هجيرة نسرين بن جدو - فرصة لا تعوض

كنت في الخامسة من عمري عندما اصطحبني والدي إلى المدرسة لأول مرة، كان من دواعي سروري أن أكتشف عالما جديدا ليس كعالم رياض الأطفال ولا مثل عالم المنزل ولكنه عالم أكثر جدية.
احببت كثيرا الذهاب إلى المدرسة، ما لم أكن أحبه هو أداء واجباتي المدرسية، لم يكن صديقي "سام" يعجبه القيام بواجباته المدرسية أيضا، بالنسبة له لم يكن الأمر يستحق ذلك، بل أهم شيء لديه هو فهم الدروس. كان "سام" يكبرني بعامين، كان طويلا، قوي البنية، جميلا والأهم من ذلك ذكيًا، كان ينتظرني دائما في حديقة المدرسة لمرافقتي إلى المنزل، و عندما نخرج من المدرسة في منتصف النهار، كنا نسارع للوصول إلى البيت و كان يقول لي دائما: "إذا لم أتناول الطعام على الفور، فسأكون قادرا على إلتهام طفل بأكمله" كنت أنفجر ضاحكة و لكن في أعماقي كنت خائفة أن يلتهمني لصغر حجمي.
أما عند انتهاء الفترة المسائية من الدراسة و نحن في الطريق إلى البيت، كان صديقي دائما يحكي لي قصة قصيرة أتعلم منها الكثير، أخبرني ذات يوم قصة رجل ذهب إلى البحر ليلقي نفسه فيه لكي يموت، لأن سيده أمره بفعل ذلك, سار الرجل متوسلا إلى الله لينقذ حياته... بمجرد وصوله إلى البحر وجد سفينة لكنه رفض الصعود على متنها لأنه لم يكن يعرف وجهتها.
وضع الرجل رأسه تحت الماء و كان يتنفس بصعوبة، يخرجه ثم يدخله مجددا ، مرة ثانية... و ثالثة، رفع رأسه هذه المرة فوجد قارب صيد أمامه، لم يرغب بالهرب على متنه و كانت حجته أنه لا يحب رائحة السمك. استأنف الرجل محاولته هذه المرة و مات. أخذه الصيادون إلى القرية لدفنه، عندما صعدت روحه إلى السماء إلتقى بالملائكة فسألهم: " لماذا لم ينقذ الله حياتي؟" أجابه ملاك:" أرسل لك الله مركبين لينقذك و أنت رفضت، هل تعتقد أنه سيأتي شخصيا ليقوم بذلك؟".
رغم صغر سني، أدركت أنه عندما تأتي السعادة إلينا، يجب أن نمد لها ذراعينا دون إنتظار الغد.

بقلم هجيرة نسرين بن جدو

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...