إنَّ المتتبع لدور الفن في المجتمع يأتي من أن كلاهما (الفن والمجتمع) يخضع لعملية اخذ وعطاء بين طرفي المعادلة ، في كون أن الفن يأخذ مادته من المجتمع والمجتمع يرى أفعال أبنائه وما يريد أن يكونوا عليه من خلال ما يقدمه الفنان في أعطاء صورة المجتمع ، وما ينبغي أن يكون عليه ، وهذه الرؤية من قبل الفنان هي ليست رؤية عامة ، بل فيها تباين بين فنان وآخر وحسب الموضوع والأهداف والرؤى والقابلية الأجتماعية التي لابد أن يكون فيها الفنان واع لهذه الرؤية أو تلك ، وحسب أختلاف الطرائق الفنية التي يريد أن يعبر بها ، أو الوسائل التي يريد أن يتخذها في عمله ، أو المادة الفنية التي لابد أن تكون متوافرة تحت يدي الفنان من أجل الوصول الى هدفه في ما يخص المجال الفني ، وهذه العناصر الثلاثة (المادة ، التعبير ، الموضوع ) التي يشير اليها (الدكتور زكريا أبراهيم ) في كتابه (مشكلة الفن) ، والتي تكّون العمل الفني واشتغاله وتأثيره في داخل المجتمع ،وهي قائم على بنيتي الزمان والمكان في المجال الفني وما لهما من تأثير في بنيتي الزمان والمكان الأصليتين في المجتمع .
وفي المقابل فأن المجتمع الذي هو الرافد الرئيس الذي يمد الفنان بموضوعاته ومعطياته في الجمال والقبح من خلال أفعال أبنائه ودلالات هذه الأفعال في تكوين الفعل الفني سواء أكان في اللوحة التشكيلية ،أو الصورة الدرامية ، أو في الأنغام الموسيقية وغيرها ، أضافة الى رافد الخيال والأبداع لدى الفنان الذي يستهدف من خلال أعماله المجتمع من خلال أفراده الذين يتلقون العمل الفني ويعيدون صياغة أفعالهم وعاداتهم وسلوكياتهم نتيجة للأثر الفني فيهم، وكما عبر في ذلك (ارسطو طاليس في كتاب فن الشعر ) كون أن الهدف المعني هو التطهير من خلال الخوف والشفقة في فن التراجيديا ، أو من خلال النقد لبعض السلوكيات من خلل فن المحاكاة لأراذل الناس في الكوميديا .
هذا العلاقة التي تكلمنا عنها يفقهها الدارس للفن ،لكن توجد دراسات أخرى تعنى بهذه العلاقة وهي دراسات يقوم بها علماء السيسيولوجيا وما يريده هؤلاء العلماء من نظرة متفحصة تكشف عن حقيقة تأثير الفن في المجتمع ، أو العكس ، أي أن دراسة السيسيولوجيا للفن تتضمن " في الأساس فحص العلاقات بين الفن من جهة والمجتمع من جهة أخرى (...) يطرح علم الاجتماع سؤالاً جوهرياً : بأي الطرق تؤثر العلاقات والمؤسسات الأجتماعية في ابتكار وتوزيع تذوق الأعمال الفنية ؟ "(1) ، وفي الإجابة عن هذا السؤال ، عمل علماء الاجتماع في البحث عن العلائق الجوهرية التي أوجدها الفنان في عمله من خلال المجتمع الذي يعيش فيه ، والذي يشكل منطلقاً أساسياً في أنتاج المعطى الفني الخاص بالمجتمع هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى البحث في أهم المعطيات الأجتماعية التي تميز بها المجتمع وفرضت على العمل الفني وجودها سواء أكانت هذه المعطيات إيجابية لإبرازها ، أم سلبية لنقدها والبحث عن البديل لها في المجال الفني .
