كان سليل مجتمع الحكايات. مع حليب أمه رضعها. و في مجالس جدته تنفسها. و في عالمه الصغير عاش ليسمع و يتعلم كيف يلتقطها من غير مجهر الأحاسيس و هي تتحول نقوشا تختزن الإشارات. و منارا يهدي السفن إلى المرافئ الآمنة.
ربما لهذا السبب لم يشكل له ضعف بصره عائقا كي يسلك درب الحكايات. فما خزنته جمجمته من القول و الهمس و الإيحاءات المتعالية من دهاليز القصور و صمت المقابر كان كافيا ليشكل له زادا وحافزا كي يعدو خلف الدلالات وهو يلتقط صيحات الجبابرة و اصداءها المترددة في تخوم الزمن، وهم يحولون هواجسهم الى دساتير. و صراخ و توسلات المقهورين حين اندحروا، و لم يطالبوا سوى بنفس لكي يبقيهم احياء .
ينظر حواليه إلى بقايا أصداف توزعت فيها جزئيات رسم يحمل شفرة تبطل مفعول الإبهام و يفشي أسرار الدلالات. يتوقف عند المنعطفات المثبتة في الخرائط المطلسمة و التي تحجب أسرار عالم مخادع. عالم يقع فوق سلطة الحواس. غير أنه في كل مرة ركب فيها صهوة جواد لحكاية، كان يزداد تأكيدا أن فطامه المبكر جعله محدود الطاقة، و أعجز من أن يجاري الحكاية و يصل بها الى نهاية لا تقرها الحياة.
كل حكاياته كانت بلا ختام وتظل مفتوحة. و كل التفاصيل كانت بلا منطق في الغالب، أو لنقل منطق المتحلقين حوله. يلج حينا ممرا بالكثير من الحماس و الإثارة. و بعد أن يتوغل داخله، يصمت فجأة في مفترق مثير. يقف كمن ينظر إلى شئ رهيب لا يراه الآخرون مثيرا بذلك فضول من حوله. و حين يسأل بعد أن يطول صمته، يجيب بكونه عالق في شئ ما هو نفسه يجهل كنهه. و أنه أمام صفحة بيضاء مشعة تخطف الأبصار لا تسمح له بالرؤية. و حين يشرع الناس في الانفضاض من حوله. يعلو صوته فجأة بشدة تثير من حوله. ثم يستأنف الحكي.
يقف ناظرا لذلك الأفق الغامض و يحكي. و يفهم الجميع أن ما يراه يفوق كل قدرة على الوصف. يتحدث بإثارة عن حرب أشد فتكا في التاريخ. حرب تورط فيها الإنس و الجان و الجمادات و كل القوى الخفية. حرب بين أشقاء دارت قبل ميلاد الأرض بأربعين ألف سنة.
يقف الجمهور مشدوها يتابعه فاغرا فاه ، تخلص احدهم فجأة من ذهوله و يصيح فيه: على ماذا كان يمشي الناس؟ أين كانوا يزرعون؟ ماذا كانوا يأكلون؟ أين كانوا يبيتون إن كانوا قد وجدوا قبل ميلاد الأرض؟
ربما هو نفسه لم يسأل نفسه. كان همه البحث عن الغرابة، و ها قد حصل ذلك وهو يحمل حكيا ضد المألوف و المعتاد. فلم ير من قبل قيمة إلا للذي لم يكشف أسراره. فكر للحظات وقال: أنتم مجرد لون. و أنا تجمع لدي كل الألوان. أنا لا أنقل إليكم حكايات الأقدمين، بل أحدثكم عن حكاية و زمن لم يعش بعد. و بشر لا ككل البشر و دائما خلف كل دهشة ساحر.
لم يعاود الحكي ثانية. أصدقاؤه قالوا أن ذخيرته قد نفذت. و لذلك ما عاد بإمكانه أن يحلق في الأعالي. و ربما هو نفسه أدرك أن أجمل حكاية هي تلك التي تعاش و لا تحكى. و لهذا حين نزل الأرض، انغمس في تدمير شئ ما منه. و بين المنزلات كان يرقص. أحيانا يرتقي إلى مصاف الحكماء، و أخرى كان يشرع شرفاته على ما اعتبره الكبار هبلا. و في آخر مرة شوهد قبل اختفائه، كان يقود مظاهرة عارمة معظم افرادها أطفال. كان في حالة من الهذيان وهو يصرخ: نحن الفقراء، نشرب "مانتيكا" انتم الاغنياء، تشربون الويسكي.
