تداولت وسائل الإعلام الغربية و العربية خبر قيام مجموعة من الشعراء العراقيين الشباب، باللجوء إلى وسيلة غريبة و خطيرة في آن واحد من التنديد بالوضع الأمني الذي تشهده الكثير من البلدان العربية وخاصة العراق. الحركة الشعرية التي أقدم عليها هؤلاء الشعراء هي القيام بقراءات شعرية في حقول الألغام، و المقابر الجماعية، بين الدبابات و الآليات العسكرية المحروقة، والمشرحات إلى سيارات الإسعاف والمستشفيات. بهذه الحركة الرمزية استطاع الشعر أن يسلّط الضوء على حياة العراقيين بعد سنوات من الحروب. وعن سؤال الملحق الثقافي لجريدة الأخبار عن دوافع هذه التجربة المثيرة وأهدافها اعتبر الشاعر كاظم خنجر أحد أعضاء المجموعة "أنّ المكان الذي نعيشه فيه حافل بظواهر القتل والخطف والتهجير والمجازر الجماعية و أوبئة الطائفية. إنّه العنف المجاني الذي يحمل معه أسئلة كثيرة، في ظلّ هذه المجانية كيف يمكننا أن نكتب؟ وأيّ الأشكال الكتابية يمكنها أن تعبر عنّا؟ وهل تفي الكتابة حجم هذا الخراب؟ وفق هذه الأسئلة قررنا أن ننقل الكتابة إلى الميدان إلى الاستعمال، أن نحارب بها ونكوّن عبرها منهجا يتناسق مع ما نمرّ به، فجاءت حقول الألغام بوصفها استفهاما وجوديا يرافق مخيالنا، فربع ألغام العالم هي في العراق سرقت الكثير من أعضائنا وأعضاء أصدقائنا، لهذا كانت التجربة بمثابة تحدٍّ للجسد بالدرجة الأولى، وإقرار بيومية الموت الذي نمرّ به في هذه البقعة الجغرافية، فالكتابة عن الموت ما عادت وافية دون إدراكه.
أمّا ما يخص المقابر العامة أو الجماعية الاضطرارية التي عملنا على القراءة فيها، شكّلت مُنعطفا محوريا في علاقتنا مع الشعر إذ لا ندري من يعلّل وجود من؟ في المقابر هناك صمت عالي اللهجة. هناك موتى وموت حقيقي، فنحن عبر هذا نحاول تأكيد القيم التي تُعلي من شأن الإنسان وكينونته الجسدية، فكان معيار الحياة لدينا هو الموت المتجسّد عبر القبور، أي بمعنى أنّ المقبرة كانت بمثابة فهرس للعراقيين الذين التهمهم القتل اليومي، وبالتالي نحن ذهبنا لنؤكد بأنّ في العراق الآن، لا فرق أن تقرأ الشعر في مكان عام أو في مقبرة لأنّ الكل ميّت.