أن الفعل التنظيمي الذي يسعى اليه علماء الاجتماع في دراسة الظواهر العامة في المجتمع ومنها الظواهر الفنية ومظاهرها الإبداعية جاءت على أساس أن النظرية الأجتماعية تعمل من خلال خبرائها لـ" تفسير خبرة ما وفهمها على أساس خبرات وأفكار أخرى عامة عن الحياة . وتأسيساً على ذلك ، يمكن النظر الى بعض الفروق بين التفكير النظري بصيغته اليومية "(2) وما يحتوي في داخل النتاجات التي هي تصوير عملي لهذا التفكير النظري ، وبين أهم ملامح هذه الصورة التي ينتجه لنا الفن والفنان من عمل في تكوين هذا النتاج الفني الذي هو ناتج عن تفكير نظري وخبرة عملية مستخلصة من تراكم صيغ يومية يعيشها الفنان ويدرسها عالم الاجتماع في نتاجات الفن بمختلف صورها .
ومن منطلق آخر يرى علماء الاجتماع أن ليس كل ما يقدم في مجال ما يعد في صورة الفن ، بل إنَّ النتاجات الفنية يجب أن تخضع لمبدأ مهم وهو الإبداع من حيث أن العمل المقدم في صورة فن يحتوى على معايير أبداعية وفنية يمكن دراستها على اعتبارها تدخل في المنظور الفني من حيث جدتها وأصالتها واحتوائها على عناصر فنية من حيث الموضوعات والتعبير والمادة المستخدمة التي تشير الى أن هذا العمل الفني يخضع للقياسات الإبداعية والجمالية ، حتى وأن كانت تقع في مجال النقد وتبيان قبح المجتمع والأنسان معاً . لذا يذهب "علماء الاجتماع الى أنه ليس لأي قطعة خصائص فنية ذاتية . ومن ثم ، يميل علماء الاجتماع الى الاعتقاد أن الطبيعة الفنية لأي عمل فني ليست طبيعة ذاتية ودائمة لتلك القطعة ، بل هي صفة توسم بها من قبل بعض الجماعات المعنية بالشأن الفني ، وهم أفراد المجموعة الأجتماعية الذين تعزز اهتماماتهم عند تعريف تلك القطعة بأنها عمل فني "(3)، وبهذا أن من يؤكد العمل الفني هو الاتي:
الهوامش
وفي المقابل فأن المجتمع الذي هو الرافد الرئيس الذي يمد الفنان بموضوعاته ومعطياته في الجمال والقبح من خلال أفعال أبنائه ودلالات هذه الأفعال في تكوين الفعل الفني سواء أكان في اللوحة التشكيلية ،أو الصورة الدرامية ، أو في الأنغام الموسيقية وغيرها ، أضافة الى رافد الخيال والأبداع لدى الفنان الذي يستهدف من خلال أعماله المجتمع من خلال أفراده الذين يتلقون العمل الفني ويعيدون صياغة أفعالهم وعاداتهم وسلوكياتهم نتيجة للأثر الفني فيهم، وكما عبر في ذلك (ارسطو طاليس في كتاب فن الشعر ) كون أن الهدف المعني هو التطهير من خلال الخوف والشفقة في فن التراجيديا ، أو من خلال النقد لبعض السلوكيات من خلل فن المحاكاة لأراذل الناس في الكوميديا .
هذا العلاقة التي تكلمنا عنها يفقهها الدارس للفن ،لكن توجد دراسات أخرى تعنى بهذه العلاقة وهي دراسات يقوم بها علماء السيسيولوجيا وما يريده هؤلاء العلماء من نظرة متفحصة تكشف عن حقيقة تأثير الفن في المجتمع ، أو العكس ، أي أن دراسة السيسيولوجيا للفن تتضمن " في الأساس فحص العلاقات بين الفن من جهة والمجتمع من جهة أخرى (...) يطرح علم الاجتماع سؤالاً جوهرياً : بأي الطرق تؤثر العلاقات والمؤسسات الأجتماعية في ابتكار وتوزيع تذوق الأعمال الفنية ؟ "(1) ، وفي الإجابة عن هذا السؤال ، عمل علماء الاجتماع في البحث عن العلائق الجوهرية التي أوجدها الفنان في عمله من خلال المجتمع الذي يعيش فيه ، والذي يشكل منطلقاً أساسياً في أنتاج المعطى الفني الخاص بالمجتمع هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى البحث في أهم المعطيات الأجتماعية التي تميز بها المجتمع وفرضت على العمل الفني وجودها سواء أكانت هذه المعطيات إيجابية لإبرازها ، أم سلبية لنقدها والبحث عن البديل لها في المجال الفني .