حين هدأ فورانه، كان يجلس قبالة الطريق الغربية شاردا و دون أن يتحدث لأحد. و ذات يوم، اختفى في جوفها و لم يظهر.
ربما لهذا السبب لم يشكل له ضعف بصره عائقا كي يسلك درب الحكايات. فما خزنته جمجمته من القول و الهمس و الإيحاءات المتعالية من دهاليز القصور و صمت المقابر كان كافيا ليشكل له زادا وحافزا كي يعدو خلف الدلالات وهو يلتقط صيحات الجبابرة و اصداءها المترددة في تخوم الزمن، وهم يحولون هواجسهم الى دساتير. و صراخ و توسلات المقهورين حين اندحروا، و لم يطالبوا سوى بنفس لكي يبقيهم احياء .
ينظر حواليه إلى بقايا أصداف توزعت فيها جزئيات رسم يحمل شفرة تبطل مفعول الإبهام و يفشي أسرار الدلالات. يتوقف عند المنعطفات المثبتة في الخرائط المطلسمة و التي تحجب أسرار عالم مخادع. عالم يقع فوق سلطة الحواس. غير أنه في كل مرة ركب فيها صهوة جواد لحكاية، كان يزداد تأكيدا أن فطامه المبكر جعله محدود الطاقة، و أعجز من أن يجاري الحكاية و يصل بها الى نهاية لا تقرها الحياة.
كل حكاياته كانت بلا ختام وتظل مفتوحة. و كل التفاصيل كانت بلا منطق في الغالب، أو لنقل منطق المتحلقين حوله. يلج حينا ممرا بالكثير من الحماس و الإثارة. و بعد أن يتوغل داخله، يصمت فجأة في مفترق مثير. يقف كمن ينظر إلى شئ رهيب لا يراه الآخرون مثيرا بذلك فضول من حوله. و حين يسأل بعد أن يطول صمته، يجيب بكونه عالق في شئ ما هو نفسه يجهل كنهه. و أنه أمام صفحة بيضاء مشعة تخطف الأبصار لا تسمح له بالرؤية. و حين يشرع الناس في الانفضاض من حوله. يعلو صوته فجأة بشدة تثير من حوله. ثم يستأنف الحكي.
يقف ناظرا لذلك الأفق الغامض و يحكي. و يفهم الجميع أن ما يراه يفوق كل قدرة على الوصف. يتحدث بإثارة عن حرب أشد فتكا في التاريخ. حرب تورط فيها الإنس و الجان و الجمادات و كل القوى الخفية. حرب بين أشقاء دارت قبل ميلاد الأرض بأربعين ألف سنة.
يقف الجمهور مشدوها يتابعه فاغرا فاه ، تخلص احدهم فجأة من ذهوله و يصيح فيه: على ماذا كان يمشي الناس؟ أين كانوا يزرعون؟ ماذا كانوا يأكلون؟ أين كانوا يبيتون إن كانوا قد وجدوا قبل ميلاد الأرض؟
ربما هو نفسه لم يسأل نفسه. كان همه البحث عن الغرابة، و ها قد حصل ذلك وهو يحمل حكيا ضد المألوف و المعتاد. فلم ير من قبل قيمة إلا للذي لم يكشف أسراره. فكر للحظات وقال: أنتم مجرد لون. و أنا تجمع لدي كل الألوان. أنا لا أنقل إليكم حكايات الأقدمين، بل أحدثكم عن حكاية و زمن لم يعش بعد. و بشر لا ككل البشر و دائما خلف كل دهشة ساحر.
لم يعاود الحكي ثانية. أصدقاؤه قالوا أن ذخيرته قد نفذت. و لذلك ما عاد بإمكانه أن يحلق في الأعالي. و ربما هو نفسه أدرك أن أجمل حكاية هي تلك التي تعاش و لا تحكى. و لهذا حين نزل الأرض، انغمس في تدمير شئ ما منه. و بين المنزلات كان يرقص. أحيانا يرتقي إلى مصاف الحكماء، و أخرى كان يشرع شرفاته على ما اعتبره الكبار هبلا. و في آخر مرة شوهد قبل اختفائه، كان يقود مظاهرة عارمة معظم افرادها أطفال. كان في حالة من الهذيان وهو يصرخ: نحن الفقراء، نشرب "مانتيكا" انتم الاغنياء، تشربون الويسكي.
حين هدأ فورانه، كان يجلس قبالة الطريق الغربية شاردا و دون أن يتحدث لأحد. و ذات يوم، اختفى في جوفها و لم يظهر.