عبر السيارات الملغومة اختلفت العلاقة أخذ الشعر معنى آخر للاستعمال، إذ كلّ شاعر له تجربة خاصّة وفكرة مادية مع بقايا هذه الكتل المعدنية. فهناك تعامل وتدريب يومي على هذا المشهد، فعندما تبدأ بأداء فعلك الشعري يتحوّل من المعنى إلى الانتقام، لهذا ترى بأنّنا قمنا بالدخول في هذه الكتل والقفز عليها كلٌ بحسب حقده وتجربته مع هذه السيارات ذات الأمر مع سيارات الأسعاف".أمّا أحمد ضياء فيبرز" أنّ المسؤولية الشعرية التي نحن ازاء انتاجها جعلت من منتجنا واحد من المفارقات التي إنّما تدلّ على أزمة وهجمة شرسة تجتاح مكوّناتنا، كما أنّها تعبر عن محلّيتنا بالدرجة الأساس. في الخطوة الشعرية الأولى (المقبرة) جعلنا الموتى أمام لحظة غير معتادين عليها، إذ ألقينا على مسامعهم شعراً، وبدورهم أصغوا إلى جميع ما أُلْقي دون أيّ ضجيج يذكر. في مرحلتنا الشعرية الثانية جاءت (السيارات المفخخة) وتشكّل هذه السيارات البلاء الأعظم بالنسبة لقتلانا، كونها تعتمد القتل العشوائي، فهي لا تفرّق بين امرأة أو رجل أو طفل أو مسنّ. السيارات المفخخة حصدت أملنا وأطفالنا، فلعلّ بعض المواقف لم يستطع أن يفارقها الذهن، وأذكر منها أنّ سيارة سارت عبر أزقة لكي تصل إلى من في السوق لتسلبهم حياتهم. إنّ غضبنا من الموت والواقع دفعنا ان نغامر بذواتنا". لفرادة هذه التجربة الدالة على حيوية الشعر وانخراطه في ما هو آني، و في ما يعتبر الحاجز الأخير ضدّ الخراب و الدمار الذي يعيشه أكثر من بلد عربيّ، ولا يمكن للشعر أن يبقى صامتا حيال الفظاعات المرتكبة في حقّ الإنسان.
إرهابي
كاظم خنجر
عندما يفتشك الشرطي، وأنت تدخل السوق، يُشعرك بأنك إرهابي. عندما تعبر بعينيك الأسلاك الشائكة التي تفصل بيتك والشارع، تعبرها كإرهابي. وكلما سرت بالقرب من الكتل الكونكريتية المؤدية إلى دائرتك، تسير إرهابياً. كلما سلّمت الايجار إلى صاحب المنزل تسلّمه منك بصفتك إرهابياً. ولحظة تشاهد التلفاز، أنت وأطفالك، ترى إرهابك في أفواه الآخرين. وعندما تزور أخاك في السجن يتحقق الحراس من الكومبيوتر على أن إسمك ليس مدرجاً في قائمة المطلوبين وأنك لست إرهابياً. وبينما تركن دراجتك النارية على الرصيف، يعتقد أصحاب المحال أن دراجتكَ ملغومة وأنكَ إرهابي. وأنت تذهب مع زوجتك إلى طبيب الكسور، يُبقيك خارج العيادة وحيدا مثل إرهابي.
بإرهاب تشتري قنينة ويسكي، زاحفاً على مسامير عيونهم... كإرهابي.
وأنا أبلع قرص الإرهاب في الصباح وفي الظهيرة وفي الليل بعد الطعام وفي انتظامٍ يومي، كما أراد الصيدلاني.
نصوص الموت
مازن المعموري
(1) مفخخات
فوق الكتابة على جدار اليد الممسوسة بالتوجس
فوق صخرة اليد المعتادة على الاقتراب من ثقب الهواء الممتد.
اليد تتكلم على الجدران
اليد فكرة الانفجار المنثور في الشارع.
***
بحر آخر للقاء الأسماك في الباص اليومي
ماتحمله تراتيل العجائز
يقدم لنا سلسلة متواصلة من القناعات بالحجاب الفاصل بين ما اعيشه اليوم وما سأراه قريبا عند دكّة الغياب.
أسير مع الطائر الوحيد
وفي يدي تفاحة مقلمة بخطوط الغابات العنيدة وبروز أظلافي.
في الغيوم
أرى تشقق أصابعي عند منعطف المرآة
لكنني لا أرى غير جانب وحيد من شخص يسيل على براز المائدة الأخيرة لروح الشاعر.
