فاطمة حجازي - الهندباء

وضعت يدها فوق رأسها، وضغطت عليها بشدة وكادت أن تغلق عينيها إلا أنها استرجعت في دقائق معدودة شريط كامل من الأحداث والكلمات التي كانت تدور بعنف داخل عقلها وتعصف به بشدة كما تعصف الرحاية بالغلال.

تذكرته وهي تقول له أني لا أريد أن يكون أخي شخص سلبي سطحي لا هم له في الحياة سوي النكات والضحكات والخروجات الظريفة والأحاديث المسلية ... أريده أن يكون شخص قوي له من الإرادة والاستقلال والطموح ما يجعلني أرفع له القبعة وأفتخر به أمام العالم وأصرخ قائله إن لي أخ في الحياة مستعد أن يدفع حياتة كاملة ثمنا لأهدافة وقناعاتة.

تذًكرته حينما كان يرمقها بنظرتة الهادئه بعد سيل الاتهامات والتوبيخ التي كانت تمطره به، كمحاولة منه لكسر نظرتها الحاده المتهمة.

فكان مبدأه في الحياة أن اللحظة الحالية أثمن وأغلي من أن نضيعها في الألم والحزن والتفكير في الصراعات كما تريد هي.

فهو كان يتجنب تماما الحديث عن أي موقف سيجره إلي المهاترات والنقاش والجدال.
وكانت هي عاشقه تماما للتحليل والجدل وكانت مستنكره تماما لردود أفعالة اللامبالية، ولكنها تذكرت أيضا كم كان مهرج فذ يستطيع أن يحول أشد وأصعب المواقف لمسرحية مضحكة فيخرج كل الأطراف من المشكلة يبتسمون، كم كانت تستغرب هذا السلوك أهي موهبة.

تذكرت كم مرت السنين وهما بنفس الحال هي تحاول أن تناقشه وتتسامر معه و هو كالزئبق يهرب منها كلما حاولت، وكان يعوضها عن ذلك بنزهة ظريفه مع الاهل والاصدقاء.

لم تكن تعلم لماذا تشعر أنه ليس كذلك، أنها تشعر أنه مختلف، كلما أنتابها هذا الشعور يقوم هو بموقف آخر هزلي كعادتة كانه شعر بما يدور بعقلها فشرع يثبت لها أنها خاطئة.

تذكرت كم كان يستفذها موقف الصديقات المقربات من أخيها وإتصالاتهم المستمرة بها للتقرب منها كمحاولة ماكرة منهن جميعا أن يتقربوا منه أكثر، وكم كانت تُستفذ منه أكثر حينما كان يشعر كل واحدة منهن أنها ملكتة المتوجة بكلماتة العذبة.

تذكرته حينما كان يقول لقد ولدت لأكون قائدا فكانت تسخر منه قائلة بل أنك تكبر لتعود طفلا.

تذكرته كم كان ضعيف جداُ أمام المرض وكم كانت تشعر أنها تريد أن تخبئه من المرض لما يصيبه من آلام، المشهد اللذي يجمد قلبها خوفا عليه.

تذكرت ذلك اليوم الذي قالت له: أتعلم الهندباء التي كنا نلعب بها سويا حينما كنا صغار أنت عندي مثلها أشعر دوما أني أريد أن أخبئك من الهواء كي لا تصير مثلها هباء.

هنا فتحت عينيها ونظرت حولها نظرة مشتتة وعادت لتغلق عينيها مره أخري لتتذكر .

تذكرت كم كان أخيها من أكثر الأشخاص أعجابا بسيف الدين قطز علي وجة الأرض، فتذكرت كم كان ذلك يطمئنها أن بداخل أخيها المرح شيء لا تعلمه هي.

تذكرت ذلك اليوم الذي قرر فيه أن يعمل بالخارج، وكم مرت الشهور يقنع والديها برغبتة إلي أن استكانوا لطلبه.

كم مرت سنوات أخري بعد سفره وتذكرت ذلك القلق المخيف الذي أنتابها حينما كتب اليها خطابا مشيرا أنه إنضم الي حركة المجاهدين وأنه سيقاتل الطغاه حتي يصل الي القدس فيحررها مع رفاقه.

شعرت كأن صاعقة من السماء ضربتها و هي تقرأ تذييل خطابة قائلا أنا لست ضعيف كالهندباء.

تذكرت كم شعرت أنها سبب في قرار أخيها الخطير، تذكرت كم كان يعتصر الألم قلبها كلما تذكرت أنه سيواجه المخاطر دون أن تكون بجانبه.

تذكرت حينما تحدث معها عن رغبتة في العودة لأن بلادة تحتاجه اكثر.

تذكرت حينما عاد وكانت في أستقبالة وفي طريقهم للمنزل وجدوا مجموعه من الأفراد تستهدفهم ، سالته: ماذا يريدون؟ رد قائلا: يريدون عنوان أحد القادة الكبار المجاهدين، تذكرت كيف تمكنوا من الهروب، تذكرت كم كانت تشعر بصراع بداخلها فهي أرادته ذو فكر ومبدأ وحينما اصبح كذلك كاد الخوف يقضي عليها.

تذكرت حينما وجدت هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يطاردوهما في أنتظارها يسألونها اين أخاكي، فلم تجب.

هنا فتحت عينيها مرة أخري أو مرة أخيرة فرأت هؤلاء الأشخاص يبتعدون بعد أن تأكدوا أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة فأزاحت يدها من علي راسها المليئة بالدماء فبدا لها في الأفق بذور الهندباء تتراقص من حولها فشعرت كم أخيها حر كتلك البذور المتراقصة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...