أن الفعل التنظيمي الذي يسعى اليه علماء الاجتماع في دراسة الظواهر العامة في المجتمع ومنها الظواهر الفنية ومظاهرها الإبداعية جاءت على أساس أن النظرية الأجتماعية تعمل من خلال خبرائها لـ" تفسير خبرة ما وفهمها على أساس خبرات وأفكار أخرى عامة عن الحياة . وتأسيساً على ذلك ، يمكن النظر الى بعض الفروق بين التفكير النظري بصيغته اليومية "(2) وما يحتوي في داخل النتاجات التي هي تصوير عملي لهذا التفكير النظري ، وبين أهم ملامح هذه الصورة التي ينتجه لنا الفن والفنان من عمل في تكوين هذا النتاج الفني الذي هو ناتج عن تفكير نظري وخبرة عملية مستخلصة من تراكم صيغ يومية يعيشها الفنان ويدرسها عالم الاجتماع في نتاجات الفن بمختلف صورها .
ومن منطلق آخر يرى علماء الاجتماع أن ليس كل ما يقدم في مجال ما يعد في صورة الفن ، بل إنَّ النتاجات الفنية يجب أن تخضع لمبدأ مهم وهو الإبداع من حيث أن العمل المقدم في صورة فن يحتوى على معايير أبداعية وفنية يمكن دراستها على اعتبارها تدخل في المنظور الفني من حيث جدتها وأصالتها واحتوائها على عناصر فنية من حيث الموضوعات والتعبير والمادة المستخدمة التي تشير الى أن هذا العمل الفني يخضع للقياسات الإبداعية والجمالية ، حتى وأن كانت تقع في مجال النقد وتبيان قبح المجتمع والأنسان معاً . لذا يذهب "علماء الاجتماع الى أنه ليس لأي قطعة خصائص فنية ذاتية . ومن ثم ، يميل علماء الاجتماع الى الاعتقاد أن الطبيعة الفنية لأي عمل فني ليست طبيعة ذاتية ودائمة لتلك القطعة ، بل هي صفة توسم بها من قبل بعض الجماعات المعنية بالشأن الفني ، وهم أفراد المجموعة الأجتماعية الذين تعزز اهتماماتهم عند تعريف تلك القطعة بأنها عمل فني "(3)، وبهذا أن من يؤكد العمل الفني هو الاتي:
- الجماعة الفنية التي تعطي للعمل الفني تعريفه بأنه قطعة فنية تحتوي على عمل فني يمكن أن يصنف في مجال فني محدد ، مثل المسرح ، أو الخزف ، او اللوحة وغيرها .
- هذه الجماعة الفنية يمكن أن تدرس على أنها جماعة تقع ضمن واقع أجتماعي ولها واقعها وانتماءاتها وأبعادها الاشتغالية من وجهة نظر أجتماعية.
- أن هذه الجماعة في بعدها الأجتماعي وفي مجالها الفني بأماكنها أن تعد حقل للدراسات الاجتماعية من جهة ، واتخاذها مجال في تأكيد انتماء العمل الفني الى الفن ،أو لا ينتمي للفن .
- ما يدرس الفن باعتباره ظاهرة أجتماعية ، وله طرائقه في أنتاج الفعل الفني المرتبط بالمجتمعات الإنسانية .
- ومنها : من يدرس التاريخ الإنساني على أساس ما حفلت به عدة مجالات ومنها الفن .
- وثالثة : ترى أن الفن هو ظاهرة سيسيولوجية لها أبعادها المستقلة عن العديد من الظواهر الاجتماعية إلا ما أرتبط بجانب ما ، وقد يكون هذا الأرتباط بعيد عن الواقع الاجتماعي عامة ، بل هو أرتباط بجماعة فنية خاصة .
الهوامش
- ديفيد إنغليز ، جون هغسون : سوسيولوجيا الفن ، طرق للرؤية ، ترجمة ليلى الموسوي ، ( الكويت : سلسلة عالم المعرفة ، 2007 )، ص41.
- إيان كريب : النظرية الأجتماعية من بارسونز الى هابرماس ، ترجمة : د. محمد حسين غلوم ، ( الكويت : سلسلة عالم المعرفة ، 1999)، ص 28.
- ديفيد إنغليز ، جون هغسون : المصدر نفسه ، ص 32، ص33.