قَرَفٌ
علي تاج الدين
يشمئزّ الموتُ من لحيةِ القبيلةِ حينَ تمشّطُ الشوارعَ بنعاسِ الصحراءِ التي تمشي متبخترةً في أدمغةٍ تصافحُ الحجارةَ وتضمُّ الرمالَ الى صدرها المتعفّنِ من التفكير بدرجة الصفرِ من الذكاءِ الذي يلطمُ على صدرِ (بارت)وهو يعتزلُ الماديّةَ ليلتحقَ بأقربِ موكبٍ يتراقصُ على القبحِ بينَ البصقِ على المدينةِ والتلهّفِ للسلفِ الذي يدوّرُ عن دينِ أبينا (داروينَ) المصنوعِ من ضلعِ الخطيئةِ الساكرةِ مع وديانَ تتسلقُ قعرَ جبلِ الغباء في دوحة الصمتِ بين أفكاكِ الاغتصابِ الشرعيِّ ونسائم ِالعشقِ العذريِّ الكافرِ بكلِّ مقدساتِ السرابِ حيثُ تلوحُ في أفقِ الأنهارِ أسماكٌ بلا أفواهٍ تتلظى من شحّةِ الآذانِ المتقرفصةِ على حافة ِ طريق التحريرِ المؤدي الى المنتهى الموءودةِ بمنهجِ الشكِّ الحاملِ حداثة العقلِ على أكتافِ جهل البطرياركيّةِ وآياتُ الله تتبخترُ في الروح ِ الممسوسةِ بشياطين الريف.
جروٌ يترنّحُ في نصفِ البُطْلِ وهو يلحسُ التربةَ المتدحرجةَ من منهجِ (لانسون) حتى ضفاف ِ العتبةِ المقدسةِ بفضلِ كهنوتِ سادةِ حزقيالَ المسلوبِ بعدَ السقوط.
سمفونياتُ الولاداتِ تطقُّ أصابعَ عهرِها كلَّ خميسٍ تحتَ خيمةِ مشايعةِ الإمامِ الممحوقِ من قِبَلِ محبّيهِ في وديانِ الجنوبِ الذي طلّقَ سومرَ منذُ أن خانَهُ العقلُ الزمزميُّ ليتضاجعَ مع شعابِ ترابِ الكتبِ ويتركَ الانفتاحَ المتواشجَ مع مدنِ الحريةِ اليوتوبية.
تتوضّأ ُخمرتُكَ بفمِ الشهرِ الفضيلِ في مسجدِ الجوعِ وهو يخلعُ عقالَهُ من رقصةِ الهجعِ حينَ ترفعُ الكأسَ الأخيرَ قبيلَ أذانِ الفجرِ الذي يرمي الأجسادَ بحجاراتِ المرضِ المقرونِ بسمفونيةِ العطشِ المقدسِ ضمنَ عائلة ِ ماركس المحبوسِ بـ(فلسفتنا) الفارغةِ بعدَ تهافتِ مائدة الفاطرينَ على جياعِ الأفارقةِ المنتصبينَ على خلفياتِ الطعامِ الخالعِ ملابسه في حلمِهم أثناء عيدِ فطرِ المترنحينَ بجنانِ اللهِ المشمئزّةِ من الإسلاموكذّابينَ.
قلمٌ يدخلُ بفمِ الكذبِ ليقطَّ حقيقتَهُ ويرميها في زبالةِ الفكرِ ثمَّ يلطمُ على ماضيهِ المدعوسِ بعدّةِ عمائمَ تركضُ على حافةِ جحيمِ التقليدِ الرامي التمرّدَ الكامويَّ في حِجرِ بوسيدونَ وهو يمصمصُ صاعقةَ زيوس كشفرةٍ تلملمُ قطعَ العقائدِ التي تشقُّ العلمَ الى أربعةِ أجزاء كعالمِ ما بعدَ الكساندر فنعيشُ أوصالاً تطلبُ اللجوءَ الذي يشتهي سمكَ (الهاويةِ) من بطونِ التراويحِ الممزوجةِ بزناجيلَ تزعمُ أنها خليفةُ اللهِ الباقي في أرضٍ ترضعُ نفطَها وتسكرُ على صوتِ الأراملِ الناقصة!!!
