت ما كتبت في مجلات وصحف ورقية).
وأنا أكتب الآن خطر في بالي أن أوزع استبانة على الكتاب تحتوي على الأسئلة الآتية:
- من أين استلهمت الشخصيات الفلسطينية في روايتك؟
- ما صلتك الشخصية بهم؟
- هل هي ناتجة عن تجربة شخصية معيشة أم عن قراءات عنها؟

وكنت أعرف، وأنا أقرأ المقابلات التي تنشر مع الكتّاب، ومن خلال مراسلتهم، أن إلياس خوري عرف الفلسطينيين الذين كتب عنهم من قرب، فقد كان قريب الصلة بالمخيمات الفلسطينية في لبنان، وكانت تربطه صداقات بالكتّاب الفلسطينيين الذين كتب عنهم وورد ذكرهم في رواياته، كما درس نصوصهم في الجامعة.

ومن خلال حواراتي المتكررة مع الشاعر المرحوم أحمد دحبور عرفت أن الشاعر زياد الخليل، الشخصية الفلسطينية الثورية في ثلاثية أحلام مستغانمي، هي شخصية حقيقية عرفها الشاعر. وعرفت من الكاتب جهاد الرنتيسي، أحد أصدقاء الروائي الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل، أن الروائي عرف ناجي العلي جيداً، يوم أقام ناجي في الكويت، فخصّه برواية، كما أن ياسين رفاعية كتب عن ثلاثة أدباء فلسطينيين ربطته بهم صداقة، فروايته رواية قريبة جداً من الرواية الواقعية التسجيلية، وأعرف أن المصري عز الدين شكري فشير عمل في السفارة المصرية في تل أبيب وعاش في الولايات المتحدة الأميركية، وأن ناصر عراق عمل في الخليج المكان الذي جرت فيه أحداث روايته، وفي مكان عمله عرف الفلسطينيين، وأن رضوى عاشور عاشت حياة الفلسطينيين من خلال زواجها من الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي فعرفت قصصهم وحكاياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وشكل العلاقة داخل بيوتهم وتشربت روحهم وسخريتهم ودعاباتهم وألمت ببعض لهجاتهم، فظهرت في روايتها كما لم تظهر في أي رواية أخرى، وأعرف أيضاً أن حيدر حيدر حين كتب روايته "حقل أرجوان" أصغى إلى شخصيتها الفلسطينية المقاومة الدكتور نافذ، وعرفت من إنعام كجه جي من أين استوحت شخصية روايتها "النبيذة"، وقد توفيت هذه الشخصية بعد صدور الرواية بعامين، وهذا ما كتبته إلي الكاتبة في أثناء مراسلاتنا معاً.

في المقابل، لا أعرف من أين استوحت ليلى الأطرش الشخصية الفلسطينية في روايتها "لا تشبه ذاتها"، كما لا أعرف من أين استوحى العراقي عواد علي شخصية الفلسطيني في روايته "نخلة الواشنطونيا" والسوري فواز حداد في روايته "المترجم الخائن"، والشيء نفسه لا أعرفه عن السعودية زينب حفني في روايتها "سيقان ملتوية" وعن اللبنانية جنى فوازالحسن في روايتها "طابق 99" والتونسي الحبيب السالمي المقيم في باريس الذي كتب في روايته "عواطف وزوارها" عن فلسطيني مثقف مثلي يعيش في باريس أيضاً، أما علي بدر فقد قرأ كثيراً عن مادة روايته "مصابيح أورشليم" ولا أعرف إن كان التقى بإدوارد سعيد الذي شكل عصب الرواية.

ماذا لو أرسلت الاستبانة إلى الكتّاب كلهم؟
هل سأغير كثيراً في دراساتي ومقالاتي التي كتبتها واعتمدت في الكتابة عنها بالدرجة الأولى على الروايات نفسها؟

إن لم يخب حدسي فإن الروائيين العرب كتبوا عن الفلسطينيين وهم قريبون منهم، وكتبوا عنهم متتبعين حياتهم في أزمنة مختلفة، زمن صعود الثورة الفلسطينية وزمن غياب شمسها، زمن خنادق الفدائيين وزمن الابتعاد عنها والإقامة في المكاتب والسفارات في دول العالم وبيوت اللجوء في أوروبا، وتحول الفدائي من مقاتل إلى مقاتل قديم ورجل مكتب أو مقهى أو بار، ومن حالم بتحرير فلسطين إلى طامح بوظيفة وبيت مستقر أو لاجيء سياسي في أميركا، كما في رواية فشير، أو صاحب مطعم كما في رواية إلياس خوري "أولاد الغيتو.."، أو لاجيء سياسي في أوروبا كما في رواية هوشنك أوسي "وطأة اليقين"، أو مواطن عادي كما في رواية جنى فوازالحسن "طابق 99" أو رواية حفني "سيقان ملتوية".

في الروايات العربية المدروسة لن نقرأ فقط صورة واحدة للفلسطيني هي صورة اللاجيء بعد 1948، الذي تحول إلى فدائي قبل حزيران 1967 بقليل، كما في رواية خوري "الوجوه البيضاء " وغدا مارداً بعد النكسة /الهزيمة ، كما في رواية حداد "المترجم الخائن". سنقرأ في الروايات أيضاً صوراً متعددة مختلفة متنوعة بقدر تعدد حياة الفلسطينيين واختلافها وتنوعها في الزمان منذ 1948، وفي المكان الذي اتسع على مر السنين وتعدد وتنوع؛ من مخيمات اللجوء في البلدان المحيطة بفلسطين والقريبة منها، إلى بلدان الشتات الجديدة في العواصم والمدن العالمية، من باريس إلى لندن إلى بلجيكا إلى نيويورك.

يتكون الكتاب من قسمين؛ الأول درست فيه صورة فلسطين في الرواية الفلسطينية قبل العام 1948، متناولاً خمس روايات صدرت ما بين 1920 و1948 وكان الحصول عليها عزيز المنال، وهي "الوارث" لخليل بيدس، و"الحياة بعد الموت" لاسكندر الخوري البيتجالي، و"على سكة الحجاز" لجمال الحسيني، و"مذكرات دجاجة" لاسحق موسى الحسيني، و"في السرير" لمحمد العدناني، وكان الدافع هو البحث عن حضور الموضوع الفلسطيني في الرواية الفلسطينية في تلك السنوات، وأيضاً إعادة طباعة هذه الروايات المفقود أكثرها.

والثاني، وهو مادة الكتاب الأساسية، درست فيه أبرز الروايات العربية التي عالج كتّابها الموضوع الفلسطيني. ومن المؤكد أن هناك روايات أخرى، لم أدرسها، قاربت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولعل دارساً آخر يلتفت إليها، فلا قراءة نهائية لأي موضوع من الموضوعات.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...