خالد الدامون من نسل مجازه أنجب لغة أخرى

لم أكن يوما سليل تيه
غير أني اليوم أفتش عني..أنا حرف أبجدية قزحي الطيف ،
ضاع من معلمة الصف الاول!
أفتش عني،
يدور في خلدي أني
في مقلمة تلميذ شقي مستلقيا على ظهري
كقلم رصاص يمتص العتمة
قبل أن تمتصه الممحاة ..
أو كأقلام ملونة أنهكتها منجرة حصة التلوين على السراب ..
المنجرة نفسها اعتلى الصدأ شفرتها،
أنهكتها الأزمنة الثقيلة بالصدأ.
أسترق السمع لصوت الطباشير يحتك مع حنق المعلمة، والسبورة تلفظ الغبار الملون!
في وجهي!
أكتم عطسة داخل المقلمة
حين تصرخ المعلمة: من سرق حرف الدرس؟
أنظر إليها من تلك الزاوية المفقودة من مشهدها..
تشك في نفسها..
قدرتها أن تحتفظ على أشيائها الحميمية..
حرف الدرس الأول كان مدسوسا في جيب سري
بين مشد الصدر والنهدين كقطعة ثمينة من ذهب،
كابتسامة الطفولة الأولى
كمجاز مدهش غير مألوف
كيف فقدتني؟!؟
كيف سقطت في يد القرصان؟

2

هل تدري؟
الحياة درس مختلف لما نعتقد..
لذلك أتعلم من الأطفال كثيرا
من أسئلتهم التي لا جواب لها
كيف أفكر وأكتب وأحاول أن أجد الحلول،
لقد فقدت الثقة في الكبار!
أنا حرف من خيال الأطفال
في غفلة عن التلميذ الشقي الذي قد يكون شبيهي
أستيقظ..أنذلق من المقلمة
أقصد قمة جبل
أفتش عن المعلمة التي فقدتني..فقدت حروفا أخرى..
لم أجد غير شجرة عارية
غارقة في ضباب أسود للركب
يطل من جدعها المنخور رأس ثعبان
يتوعدني.. كان يكره الحروف والشعراء
قبل أن يلوح لي
بالضربة القاتلة، كنت اختفيت!

3

في انعطافة النهر مشيت وئيد الخطى
أنتظر الضفاف أن تنهض لتعانقني،
أن تمشي جنبي على قدمين
وتترك النهر حرا في مجراه،
الضفاف بدورها لا تفهمني:
الحياة درس لن تهتم به حتى تصفعك يدك!
يدك التي تعتني بها صباح مساء!

4

الجميل في كل هذا أن الحرف شاعر
كائن مختلف يليق به التيه
تليق به الجراح!
يحتفل بنزفه يوثقه في جداريات بيضاء ككفن
لذلك الحرف / الشاعر لا يخشى الموت،
يحتفل دائما بأحزانه، بخساراته التي تتجدد
كما الشروق والغروب
ينظر إلى أعلى..
يضحك طويلا في وجه النهار والليل، أحيانا يصمت عميقا
كوحي غامض ينتظر لحظة تجلي..
يتجلى كخيط برق في ثنايا أحاسيس السماء المدلهمة بالأسرار!

5

السماء أكثر تناغما في غربتها
أكثر وفاء من الأرض ..
الأرض حظ الحروب
لن تخلد ذكرى أحد غير جنرالات تقاعدوا بعد الأوان
دون أن يطلقوا رصاصة واحدة
في وجه العدو ولا في وجه الفقر..
العدو الوجودي للإنسان !

6

الشاعر مثل الحرف المفقود
لن يفتش عنه أحد غير ظله،
لن يخلد إسمه احد غير جرحه،
غير ذلك النهر الذي تحلم ضفافه
أن تنهض..أن تمشي يوما على قدمين،
يقتفي اثرها نساء الحب أكثر حرصا من معلمة هذا النص
يعشقن الشعر عاريا
مثل لعبة أطفال تحت المطر!

7

فتشت عني طويلا
سألت نورسا يمشي على الرمل
كأن خطواته سيرة الحرف المفقود
لغز الروح الذي يقيم ما بين الحقيقة والوهم،
وكنت كمن يهش عليه بصوتي
حلق بجناحين
صار في الأمداء حرفين
اكتمل ما وراء الآفاق سماء جديدة
ثم في اليوم الموالي اشرق، قال:
ما بيني وبينك
لست أنا!
هل أدركت المعنى؟ قلت لا؟
قال حرفك انت من كان في الخلق شب عن طوق
الأبجدية والأمكنة
اقتفى أثر التيه في المد والجزر
يمشي ساعة التجلي تدركه ساعة المحو،
هل أدركت المعنى؟
قلت لا؟
قال حرفك فيك خصب استولد
من نسل مجازه امرأة
أنجب لغة اخرى.. تركها تعتمر خيالها واختفى!

---‐---------------------

* خالد الدامون

--------------------------------

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...