برامسيومٌ يقفزُ فوقَ عقائدِ توحيدٍ تبرّأَ اللهُ منها منذُ سجودِ المقيّدينَ بغيابِ الحريّةِ وتمرّدِ الحرِّ الذي لم يمتهُ (أيلُ) كي يريحَ العبادَ يوماً من ظلمِهِ لنا بحجةِ الامتحانِ حيثُ ترسبُ كلُّ الدفعاتِ والدوراتِ الدمويةِ وتسكنُ قصورَ الأرضِ المدحوسةِ في كونٍ لا يمتُّ للدورِ الثاني بأدنى سلسلةٍ تحاولُ إيجادَ النجاحِ الموبوءِ بالخرافةِ الماسحةِ جاماتِ الفروس.
اللغة تثقبُ الرجل
حسن تحسين
اسحبْ المقصلةَ من يدها
فللخشبةِ روحٌ تنفد
الخشبةُ خوفٌ يرتعش
السجّانُ قلبُ السجين
السجينُ زفيرُ المقصلة
الرقبةُ تتزحلقُ على رئةِ الدمعة
ـ قضيبي أقوى منكم ....!
الخشبةُ رجل
الرجلُ جمع مذكّر رماد
الرماد صدر الرقبة....!
ـــ قضيبي أقوى منكم...!
رأسُ القاضي عمامةُ المؤخرّة
المؤخرّةُ مجذافٌ أعوج
الخشبةُ تلتهمُ الدمَ...!
ـــــــ قضيبي أقوى منكم...!
ظِلّ النخلةِ شيخوختِها
أيّتها الجنة
لسانكِ بحاجةٍ إلى الديتول...!!!
صورة ٌ بنابٍ واحدٍ
علي ذرب
تنثرُ لحمكَ على الطريقِ
كلّما عادت عظامكَ مثل
كلابٍ جائعةٍ
فمكَ، تلويحةٌ مضغوطةٌ بين ساقينِ
ولأنّ الحالمُ التفتَ إلى رأسهِ مذعورا
أصبحت أطرافُ النومِ مشنقةً
وأنت تسحلُ قلبي من ضفيرتهِ
دع لسانكَ يمضي في العينينِ الفارغتين
كادت الغفلةُ أن ترمي أصابعها
لولا، تحوّلُ هذا القلب إلى
غرفةٍ.
نص
وسام علي
1
أنفاسي المشعّة تلوّث رئة السيكارة .
الشظية العالقة في فكّي السفلي
تذبح السمكة للمرة الثانية
حين تحاول التنفس في بركة الدم المتخثر في زردومي .
بعد الانفجار الأخير
اختلف حجم قدماي
أسير بعكازة من أضلع أطفال المدرسة المجاورة .
كنت أنا
كنت أنا
كنت أنا حين نام فرانك "آخ" شتاين على آلة الاستنساخ
مغطّى بحبر سرّي
ارتجف وسط الغرفة .
2
عيناي فمان يأكلان الحطام .
أصابعي أنوف الدخان .
أنا قدم هاربة من سيارة الاسعاف .
3
الجندي يزعق فوق سيارة الاسعاف .
المصاب بالمفخخة يحمل الإطار الاول .
المصاب بالعبوة يحمل الإطار الثاني .
المصاب بالكاتم يحمل الإطار الثالث .
أخي المشلول يحمل الإطار الرابع .
أنا أمضي بهم وسط السوق .
زاوية ميتة في عيني
أحمد جبور
أصابع رصاص عشوائي يلتهم جسدا آخر
يومٌ مجاني يتنفس فوق رحم مثقوب
سيارة الاسعاف مطربة الحي
الجثث المرمية لا تطرب أرصفة الله
اغتيالات
كاتم صوت يثقب زاوية ميتة في عيني
السيارات المفخخة طبشور يفضّ تشوهات السماء
نضع المجازرعلى الطاولة
حديثنا عند العشاء
قطع الرؤوس
دردشة بعد منتصف الليل على فيسبوك.
عطب
أحمد ضياء
بلوزةُ الانفجارِ ألبستني خفّيها
منظارُ عفنها يتدحرجُ لحماً
نتنٌ لهبُ الشظيةِ وهو يدحسُ منخرية عنوةً في جسدي
أحشو عيني المزدانةَ والملطخةَ بكبرياء الفجيعةِ
أعطي المخضبين مشيب الإسعافِ
إذ تحملُ بردفيها أجسادكم المبللة
تولدُ الحروبُ أجنّةً
لكنها سرعانَ ما تصبحُ ذاتَ مواهبٍ
يرتادها الجائعون
موجَعٌ بدنُ الحريقِ
للصرخةِ حرفتُها ساعةَ الركضِ
لا أجدُ من يدفنُ أشلائي المتراكمةَ رائحتُها
فوق أسلاكِ الكهرباءِ
واصفاً قهقهةَ صفارةِ أهدابي المتجمدةِ بفحش الركام
سأجوبُ بدموعي أنهار الدمِ
المتناثرةَ والمغسولةَ بنياشين أضراسي
كونها تعضُّ عباءةَ الشارع.
كاظم خنجر و احمد جبور و حسن الحمراني و علي تاج الدين و وسام علي و مازن المعموري و محمد كريم و Ali Thareb
أمّا ما يخص المقابر العامة أو الجماعية الاضطرارية التي عملنا على القراءة فيها، شكّلت مُنعطفا محوريا في علاقتنا مع الشعر إذ لا ندري من يعلّل وجود من؟ في المقابر هناك صمت عالي اللهجة. هناك موتى وموت حقيقي، فنحن عبر هذا نحاول تأكيد القيم التي تُعلي من شأن الإنسان وكينونته الجسدية، فكان معيار الحياة لدينا هو الموت المتجسّد عبر القبور، أي بمعنى أنّ المقبرة كانت بمثابة فهرس للعراقيين الذين التهمهم القتل اليومي، وبالتالي نحن ذهبنا لنؤكد بأنّ في العراق الآن، لا فرق أن تقرأ الشعر في مكان عام أو في مقبرة لأنّ الكل ميّت.
عبر السيارات الملغومة اختلفت العلاقة أخذ الشعر معنى آخر للاستعمال، إذ كلّ شاعر له تجربة خاصّة وفكرة مادية مع بقايا هذه الكتل المعدنية. فهناك تعامل وتدريب يومي على هذا المشهد، فعندما تبدأ بأداء فعلك الشعري يتحوّل من المعنى إلى الانتقام، لهذا ترى بأنّنا قمنا بالدخول في هذه الكتل والقفز عليها كلٌ بحسب حقده وتجربته مع هذه السيارات ذات الأمر مع سيارات الأسعاف".أمّا أحمد ضياء فيبرز" أنّ المسؤولية الشعرية التي نحن ازاء انتاجها جعلت من منتجنا واحد من المفارقات التي إنّما تدلّ على أزمة وهجمة شرسة تجتاح مكوّناتنا، كما أنّها تعبر عن محلّيتنا بالدرجة الأساس. في الخطوة الشعرية الأولى (المقبرة) جعلنا الموتى أمام لحظة غير معتادين عليها، إذ ألقينا على مسامعهم شعراً، وبدورهم أصغوا إلى جميع ما أُلْقي دون أيّ ضجيج يذكر. في مرحلتنا الشعرية الثانية جاءت (السيارات المفخخة) وتشكّل هذه السيارات البلاء الأعظم بالنسبة لقتلانا، كونها تعتمد القتل العشوائي، فهي لا تفرّق بين امرأة أو رجل أو طفل أو مسنّ. السيارات المفخخة حصدت أملنا وأطفالنا، فلعلّ بعض المواقف لم يستطع أن يفارقها الذهن، وأذكر منها أنّ سيارة سارت عبر أزقة لكي تصل إلى من في السوق لتسلبهم حياتهم. إنّ غضبنا من الموت والواقع دفعنا ان نغامر بذواتنا". لفرادة هذه التجربة الدالة على حيوية الشعر وانخراطه في ما هو آني، و في ما يعتبر الحاجز الأخير ضدّ الخراب و الدمار الذي يعيشه أكثر من بلد عربيّ، ولا يمكن للشعر أن يبقى صامتا حيال الفظاعات المرتكبة في حقّ الإنسان.
إرهابي
كاظم خنجر
عندما يفتشك الشرطي، وأنت تدخل السوق، يُشعرك بأنك إرهابي. عندما تعبر بعينيك الأسلاك الشائكة التي تفصل بيتك والشارع، تعبرها كإرهابي. وكلما سرت بالقرب من الكتل الكونكريتية المؤدية إلى دائرتك، تسير إرهابياً. كلما سلّمت الايجار إلى صاحب المنزل تسلّمه منك بصفتك إرهابياً. ولحظة تشاهد التلفاز، أنت وأطفالك، ترى إرهابك في أفواه الآخرين. وعندما تزور أخاك في السجن يتحقق الحراس من الكومبيوتر على أن إسمك ليس مدرجاً في قائمة المطلوبين وأنك لست إرهابياً. وبينما تركن دراجتك النارية على الرصيف، يعتقد أصحاب المحال أن دراجتكَ ملغومة وأنكَ إرهابي. وأنت تذهب مع زوجتك إلى طبيب الكسور، يُبقيك خارج العيادة وحيدا مثل إرهابي.
بإرهاب تشتري قنينة ويسكي، زاحفاً على مسامير عيونهم... كإرهابي.
وأنا أبلع قرص الإرهاب في الصباح وفي الظهيرة وفي الليل بعد الطعام وفي انتظامٍ يومي، كما أراد الصيدلاني.
نصوص الموت
مازن المعموري
(1) مفخخات
فوق الكتابة على جدار اليد الممسوسة بالتوجس
فوق صخرة اليد المعتادة على الاقتراب من ثقب الهواء الممتد.
اليد تتكلم على الجدران
اليد فكرة الانفجار المنثور في الشارع.
***
بحر آخر للقاء الأسماك في الباص اليومي
ماتحمله تراتيل العجائز
يقدم لنا سلسلة متواصلة من القناعات بالحجاب الفاصل بين ما اعيشه اليوم وما سأراه قريبا عند دكّة الغياب.
أسير مع الطائر الوحيد
وفي يدي تفاحة مقلمة بخطوط الغابات العنيدة وبروز أظلافي.
في الغيوم
أرى تشقق أصابعي عند منعطف المرآة
لكنني لا أرى غير جانب وحيد من شخص يسيل على براز المائدة الأخيرة لروح الشاعر.
قَرَفٌ
علي تاج الدين
يشمئزّ الموتُ من لحيةِ القبيلةِ حينَ تمشّطُ الشوارعَ بنعاسِ الصحراءِ التي تمشي متبخترةً في أدمغةٍ تصافحُ الحجارةَ وتضمُّ الرمالَ الى صدرها المتعفّنِ من التفكير بدرجة الصفرِ من الذكاءِ الذي يلطمُ على صدرِ (بارت)وهو يعتزلُ الماديّةَ ليلتحقَ بأقربِ موكبٍ يتراقصُ على القبحِ بينَ البصقِ على المدينةِ والتلهّفِ للسلفِ الذي يدوّرُ عن دينِ أبينا (داروينَ) المصنوعِ من ضلعِ الخطيئةِ الساكرةِ مع وديانَ تتسلقُ قعرَ جبلِ الغباء في دوحة الصمتِ بين أفكاكِ الاغتصابِ الشرعيِّ ونسائم ِالعشقِ العذريِّ الكافرِ بكلِّ مقدساتِ السرابِ حيثُ تلوحُ في أفقِ الأنهارِ أسماكٌ بلا أفواهٍ تتلظى من شحّةِ الآذانِ المتقرفصةِ على حافة ِ طريق التحريرِ المؤدي الى المنتهى الموءودةِ بمنهجِ الشكِّ الحاملِ حداثة العقلِ على أكتافِ جهل البطرياركيّةِ وآياتُ الله تتبخترُ في الروح ِ الممسوسةِ بشياطين الريف.
جروٌ يترنّحُ في نصفِ البُطْلِ وهو يلحسُ التربةَ المتدحرجةَ من منهجِ (لانسون) حتى ضفاف ِ العتبةِ المقدسةِ بفضلِ كهنوتِ سادةِ حزقيالَ المسلوبِ بعدَ السقوط.
سمفونياتُ الولاداتِ تطقُّ أصابعَ عهرِها كلَّ خميسٍ تحتَ خيمةِ مشايعةِ الإمامِ الممحوقِ من قِبَلِ محبّيهِ في وديانِ الجنوبِ الذي طلّقَ سومرَ منذُ أن خانَهُ العقلُ الزمزميُّ ليتضاجعَ مع شعابِ ترابِ الكتبِ ويتركَ الانفتاحَ المتواشجَ مع مدنِ الحريةِ اليوتوبية.
تتوضّأ ُخمرتُكَ بفمِ الشهرِ الفضيلِ في مسجدِ الجوعِ وهو يخلعُ عقالَهُ من رقصةِ الهجعِ حينَ ترفعُ الكأسَ الأخيرَ قبيلَ أذانِ الفجرِ الذي يرمي الأجسادَ بحجاراتِ المرضِ المقرونِ بسمفونيةِ العطشِ المقدسِ ضمنَ عائلة ِ ماركس المحبوسِ بـ(فلسفتنا) الفارغةِ بعدَ تهافتِ مائدة الفاطرينَ على جياعِ الأفارقةِ المنتصبينَ على خلفياتِ الطعامِ الخالعِ ملابسه في حلمِهم أثناء عيدِ فطرِ المترنحينَ بجنانِ اللهِ المشمئزّةِ من الإسلاموكذّابينَ.
قلمٌ يدخلُ بفمِ الكذبِ ليقطَّ حقيقتَهُ ويرميها في زبالةِ الفكرِ ثمَّ يلطمُ على ماضيهِ المدعوسِ بعدّةِ عمائمَ تركضُ على حافةِ جحيمِ التقليدِ الرامي التمرّدَ الكامويَّ في حِجرِ بوسيدونَ وهو يمصمصُ صاعقةَ زيوس كشفرةٍ تلملمُ قطعَ العقائدِ التي تشقُّ العلمَ الى أربعةِ أجزاء كعالمِ ما بعدَ الكساندر فنعيشُ أوصالاً تطلبُ اللجوءَ الذي يشتهي سمكَ (الهاويةِ) من بطونِ التراويحِ الممزوجةِ بزناجيلَ تزعمُ أنها خليفةُ اللهِ الباقي في أرضٍ ترضعُ نفطَها وتسكرُ على صوتِ الأراملِ الناقصة!!!
برامسيومٌ يقفزُ فوقَ عقائدِ توحيدٍ تبرّأَ اللهُ منها منذُ سجودِ المقيّدينَ بغيابِ الحريّةِ وتمرّدِ الحرِّ الذي لم يمتهُ (أيلُ) كي يريحَ العبادَ يوماً من ظلمِهِ لنا بحجةِ الامتحانِ حيثُ ترسبُ كلُّ الدفعاتِ والدوراتِ الدمويةِ وتسكنُ قصورَ الأرضِ المدحوسةِ في كونٍ لا يمتُّ للدورِ الثاني بأدنى سلسلةٍ تحاولُ إيجادَ النجاحِ الموبوءِ بالخرافةِ الماسحةِ جاماتِ الفروس.
اللغة تثقبُ الرجل
حسن تحسين
اسحبْ المقصلةَ من يدها
فللخشبةِ روحٌ تنفد
الخشبةُ خوفٌ يرتعش
السجّانُ قلبُ السجين
السجينُ زفيرُ المقصلة
الرقبةُ تتزحلقُ على رئةِ الدمعة
ـ قضيبي أقوى منكم ....!
الخشبةُ رجل
الرجلُ جمع مذكّر رماد
الرماد صدر الرقبة....!
ـــ قضيبي أقوى منكم...!
رأسُ القاضي عمامةُ المؤخرّة
المؤخرّةُ مجذافٌ أعوج
الخشبةُ تلتهمُ الدمَ...!
ـــــــ قضيبي أقوى منكم...!
ظِلّ النخلةِ شيخوختِها
أيّتها الجنة
لسانكِ بحاجةٍ إلى الديتول...!!!
صورة ٌ بنابٍ واحدٍ
علي ذرب
تنثرُ لحمكَ على الطريقِ
كلّما عادت عظامكَ مثل
كلابٍ جائعةٍ
فمكَ، تلويحةٌ مضغوطةٌ بين ساقينِ
ولأنّ الحالمُ التفتَ إلى رأسهِ مذعورا
أصبحت أطرافُ النومِ مشنقةً
وأنت تسحلُ قلبي من ضفيرتهِ
دع لسانكَ يمضي في العينينِ الفارغتين
كادت الغفلةُ أن ترمي أصابعها
لولا، تحوّلُ هذا القلب إلى
غرفةٍ.
نص
وسام علي
1
أنفاسي المشعّة تلوّث رئة السيكارة .
الشظية العالقة في فكّي السفلي
تذبح السمكة للمرة الثانية
حين تحاول التنفس في بركة الدم المتخثر في زردومي .
بعد الانفجار الأخير
اختلف حجم قدماي
أسير بعكازة من أضلع أطفال المدرسة المجاورة .
كنت أنا
كنت أنا
كنت أنا حين نام فرانك "آخ" شتاين على آلة الاستنساخ
مغطّى بحبر سرّي
ارتجف وسط الغرفة .
2
عيناي فمان يأكلان الحطام .
أصابعي أنوف الدخان .
أنا قدم هاربة من سيارة الاسعاف .
3
الجندي يزعق فوق سيارة الاسعاف .
المصاب بالمفخخة يحمل الإطار الاول .
المصاب بالعبوة يحمل الإطار الثاني .
المصاب بالكاتم يحمل الإطار الثالث .
أخي المشلول يحمل الإطار الرابع .
أنا أمضي بهم وسط السوق .
زاوية ميتة في عيني
أحمد جبور
أصابع رصاص عشوائي يلتهم جسدا آخر
يومٌ مجاني يتنفس فوق رحم مثقوب
سيارة الاسعاف مطربة الحي
الجثث المرمية لا تطرب أرصفة الله
اغتيالات
كاتم صوت يثقب زاوية ميتة في عيني
السيارات المفخخة طبشور يفضّ تشوهات السماء
نضع المجازرعلى الطاولة
حديثنا عند العشاء
قطع الرؤوس
دردشة بعد منتصف الليل على فيسبوك.
عطب
أحمد ضياء
بلوزةُ الانفجارِ ألبستني خفّيها
منظارُ عفنها يتدحرجُ لحماً
نتنٌ لهبُ الشظيةِ وهو يدحسُ منخرية عنوةً في جسدي
أحشو عيني المزدانةَ والملطخةَ بكبرياء الفجيعةِ
أعطي المخضبين مشيب الإسعافِ
إذ تحملُ بردفيها أجسادكم المبللة
تولدُ الحروبُ أجنّةً
لكنها سرعانَ ما تصبحُ ذاتَ مواهبٍ
يرتادها الجائعون
موجَعٌ بدنُ الحريقِ
للصرخةِ حرفتُها ساعةَ الركضِ
لا أجدُ من يدفنُ أشلائي المتراكمةَ رائحتُها
فوق أسلاكِ الكهرباءِ
واصفاً قهقهةَ صفارةِ أهدابي المتجمدةِ بفحش الركام
سأجوبُ بدموعي أنهار الدمِ
المتناثرةَ والمغسولةَ بنياشين أضراسي
كونها تعضُّ عباءةَ الشارع.
كاظم خنجر و احمد جبور و حسن الحمراني و علي تاج الدين و وسام علي و مازن المعموري و محمد كريم و Ali Thareb